هل أصبحت الثورات العربية في مأزق حرج؟!

د. شاكر النابلسي في الجمعة ٠٥ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

هل أصبحتالثورات العربية التي نجحت في تونس ومصر، والتي لم تحقق أهدافها بعد في ليبيا،واليمن، وسوريا، في مأزق حرج الآن؟

وما هو هذاالمأزق الحرج التي تتعرض له الثورات العربية، سواء تلك التي نجحت، أو التي فيطريقها إلى النجاح؟

وهل هذاالمأزق الحرج داخلي أم خارجي، أم هو داخلي وخارجيمعاً؟

وكيف يمكنالخروج من هذا المأزق، وبسرعة، وقبل أن يتعدى عدد الضحايا عشرات الآلاف، وقبل أنتُنهك كافة القوى الداخلية والخارجية، وتتقدم الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومنظماتحقوق الإنسان أخيراً، بمقترحات تُنهي الثورة، وتنادي بالمصالحة، التي سيعقبهامطاردة الثوار، وقتلهم، والتخلص منهم، وعودة الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، واليمن،وسوريا، بضراوة وعنف أكبر، مما كانت عليه سابقاً. وبذا، يتم القضاء على ما تبقى منالوطن، والمواطنين والمواطنة الصالحة؟

أسئلةكثيرة، قلقة، وحائرة، تدور في الفضاء العربي، تبحث عن الأجوبة التي يبدو معظمهاسلبياً، لأسباب كثيرة، سوف نحاول إيجازها.

-2-

بدايةً، لابد لنا من الاعتراف - بشجاعة وصراحة متناهية - أن الثورات في بلدان الدكتاتورياتالحمراء القاسية (ليبيا، واليمن، وسوريا) قد تأخرت عن موعدها، وتوقيتها الجيد، سبعسنوات تقريباً.

فلو أن هذهالثورات اندلعت تزامناً مع حملة (تحرير العراق) عام 2003، واقتلاع صدام حسين منالعراق، لكان الوضع في البلدان الثلاثة المذكورة، أسهل بكثير مما هو عليه الآن. ولوجدت شعوب هذه البلدان الثائرة، قوة خارجية جبارة، تساعدها على التخلُّص منالدكتاتورية القروسطية الحمراء التي تحكمها، كما تخلَّص العراق من ديكتاتورية صدامحسين القروسطية الحمراء.

صحيحٌ، أنهذه البلدان سوف تفقد الكثير من الضحايا، وسوف تدفع ثمناً غالياً، ولكنها فيالنهاية، سوف تضمن أن الدكتاتور قد اقتُلع، وأن الدكتاتورية الحمراء قد قُضي عليهانهائياً. وربما سترى بعض البلدان دكتاتورية خضراء لينة في بلدانها كدكتاتورية نوريالمالكي وحزب "الدعوة" في العراق. ولكن هذه الدكتاتورية الخضراء، تظل أهون شراً منالدكتاتورية الحمراء القاسية، والصعبة الاقتلاع، إلا بسلطان جبار كسلطان أمريكا،وجبروتها.

-3-

ولكن المأزقالحاد الآن، أن أمريكا ليست هناك. وأن قواتها ليستهناك.

فأمريكا تحتالإدارة الديمقراطية المترددة، وليست تحت الإدارة الجمهوريةالمقدامة.

وأمريكاالآن، تعاني من أكبر ضائقة مالية في تاريخها كله، ومهددة بالإفلاس، ويرفض الكونجرسالجمهوري، رفع سقف الدين الأمريكي، لكي تتجنب أمريكا ويلات وكوارث اقتصادية ماحقةفي المستقبل القريب. وأمريكا مترددة الآن في التمديد لقواتها في العراق. ولديها نيةلسحب بعض قواتها من أفغانستان، خاصة بعد القضاء على ابن لادن، وإلقاء جثته في بحرالعرب، وجعله طعاماً سائغاً لسمك القرش!

-4-

في الجانبالآخر، فإن الدول العربية الباقية، ليست على استعداد للتدخل في شؤون ليبيا، واليمن،وسوريا، لأنها ترى أن هذا التدخل، سواء لصالح الأنظمة الدكتاتورية الحمراءالقروسطية، أو لصالح الثورات الشعبية، سوف يضر بمصالحها ومستقبلهاالسياسي.

 كذلك، فإنهذه الأنظمة الدكتاتورية القروسطية في ليبيا، واليمن، وسوريا، قد تمكنت خلالالسنوات السبع الماضية (2003-2010) من زيادة قدراتها البوليسية الهائلة على حسابقدراتها العسكرية المواجهة لإسرائيل، بحيث أضعفت قدراتها العسكرية لحساب قدراتهاالبوليسية، تحسباً لمواجهة أية ثورة داخلية، كتلك التي اندلعت في مطلع2011.

 إضافةلذلك، فإن ليبيا، واليمن، وسوريا، قد قامت بدور مضاد، وبفعل عكسي، لما جرى فيالعراق.

فليبيا قامتفي عام 1988 بتفجير طائرة مدنية فوق لوكربي. ولكنها في عام 2007 ، قامت بمصالحةالغرب، وإشغال الرأي العام الليبي بهذه المصالحة، وبمحاولة الإفراج عن عبد الباسطالمقراحي، وصرف أنظار الرأي العام الليبي عمَّا يجري فيالعراق.

 وقامالرئيس الفرنسي ساركوزي بزيارة ليبيا، ووقع اتفاقاً لتعاون نووي سلمي معها. وقالبأن القذافي، لا يعتبر دكتاتوراً في العالم العربي!

 وزارالقذافي ايطاليا لأول مرة، وأقام عدة مشاريع مالية واستثمارية هائلة، ذكرهابالتفصيل الصحافي الإسباني (ميغيل مورا) في مقاله (القذافي الطاغية الذي اشترىالغرب). (جريدة "السفير"، 1/4/2011).

وزارت وزيرةالخارجية الأمريكية كونداليزا رايس القذافي في طرابلس. وتقبَّلت ليبيا مسؤوليتهاالكاملة عن كارثة لوكربي، واستعدت لدفع التعويضات بملياراتالدولارات.

أماالدكتاتورية السورية القروسطية، فقامت بإلهاء الشارع السوري عن تحرير العراق منالدكتاتورية الحمراء القروسطية الصدامية، وانهيار حكم حزب البعث في العراق ، بعقدالاتفاقية الإستراتيجية مع إيران قبل 2007، والتركيز على ممانعة السلام مع إسرائيل،وتزويد حزب الله بالسلاح، وإرسال قوافل الإرهابيين عبر سوريا إلى العراق - ومعظمهممن شباب دول الخليج - لنشر الإرهاب والرعب، في أرجاء العراق.

أما اليمن،فاكتفى بوقوفه وتعاطفه إلى جانب صدام في 2003، ومعارضته لحملة "حرية العراق"، ونشرهرسائل إعلامية، تقول باستعمار أمريكا للعراق، وعدم شرعية الحملة علىالعراق.

وهكذا، قامتالدول الثلاث ليبيا، واليمن، وسوريا بالدور اللازم، لتضليل الرأي العام العربيبحملة "حرية العراق" واعتبار هذه الحملة استعماراً أمريكياً للمنطقة، يجب طرده،والتخلص منه.

وهكذا خرجتأمريكا من العراق بسواد الوجه، بعد أن خسرت حولي 500 مليار دولار، وأكثر من أربعةآلاف جندي. وكانت إيران هي الرابح الوحيد من هذه الحملة، حيث تمَّ القضاء على عدوهاالأكبر صدام حسين. وزاد نفوذها السياسي في العراق بواسطة حزب "الدعوة"، وارتفعميزانها التجاري مع العراق، بحيث أعلن الملحق التجاري في السفارة الإيرانية فيبغداد، أن حجم الصادرات إلى العراق بلغ 6 مليارات دولار في 2010، ويتوقع أن يرتفعإلى 9 مليارات دولار في 2011. واستطاعت تمرير ملفها النووي بسلام حتى الآن، دون أنتستطيع أمريكا أو الغرب عموماً، أن يقوما بأي فعل مضاد يُذكر، ويعيقا إيران عنالمضي في مشروعها النووي، مما قوى من شوكة سوريا، وحزب الله في المنطقة، وأضعفالدور العربي الخليجي بشكل عام.

-5-

إن قليلاًمن التفكير في الثورات العربية ، منذ الثورة التونسية (18/12/2010) حتى الآن،يقودنا إلى مأزق حرج لهذه الثورات. وهذا المأزق يتلخص أن لا خلاص لهذه الثورات، إلابتدخل خارجي قوي وصارم. وهو ما لا يتوفر حتى الآن. والخوف يتأتى من سحق هذهالثورات. حيث أن هذا السحق محتمل في ظل تفوق القدرة العسكرية والمالية والبوليسيةللدكتاتوريات القروسطية الخضراء (تونس ومصر) والحمراء (ليبيا، اليمن، وسوريا) علىالسواء، والذي يهدد بلدان هذه الثورات بالعودة عدة قرون إلى الوراء، من كافةالنواحي.

 

 

اجمالي القراءات 8998