ملامح السخرية فى المقال السابق

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٢ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 مقدمة : أثار المقال السابق ردود أفعال لم أكن أتوقعها ، إذ ظن بعض الأحبة فى موقعنا ( أهل القرآن ) أننى أدافع عن المجلس العسكرى الحاكم فى مصر، فكتبت لهم ردا أقول فيه :

أحبتى ..هو مقال عريق فى السخرية ، وهو تكملةللمقال الأسبق عن المجلس وأسماء محفوظ

كل عام وانتم بخيرهل يتصور أحد من شيخ عريق فى النضال ضدالاستبداد والفساد أن يلغى تاريخه ببضعة أسطر فى مقال ، ويكون قد صدّر هذا المقالباتهامات خطيرة للمجلس العسكرى الذى أصبح يخيف المصريين بقضائه العسكرى وشرطتهالعسكرية ؟ الاتهامات خطيرة ، ولتخفيف توجيهها كانلا بد من عرضها فى اسلوب ساخر ، ومواجهتها بدفاع سقيم يحوى داخله اتهامات ضمنية ،وهو يعبر فى نفس الوقت عن ثقافة العبيد التى أرساها مبارك فى الدفاع الساذج عنالنظام وتخوين الأشراف من المناضلين . ليس هذا أول مقال لى يتبع اسلوب السخرية والتنكيت والتبكيت ، فقد سبقته مقالات معظمها سياسى نقدى ، أتذكر منها مقالين عن(عباس ) ولا يزال عندى مقال آخر لم ينشر عن رجال عباس.أرجو إعادة قراءة المقال فى ضوء هذاالتوضيح كى تبتسموا.

 ولكن أحسست أن الأمر يحتاج الى كتابة هذا المقال .

أولا : هذا المقال مرتبط بالسياق العام فى انتقاد مبارك وجنرالاته :

1 ـ من يراجع مقالاتى السياسية المنشورة على موقعنا وفى الحوار المتمدن يجد تحريضا مستمرا ضد حسنى مبارك وهجوما حادا عليه وتشجيعا على الثورة ، وتضمن هذا نقدا لجنرالات مبارك فى مقال بعنوان (نداء الى جنرالات الجيش المصرى : أليس منكم رجل رشيد ؟ )كان بتاريخ 14 يناير 2011 ، قبيل ثورة 25 يناير ،  وأثناء اندلاع مظاهرات الثورة كتبت أهاجم جنرالات مبارك مستغيثا بشرف العسكرية المصرية  ووطنية الجيش المصرى تحت عنوان (أين شرف العسكرية المصرية ؟ هل تقف مع جنرالات مبارك أم مع مصر وشعبها ؟) وذلك فى يوم 5 فبراير قبل تنحى مبارك بحوالى اسبوع . وفى عنفوان مبارك كنت أربط الهجوم عليه بالهجوم على جنرالاته فى القوات المسلحة وفى الشرطة وأمن الدولة . وبعد تنحى مبارك دعوت للإلغاء التام لمباحث أمن الدولة فى مقال (أمن الدولة بين الالغاء والابقاء ) بتاريخ 6 مارس 2011 ، ودعوة لاصلاح قانونى سريع للتخلص من سرطان اسمه مبارك لنتفرغ للاصلاح الشامل وننظر للمستقبل : (تعديل قانونى بسيط ينقذ  مصر من خطر محيط ) فى 19 ابريل 2011 . وأرسلت عبر السفارة المصرية  بحثا عن السلفية وجذورها وخطرها وكيفية ترشيدها ، وقد نشرت أجزاء من هذا البحث فى مقالات وفى برنامجنا ( فضح السلفية ). ولم أتلق مجرد رد بوصول الرسالة اليهم مع علمى التام بوصولها اليهم .

2 ـ أصبح معروفا أن أداء جنرالات المجلس العسكرى يسير من سىء الى أسوأ ، من انتهاك عرض المتظاهرات بدعوى الكشف عن عذريتهن الى تعذيب وخطف النشطاء وتحويلهم الى المحاكمة العسكرية ، ثم كانت الطامة الكبرى تحويل أيقونة الثورة المصرية (أسماء محفوظ ) الى المحاكمة العسكرية.

جنرالات مبارك فى المجلس يستخدمون قوانين مبارك وأساليبه المخالفة للعدل وحقوق الانسان ، بل يتهمون الثوار بنفس التهم ، ومنها تجريم التمويل الغربى للجمعيات الأهلية بنفس ما كان يفعله مبارك ، ويغضون الطرف مثله عن بلايين الدولارات التى تنهال من الخليج على جماعات السلفية ، ثم انهم هم الذين يسعون الى التمويل من اوربا والغرب ويحصلون على البلايين فى الوقت الذى تحصل فيه المنظمات المصرية على الملاليم . وفى كل ما يقترفه جنرالات المجلس (من جرئم هتك عرض وتعذيب وسوء استخدام للسلطة وإحالة الأشراف الثوار الى محاكم عسكرية وغض الطرف عن فلوك مبارك فى أمن الدولة وعصابات البلطجية وميليشيات الحزب الوطنى ) فهم لا يتراجعون عن بعضه إلا بضغط شعبى . ثم لا بد من ضغط هائل وعارم يصل الى قبيل نقطة الانفجار لكى يلبوا أهم مطالب الثورة وهو إحالة الخونة الفاسدين الى القضاء المدنى . وتظل ملفات كثيرة تحتاج الى ضغط وقد تنذر بثورة مختلفة وطاغية إن ظل الجنرالات على موقفهم المعادى لمطالب الثورة العادلة . لذا جاء مقال عن المجلس العسكرى وأسماء محفوظ ، ثم المقال التالى له فى الموضوع وهو ( اتهامات ظالمة للمجلس العسكرى فى مصر ، والرد عليها بقوّة) . الواضح هنا إنه مقال يسير فى نفس الاتجاه ، وإن كان يختلف من حيث الصياغة إذ يستخدم السخرية ( الجادة ) و( التنكيت و التبكيت ).

ثانيا : ملامح السخرية فى المقال

1 ـ تبدو ملامح السخرية فى صياغة العنوان (اتهامات ظالمة للمجلس العسكرى فى مصر ، والرد عليها بقوّة). :كلمة ( بقوة ) جىء بها للسخرية ، ومثل ذلك فى العناوين الجانبية مثل ( أولا  ـ إتهامات الخبثاء الأشرار)، و (  ثانيا : الرد على اتهامات الخبثاء الأشرار ). هى تعبيرات ساخرة وقد تكررت عمدا لتؤكد عنصر السخرية .

2 ـ وتحت العناوين تأتى اتهامات عنيفة وجادة ، منها عجز الجنرالات عن القيام برد عسكرى على اسرائيل ، لأنها ستنتهى باسرائيل وقد أعادت احتلال سيناء، وهى هزيمة ستجعل الاعدام هو المصير الحتمى لأعضاء المجلس ، بعد أن يتضح للجميع أن ذلك المجلس فشل فى إدارة حكم مصر وفشل فى مواجهة اسرائيل ولم ينجح إلا فى تسليط شرطته العسكرية على الشرفاء من شباب مصر وفتياتها وإحالتهم للقضاء العسكرى . وأنهم خلال ثلاثين عاما تربوا على طريقة حسنى مبارك فى انعدام القدرة على المبادرة والفعل والاكتفاء برد الفعل المتاخر بعد فوات الأوان . ووضح هذا فى طريقة إدارتهم لمصر . كانوا دائما فى موقع رد الفعل . وأنهم خلال ثلاثين عاما إنهمكوا فى كل شىء سوى الخبرة العسكرية ، فقد شاركوا فى النشاط الاقتصادى و تجارة السلاح والفساد ، مما أضعف الجيش المصرى فى مواجهة الجيش الاسرائيلى .  هذا فى الوقت الذى تثور فيه اتهامات لهم بالتعاطف مع مبارك الذى قام بتركيع مصر لاسرائيل ،إذ لا يتخذون أى إجراء ضده إلا بضغط شعبى عارم وخوفا من ثورة الجيش عليهم . بل إنهم يحيلون شباب الثورة الى محاكم عسكرية فى الوقت الذى يتسامحون فيه مع مئات الالوف من البلطجية المسلحين الذين دربهم أتباع مبارك .

3 ـ ثم يأتى الدفاع عن المجلس هزيلا ومضحكا ومن الممكن لأى قارىء عادى أن يدحضه. فالرد يتنوع من  كلام إنشائى مثل  : ( ..فهى اتهامات ظالمة ومغرضة من أناس قلوبهم مريضة) وتهديد صريح : (ومن يقولها فإنما يسىء الى المجلس العسكرى الموقر،وهذا يضعه تحت طائلة القانون ) مع تكرار كلمة( الموقر ) التى تم اختيارها وصفا للمجلس العسكرى لتذكرنا بوصف (مجلس الشعب الموقر ) الذى كان يرقص فى مواكب حسنى مبارك . وبعد التهديد يأتى التخوين ، مثل : ( والتعرض للجيش المصري والقوات المسلحة هو خط أحمر ، ولا يتجاوز هذا الخط الأحمر إلا كل خائن لمصر وكل حاقد عليها .) ثم استعادة خطاب الحزب الوطنى والاعلام الحكومى ، من أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة ، مع أنه لا توجد معركة أصلا ، ولكن الهدف هو الانبطاح للجنرالات ، ويأتى خلط هذا بتخوين الثوار واستعطاف الرأى العام العالمى ليقوم عنا بالمهمة ، يتضح هذا فى (  الدليل على أن هؤلاء الخبثاء خونة إنهم يختارون هذا التوقيت بالذات ليهاجموا المجلس العسكرى الموقر . فالمفروض أن نتكاتف جميعا تحت قيادة المجلس العسكرى الموقر فى شجب العدوان الاسرائيلى والتنديد به بأعلى صوت ، مع مطالبة الرأى العام العالمى ونهيب به بأن يقوم بمسئولياته فى هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من نضال شعبنا العربى العظيم وقياداته الحكيمة .) ثم يصل الرد الى تعجيز دعاة الاصلاح بطلب المستحيل منهم ، وهو الدليل على الفساد ، فالقائمون على الحكم يتحكمون فى الأدلة ويستطيعون محو ما يضرهم بنفس القدرة التى يستطيعون فيها تلفيق إدلّة لادانة الأبرياء . وهنا تتم صياغة الرد ليكون أكثر ضعفا : ( ثم أنها اتهامات بلا دليل ،فأين دليلكم على مشاركة قادة المجلس فى الفساد الذى عمّ وساد وانتشر فى عصرمبارك ؟ وأين الدليل على عمل أولئك القادة العظام فى التجارة فى الأسلحة وغيرها ؟ هل لديكم مستندات ؟ هل لديكم تقارير من مجلس الشعب أو من الجهاز المركزى للمحاسبات ؟ لا تتحججوا بأن ميزانية القوات المسلحة كان ممنوعا لمجلس الشعب مناقشتها ، وكان محظورا على الجهاز المركزى للمحاسبات مراقبتها . هذا كلام فاسد لأن المدعى العام حقق فى أموال الرئيس السابق وأسرته وكبار أعوانه المدنيين ، فلو كان هناك ما يشين أعضاء المجلس الموقر لأحالهم رئيس جهاز الكسب غير المشروع للنيابة فورا .) ومن الطبيعى أن النائب العام موظف خاضع للجنرالات كما كان من قبل خاضعا لسيدهم الرئيس المخلوع . أى هى حجة باطلة .

ثم يوجه الدفاع عن الجنرات طعنة دامية للجنرالات وأحراجا شديدا لهم ، حين يقول (إن الدليل الأعظم على نقاء صفحة القادة الأجلاء للمجلس العسكرى الموقر هو استعداد كل واحد منهم لاعلان عناصر ثروته قبل وبعد 25 يناير 2011 .) ثم يتلوه جملة تجعل القارىء ( المصرى بالذات ) يتذكر المثل الشعبى القائل ( قالوا للحرامى إحلف / قال جاءك الفرج ( وهناك دليل أعظم آخر ، وهو إن كل واحد من القادة فى المجلس العسكرى الموقر مستعد أن يقسم بشرفه على أن ماله حلال و أنه منذ قيام الثورة لم يقم بتستيف أوراقه وتدبير حاله و( تظبيط ) وضعه ليخرج من أى اتهام كالشعرة من العجين .).

بعدها يأتى الدفاع عن الجنرالات باتهام لهم بأنهم يوجهون قواتهم المسلحة الى الشعب المصرى ، حين جعلوا الوطن جبهة داخلية يتفرغون لها ضد الثوار الشباب الأبطال يتهمونهم بالخيانة ، تاركين الجبهة الخارجية الى (حين ميسرة ) سيرا على سنة حافظ وبشار الأسد فى سوريا  : ( أما عن تفادى المواجهة العسكرية مع اسرائيل فذلك غاية الحكمة ، فلا يتصور عاقل أن يعمل المجلس العسكرى على جبهتين معا ، جبهة داخلية يرتع فيها أعداء مصر مما يسمى بمنظمات المجتمع المدنى مثل 6 ابريل واخواتها الذين يتلقون تمويلا من أمريكا والغرب الكافر ، ثم جبهة خارجية ضد اسرائيل .  لا بد من تطهير الجبهة الداخلية أولا من الطابور الخامس ، وبعدها يمكن الالتفات للجبهة الخارجية ومواجهة اسرائيل وتلقينها درسا لن تنساه . المهم الآن هو الجبهة الداخلية لأن العدو هنا يزعم الوطنية ويتخفى و يندس بين الشرفاء من أبناء الشعب المصرى العظيم ، وهذه القلة المندسة تنشر إشاات مغرضة تثير البلبلة وتهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى . لذا فهم أخطر على مصر من اسرائيل وأمريكا وأوربا .) ثم تصل السخرية الى قمتها بطلب (تنظيم مليونية سلفية  لتبايع المجلس العسكرى ورئيسه سيادة المشير رئيسا لمصر مدى الحياة ،  وتنظيم مليونية أخرى لتأييد حكمة المجلس العسكرى فى نضاله ضد الخونة والأعداء والقلة المندسة داخل مصر وخارجها.).

ختاما : هناك نوع من السخرية الواضحة كان يمكن استعمالها هنا بسهولة ، بمجرد إضافة تعبيرات تتندر وتستهزىء كأن يقال ( المجلس العسكرى بسلامته ) أو استعمال مأثورات فى التعليق مثل ( أسد علىّ وفى الحروب نعامة ) . وهناك سخرية جادة تتأسس على الموضوع وعقد المفارقات الصارخة . وقد تخفى السخرية الجادة المتجهمة على كثيرين ، ولكن موقف الكاتب وتوجهه هو الذى يحدد ويؤكد أنها سخرية ..وإن كانت جدا وليست هزلا .

اجمالي القراءات 13044