العدالة تعني معاداة السلطان
ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى

نبيل هلال في الإثنين ٢٤ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد ناضل الأنبياء لتحقيق غاية الأديان وهي حفظ التوازن بين مصالح الجميع وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وحماية مصالح الناس من الفرعون والكهنة والملأ . وناضل الفقهاء- نضالا مشبوها – لقصْر الدين على مجرد الدعوة لإقامة الشعائر والطقوس متجاهلين تماما ما يعانيه الناس من ظلم وقهر وفقر, فالدعوة إلى العدالة والحرية إنما تعني معاداة السلطان وولى النعم , فنظروا إليها بعيون مغمضة . وبينما أراد الله للدين أن يحرر الناس ويهديهم إلى مقاومة الظلم , استخدم الكاهن هذا الدين نفسه للإيقاع بالمؤمنين في غياهب القهر والظلم . ومرت أحقاب طويلة من عمر الإنسانية تَأكَّد فيها أن العدالة لا توجَد مصادفة وإنما يجب النضال للفوز بها , والشعوب الغافلة التي تنتظر فرَج السماء لتهبها تلك الحقوق عليها أن تنتظر حتى قيام الساعة. وفقيه السلطان يمنع الأمة المقهورة المغلوبة على أمرها من مجرد الانتصاف لنفسها بالدعاء إلى الله , بل يأمرها بالدعاء للسلطان ! فلعل الله يعطِّف قلبه عليهم! وهو استخذاء ننزه النبي أن يقول به , إذ نسبوا إليه حديثا يقول :" لا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك , ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم , يعطِّف الله قلوبهم عليكم" . بل يصل الأمر إلى حد اتهام من يطعن على الأئمة بالنفاق , فاصطنع فقيه السلطان حديثا نسبه إلى النبي يقول :"إن الرجل ليعمل كذا وكذا من الخير وإنه لمنافق , قالوا يا رسول الله , وكيف يكون منافقا وهو يؤمن بك ؟ قال: يلعن الأئمة , ويطعن عليهم " !
ولا معنى لأن يأمر الله المسلمين بالشورى ما لم تكن حرية الرأي مكفولة : الرأي والرأي المخالف , فليس في إبداء الرأي المخالف خروج على القانون , أو مناهضة مولانا السلطان , أو ازدراء النظام الحاكم , فلا أرتق لخلل الرأي من مشورة , فهي تفتح من الرأي عيونا مُنسدَّة. ولا يُستخلص الحق إلا بتضارب رأيين متعارضين يتم به استعراض ما بكل منهما من صواب وخطأ . أما التسليم بموقع الصواب في جانب دون آخر بلا سند فليس من الحق في شىء .
وقد كفلت وثيقةُ المدينة- الدستور-حريةَ الاعتقاد وحقوق المواطنة, وأقرت الحرية الإنسانية والخيار الإنساني . وبينما يسمح الله بحرية العقيدة فإن المستبد لا يسمح بحرية الرأي , وهذه الحرية كانت من أول ما تم سلبه عن طريق حكام المسلمين الذين لم يَدَعوا للناس سوى حرية النباح ما لم يعضوا .
لما استعمل معاويةُ بن أبي سفيان المغيرةَ بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين , أوصاه بمهامه الوظيفية ومنها المواظبة على شتم على بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد , وكذلك أوصى من ولِي إمارة الكوفة بعد المغيرة وهو زياد ابن سمية. وكان الصحابي حُجر بن عدي إذا سمع شتم علي بن أبي طالب يهب معترضا قائلا: " أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل , ومن تزكون-يقصد معاوية-أَوْلى بالذم . كان ذلك هو رأيه الذي دفع حياته ثمنا له هو وستة من أصحابه دُفن أحدهم حيا . كان ذلك مبلغ حرية الرأي في دولة الخلافة , وكان ذلك هو جزاء من تحدثه نفسه أن يرى غير ما يرى من بيده السلطة . ويتباكى فقهاء السلطان على العدل والحرية في زمن الخلافة , وليست النائحة المستأجَرَة كالنائحة الثكلى .

كان ذلك مسطورا - ولا يزال - في كتب تراثنا السياسي , كذلك إذا نظرت ( في الآداب المسيحية , تجد الطاعة العمياء هي قوامها, حقيقة أنها لا توصي أتباعها بتنفيذ أوامر السلطان إذا كانت مخالفة لنصوص الدين , ولكنها تأمرهم بالإذعان وعدم العصيان , مهما أصابهم من أذى)-انظر جون ستيوارت مل- عن الحرية.
ولا معنى لمسؤولية الإنسان أمام ربه ما لم يكن هذا الإنسان حرا مختارا , وبمقتضى عرض الأمانة على السماوات والأرض وقبول الإنسان لها وهى المسؤولية وحق الاختيار والحرية , يكون تنازُل الإنسان عن هذه الحرية والمسؤولية نقضا من جانبه لهذا الاتفاق . وقبول الإنسان للخضوع لأي سلطان آخر غير سلطان الله يكون هو الشرك الذي لا يغفره الله ({إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء116.
وصلاح الدنيا معتبَر من وجهين : أولهما عدل الحاكم , والثاني وعي المحكومين , فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه , وليس شيء أسرع في هلاك الحرث والنسل ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور . نبيل هلال هلال

اجمالي القراءات 12052