مع بيل كلينتون والربيع العربى للديمقراطية

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠١ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك خيوط واهية تربطنى بالرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، وزوجته هيلارى كلينتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة حالياً، فقد جمعتنى بكل منهما على حدة مُناسبات عامة خلال العقدين الماضيين. وكان الرجل أحد الشخصيات المرموقة، التى استنكرت تنكيل الرئيس المُتنحى حسنى مُبارك بى (٢٠٠٠-٢٠٠٣).

وكعادة الرؤساء الأمريكيين، بعد انتهاء فترة رئاستهم، فإنهم يُنشئون مؤسسات للنفع العام، تقوم بأنشطة بحثية، أو تنموية، أو ثقافية، أو خيرية. وكان هذا شأن بيل كلينتون الذى أنشأ هو ومُحبوه «مؤسسة بيل كلينتون للمُبادرات الكونية». وتعقد المؤسسة لقاء سنوياً، تدعو إليه نشطاء وشخصيات من عوالم الفن والفكر، والعلوم، والسياسة. وضمن من دعتهم المؤسسة لمؤتمرها عام ٢٠١١، المُناضل الأفريقى ديزموند توتو، والمُناضلة البورمية أونج سان سوكى، والبنغالى محمد يونس، صاحب تجربة بنك الفقراء (جرامين)، والأميرة السعودية أميرة الطويل، نائبة رئيس مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية.

وكذلك حرص بيل كلينتون على دعوة عديد من شباب ثورة اللوتس المصرية، ورغم كهولتى، فقد قام الرجل بدعوتى للحديث إلى المؤتمر (خمسمائة مُشارك) عن الربيع العربى للديمقراطية، وعما عسى يتوقعه النشطاء فى الديمقراطيات العربية الوليدة، من الديمقراطيات الأقدم.

ولأهمية موضوع الجلسة التى تحدثت فيها، فقد حرص بيل كلينتون، أن يرأسها بنفسه، كما شارك بالحديث فيها أحد شباب ميدان التحرير، وهو فى منتصف العشرينيات، وطلب ألا أذكر اسمه، وأميرة سعودية هى قرينة الأمير الوليد بن طلال، ورئيس مجلس إدارة شركة الكوكاكولا، مُهتار كنت، وهو أمريكى من أصل تركى، وسيدة أعمال أردنية هى ميادة أبو جابر، وقد تحدث كل مُشارك نحو عشر دقائق، ثم وجّه الرئيس بيل كلينتون سؤالاً لكل مُتحدث، قبل أن يترك المجال لبقية الحضور فى أكبر قاعات فندق شيراتون- نيويورك.

تحدث زميلى الشاب المصرى عن نشأته المُتواضعة، وكيف كافح وثابر حتى أصبح خبيراً قى مجال الحاسبات، وكيف أنه وأبناء جيله قد أحسوا بالمهانة، وهم يُحرمون من جنى ثمار مُثابرتهم فى وطن استشرى الفساد والمحسوبية فى كل جوانب الحياة فيه، لذلك استجاب بسرعة لدعوة أبناء جيله، وتظاهر معهم، واعتصموا معاً فى ميدان التحرير حتى أسقطوا نظام حُسنى مُبارك.

وتحدثت الأردنية ميادة أبوجابر عن أنشطتها فى ربط التعليم بسوق العمل، ففى الأردن، شأن مُعظم الأقطار العربية، ينصرف اهتمام الشباب وذويهم إلى الحصول على الشهادة، ثم على الوظيفة الحكومية، لذلك أنشأت مركزاً لتأهيل الشباب الأردنى للعمل فى سوق تنافسية داخل الأردن وخارجه، وحاز مركز التأهيل ذلك على إقبال ملحوظ، وكان من شأن هذه السمعة الطيبة أن سمع عنها الرئيس الأمريكى الأسبق، ودعوته لها، حتى تنقل للآخرين من أبناء العالم الثالث ثمار تجاربها.

أما أميرة السعودية، ذات السبعة والعشرين ربيعاً، فقد تحدثت عن نشأتها كإحدى بنات الطبقة المتوسطة، فى المجتمع السعودى المُحافظ. ولكنها التحقت بالعمل فى مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية. ولفتت أنظار صاحب المؤسسة بجرأتها فى الدفاع عن حق البنات السعوديات فى التعليم والعمل والمُشاركة فى الحياة العامة، وتدرجت بسرعة فى مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية، حتى أصبحت نائبة لرئيس إدارتها. ولم تعلم تحديداً، ما إذا كان جمالها أم جديتها فى العمل هى التى دفعت الوليد بن طلال أن يطلب يدها ويتزوجها، وفى كل الأحوال كان وجودها ووجود السيدة ميادة أبوجابر ضمن المُتحدثين فى المؤتمر خير دعاية لإمكانيات المرأة العربية فى الاستفادة والإفادة من أى هامش يُتاح للمرأة العربية.

وركز رجل الأعمال التركى فى حديثه عن أهمية التعليم العملى لأبناء الشرق الأوسط من الشباب الذين يصل عددهم الآن إلى مائة وخمسين مليوناً، بين فئتى العُمر من ١٥ إلى ٣٥سنة، وفى رأيه أن أى دولة أخرى لابد أن تحسد مجتمعات الشرق الأوسط على هذه الثروة البشرية النادرة، وبتوفير التعليم والتأهيل المهنى لهذا الشباب، فإن الشرق الأوسط لن يحتاج إلى مُساعدات خارجية، ما دامت لديه هذه الثروة البشرية الهائلة.

أما مُساهمتى فى هذا اللقاء، فقد كانت عبارة عن حوار بينى وبين الرئيس بيل كلينتون، الذى وجّه لى أربعة أسئلة، أولها: شعورى عند قيام الثورة. وثانيها: حول دورى فى تلك الثورة، وثالثها: عما يمكن أن تتعرض له الثورة من أخطار، ورابعها: حول ما يمكن أن تقدمه الديمقراطيات القديمة (الأكثر رسوخاً) للديمقراطيات العربية الوليدة (فى مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وسوريا).

وفيما يتبقى من حيز فى هذا المقال، أطلع القرّاء على إجاباتى عن تلك الأسئلة باقتضاب شديد، على أن أعود إلى بعضها بمزيد من التفصيل فى مقالات قادمة.

فمن حيث شعورى عند انفجار الثورة المصرية فى يناير ٢٠١١، كان شعوراً بالبهجة والحماس، فرغم أننى كنت ممن عملوا لإشعالها طوال السنوات العشرين الأخيرة، وكنت أتمنى أن تحدث، لكننى لم أتوقع لها أن تحدث بهذه السرعة بعد ثورة تونس، وأننى لم أشارك عملياً فى مُظاهرات التحرير، إلا فى الأسبوع الثانى، وبناء على استدعاء عاجل من زوجتى، التى خاطبت الجموع المُحتشدة فى التحرير، من منصة الإخوان المسلمين (رغم أنها من أصول أمريكية، وغير مُحجبة).

أما عن المخاطر على اختطاف أو إجهاض الثورة المصرية، فيمكن أن يأتى أولاً، من المجلس العسكرى الحاكم، فقد يستمرئ السُلطة، ويقرر أن يمدّ الفترة الانتقالية، ويجد المُبررات لذلك، ولدى مصر سابقة فى هذا الصدد، فقد جاء الضبّاط الانقلابيون إلى السُلطة فى عام ١٩٥٢، بقيادة جمال عبدالناصر، وخلّصوا مصر من الملك فاروق، ومن الإقطاع، وألغوا النظام الملكى، وأسّسوا النظام الجمهورى، ووعدوا الشعب أن يتركوا السُلطة لحكومة مدنية مُنتخبة بعد فترة انتقالية لن تتجاوز ثلاث سنوات، ولكنهم ظلّوا فى السُلطة ستين عاماً (محمد نجيب، فجمال عبدالناصر، فأنور السادات، فحسنى مبارك، فالمشير محمد حسين طنطاوى)، أما الخطر الثانى فهو من «الثورة المضادة»، من فلول النظام السابق، ولهم قواعدهم فى الأرياف والمُدن، وهم يتحيّنون الفُرص للانقضاض وللعودة إلى السُلطة من جديد.

وأخيرا فإن التيار الإسلامى- بإخوانية وسلفية- فيمكن بدوره أن يفعل نفس الشىء، أى أن يختطف الثورة من شباب الطبقة الوسطى، الذين قاموا بها، ومات منهم العشرات فى سبيلها، وهم قد فعلوا ذلك نيابة عن كل فئات الشعب، التى ظلّت توّاقة إلى التغيير على مدى ثلاثين عاماً.

أما ما تريده الثورات الوليدة، فى مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، من الديمقراطيات الراسخة، فهو أولاً: عدم التدخل فى شؤونها، وثانياً: الكف عن دعم الحُكّام المُستبدين فى دول الجوار، وثالثاً: حل عادل للمسألة الفلسطينية، حتى تتفرغ شعوب المنطقة لإعادة البناء، وأخيراً تشجيع الاستثمارات، لخلق فُرص عمالة لملايين الشباب الذين ثاروا فى «التحرير» وفى غيره من الميادين العربية.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 10503