فكرة المهدي المنتظر ليست من أركان الإسلام

على سيرينى في الأربعاء ٢١ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لا يشترط في وجود عقيدة ما أو فكرة ما، في أمة أو ملّة ما، سندٌ قطعي الثبوت والدلالة. الكثير من العقائد والأفكار ضربت أطنابه في أرضنا الإجتماعية-الدينية، وهي (الأطناب) لا تملك سنداً ثابتاً، لكنها تملك شرطاً أقوى للبقاء، ألا وهو (عراقته التاريخية!)، والتراكم الصلب الذي تحول إلى تقاليد غير خاضعة للإمتحان والمسائلة. فكرة المهدي المنتظر، هي إحدى هذه الأفكار التي آمن بها الكثير من المسلمين منذ عصور طويلة، دون وجود دليل قطعي (من حيث التسلسل الزمني)، لتسجيل دخول هذه الفكرة في الوجود العقائدي/الإجتماعي للمسلمين. هذه الفكرة ليست موجودة في القرآن البتة. لكنها موجودة بسند (الآحاد) عند السنّة، وبروايات مختلفة عند الشيعة متناقضة أحيانا، ومختلقة أحياناً أخرى. لكن الواقع يثبت لنا أن فكرة المخلّص، هي جزء مشترك في الميثيولوجيا الشعبية منذ القدم، مروراً بالأديان الغابرة وإلى يومنا الحاضر، حيث نرى أصداء هذه الأفكار عند الأديان الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية والإسلام، فضلاً عن أديان شبه القارة الهندية.

مضمون فكرة المهدي المنتظر عند المسلمين، يناقض مبادئ وأركان الإسلام بشكل ملحوظ. فما يخص الشيعة فإن فكرة المهدي المنتظر مرتبطة بركن العقيدة، التي تعتبر "الإمامة" جزءا منها. الشيعة يعتبرون الإيمان بالإمام المعصوم بعد النبي ركناً من أركان الإيمان، وبجحوده ونكرانه يبطل إسلام المرء، وينتفي منه الإنتماء إلى "الأمة الإسلامية". ولو سألنا الشيعة عن أفعال البشر هل هي مسيّرة أم مخيّرة، فالجواب يؤكد الإختيار (أفعال الإنسان صادرة من إرادة محضة). ولو سألنا من هذا الباب، هل إختفاء المهدي المنتظر لقرون طويلة، جاء بسبب أفعال البشر الإختيارية، أم بأمر من الله كقضاء وقدر مسبقين على أفعال العباد؟ فالجواب مع إرتباكه، يؤكد إقتران سبب الإختفاء بأفعال البشر، ألا وهي (الأفعال) كانت ملاحقة المعصوم وإرادة قتله. إذن، فإن إبتغاء الناس القضاء على المهدي المنتظر، أدى إلى إختفائه. ولو سألنا هذا السؤال الإفتراضي: لو أن الإمام المهدي ظل يمارس حياته الإعتيادية، بعيداً عن الملاحقة والتهديد، فكم عاماً كان يبقى على قيد الحياة، ليغطي شرط الإمامة، ومعلوم أن الأئمة من بعد الرسول إثنى عشر إماماً فقط؟ ولو كان قدّر له ذلك، فكانت السنن الإلهية تقتضي وفاته في عمر قريب من أعمار أسلافه أو يزيد بمدة معقولة، وليس أن يعيش إلى آخر الزمان بيننا. ثم يأتي السؤال: من كان ليحل محل الإمام المهدي بعد وفاته؟ إن كان الجواب أن المهدي كان يعين بعده إماماً، فإن الأئمة هنا يصبحون أكثر من إثني عشر، ولو قيل أنه ما كان ليعين إماماً بعده: فمن كان ليغطي الإمامة للقرون من بعده، ومعلوم أن خلاء عصر من العصور من الإمام المعصوم، مستحيل الحدوث في العقيدة الشيعية؟

نعود إلى الشطر الثاني من السؤال. لو قيل في الجواب، أن إختفاء المهدي كان مقدراً من عند الله تعالى، فلماذا يُلام البشر في ما ارتكبوه في حق الأئمة (وخصوصا المهدي المنتظر) من ظلم؟ إنهم وفق هذا التفسير إنما كانوا ينجزون قدراً إلهياً، وهو ما يتنافى مع تخيير الإنسان وإرادته!

وهذا يعني ضمنا الإقرار بالجبرية، وعليه لا يمكن عقاب من ارتكبوا الظلم بحق الأئمة، لأن ذلك يعد إتيانا لمشيئة إلهية.

الأكثر من ذلك، فإن الجوهر الأساسي لظهور المهدي المنتظر يكمن في مسألتين:

الأولى: أن يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت ظلماُ وجورا.

الثانية: ليظهره على الدين كلّه.

هذه الشروط تومئ ظاهرياً بالإحسان والخير للبشرية، لكنها تحمل في طياتها تناقضات بائنة مع أسس الإسلام. لنناقش الفكرتين.

منذ بدء الخليقة، سجلت هذه الأرض التي نعيش فوق ظهرها ألوان الظلم والعذاب.

حسب بعض الروايات (منه ما يُنمى إلى الرسول) فإن المهدي يظهر في آخر الزمان. من المسلّمات الأكيدة عند المسلمين، هو أن الله عزوجل عادل. فكيف إذاً، تتفق عدالة الله مع ظهور المهدي، ليخلّص في آخر الزمان جيلاً من الناس، وتحرّم منه أجيال كثيرة ومتعاقبة؟

أين "المحجة البيضاء ليلها كنهارها" في العصور التي خلت في فرق الإسلام وجماعاته، حيث الإختلاف والشقاق والفرقة، مع البعد الحقيقي لفكرة المخلّص، الذي يخلّص البشرية؟ ماذا عن العامة التي تاهت منذ عصور بين العقائد والفرق والمذاهب، في وقت يدّعي كل مذهب أو جماعة كونها "الفرقة الناجية"؟

في ما يخص موضوع "ليظهره على الدين كلّه"، من الجدير بالإشارة أن هذه الفكرة تعني أن الإسلام سيسود العالم، وستدخل البشرية كلّها في هذا الدين، بعد ظهور المهدي. هناك جملة إشكاليات معقدة للغاية، في هذا الطرح الخطير حقاً. لنسأل، من هو الأعظم (دينياً) على الصعيد الإسلامي، المهدي المنتظر، أم أسلافه من الأئمة، ناهيك عن الرسول نفسه؟

حين سألت مجموعة من شيوخ الشيعة هذا السؤال، أكدوا لي أن الرسول ومن بعده الأئمة، أعظم من المهدي المنتظر. ولكن السؤال يقفز إلى الواجهة، إذا لم يستطع الرسول والإمام علي، على سبيل المثال، من إدخال جميع الناس في الإسلام، في حين يقدر المهدي من إدخال البشرية برمتها في الإسلام، ألا يعني هذا أن المهدي يعد أعظم شأناً من غيره من أسلافه، وهو ما يرفضه المسلمون قطعاً؟! وماذا عن البشرية التي حرّمت من المهدي المنتظر، في القرون التي سبقت ظهوره؟ ألا ينفي، ظهور المهدي في زمان معين وبين أناس معينين، صفة العدالة الإلهية؟ لماذا حرّم أجدادنا من هداية المهدي، بينما يتمتع بهذه الهداية جيل معين لا نعلم من هم؟ والأنكى، فإن فكرة المهدي لم تجلب للمسلمين منذ القرون الأولى وحتى الآن، سوى المصائب والتشرذم والمزيد من الضلالة والدماء، منذ شقيا بن عبدالواحد ومحمد بن تومرت إلى زماننا هذا حيث مدّعي المهدية كثر، وآثارهم معلومة للعيان. أما البهائية والبابية والقاديانية والأحمدية، فما هي إلاّ الثمار الفجة لهذه الفكرة.

بالنسبة إلى مسألة، ليظهره على الدين كلّه، من المفيد أن نعود إلى أسس العقيدة والتصور الإسلامي (أو الخصائص حسب تعبير مفكر إسلامي معاصر).                                                     في الإسلام، الإنسان مخيّر. لا يمكن إكراه الإنسان على إعتناق الدين بالقوة. وفوق ذلك، فإن أفعال الإنسان كما قلنا في بداية المقال مخيّرة وليست مسيّرة، أي غير مفتعلة من عند الله عزوجل حدوثاً. أي أن الله خالق الأفعال من خير وشر، لكن الإنسان مخيّر لإتيان أيهما طوعاً لا كرهاً. إذا كان الأمر على هذا النحو المذكور، فما الذي يطرأ على القانون البشري كي يدخلوا في دين الله جميعا؟ هل أن المهدي يجبرهم على ذلك، وهو ما يتنافي مع جوهر الإسلام؟ أم أن أفعال البشر آنئذٍ تصبح مسيرة من قبل الخالق؟ إذا كان الجواب، نعم، أن البشرية تسيّر، إلى الإسلام كرهاً، فإن قيمة إسلام المرء تسقط من ميزان العقل والإختيار. وكذلك تتنتفي الحاجة إلى وجود المهدي أساساً، لأن الله تعالى يقدر على فعل ذلك في أي وقت وأي عصر! لكن السنن الإلهية في خلقه منذ بدء الأزمان وإلى نهاية الكون تكمن في "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، ناهيك أن مسيرة التاريخ البشري سجلت في أغلب العصور، قلّة من الناس اتبعوا الرسل والأنبياء والغالبية أنكرت.

وفي ما يتعلق بأمر المهدي عند أهل السنة والجماعة، فإن الحديث ورد في باب (حديث الآحاد)، وهو في سياقاته غريب ويتضمن إشكالات كثيرة. فمن حيث الرواية، تتبين أهمية وهول هذا الخبر، مما أدى بالرسول إلى صرف إهتمام كثير ووقت طويل نسبياً لتبليغ هذا الحديث، أي ظهور شخص من نسله يواطئ إسمه إسم الرسول يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وجورا. إذا كان الأمر بهذه الأهمية فلماذا يخبر الرسول شخصاً واحداً، ولا يلقي الخبر أمام جمع من الصحابة  عدة مرات حتى يصبح الحديث متواتراً، يستحيل الإجماع فيه على الكذب، خصوصاً أن الأمر خطير ومتصل بعقيدة المسلمين ومحجتهم البيضاء؟!

والأكثر من ذلك، لماذا لم يرد ذكر المهدي المنتظر في القرآن الكريم بشكل قطعي الدلالة والثبوت، حتى لا نقع في الشك والمبهم، في وقت تكمن أهمية قصوى في المسألة نفسها؟

إن القرآن يصرّح بوضوح "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". يهدي فعل، ومنه يأتي إشتقاق إسم المهدي، الذي هو هنا وفي كل عصر وزمن، القرآن الكريم نفسه. وبوجود شئ يرشدنا إلى الأقوم ما الحاجة إلى مهدي زائد؟ ما هي مهمته؟

قيل في مدح الرسول، كان خلقه القرآن. وفي مدح علي، يقول الرسول: علي مع القرآن والقرآن مع علي. إذن فإن القرآن هو المهدي الحقيقي منذ بدأ الإسلام، لكن المسلمين، كثيراً ما هجروه ليستمدوا بعض العقائد من ملل أخرى، للتغطية على عجزهم، ومن ثم العيش في الأحلام، بأمل مخلّص ما في يوم من الأيام.

للحديث صلة...

اجمالي القراءات 21730