سيّدنا: لا فُضَّ فوك

د. شاكر النابلسي في الخميس ١٧ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

النطق الملكي السامي في الأمس كان من السماء، ولم يكن من الأرض!

فـ "سيّدنا" الملك في الأردن، الذي هو ظل الله على الأرض، و"سليل آل البيت" كما يدّعي بعض المؤرخين الدجالين والفقهاء المرتزقة، نصح بشّار الأسد بالتنحّي، وقال له النطق الملكي السامي "الذهبي" بالحرف الواحد:

"لو كنت مكانك لتنحّيت!"

وقد صدق "سيّدنا" بذلك، فأين هو من بشّار الأسد رئيس الجمهورية الأرضي والملك هو ملك السماء، المُرسل للأردن منذ أكثر من تسعين عاماً.

أين ابن حافظ الأسد من ابن الأكرمين؟

أين بشّار الفاسد من الملك الصالح؟

أين بشّار الجلاد من الملك العادل؟

أين بشّار السارق للمال العام، من الملك الحامي لخزينة الدولة؟

أين بشّار الآكل لكل ثروات سوريا من "سيّدنا" الملك الحافظ على كل ثروات الأردن. فلا هو الذي سجَّل كافة أراضي الدولة (الميري) باسمه، ولا هو الذي ( لهف) المليار دولار المرسلة من "مجلس التعاون الخليجي"، و"آل مخلوف" في سوريا ليسوا كـ "آل الياسين" (أهل الملكة رانيا) في الأردن، يسرقون كل شيء، ويسطون على مشاريع الدولة، ويقبضون (الأتاوات) والعمولات؟

فأين بشّار المنشار، من العابد، الساجد، النقي، التقي، الورع عبد الله الثاني؟

أين آل الأسد من الهاشميين "آل البيت"، وأحباب "أهل الزيت"؟

 

-2-

حقاً لو كان "سيّدنا" في الأردن مكان المدعو بشّار الأسد، لتنحّى!

فالأردن في "زمن الهاشميين، أصبح واحة للحرية والديمقراطية، بينما سوريا في "زمن الأسديين"، أصبحت سجناً كبيراً، ومعتقلاً للأحرار الأبرار!

والأردن في "زمن الهاشميين" من "آل البيت" وأحباب "أهل الزيت"، أصبح بلاد السمن والعسل، بينما تحوَّلت سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً إلى بلاد الفجل والبصل والقحل والمحل!

والأردن في "زمن الهاشميين"، خلا من الفقراء والمعوزين، بينما سوريا أصبحت "الشحاذ الأكبر" في العالم العربي، وتمد يدها إلى كافة المحسنين على أبواب الجوامع، والكنائس، والمعابد اليهودية!

والأردن تحت "الحكم الهاشمي"، خلا من العاطلين عن العمل، إلا من نسبة قليلة جداً لا تذكر، بينما ارتفعت نسبة البطالة في سوريا إلى أكثر من 15%!

فأين الثرى من الثريا، وأين السماء من الأرض؟!

فصدق "سيّدنا"، فلو كان الهاشميون سُجاناً كـ "آل الأسد"، ولو كانوا قتلة مجرمين كـ "آل الأسد" لتنحّى مليكنا المفدى، وأصبحنا بدون ملك السماء، كالحداد بلا نار، وكالغنم بلا راعٍ.

فشكراً لله على نعمائه وفضله.

 

-3-

صدق "سيّدنا الملك" عندما قال: "لو كنت مكانك لتنحّيت".

فالحمد لله أن "سيّدنا" وكافة "أسيادنا" العظام في الماضي، لم يكونوا مكان بشّار المشئوم، ووالده المعدوم، وعمّه المكلوم، وإلا لاضطروا إلى التنحّي، ولزال "الكيان الأردني"، وأصبح جزءاً من "بلاد الشام"، كما كان في السابق قبل 1921.

-4-

الحمد لله أن "سيّدنا" على سُنَّةِ عمر بن الخطاب في التخفّي، وتفقّد حال الرعية الأردنية، ونجدة المساكين والضعفاء، والإحسان إلى الفقراء، وتفقّد الرعية، وضرب المقصر منهم بـ "الدُرَّة" كما كان يفعل الخليفة الراشد.

 و"سيّدنا" ليس على سُنَّة "بشّار" في الترفُّع عن الرعية، وإهمالها، واللهو مع الصفوة المختارة فقط، دون بقية الشعب. فهذا من فضل ربي، وإلا، لكان "سيّدنا" قد تنحّى، وولى ابنه القاصر "الحسين"، وشكَّل مجلس وصاية له، كما فعلوا مع أبيه الراحل حين كان صغيراً، وكما فعلوا مع فيصل الثاني في العراق حين كان صغيراً.

ولو كان "سيّدنا" ممن أجداده سرقوا الحكم، واستولوا على السلطة من على ظهر دبابة، وليس من على ظهر جمل، وجاءوا إلى الحكم بانقلاب عسكري وليس بمساعدة دولة عظمى كبريطانيا، لأصبح في مكان بشّار "قناع الأسد" ولتنحّى!

-5-

فيا "بشّار" عليك أن تكون، أو لا تكون!

عليك – يا بشّار - أن تكون من "آل البيت"، وأحباب "أهل الزيت"، لكي تكون.

عليك – يا بشّار - أن تحول بين أطماعك وثروات الوطن، لكي تكون.

عليك – يا بشّار - أن لا تدع أنسبائك من أهل زوجتك، أن (يكوّشوا) على مشاريع الدولة، ويقبضوا من ورائها العمولات و(الأتاوات) كما يجري مع أهل الخليج.

عليك – يا بشّار - أن لا تحوّل كل ما يأتيك من إيران، والروس، ولبنان، من (شرهات)، وعمولات، وإتاوات، بمليارات الدولارات سنوياً، لحسابك الخاص.

 

-6-

ولو كنت  - يا بشّار - ذكياً بما فيه الكفاية، ذكاء جدك الأكبر معاوية بن أبي سفيان، لكنت اتخذت من "حماس"، وغيرها من المنظمات الفلسطينية المُهجَّنة في الشام، "ورقة توت" لستر عورتكم السياسية الفاضحة، كما فعل "سيّدنا" مع "حماس"، بواسطة بعض "السدنة الجُدد"، ولما سمعتَ دعوة للتنحّي من "سيّدنا".

ولو كنت - يا بشّار - حصيفاً بما فيه الكفاية، لطلبتَ الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، الذي أصبح "ميزان ذهب العرب"، وخيمتهم، وشجرتهم الوارفة والحامية في القر والفر، ولما سمعتَ دعوة من دعوات التنحّي "الماغصة".

 ولو كنت - يا بشّار - ممن يراوغون، ويدورون، ويلتفون، لتصالحتَ مع الإخوان المسلمين، لتهدئة الشارع السوري باعتبار أن الإسلاميين من معتدلين، ومتطرفين، وسلفيين، وأصوليين، هم الشارع العربي الآن. وللوحتَ لهم بعدد من مقاعد مجلس الشعب، ومناصب وزارية سيادية قادمة، وجئتَ بخبير سوري في هيئة من الهيئات الدولية، كرئيس للوزراء، بدل هذه العصابات من السياسيين الآكلين الناهبين السارقين.

ولكن، ما دمتَ أنتَ قد عيّنته، ولم ينتخبه الشعب مباشرة، فـ "تيتي تيتي.. زي ما رحتي زي ما جيتي". كما يقول الشوام.

 

-7-

ولو قام بشّار بما قام به "سيّدنا" من تعديلات دستورية مضحكة ومبكية، في آن، مؤخراً، وضحك بها على المعارضة الدينية، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، لما حصل له ما حصل. وربما كان ذلك ما قصده "سيّدنا" عندما قال: "لو كنت مكانك لتنحّيت."!

-8-

ولو وقّع – يا بشّار – والدك الراحل  - الذي أخشى أن ينبش السوريون الثائرون قبره غداً، كما نبشَ العباسيون قبور الأمويين في الماضي - معاهدة صلح وسلام بين سوريا وإسرائيل، كما فعل الملك حسين عام 1994 في معاهدة "وادي عربة" التي أنهت الصراع الأردني- الإسرائيلي، لما حصل لك ما حصل الآن. فـ "سيّدنا" الآن ينام قرير العين، لأنه ضامنٌ دفاع أمريكا والغرب ومعهم إسرائيل عن العرش المفدى. أما أنتَ – يا بشّار- فمن يدافع عنك غير إيران الآن، و"الفلول"، من "حزب الله"، و"حماس"، وغيرهما من بائعي الفجل والبصل في سوق السياسة العربية البائرة.

ولعل هذا ما عناه "سيّدنا"، عندما قال لك:

"لو كنت مكانك لتنحّيت."

-9-

 

يحكم سوريا الآن حزب البعث، ويحكم الأردن "الحزب الهاشمي" المكوَّن من العائلة الملكية الهاشمية، التي هربت من الحجاز عام 1920-1921 بعد هزيمتها على أيدي "الإخوان" السعوديين في معركة "تربة" في الطائف، عام 1919، إضافة لعائلة "الياسين" (عائلة الملكة رانيا زوجة "سيّدنا")، وهي عائلة شريفة ونظيفة وعفيفة، ليست كعائلة "آل مخلوف" في سوريا، أو عائلة "ليلى طرابلسي" في تونس، أو أية عائلة مالكة في الخليج. وينضم إلى "الحزب الهاشمي"، في الأردن، معظم ضباط الجيش في القوات المسلحة، والاستخبارات، والأمن العام، إضافة الى بعض زعماء العشائر، وسكان البادية، وبعض التجار، ورجال الأعمال، ومدراء البنوك، ورهط كبير من المنتفعين والنافذين في الدولة، والنائمين على بوابة القصر الملكي، بانتظار تكليفهم بالوزارة!

-10-

وأخيراً، هذا كل ما عناه "سيّدنا" بقوله لك – يا بشّار - :

"لو كنت مكانك لتنحّيت."

فسيّدنا - لا فُضَّ فوه – لا ينطق عن الهوى، وإنما هو وحي يوحى إليه، من قِبل أجداده "آل البيت"، ومن قِبل محسنيه الآن من "أصحاب الزيت"!

 

اجمالي القراءات 8727