السعودية وجنرالات مبارك ضد الثورة المصرية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة:

1 ـ فى رصدنا التحليلى للحال المصرى بعد مذبحة ماسبيرو تعرضنا لمراحل الثورة المصرية ودور  جنرالات مبارك فى محاولات إجهاضها ، وعملهم على أن ينسى الناس محاكمة مبارك بتدبير هذه المذبحة ، وكان ذلك فى الحلقة الأولى ( السّر تحت السرير : سرّ مذبحة ماسبيرو مع مبارك وتحت سريره ) .

فى الحلقة الثانية ( تحليل موقف السعودية من الثورة المصرية : الجذور التاريخية ) أكّدنا أنه لا سبيل للبقاء للدولة السعودية الراهنة إلا بسيطرتها على مصر وجعل مصر تابعة لها . ومن هنا فالعلاقة بين مصر والسعودية لا تحتمل التوسط ، فإمّا إن تكون مصر تابعة للأسرة السعودية سياسيا ولدينها الوهابى فكريا وعقيديا ودينيا ، وإمّا أن تسقط تلك الدولة الأسرة السعودية .

2 ـ ونتوقف فى هذا المقال مع علاقات جنرالات مبارك بالثورة من منطلق  إجهاضها . ونؤكد هنا أن تحليلنا هذا يقبل الخطأ قبل الصواب ، بل نتمنى أن يكون خطأ ، أو أن يراجع الجنرالات أنفسهم قبل الأوان ، وأن يدركوا مصير الطغاة حولهم ، ومصير سيدهم مبارك نفسه ، وأن يتأملوا الحكمة القائلة عن السلطة :( لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ).

3 ـ وهذا التمنى من جانبنا ينطلق من دعوتنا المخلصة لخروج آمن للجنرالات من السلطة مشفوع بحصانتهم من أى ملاحقة قضائية مقابل تجنيب الوطن من مزيد من الفواجع والمذابح . وسبق لنا أن دعونا مرارا مبارك لهذا الخروج الآمن خلال مقالات ، لم تصل الى مسامعه . ولكن بالتأكيد وصلت الى مسامعه حين عقدنا مؤتمرا صحفيا فى واشنطن فى آخر زيارة لمبارك للعاصمة الأمريكية ودعونا فيها الرئيس الأمريكى ليضغط على مبارك ليقبل بخروج آمن من السلطة ليختار المصريون حريتهم بطريق سلمى .  وأفصحت تصريحات رسمية ترفض ما قلناه . وانتهى مبارك الى الندم . ونرجو أن يتعلم جنرالاته من الدرس.

4 ـ بعد هذا التمنى ندخل فى هذا التحليل ، ومنه جل وعلا التوفيق.

أولا : حساسية موقع ثورة مصر 25 يناير 2011 بالنسبة للأسرة ( الدولة ) السعودية :

إذا كانت العلاقة المصرية السعودية لا تعرف التوسط فإمّا تبعية مصر للأسرة السعودية وإمّا سقوط هذه الدولة الأسرة السعودية ، فإن الثورة المصرية قد أوصلت هذه العلاقة الى نقطة بالغة الحساسية ، والى منعطف تاريخى فريد تجعل الأسرة السعودية مثل المقامر الذى وضع حياته وكل ما يملك فى مهب  الريح فإما أن يخسر كل شىء وإما أن يفوز بكل شىء . فلو نجحت الثورة ستفقد الأسرة السعودية كل شىء ، ومصير الطغاة يطاردهم ويؤرق مضاجعهم . وهو ليس مصير عائلة صغيرة مثل القذافى وبن على وعلى صالح ، ولكن أسرة تتكون من عشرات الألوف مهددة بالاسئصال . ولو تمكنت السعودية من إجهاض الثورة وركوبها فستكسب مصر مسخرة لها مسيطرة عليها بأكثر ما كان فى عهد مبارك ، بل من خلال مصر ستتمكن السعودية بوهابيتها أن تجعل السلفيين الوهابيين يركبون الربيع العربى ويحكمون معظم الوطن العربى خلفا للطغاة العسكريين والحزبيين فى تونس وليبيا واليمن وسوريا والجزائر والأردن والمغرب وحتى العراق ، بل وتتعزز نظم الطغيان العائلى الوهابية فى الإمارات وقطر  والكويت و البحرين وعمان مسقط. وتصبح السعودية (الأسرة والدولة ) القائد بلا منازع للعرب والمسلمين تسيطر عليهم فى فريضة الحج والعمرة وغير الحج والعمرة. وإذا كانت مصر قبل الثورة (قضية حياة أو موت ـ قضية وجود أو عدم ) للسعوديين بدرجة مائة فى المائة فإن مصر الثورة أوصلت هذه النسبة الى بليون فى المائة . ومن هنا نستطيع أن نتلمّس الأهداف التى تطلبها السعودية من مصر بعد الثورة.

ثانيا : الأهداف التى تطلبها السعودية من مصر بعد الثورة.

1 ـ الهدف الأساس هو البناء على ما سبق فى عهد مبارك وتطويره بوصول السلفية للحكم ليحكموا مصر بالنيابة عن أسيادهم آل سعود، أى  استمرار مصر ضيعة لهم يجلسون فوق هرمها الشامخ الراسخ حماية لهرمهم المقلوب ، وبما يعنى عدم السماح بقيام نظام ديمقراطى علمانى فى مصر ، لأن هذا النظام الديمقراطى المحتمل يعنى سقوط الأسرة الدولة السعودية.  

2 ـ يؤكد هذا الهدف الأساس  هدفان فرعيان : الأول : محاربة التيارات الليبرالية والعلمانية فى مصر ومؤسساتها السياسية والدعوية ، والثانى : محاربة التيار القرآنى وجماعاته لأنها تهدد الوهابية وطموحات أتباعها من الإخوان والسلفيين .

3 ـ  ولأن القضية هنا غاية فى الحساسية ولا تعرف التوسط من وجهة النظر السعودية فإن المطلب السعودى ليس فقط الحفاظ على ( نظام مبارك ) كما يعمل جنرالات مبارك بكل جهدهم ومعهم الفلول ، ولكن المطلب السعودى يتعدى ذلك الى الحفاظ على ( مبارك ) نفسه ، وعدم إهانته لأن إهانته تعنى ضمنا إهانة أسياده الذين خدمهم ثلاثين عاما ، وهم أولياء أمره والمسئولون عنه . وإذا أرغم المصريون الجنرالات على محاكمة مبارك وظهوره علنا مهانا أمام العالم فإن هذا المنظر لا بد أن يتوقف ، بل لا بد للمحاكمة أن تتوقف . وفى سبيل ذلك تمّ تدبير مذبحة ماسبيرو التى تعلن بكل بجاحة بدء عهد جديد يلوّح فيه جنرالات مبارك بمدرعاتهم وقواتهم المسلحة وقوانينهم العسكرية فى وجه مظاهرات الثوار، ويلوحون باستغلال الجرح الطائفى للتهديد بوصول مصر الى حافة الحرب الأهلية ، بما يعد مبررا لاستمرار الطوارىء والحكم العسكرى الصريحبدعوى حماية الوطن.

4 ـ ولقد كانت السعودية وحلفاؤها فى الخليج أولياء الفساد فى عصر مبارك . وقد شارك فى هذا الفساد جنرالات مبارك . وهنا نضيف سببا آخر يجعل من المستحيل عقد محاكمة حقيقية لمبارك ، وهو عنصر التهديد . مبارك شأن كل خائن لقومه مستعد فى محنته أن يخون من كان خادما لهم ، ومن كان مساعدا له فى السرقات والفساد والاستبداد. أى لو تحولت المحاكمة الصورية الى محاكمة حقيقية فسيتكلم ويفضح الجنرالات والسادة من آل سعود ، ويهدم المعبد على رءوس الجميع .     

ثالثا : وسائل السعودية فى تحقيق أهدافها

1 ـ (المال ) هو وسيلتهم السحرية ، وقد كانوا يستعملونه وقت الضنك فى شراء العملاء كما فعل أبوهم عبد العزيز فى إصطناع حافظ وهبة وحامد الفقى وحسن البنا ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب. وبعد ظهور البترول وتحكم أبناء عبد العزيز فى أرصدة تبلغ تريليونات أصبح سهلا إستخدام مئات البلايين كوثائق تأمين سياسية للمحافظة على الحكم السعودى و تحصين الوهابية من النقد والنقاش.

2 ـ بالبترول والدولار تفوق اللوبى السعودى فى أمريكا على اللوبى الصهيونى فيما يخص سيطرة السعودية ووهابيتها على المجتمع المسلم ومؤسساته الدينية والتعليمية والتربوية فى أمريكا ( والغرب )، بل وتغلغل السعوديون والوهابيون بأموالهم فى الأقسام العلمية فى الجامعات الأمريكية والغربية ( وهى أصلا مؤسسات ربحية وتقوم على التبرع ) فأنهى السعوديون والوهابيون من الخليج السيطرة اليهودية التى كانت من قبل مسيطرة على الدراسات الاسلامية والعربية والشرق أوسطية فى تلك الجامعات . وبنفس الوسيلة ( المال ) تسللوا الى صناع السياسة ومؤسساتها ، بل تسلل المال الوهابى الى أدق المؤسسات الصناعية والشركات المالية الكبرى .

3 ـ وإذا كان هذا يحدث فى أمريكا بكل قوتها وشفافيتها ومجتمعها المفتوح فهو أكثر سهولة فى تمدده داخل مصر حيث الفساد والاستبداد وتجذر النفوذ السلفى . وهنا نلاحظ الظواهر الآتية :

3 /1 : إعلان الملك السعودى عدة مرات عدة بلايين لانقاذ مبارك ، وتحويل مبارك لبعض أرصدته المهربة من سويسرا وأوربا الى السعودية و الكويت و الامارات . ثم الإعلان عن مساعدان من السعودية وقطر والامارات لمصر وهى تحت حكم الجنرالات .

3 / 2 : على الجانب الشعبى تم تحويل مئات الملايين الى الجمعيات والجماعات السلفية ما ظهر منها وما بطن ، واصبح  يجرى على قدم وساق الحج الى السعودية لجلب الأموال وتقديم المشروعات وتجهيز الخطط ، حتى إن سلفيا محترفا سافر لهناك معلنا إنه سيبحث مع مسئولى الدولة السعودية سبل تطبيق الشريعة ( الوهابية ) فى مصر .

3/ 3 : هذه المئات من الملايين التى تدفقت على أشخاص وجمعيات ـأى على مواطنين مصريين ـ أسهمت فى حفظ مقام الجنيه المصرى وتوفير سيولة مصرية فى وقت يتوقع فيه الجميع إفلاس مصر وانهيارها إقتصاديا بسبب ظروفها الاستثنائية من توقف الانتاج والاعتصامات والاضرابات والمظاهرات وتوقف الاستثمار الأجنبى وانهيار المنظومة الأمنية وشيوع ظاهرة البلطجة والخطف والسرقة وعجز النظام العسكرى عن ضبط الأمن ؛ وتلك الحالة من السيولة التى لا تستطيع أن تحدد فيها من هو البلطجى ومن هو الثورى ، من هو الشرطى ومن هو المجرم . هذا مع انخفاض الاحتياطى النقدى الحكومى وارتعاش الوزارة عن القيام بعملها خوف المساءلة والهجوم الاعلامى وتصفية الحسابات . واحد على مائة من هذه الأخطار تعرضت لها اليونان فأشرفت على الافلاس. ولكن مصر لم تفلس بسبب ضخ المال السعودى والوهابى ، ليس فقط الى الحكومة بل والقيادات السياسية والعسكرية التى تهرب أموالها للخارج فلا يستفيد منها الداخل ، ولكن أيضا الى قيادات الداخل من المصريين العاديين من الجماعات السلفية الدعوية والحركات السياسية . وأولئك مستهلكون بطبيعتهم ينفقون أموالهم داخل مصر، وغاية ما يفعلون هو الشراء الاستهلاكى وشراء الأراضى والعقارات بما أصبح فى أيديهم من ملايين الدولارات والريالات . ولذا ترتفع باستمرار اسعار الأراضى والعقارات وتروج مشاريع الاسكان والبناء ، وترتفع الأسعار لقلة الانتاج مع كثرة السيولة النقدية .

3/ 4 ـ يضاف الى ذلك تلك التحويلات الهائلة من المصريين فى السعودية والخليج ، ولم توقف حركة السفر للعمل هناك بل ربما زادت على أمل إجتذاب المزيد من المصريين للدين السلفى وشراء ولائهم للسعودية والوهابية.

3 / 5 : ويلاحظ هنا وقوف الجنرالات بقوة ضد تمويل الجمعيات الليبرالية العاملة فى حقل الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهى تحصل على فتات من المؤسسات الغربية والأمريكية ، ومنها مساعدات تدريبية على مراقبة الانتخابات وتعليم الحقوق السياسية وطرق النضال السلمى السياسى . المضحك أن الجنرالات يحجون الى أمريكا والبيت الأبيض والبنتاجون ، ويأخذون من أمريكا والغرب التمويل الذى لا يكشفون للمصريين خباياه ، ثم يعترضون على الفتات الذى تأخذه المنظمات الليبرالية المصرية تحت سمع وبصر القانون المصرى ومؤسسات الرقابة والضرائب . ثم تتعرض تلك المنظمات للتخوين والتهديد بينما يتم غض الطرف عن التمويل الوهابى الذى كان ولا يزال ينشر ثقافة العنف والارهاب باسم الاسلام .

3/ 6 : وبينما يجرى التمويل السعودى والتهريب لأموال مبارك وجنرالاته على قدم وساق يجرى أحيانا تسريب بعض الأنباء عن تمويل وهابى من جمعيات قطرية الى جماعة أنصار السّنة ، ويقال إنه 280 مليون أو نحوذلك . فلماذا يتم فضح هذا رسميا بينما يتم التعتيم على التمويل السعودى الذى هو بالبلايين ؟ الواضح إن الكشف عن هذا التمويل القطرى الوهابى لجماعة سلفية معينة يأتى فى إطار لعبة المفاوضات بين السلفية والجنرالات ، فكل فريق يناور بما لديه من أوراق اللعب ، ولكن هذه المناورات لا يمكن أن تصل الى المساس بالسيد السعودى .

3 / 7 : ليس التمويل بالمال فقط ـ وليس للسلفيين فقط ، بل هو يغمر مجال الاعلام والتعليم والأزهر نقدا وعينا .إختيار السفير السعودى الجديد فى مصر ليس عبثا . هذا السفير كان يعمل خادما للأمير بندر الذى كان أقوى سفير فى أمريكا ، وقد نشرت صورته مع جورج بوش  لتظهر مقدار نفوذه وصداقته مع ذلك الرئيس الأمريكى . تعلم هذا السفير فى خدمته لبندر كيف يستخدم المال فى أمريكا ، وبهذه الخبرة جاء الى مصر ليوظف المال السعودى فى شراء أهل الاعلام وغيرهم ، ووصلت جرأته الى أن كانتالصحف تتابع جولاته فى (الاجتماع ) بكبار الاعلاميين من الصحف القومية والحزبية والمستقلة . هل كان هذا السفير يقتطع ومن وقته الثمين ليعلمهم أصول مهنة الاعلام ؟

يرتبط بتوزيع الأموال على رجال الاعلام ظهور وكلاء مصريين فجأة يشترون الصحف وقنوات فضائية أو ينشئون قنوات فضائية مع استمرار قبض الجنرالات بيد من حديد على وزارة الاعلام وعدم إصلاحها بل ترك التليفزيون المصرى ( صاحب الريادة على حد قول صفوت الشريف ) يتضاءل ويضمحل لصالح تلك القنوان (الوهابية ) الصاعدة .

3 / 8 : إذن فالتمويل السعودى ـ المسكوت عنه ـ يغمر مصر من الاعلام الى السلفيين ومن الهبات للحكومة الى العمالة المصرية فى الخليج والمبعوثين .. فهل يا ترى يسمح بذلك الجنرالات دون أن يأخذوا منه حصتهم ؟ المثل المصرى يقول : ( طباخ السّم يذوقه ) ، فلنتوقف مع الجنرالات وعلاقتهم بالجانب السعودى .

 رابعا :الجنرالات وعلاقتهم بالجانب السعودى .

طبيعة جنرالات مبارك:

هم من أهل الثقة وليسوا من أهل الخبرة ، وبولائهم لمبارك طيلة ثلاثين عاما كانوا أهم أعمدته فى الفساد والاستبداد . قدراتهم العسكرية ـ كأهل ثقة وليس أهل خبرة ـ محل شك كبير ، خصوصا مع حرص مبارك عن طريق ساعده الأيمن عمر سليمان على التدقيق فى ولاء الضباط الكبار واستبعاد ذوى الكفاءة والوطنية منهم  ، فلم يصل من أهل الكفاءة والوطنية أحد . بل كان من معيار الثقة التورط فى  الفساد الذى إستشرى فى حكم مبارك وتجارة السلاح.

الموقف الدقيق لجنرالات مبارك :

1 ـ وفجأة وجد الجنرالات أنفسهم يقودون البلاد بدون سابق استعداد . هم جزء أصيل من نظام مبارك ، ودفاعهم عن هذا النظام هو دفاع عن أنفسهم . لذا تورطوا فى مواجهات مع الثورة ، أخذت تتعاظم الى أن وصلت الى مذبحة ماسبيرو. قبلها وبعدها أصبح موقفهم دقيقا . تحسس كل جنرال رقبته ، فالمستقبل أمامه موحش فيما تبقى له من عمر وهو قليل ، ثم الاستيداع ينتظره ، وحتى فوجودهم مؤقت فى السلطة ، وهو لا يدرى ماذا سيحدث له بعد خروجه من السلطة بتاريخ مشين وسىء مع مبارك ، قبل الثورة وبعدها . ولا بد أن يتمنى كل واحد منهم بينه وبين ونفسه لو كان قد خرج الى المعاش من 15 عاما واستراح وأعفى نفسه  من ( بهدلة ) تنتظره فى أواخر العمر تهون الى جانبها بهدلة مبارك . كل منهم أسهم فى الدفاع عن مبارك وكل منهم أسهم بصورة أو أخرى فى فساد عصر مبارك ،  وكل منهم زاد رصيده سوءا عندما شارك فى حكم مصر بعد مبارك ، فجرى فيها ما جرى من قتل وتعذيب و انفلات أمنى وفشل ذريع .

2 ـ  أكثر ما كان يؤرقهم ليس المظاهرات ، فهم إن لم ينجحوا فى تفكيكها عن طريق حلفائهم السلفيين فقد تعودوا على إخمادها بالبلطجية والأمن والشرطة العسكرية . هم لا يخافون الشعب ولا يأبهون بالثورة . الذى أصبح يؤرقهم  الآن هو الجيش من الجنود وصف الضباط والضباط الميدانيين ، اى الجيش المصرى الحقيقى ، فهناك صراع فى قلوب أفراد هذا الجيش بين طاعة أوامر الجنرالات وبين طاعة الحسّ الوطنى وعقيدتهم العسكرية . فى البداية كانت الغلبة لطاعة الأمر ، ولكن سوء الأحوال وتخبط (أولى الأمر ) من القادة الجنرالات وتعدد الأوامر باطلاق النار على المتظاهرين ودهسهم بالسيارات لا بد أن يوجد حالة من الاحتقان لدى أفراد الجيش ، فهؤلاء الضحايا هم أهل وأقارب وجيران وأصدقاء ومعارف لأفراد الجيش . هم ( مصر ) التى تعلموا الدفاع عنها . ثم إن تلك المظاهرات نتيجة لفشل الجنرالات ولا يصح أن يعاقب الجنرالات من يعترض على فشلهم باطلاق النار عليه وسحله وتحطيم عظامه بالسيارات المصفحة .

ومؤكد  فإن هناك سقفا أعلى ينتهى عنده تحمل الجيش لفشل الجنرالات ومذابحهم وقتلهم للشعب المصرى. وباستمرار وتعاظم سخط الشعب المصرى فلا بد أن ينتقل هذا السخط الى الجيش الذى هو قطعة من الشعب ، وإذا كان الجنرالات قد فقدوا رصيدهم الايجابى لدى الشعب فلا بد أن يفقدوا مكانتهم عند جيش الشعب . وفى النهاية سينقلب الجيش عليهم ويعتقلهم ، ويعتقل كل المتعاونين معهم من المدنيين ليوضعوا الى جانب سيدهم  جد مبارك ـ لو ظلّ حيا .والقادة الجدد فى الانقلاب المنتظر لن يحاكموا مبارك وجنرالات مبارك بقوانين مبارك بل بقوانين الثورة ،أى محاكمة سياسية علنية ينكشف كل المستور وكل المسكوت عنه . والاعدام هو الحكم المنتظر .

نعيد ما سبق قوله عن الجنرالات : (تحسس كل جنرال رقبته ، فالمستقبل أمامه موحش فيما تبقى له من عمر وهو قليل ، ثم الاستيداع ينتظره ، وحتى فوجودهم مؤقت فى السلطة ، وهو لا يدرى ماذا سيحدث له بعد خروجه من السلطة بتاريخ سىء مع مبارك ، قبل الثورة وبعدها  ). ونزيد (كابوس الانقلاب العسكرى هو الذى يؤرق الجنرالات وهو يراودهم يحمل معه صورة القذافى مضرجا بدمائه على الأقل ، أو صور ضحايا ماسبيرو الذين طحنتهم المدرعات على الأكثر..!! ). فى هذه الحال لا بد من مخرج .

المخرج الآمن للجنرالات

1 ـ نتوقع تقدم الكثيرين من المرشحين المحتملين للرئاسة الى الجنرالات بوعود مغلظة تضمن حصانتهم من المساءلة عما اقترفوه قبل وبعد الثورة مقابل أن يعودوا لثكناتهم تاركين الحكم لسلطة مدنية . والمنتظر ألاّ يثق الجنرالات بهذه الوعود . فقد رأوا بأعينهم عدم سكوت أهل الضحايا فى ثورة 25 يناير عن المطالبة بالثأر .

2 ـ لا بد أن يطمع الجنرالات فى طريق أسلم لخروج آمن لهم من السلطة متمتعين ليس فقط بالحماية بل والتكريم وهدايا ومكافئات نهاية الخدمة بمئات الملايين من السعوديين . وهنا تلتقى مصلحة الطرفين .

3 ـ المتصور وجود ركيزة للاتفاق بين الجنرالات والسعوديين تحتم وصول السلفيين للحكم ، وأن يحكم الجنرالات ثم أتباعهم من الضباط  من وراء ستار ضمن آلية قانونية ودستورية للسيطرة العسكرية تعطى نفوذا للعسكر وملاذا آمنا للجنرالات ، على أن يشارك السلفيون في الحكم مدنيا بانتخابات تتم السيطرة عليها عبر خبرة مصرية عريقة فى التزوير. وبوصول السلفيين للحكم تتحول مصر الى ضيعة سعودية تفرض الهرم السعودى المقلوب على الهرم المصرى الراسخ .

4 ـ المتصور أيضا انه ليس سهلا  فرض هذا الاتفاق بين السلفيين والجنرالات . فهناك ثأر فى الماضى بين نظام مبارك والسلفيين خصوصا الاخوان منهم ، وهناك حلم فى المستقبل لدى السلفيين بأن يحكموا مصر مطلقى اليد دون تدخل من العسكر بل بوجود العسكر تابعين لهم . وهذا لا يرتضيه الجنرالات وهم الآن فى السلطة . ومن هنا دارت وتدور المفاوضات منذ اجتماع عمر سليمان بالاخوان وحتى الآن . كل فريق يحاول فى المفاوضات الحصول على أعلى مكسب ، وكل فريق يناور ويلعب بما لديه من أوراق . ولكنهما معا يقفان يدا واحدة ضد الثورة وضد الأقباط وضد العلمانيين وضد القرآنيين والاصلاحيين .

5 ـ وحتى يصل الطرفان الى إتفاق فسيظل المشهد المصرى يسير فى سيولته المعتادة وسيظل الاضطراب سيد الموقف .

6 ـ هذا إذا لم يتحرك الشعب بثورة تصحيح وإنقاذ .

أخيرا

1 ـ كيف ؟..

2 ـ نلتقى فى الحلقة القادمة .

اجمالي القراءات 13794