تجربة سلفى منشق

خالد منتصر في الأربعاء ١٤ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

تجربة سلفى انشق عن السلفيين، ثم اتجه إلى الإخوان، وبعدها خرج عن الإخوان ليستقر على شاطئ التأمل والمعرفة وحرية الفكر والإيمان بأن العقل هو طوق النجاة، وأن التبعية هى أول مسمار يدق فى نعش الاجتهاد،

 هذه التجربة جديرة بالتأمل والقراءة لما لها من دلالات، لذلك قرأت باهتمام وشغف تفاصيل هذه التجربة للمهندس رضا الباز فى كتابه «لماذا تخلف المسلمون؟.. من واقع تجربتى مع جماعات التبعية»، وجدتها تجربة ثرية، ووجدته كتاباً يستحق العرض.

ملخص تجربة رضا الباز مكتوبة فى آخر صفحات الكتاب، يقول الباز: «جماعات دخلت فيها باحثاً عن الهداية، فخرجت منها لأستمر فى البحث، جماعات قوية فى التنظيم، ضعيفة فى التفكير، وعلامات ضعفها السرية والتجهيل وتصيد الأخطاء والبحث فى الأشخاص دون الموضوع والدخول فى النوايا واهتمامها، جماعات تحمل أسباب زوالها فى طياتها كما زالت جماعات كثيرة قبلها، ولكن بعد أن تحدث إصابات فى المجتمع.. سوف تتم سرقة الثورة تحت اسم الديمقراطية».

يطالب المؤلف إنقاذاً للثورة بثورة أخرى، لكنها ثورة فكرية، حاولها المؤلف على المستوى الشخصى، حين تجرأ وطرح الأسئلة المسكوت عنها، فطرد من جنة السلفيين، ثم من فردوس الإخوان، ففكر التبعية لا يحتمل الفكر النقدى الإبداعى، من أهم الأسئلة التى طرحها المؤلف سؤال الناسخ والمنسوخ، وسؤال عرض الأحاديث على القرآن، وعلاقة المسلم بالآخر، وهل القرآن يحتاج إلى وسطاء ومحتكرى تفسير؟...إلخ، هذه الأسئلة طرحها مفكرون إسلاميون من قبل، لكنها تكتسب أهميتها وتفردها هذه المرة من كون كاتبها يكتب تجربة معجونة بخميرة الانخراط السابق فى هذه التنظيمات، التى تعرف على كواليسها وسراديبها الفكرية والثقافية.

الثورة الفكرية التى يطالب بها مؤلف الكتاب هى إعادة النظر فى قضية «الناسخ والمنسوخ»، ويقول: إن التوسع فى هذه القضية هو أكبر جريمة ارتكبت فى حق القرآن، فلا يمكن إهدار ما يقرب من ثلاثمائة آية، من ضمنها أكثر من مائة آية خاصة بحرية الاعتقاد وحسن معاملة غير المسلمين لصالح آية السيف،

 وهى «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم»، فلا نستمع لآيات مثل «قولوا للناس حسناً» و«لا إكراه فى الدين» و«قل لست عليكم بوكيل» و«وما أنا عليكم بحفيظ»، وغيرها من الآيات التى صادرها العقل واللاوعى المتشدد لصالح مكاسب سياسية مؤقتة، ونستمع بدلا منها للهجة وعيد ونذير واستعلاء وكراهية.

السؤال الثانى الذى طرحه مؤلف الكتاب هو: لماذا لا نعرض الأحاديث على القرآن؟ ولماذا رفعنا بعض الرواة إلى مرتبة الأنبياء المعصومين وقدسنا الأشخاص؟ عرض المؤلف بعض الأحاديث التى يراها من وجهة نظره مناقضة للعلم أو مسيئة للرسول، ويطالب بأن تحدث مراجعة وتنقية بالرجوع إلى المصدر الإلهى وهو القرآن.

الكتاب أفكاره ثرية لكنه يحتاج إلى طبعة ثانية تضاف إليها أمثلة كثيرة للتوضيح والتفصيل، فهناك بعض الأفكار يكتبها المؤلف وهو يراهن على أن القارئ سيكمل الخط حتى نهايته ويفهمها، هذا الرهان فى الوقت الحالى رهان خاسر، فلابد من أن يصبر الكاتب على القارئ ويوضح له أكثر، فالقارئ ليس بالضرورة من حلف الكاتب الفكرى، بل على العكس هو فى معظم الأحيان من المعسكر المضاد، وعليه أن يعى ذلك وهو يراجع الطبعة ويضرب أمثلة كثيرة.

الكتاب حجر فى البحيرة الراكدة واستعادة لوجه الإسلام الحقيقى، الذى تاهت ملامحه خلف ضباب تيارات الإسلام السياسى.

اجمالي القراءات 11052