مشكلة عقل القرآن

مصطفى فهمى في الخميس ٢٢ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

القرآن مكتوب باللغة العربية و هى ليست بلغة سهلة و الكلمة فيها تحتمل الكثير من المعانى و تُفهم المعانى من سياق الجمل و يحتمل التأويل، و نجد كلمة "مبين" فى الآيات التى تصف القرآن ـ و هى من "بين" التى تفصل بين الأضداد ـ و نرى معناها يحتمل الكثير من المعانى المتجانسة و المتناغمة التى توضح وظيفة القرآن و كذلك استمرار صلاحيته و هى أن القرآن مبين أى يفصل و يفصح و يظهر و يفرق بين الحق و الباطل، و قضية الحق و الباطل هى قضية تطول كل شئ على مر الزمان و كل المكان و يتراوح مداها من القضايا الكلية إلى التفصيل التطبيقى و الكليات هى الأمر الإلهى و مراده و لا تتغير فى مضمون مبادئها و تبقى تلك المبادئ بلا تغير على مر الزمان و كل المكان، أما التفصيل فهو تطبيقى و يحكمه التغير الظرفى للزمان و المكان و العلم المتاح 

 القرآن مكتوب بأسلوب غير اعتيادى للمعروف للناس، فاختيار الكلمات و تركيب الجمل فيه و تتابعها يظهر معجزته فى نقل رسالة الله لعباده برسالة ثابتة النص تُفهم المعانى فيها و المراد على مر الزمان و كل المكان للقارئ و التدبر، كُلً حسب مقدرته و علمه يأخذ منه ما يكفيه فى حركته فى الحياة

عقل القرآن

القرآن نص إلهى فى رأيى يحتاج التأويل و التأويل (و هو فى رأيى عمل مطلوب و محمود) هو إرجاع الشئ لأوله و فى القرآن فى رايى هو إرجاع المفردات و الجمل و بالتالى النص القرآنى إلى معنى مفهوم و مقصود لمراد الله فى زماننا و مكاننا الآنى، هذا بالرغم من أخبارنا من داخل نص القرآن خبرا لابد أن نضعه فى مقام اليقين الإيمانى ـ لإيماننا بألوهية النص ـ، وهذا الخبر يقول {وَ"مَا" يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} فى سياق الآية

{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران}

فهل هذا الخبر المقصود به منعنا من تأويل النص و أتباع ظاهرة؟ (وحتى ظاهرة يحتاج إلى اجتهاد لفهم معانى الكلمات)؟

.. أم هو خبر يعلمنا باستحالة فهم تلك المتشابهات و لو حتى بمحاولة التأويل فلن نفهم و الله فقط هو الذى يعلم تأويله؟

.. أم هو دعوة للاجتهاد فى محاولة لتأويل النص للوصول و فهم مراد الله الحقيقى من "الهدى" الذى يتلخص فى رسالته لنا {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة} و يكون ذلك هو الاختبار الحقيقى لنا؟،

و نحن نستريح للفرض الثالث و هو الدعوة للاجتهاد و التأويل و محاولة فهم القرآن، و السر فى ذلك، هو الارتياح العقلى المنطقى تسانده اللغة فى معنى و مفهوم "ما" النافية التى سبقت "يعلم تأويله" حيث "ما" النافية فى اللغة إذا سبقت فعل مضارع تنفى زمن الحال الحاضر فقط، أما إن كانت "لا" هى التى سبقت بدلا من "ما" و حيث أن "لا" إذا سبقت فعل مضارع تنفى زمن الحال الحاضر بالإضافة إلى زمن المستقبل، لكان هذا سدا منيعا للتأويل و تظل بذلك الآيات المتشابهات مستعصية علينا إلى أن يرث الله الأرض و هذا لا يبدو منطقيا أو معقولا، و بتقدم "ما" النافية فذلك يعنى إن ما لا نعقله أو نفهمه آنيا من المتشابه فى القرآن قد يأتى من بعدنا من يستطيع تأويلة و هذا يبدو معقولا و منطقيا

"الزيغ" هو الميل، و من منا ليس بقلبه ميل!؟، و عندما نتعامل مع المتشابهات،

فمنا "فئة أولى"  يميلون ابتغاءً الفتنه و يريدونها  

و منا "فئة ثانية" يميلون للتأويل ابتغاء الحقيقة و يسعون لها

أما "الفئة الثالثة" و هم الراسخون فى العلم ـ ففى ظنى ـ أنهم بعد قيامهم بمحاولة الفهم سواء ظنوا أنهم نجحوا أو فشلوا فى الفهم سيقولون آمنا به لآنهم مؤمنون إيمان مطلق بالقضية الإلهية، و هؤلاء الراسخون فى العلم فى ظنى أيضا ليس هم الأعلم علما بالضرورة، بل هم من تحول "علمهم" بقضية الألوهية، فأصبح "إيمان" مطلق "راسخ" فلا يشغل بالهم هذا التشابه أو التناقض الظاهرى فى الرسالة سواء فهموه أو لم يفهموه، بل يلتفتون عنه لإيمانهم بأنه من عند الله و هذا يكفيهم

نحن نؤمن أن القرآن من عند الله الواحد الأحد و ليس عندنا إثبات عقلى على ذلك إلا عقلنا نفسه و هذا العقل المخلوق لا يستطيع الإحاطة بقضية إلهية أو فهمها، فيكون لزوما على هذا العقل أن يحول إيمانه بألوهية النص إلى حقيقة عقلية لا تقبل الجدل حتى و إن وجد فيه تشابه أو تناقض، و بالتبعية تكون معنى و مدلول الكلمات المكونة للنص بالضرورة صحيحة و لا تقبل النقض، هذا و إن ظننا أننا فهمنا النص بتأويله بعلمنا الآنى الذى يحتمل الخطأ أو حتى لم نفهمه

بإيماننا بأن القرآن من عند الله و بإيماننا بالتبعية كقضية مسَلمة، أن محتواه بالضرورة صحيح نصا و معنى و مراد، فيكون تعاملنا مع أى نص فيه تشابه أو تناقض لمحاولة عقله، يكون على وجهين لا ثالث لهما

  • "الوجه الأول" إن كان فهمنا بعقلنا لظاهر جملة أو نص فيه يخالف أو يناقض منطقنا أو فهمنا أو عقلنا للأشياء و المعانى أو يخالف أو يناقض ما نألف من الصح و الخطأ، يبدأ العقل فى التأويل لظاهر النص حتى يصل به إلى معنى مقبول يواكب منطق العقل و زمانه و مكانه و علمه أو لا نصل
  • "الوجه الثانى" هو أن نوقف العقل من التعقل و نقبل ظاهر النص مستعملين الإيمان بضرورة صحة ظاهر النص مع تحويله إلى حقيقة عقلية جديدة نبطل بها ظن الحقيقة المتصورة بالعقل و إن كانت تلك الحقيقة حقيقة علمية منطقية آنية

يتدرج و يتراوح تعامل العقل للنص بين الأخذ بالظاهر كليا و بين الأخذ بالتأويل كليا ـ و ما بينهما ـ و هذا يرجع لعقل الفرد و تكوينه و زمانه و مكانه و علمه و أولا و أخيرا عقيدته الإيمانية التى تحولت بالضرورة إلى حقيقة عقلية تسيطر على عقله، و لو أخذنا بحسن نية قارئ النص فى محاولة تدبره، سواء كان من مدرسة الظاهر أو مدرسة التأويل أو ما بينهما من مدارس و مناهج  و مشارب شتى، فلا شك أن نتيجة التدبر ستختلف، حتى وإن كان القصد حسناً دائما و هو إثبات صحة النص و ألوهيته و أيضا منطقيته، فإن النتيجة ستظل ملونة بلون كل متدبر من المتدبرين حتى و إن كانوا من نفس المدرسة الواحدة، و يكون الضمير و النية للفرد هى الحكم عليه

أظن أن سبب كتابى هذه المقالة هو فى الأول و الأخير محاولة كسب المشروعية لميل فهمى و منهجى ... و تبريره لنفسى

ولكم منى كل الود

اجمالي القراءات 17726