دور الأصولية الدينية في دعم الدكتاتورية القروسطية

د. شاكر النابلسي في الخميس ٠٤ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

تهدد الأصولية الدينية التونسية، المختبئة في كهوفها المظلمة داخل تونس، والمنتشرة في أحياء العرب والمسلمين الفقيرة في أوروبا، وخاصة في بريطانيا وفرنسا، انتفاضة الشعب التونسي.
فلا خوف على الانتفاضة التونسية إلا من الردة إلى ما قبل 1956، والتي يمكن أن يقودها الأصوليون الدينيون، وجماعات "الإسلام السياسي" في تونس وخارجه، المتربصون بالتركة والتراث الحداثي البورقيبي السياسي، والاجتماعي، والديني، والتعليمي.

 

التحالف مع الشياطين
والأصوليون الدينيون التونسيون، لا مانع لديهم على الإطلاق، من التحالف مع الشيوعيين، وباقي القوى اليسارية، ليس للإطاحة بنظام ابن علي فقط، ولكن للإطاحة بما بناه بورقيبة في المجال الاجتماعي، والإصلاح التعليمي الديني في جامعة الزيتونة، وغيرها، والوصول إلى السلطة.
فهدف الجماعات الإسلاموية، وجماعات "الإسلام السياسي"، ليس ابن علي، ونظامه فقط. ولكن الهدف هو تراث بورقيبة، وتركته الإصلاحية، بل ثورته الإصلاحية.

وما كان ابن علي بالنسبة لهؤلاء غير الرمز الذي يختصر تاريخ البورقيبية والحداثة. كذلك كانت الثورة على مبارك فيما بعد، الذي كان رمزاً  - بالنسبة للإخوان المسلمين - يختصر تاريخ الثورة المصرية منذ 1952، التي قمعت الإخوان المسلمين، وباقي الجماعات الإسلاموية.

 

الأصولية الدينية والحداثة
الأصولية الدينية في تونس، ضد الزواج بامرأة واحدة فقط، لأن معظم القياديين منهم، لديه أربع زوجات في أوروبا، وزوجة واحدة في تونس!
وهم ضد مساواة المرأة بالرجل.
وهم ضد منع الحجاب والنقاب، وكل المورثات الجاهلية، التي منعتها "مجلة الأحوال الشخصية".
وهو ضد صناعة السياحة، التي تُعتبر عصب الصناعة الأولى في تونس، ومصدر الدخل القومي الرئيسي.


الأصولية خرافات و"كنسسة"

وتتمسك الأصولية بخطاب سياسي صوفي متخيّل. وتنشر خطابها الديني الشعبوي في الأرياف والأطراف والطبقات الفقيرة الأميّة. وتمزج هذا الخطاب بالخرافات، والأساطير، والشعوذات، وتقديس الزعماء، والقادة، ورجال الدين.
وفي مصر بالذات، بدأت الأصولية بالتأسيس لما أُسميه "الكنسسة الدينية". أي إقامة كنيسة دينية متمثلة بالأزهر ورجاله، الذين يلبسون لباساً كهنوتياً خاصاً. ولديهم تراتبية دينية، ليست بالضرورة على غرار التراتبية المسيحية، أو التراتبية الشيعية، ولكنها تقترب منها.
ومن مصر، انتشر زي رجال الدين الخاص بالعمّة والقفطان.. الخ. في كل العالم العربي، ما عدا دول الخليج، التي يلبس فيها رجل الدين كما يلبس الآخرون. والخطاب الديني الشعبوي الذي تنشره الأصولية - وخاصة المصرية – لصيق بالخطاب السياسي الشعبوي القائم على الخرافات، والأساطير، وتخيل المؤامرات، والدسائس. وقد أدى كل هذا إلى نوع من (الهمبكة) الدينية، ثم (الهمبكة) السياسية. فانتشر في كثير من أنحاء العالم العربي – وخاصة مصر – ما يعرف بالصوفية الشعبية، التي تسلك "درب المهابيل"، والتي تقيم الكرنفالات الدينية في الموالد، والأعياد، والمناسبات الأخرى. وتتعبد عند أعتاب "الأسياد" أصحاب الكرامات، وهم في الواقع أصحاب خرافات، وليست كرامات، وليست لهم أية مساهمة في الفكر الديني المحض.

بُناةُ معابد الزعماء السياسيين                                       
وهؤلاء كانوا سبباً ومثالاً في إقامة معابد للزعماء السياسيين حتى قبل موتهم. بل هم ألّهوا هؤلاء الزعماء، بحيث لا يُسألون عما يفعلون. وكانت نتيجة تغلغل الأصولية في مصر على هذا النحو، انطلاق الإرهاب والعنف الديني، في كافة أنحاء العالم العربي من مصر.
فالإخوان المسلمون انطلقوا من مصر، منذ 1928، وانتشروا في كافة أنحاء العالم العربي، وخاصة دول الخليج، وعلى وجه الخصوص السعودية.
والفكر الإرهابي وفكر العنف، انطلق من مصر، وزاد الطين (بلّة) المصري الإخواني منّاع القطان، والسوري الإخواني محمد سرور بن نايف زين العابدين اللذان هاجرا إلى السعودية.
وانطلق من مصر، التنظيم السري للإخوان المسلمين، الذي كان هو الآخر، مرضعة الجماعات الإسلامية الإرهابية التي اغتالت السادات 1981، وحاولت اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1995.

 

(الهمبكة) السياسية والدينية
وانطلقت من مصر الجماعات الإسلاموية الإرهابية، التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين. كما كان الأصوليون المحيطون بابن لادن، والذين يخططون له، ويساعدونه على حرق العالم، وتدمير الحضارة الإنسانية وعلى رأسهم أيمن الظواهري، مصريين.
وانطلقت من مصر (الهمبكة) الدينية المتمثلة بالصوفية الشعبوية، ومظاهرها، وكرنفالاتها، ومسيراتها، ولباسها، وأفكارها، وأناشيدها، وشعوذاتها.
و(الهمبكة) السياسية المتمثلة بمقولة "الشعب هو المعلم"، التي كان يرددها عبد الناصر في خطبه الحماسية، وأن كل خطوة تريدها الجماهير – لا ما تحتاج إليها- هي خطوات ثورية مُستجابة، انطلقت من مصر، ومن حقبة عبد الناصر بالتحديد.
وكما كانت مصر "أُم الدنيا" كما يردد العامة، فقد كانت مصر كذلك "أُم الأصولية" كما يردد الخاصة.

 

الأصولية السورية وتأليه الحاكم

وفي سوريا، يقود الآن الشيخ محمد البوطي ممثل الأصولية الدينية، ورئيس قسم العقائد والأديان بكلية الشريعة في جامعة دمشق، دعوة ضد الثوار، ويقول إن الثورة الشعبية السورية مؤامرة خارجية. ويدَّعي البوطي أنه رأى رؤية إلهية غاضبة (الثورة) منذ أشهر، وأبلغها للقيادة السورية! ولكنه طمأن هذه القيادة، بأن هذه الغضبة الإلهية ستنتهي على خير وسلامة. واعتبر شهداء الثورة السورية حثالة (26/5/2011). وقال البوطي في فتواه (15449) بجواز الصلاة على صورة بشار الأسد. كما أفتى بجواز تأليه الحاكم (فتوى رقم 14658). وكان البوطي قد ذمَّ المتظاهرين عدة مرات. كما أنه في إحدى فتاويه لم يحرِّم إطلاق النار على المتظاهرين. ودَعَا البوطي السوريين إلى عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر.  وحثَّ الشباب السوري في كلمة وجهها من التلفزيون السوري (25/3/2011)، على التبصر للمؤامرة التي تحاك ضد سوريا. وحكم على المحتجين بالخيانة والكفر، ووصف القسم الأكبر منهم بأنه "لا يعرف جبينه السجود أبدًا"، واتَّهم الكيان الصهيوني بأنه شريك في استثارة ما سماه العاصفة التي تجري.   وكان رد الثوار السوريين على هذا كله، أن البوطي صمت دهراً ونطق عهراً.وقام الثوار في بعض المحافظات السورية بإحراقكتب البوطي.

 

وهكذا تمضي الأصولية السورية بممثلها الشيخ البوطي في الوقوف إلى جانب السلطة الدكتاتورية القروسطية السورية ودعمها، ومحاربة الثورة الشعبية السورية.

 

 

 

اجمالي القراءات 10865