عقلانية الخليجيين ورعونة الأردنيين

د. شاكر النابلسي في الأحد ٠٤ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

يبدو أن مسألة انضمام الأردن إلى "مجلس التعاون الخليجي"، قد (فرطت). واكتشف الخليجيون بأنهم تسرَّعوا في دعوتهم لضم الأردن إلى "مجلس التعاون الخليجي". و(هبقوا) (بمعنى الإلحاح الممزوج بالخوف والتسرِّع) (هبقاناً) كبيراً، وارتعبوا رعباً مخيفاً، من صوت طلقات الرصاص والصيحات الثورية الشعبية التي انبعثت من المغرب العربي والمشرق العربي، وهزَّت أركان العالم العربي، وأرعبت الكثير من أنظمة الحكم في العالم العربي.

 

أثواب ليست لأصحابها!

وأدرك الخليجيون أن الأردن ليس من ثوبهم، ولا هم من ثوبه. وأن القاسم المشترك الوحيد الذي يجمعهم مع الأردن "وحدة نظام الحكم الملكي الأردني"، الذي يرزح تحته الأردن، منذ أكثر من تسعين عاماً، كان نظام الحكم خلالها، يتقلَّب ويتشقلَّب من أجل ضمان بقائه بأي ثمن كان. فشطب فلسطين من خارطة العالم عام 1950 وضم الضفة الغربية إلى الشرقية تحت مُسمى "المملكة الأردنية الهاشمية". وأدخل النواب الفلسطينيين إلى مجلس النواب الأردني، وجعل منهم رؤساء الوزارات، والوزراء، ووكلاء الوزارات، والمدراء، ورحب بأحزابهم، وبزعماء أحزابهم، ثمناً لالتهام الضفة الغربية (1950-1967). ولكن الملك عبد الله الأول، دفع حياته ثمناً للضفة الغربية، وشطبه اسم فلسطين من الخارطة الدولية، واتخاذ الأردن وطناً بديلاً حقيقياً وواقعياً للفلسطينيين. وهو ما يُغضُ النظر عنه، ويتناساه، وينكره، معظم الباحثين العرب والعجم.

 

البُعد مع الصدقة خيرٌ لكم

قالت الأخبار من الخليج: إن جهود وزارة الخارجية الأردنية، فشلت في رفع الـ "فيتو" عن مشروع ضم الأردن للنادي الخليجي.

وصرَّح وزير الخارجية الإماراتي، أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتوافق بعد على ضم الأردن، وهو الموقف السلبي العلني الأول تقريباً من دولة خليجية تجاه مثل هذا الأمر.
ويبدو أن اقتراحاً بوضع بضع مليارات في جيب النظام الأردني كمساعدة خيرية، سوف يعوّض بعض الشيء النظام الأردني عن الكعكة الخليجية الكاملة، الذي كان النظام الأردني نهماً لها، وجائعاً جوعاً شديداً لالتهامها.

 

 الحق على اليونان لا "الطليان"!

لقد استذكر الخليجيون بعد أن - ذهبت السكرة وحضرت الفكرة - " العقدة اليونانية" التي كادت أن تؤدي إلى انقسام "الاتحاد الأوروبي"، الذي عضَّ أصابعه ندماً الآن، نتيجة الموافقة على انضمام اليونان المفلسة والمنهارة إلى صفوف أغنيائه. والخليجيون عندما قرنوا الأردن باليونان لم يذهبوا بعيداً. وهم عندما خشوا من أن تتكرر "العقدة اليونانية"، وتعاني دول الخليج - مستقبلاً - من "العقدة الأردنية"، كانوا عقلانيين في ذلك. وكانوا على حق في ظنهم، ومخاوفهم.

 

لا للورطة اليونانية!

فدول الخليج لا تريد أن تتورط في الأردن ورطة "الاتحاد الأوروبي" في اليونان. وتريد أن تُبقي الأردن بعيداً عنها بفساده، وفقره، وسطوة مخابراته الأمنية،  وصلحه مع إسرائيل، وسرقة رأس النظام لأراضي الدولة، ومداهنته للأحزاب الدينية، وفرش البساط الأحمر لـ "حماس" مؤخراً، والضحك على الشعب الأردني بجملة تعديلات دستورية قشرية.. الخ. وستكتفي دول الخليج مستقبلاً، بأن تضع – من وقت لآخر – مبلغاً من المال في جيب النظام، كما فعلت مؤخراً، حين وهبت النظام مليار دولار، وضعه رأس النظام في جيبه، وتكتَّم عليه، ولم يجرؤ أحدٌ – حتى هذه اللحظة - في الإعلام الأردني الداخلي من فتح فمه، والسؤال عن مصير هذا المبلغ الضخم، رغم استقالة الشريف فارس شرف (محافظ البنك المركزي) من منصبه واستقالة والدته (ليلى شرف) من مجلس الأعيان احتجاجاً على هذه السرقة الأسطورية الضخمة، والتي تعد من سرقات العصر الكبرى، التي لم تقم بمثلها عصابات المافيا، كآل كابوني، وغيرهم.

 

الحدَّ من الرعونة

وحمداً لله، أن فهم النظام الأردني قدره، واستطاعت دول الخليج أن تحدَّ من رعونته واندفاعه، نحو "مجلس التعاون" الذي حسبه النظام (لهطة قشطة)، والقشة التي ستنقذه مما ينتظره. وأن انضمامه إلى "مجلس التعاون"، ربما سيحمي النظام مستقبلا من أي حراك شعبي ثوري، وسيكون "درع الجزيرة" له بالمرصاد كما كان الحال في البحرين.

وهكذا طارت عصافير النظام الأردني عن النخلة الخليجية، دون أن تفلح بان تكون من طيورها الناعمة بتمرها، وعلى أمل أن يصلها التمر، دون الحاجة إلى أن تعشش على النخلة. وكانت خيبة أمل النظام من كل هذا واضحة، وهو الذي سبق ووضع في بطنه (بطيخة صيفي) كما يقولون، واطمَأَن إلى نسيان الخليج جروحه وآلامه من النظام الأردني وعلى رأسها، وقوف ومساندة الأردن لعدوان صدام حسين الآثم على الكويت وشرق السعودية 1990، وإطلاق الملك حسين للحيته ودعوته الإعلام الأردني لمخاطبته بـ "الشريف حسين" بدلاً من "الملك" أسوةً بجده الأكبر، بعد أن طمْأَنه صدام حسين بضم الحجاز إلى مملكته عام 1991!

السلام عليكم.

 

 

اجمالي القراءات 11304