صندوق الانتخاب هو الثورة المضادة!

محمد عبد المجيد في الأحد ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

لأول مرة خلال ثلاثين عاما هي عمر كتاباتي المنتظمة ومحاولاتي بسط رؤيتي في الهم الوطني أشعر بأن من يناصرني في هذا الرأي قلة لا تناهز عدد أصابع القدمين واليدين!
المصريون متفائلون بحسم صندوق الانتخابات لأحلامهم، والصندوق يهتز ضحكا علينا، وسخرية من سذاجتنا، فالثورة الشبابية المجيدة سيتم اختصارها في عملية انتخابية مريضة، وسقيمة، ومتخلفة. فربع عدد الناخبين أميون لا يستطيعون قراءة أسماء المرشحين، والمرشحون عن الدوائر الكبيرة والصغيرة يعبرون عن أحلام وتمنيات قطاعات صغيرة من البشر يميل نصفها إلى ثقافة بسيطــة ومتواضعة، ومعرفة بقضايا الوطن لا تمتد لأكثر من لقمة العيش والبطالة وآمال باحتلال مقعد الحصانة البرلمانية من قبل من أدوا فريضة الحج سبع مرات.
الطاغية المخلوع لا يزال في منتجعه العلاجي بجناح فاخر، واتصالات دولية تسمح له بتحريك أموال منهوبة من بنك إلى آخر. يشرف على الانتخابات قتلة أو زملاؤهم من أجهزة الأمن، ويراقب الصناديقَ زملاءُ المستشار أحمد رفعت قبل أن تقوم السلطــة بعملية تنظيف السلك القضائي من حيتان الفساد الذين ترعرعوا في عهد المجرم مبارك. انفلات أمني غير مسبوق يجعل كل مسن أو مقعد أو امرأة في حالة فزع تام من الوقوف في صفوف الناخبين لساعات طويلة. غياب لأدمغة الأمة من علماء ومثقفين وأكاديميين وباحثين فهؤلاء لا يملكون المال للحملة الانتخابية، ولا تقف خلفهم قوى سياسية ومالية فهم سيمثلون مصر وأحلامها في المستقبل، وصاحب رأس المال يبحث عمن يزيد رصيده تحت قبة الحرم الديمقراطــي.
صوتي كهمس مجنون في حشد ملاييني يصيح فيه كل فرد في أذن جاره، وفكرتي تستدعي ايماءة تهكم من أناس أرهقهم الانتظار، ويستعجلون النتائج، ويغضون الطرف عن أن نجاح مرشح كفؤ، ومستنير، ووطني، يصاحبه نجاح سبعة أو ثمانية من أنصاف الأميين، وأرباع الجهلة، فضلا عن الوصوليين، وفلول الطاغية المخلوع، وأبناء العباسية الذين يعيدون تمثيل نفس المشهد المباركي بلكنة مشيرية!
نظام سيجلب إلى الأمة التي تبحث عن عرس الانتصار لأجمل وأطــهر ثورات العصر بوجوه موميائية جديدة وفيها روح القديم، ومطرقة رئيس لمجلس الشعب ترجع صدى طرقات أحمد فتحي سرور، وجماعات متناحرة تعقد صفقات قذرة من وراء ظــهر الشعب، أو حتى أمامه.
نظام يجبرك أن تختار اثنين من كل أربعة، ثلاثة منهم متخلفون، وفي ظروف غير طبيعية، ويمسك مائة وخمسون ألف بلطجي بورقة الانتخاب لأهلهم وأقاربهم فيختاروا الأشرس من اللصوص، والأكثر حمقا من البلهاء، والأقرب إلى من يقوم بملء جيوب أصحاب السوابق سواء كانوا قابعين في طره أو يتسترون خلف أحزاب وصولية تستشهد بالدين وماركس والنحاس، وفي النهاية نعري لهم أقفيتنا.
نظام رجعي، قامت بصناعته قوى استغلالية تريد أن تسرق القصر والثكنة والميدان والمسجد في عملية واحدة دونما حاجة لتسلق المواسير، ودخول البيت من النافذة.
وأنا مؤمن أن مصر العظيمة ليست هناك، فهي لا تعرض معظم القضاة، وتكره أكثر الذين أرسلتهم أجهزة الأمن للحفاظ الظاهري على الأمن. وتبغض الكاذبين الذين سرقوا الثورة، وتحتقر جماعات من زاعمي الأسلمة السياسية لأنهم يبيعون ضمائرهم من أجل مقعد عن يمينه عضو من أعضاء الكيف والقروض، وعن يساره آخر سيلهث لجمع مبلغ يسدده لمن ساهم في ايصاله للعضوية الزائفة.
صوتي لن يصل إلى أحد، فالكل يصيح، والمرشحون ينادون على بضاعتهم، والناخبون مفعمون بأمل كاذب لعله ينهي حالة الانهيار، والانحدار، والانفلات التي تــُبكي الصخر على مصرنا الحبيبة.
شرحت من قبل مرات كثيرة، كتابة وفي قناة (الحوار) قبيل انتخابات 2010، واصراري يزداد قناعة ويقينا وإيمانا بأن مصيدة صندوق الانتخابات ضربة قاصمة في قلب بلدنا الذي تخلص من المخلوع وترك رجاله يعيدون انتاج مبارك جديد، وأحمد عز جديد، وفتحي سرور جديد، وأجهزة قمع تصطاد عيون أولادنا ولا يعتصم أو يعترض قضاة من الذين صمتوا ثلاثين عاما، وعشرة أشهر، وسيصكون وجوههم عندما يــُخرج صندوق الانتخاب لسانه لهم.
لن ينصلح حال الأمة إلا بمجلس شعب بتلك الطريقة التي طرحتها ولم أجد غيرَها، ولم أقتنع بغيِرها.
ن تقوم كل نقابة واتحاد وكلية علمية ونظرية ومعهد عال ومؤسسة إعلامية وحزب سياسي وديني، (اسلامي ومسيحي) ومؤسسة نسائية ومؤسسة إعلامية ولجنة حقوق الإنسان ومؤسسة بحث علمي وغيرها بترشيح اثنين فقط ممن يشهد الكثيرون بكفاءتهما، دونما الأخذ في الاعتبار الدين والمذهب والايديولوجية والتوجه الفكري والانتماء الحزبي والجنس ( رجل أو امرأة ).
يتجمع لدينا عدة آلاف من أفضل رجال ونساء مصر خبرة وثقافة وعلماء بشهادة المؤسسات والنقابات والاتحادات التي رشحتهم دون احتجاج أو مظاهرة أو اعتصام من المعارضين.
باقتراع سري نختار مثلا خمسين منهم ليقوموا باختيار ألفين.
واقتراع سري آخر تخرج منه لجنة جديدة مكونة من خمسين شخصا، تقوم باختيار ألف من الباقين.
واقتراع سري ثالث من أجل لجنة من خمسين شخصا تختار كل أعضاء مجلسس الأمة الجديد.
هنا ستجد مصر أنها أمام مصريين من خيرة الصفوة، ومن تصفية ثالثة ليست مغرضة، وشخصيات لا نعرف إلا أنها تنتمي إلى النزاهة والكفاءة والعلم والسلوك الذي لم يعثر معترضون على ثغرات فيه.هنا لا يزعم حزب أو تدعي جماعة أن لديهم رجالهم في مجلس الشعب، ولكن مصر كلها ممثلة في المجلس.
هنا لا يحتار الأمي والجاهل وغير المتابع والساذج في كيفية اختيار من يحمل همومه وقضاياه ومشاكله.
هنا تذوب مصر كلها، اسلاميوها ومسيحيوها، أحزابها الكبيرة والقزمية وغير المرئية.
عباقرتها المجهولون يناقشون بيان رئيس الوزراء بدلا من رجال ينطقون باسم أصحاب المال والمصلحة المتواجدين خارج القاعة.
هنا نحن أمام مجلس ليس فيه عضو واحد مدين لسلطــة أو زعيم أو مشير أو مرشد روحي أو جمعية دينية.
هذا هو مجلس الشعب الذي أراه مخرجاً واحداً ووحيداً لمصر التي في خاطري، وثورتها التي تمنيتها، وحلمت بها قبل أن يسقط ثوارها من بطون أمهاتهم، وأخاف عليها خوفي على أولادي أو أكثر.
النظام المعمول به الآن والذي لن ينصت إلى صوتي إلا مجنون مثلي هو ثورة مضادة، وعمل مناهض لمصر، وبراءة لكل المجرمين، وفتح باب الانتخاب للفلول ولعودة نسخة جديدة من لصوص مبارك.
نظام الانتخابات المريض ضربة شديدة لأرواح الشهداء، فنحن نقول لهم بأننا نقف في نفس الصف مع قاتليهم، ويترشحون، وينتخبون، ويتولون حماية اللجان، وقضاة الصمت يراقبون، ومبارك يضحك على المشهد، والعيون الجميلة لزهور مصر لم تعد ترى حصاد النصر فمن فقأ عيونهم يمشي، ويلعب، ويحتضن أولاده، ويحصل على مرتب شهري من دافعي الضرائب ومنهم أمهات وآباء الضحايا.
الانتخابات الفجة هي صلاة للشياطين، وتبرير للثورة المضادة، واعادة هيكلة علي بابا والأربعين حرامي لتقديمهم بصورة جديدة.
معذرة لكل الذين تصدمهم كلماتي في تفاؤلهم، فالضحية عندما ترقص، وتهلل، وتطرب، وتتمسك بالأوهام لا ترى الذئب وأنيابه.
يأتي الجنزوري من متحف التاريخ، أو يرتدي القضاة ملابس جديدة، أو تغطــي لافتات المرشحين نوافذ البيوت، أو تشتري أجهزة الأمن غازات جديدة من جيراننا، أو ننسى صور شهداء الثورة الأولى، أو يرفع العباسيون صور المشير وأعضاء المجلس، فالقضية الآن في أننا، معارضين وموافقين، نذهب إلى المصيدة، ونضع البطاقة في الصندوق، والرقبة في السلسلة، والقدم في المصيدة.
أعرف مسبقا أن لا أحد يصدقني رغم أنني أحاول لعدة أعوام شرح وجهة نظري، لكنني متفائل أنه سيأتي يوم يلتقط فيه المصريون الفكرة لتخرج إلى النور.
ألم أصرخ، وأبكي، وأسقط من الاعياء، وأنادي طوال عشرين عاماً بأن مبارك هو عدو المصريين الأول، فكان الغمز واللمز والتهكم والسخرية و( اقتلوهم بالصمت ) هو الرد الطبيعي والمعتاد على كتاباتي.
أعتذر لكل الذين يحلمون اليوم بصندوق انتخاب يشكرهم ويبتسم في وجوههم، لكنه سيظل رأس الحربة للثورة المضادة ضد شباب 25 يناير الأبطال والأحرار.
معذرة لكل المتفائلين فثورتنا الينايرية المجيدة أكبر من مهرجان انتخابات المعاقين ذهنياً.
مرة اخيرة لئلا يساء الفهم: لست ضد الانتخابات أو معها، لكنني مناهض ومعارض للنظام الانتخابي برمته في بلدنا، فهو صناعة لا يتحكم فيها إلا القصر والمال، وهذه المرة أضيف إليها الثكنة ومزرعة طره.
وسلام اللــه على مصر.


 

اجمالي القراءات 7806