وقفة مع آية (1)

ابراهيم ايت ابورك في السبت ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

وقفة مع آية (1)

مقدمة:

الكثير من النّاس تعتقد أن القرآن الكريم أو بالأحرى بعض آياته الكريمة محمولة بالتاريخ, لأنهم اكتفوا بالتفسيرات الموروثة فيما يسمى بكتب التفسير المقترنة بسبب النزول, وبذلك يضعون سقفا لفهم دلالات كتاب الله تعالى لا يجب الخروج عليها, بإعتبار الاولين هم من لهم الحق او القدرة على استسقاء مدلولاته وفهم مراد الله تعالى فيه..

الا أن الحقيقة أكبر من ذلك فالقرآن الكريم أكبر من التفسيرات الوضعية للجيل الأول فعمق تأويله لا يعلم حدوده الا الله تعالى.

 وكما أن للعقل البشري القدرة على الغوص في أعماق السماء سبع درجات { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة-29 , له القدرة أيضا على الغوص في العمق المتشابه للقرآن سبع درجات, يقول تعالى: { وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ } الحجر- 87

هم قالوا أن سبع المثاني هي فاتحة الكتاب, والمسألة ليست كذلك لأن فاتحة الكتاب متضمنة أصلاً في القرآن العظيم فكيف سيقول الله تعالى اتيناك فاتحة الكتاب والقرآن العظيم ؟؟ ونكون بذلك فصلنا فاتحة الكتاب عن القرآن العظيم !!.. زد على ذلك ف { سبعا } أتت نكرة وفاتحة الكتاب معروفة لنا كالقرآن العظيم, ولو كانت تعني ماذهبوا اليه لقال الله تعالى (ولقد أتيناك السبع المثاني ).

ومن أجل ذلك فالله تعالى يحدد لنا العمق المثني للقرآن العظيم في سبع درجات والكل يقرؤه على حسب درجة فهمه وتقدمه ونضجه الفكري والحضاري بما يتناسب مع كل جيل.. وأما أن نختصر مدلولاته وحتى أحكامه (القصاص) في كتب القرن الثالث للهجري فهذا كفر بدلالات القرآن الكريم التي لا تنضب و الذي قال عنه المولى عز وجل { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} الكهف-109

الموضوع:

الآية المدروسة من سورة النساء-15 يقول تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} في هذه الآية لسنا بصدد تفسير معانيها بقدر ما يهمنا صلاح أحكامها بالنسبة لكل جيل..

 في هذه الآية يتحدث المولى عز وجل عن عقوبة النساء الاتي يأتين الفاحشة والمولى عز وجل يأمرنا بالاستشهاد عليهن بأربعة شهداء منا قبل تنفيد العقوبة, أو بالأحرى السابقون فهموا من الآية ضرورة وجود أربعة شهداء من الرجال ليشهدوا رأي العين ودون لبس عليهن قبل تنفيد الحكم.. ولكن في عصرنا الآن عصر التقنيات والتكنولوجيا وعصر انتشار الكمرات الرقمية التي توثق كل دقيقة بل وكل لحظة وربما مصداقيتها أكبر من مصداقية ألف شاهد من الرجال والنساء لو اجتمعوا معاً !!هل ياترى لازلنا بحاجة الى رأي العين للشهادة سواء على من أتى بالفاحشة أو مشاهدة القمر لتحديد بداية رمضان ونهايته ؟ لماذا دائما يصورون لنا ان الدين متناقض مع العلم دون شعور ؟ !!

نحن نرى أن السر في كون هذه الآية صالحة لكل جيل يكمن كله في كلمة أربعة !!.

ماذا تعني ياترى كلمة أربعة في القرآن الكريم ؟؟ ولماذا لم يقل تعالى (فاستشهدوا عليهن خمسة منكم أو ثلاثة أو سبعة ) ولو كان الأمر كذلك لأصبحت هذه الآية محمولة بالتاريخ , لكن المولى عز وجل قال (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم).

لنرى معا ماذا تعني كلمة أربعة على مساحة النص القرآني

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – البقرة-260

إبراهيم عليه السلام هذا النبي العظيم المعروف بمنطقه وحججه الدامغة على المشركين يسأل الله تعالى ان يريه كيف يحيي الموتى ,بالطبع إبراهيم عليه السلام لم يكن يشك في قدرة العزيز الجبار بدليل أنه لم يقل له (هل تحيي الموتى) وانما قال (ارني كيف) ,اذا إبراهيم عليه السلام يبحث في كيفية احياء الموتى ليستريح عقله البشري الذي يسعى دائما الى البحث وراء المجهول والغيب..

وأكبر شهادة قدما الله تعالى لإبراهيم ليستريح قلبه تكمن في  أربعة من الطير, وبعد هذا العدد من المستحيل أن يتسرب الشك في الكيفية التي يحي الله بها الموتى الى قلب النبي إبراهيم عليه السلام, اذا اربعة في هذه الآية تعني أكبر شهادة ودليل وبرهان ويقين على صدق حدوث حدث ما وفي هذه الحالة احياء الموتى.. ومن هذا التعريف الشامل لكلمة أربعة نسقطه على النص القرآني بالكامل والصالح لكل جيل ...

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – البقرة-226

- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ –البقرة- 234

يأمر الله تعالى النساء المطلقات أو التي يتوفى عنهن أزواجهن بالتربص عن انفسهن أربعة أشهر وهي مدة كافية وشهادة كبيرة للتيقن أن بطونهن لا تحمل شيئا قبل اتمام عدة الطلاق او المباشرة بالزواج من رجل آخر. يعني كلمة أربعة تفيد أكبر شهادة للتأكد من عدم حدوث الحمل في هذه الآيتين ..

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – النور-4

وفي هذه الآية المعنى واضح حيث يأمرنا الله تعالى بجلد الذين يرمون النساء المحصنات الغافلات عندما لا يأتون بأربعة شهداء بإعتبار أربعة دائما تعني اكبر شهادة ومادونها لا تصح وبها ينال الرامي عقوبة ثمانين جلدة ولن تقبل منه شهادة ابداً على عدم اثباته مايدعيه عن المحصنات ..

لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ – النور-13

ومن هذه الآية أيضا يتضح أن أكبر شهادة تكمن في أربعة وما دون ذلك فأولئك هم الكاذبون ...

خلاصة

كل الآيات التي تحمل لفظ أربعة تعني أكبر شهادة سواء كانت هذه الشهادة  برأي العين, أو الشهادة بالوسائل التكنولوجية كالكمرات الرقمية أوالمختبرات الجنائية و الطبية لكشف الحمل مثلا ,المهم أن تكون الشهادة المقدمة دامغة, ومانعة لحدوث الشك . وبالتالي النص القرآني دائما فوق التاريخ ومساير للعلم لو قرئناه بعيون قرآنية, واصرارنا على قرائته بعيون السلف فهي جريمة لاتغتفر في حق كتاب الله تعالى ..

اعداد : إبراهيم ايت ابورك

adamoon@live.fr

اجمالي القراءات 13069