الثورة .. 2 فبراير حتى 11 فبراير 2011

شادي طلعت في الثلاثاء ٠٢ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

إن الفترة من 2 : 11 فبراير 2011 تمثل عشرة أيام و لكنها تعد الأيام الأطول في تاريخ مصر ففي يوم 2 فبراير كانت البداية لقصم ظهر النظام الفاسد ، و لهذا اليوم عجائب سواء من المتظاهريين أو المنافقين أو المؤيدين للنظام البائد، و بداية نستطيع القول أن مبارك إستطاع أن يخدع الشعب بخطابه الذي ألقاه يوم 1 فبراير و نال تعاطف العديد ممن كانوا بميدان التحرير، و كان لتعاطف الشعب معه آثار أخرى أضرت بالنظام البائد فعلى سبيل المثال :

1-  إستشعر رجال النظام البائد أن الأوضاع مستقرة أو ستستقر مرة أخرى إلى الديكتاتور، و بالتالي فإن عليهم أن يقدموا القرابين حتى لا يخسروا نتيجة صمتهم أو عزوفهم عن خدمة الديكتاتور !

2-  تغير الحال بالنسبة إلى المنافقين اللذين كانوا يذهبون إلى الميدان ظناً بأن الثورة سوف تنجح، و لكن بعد خطاب الديكتاتور، و بعد مظاهرات مصطفى محمود بدأ هؤلاء في تغيير لغتهم لصالح الديكتاتور مثل مصطفى بكري على سبيل المثال .

3-  أما الثوار فإنهم إنقسموا لفريقين أحدهما صدق الديكتاتور، و لكن كان يبحث عن ضمانات، و الفريق الآخر لم يصدق الديكتاتور أبداً !

 

و بدأ يوم 2 فبراير و هو اليوم التالي لخطاب الديكتاتور بتنظيم مظاهرة حاشدة لمحبي الديكتاتور، و قد ضمت أشخاص عديديين مثل رجل الأعمال إبراهيم كامل و رجل الأعمال حسن راتب و المحامي مرتضى منصور و صفوت الشريف و أنس الفقي و غيرهم من ماسحي جوخ النظام البائد، من فنانين و لاعبي كرة قدم و بعض النقباء الفاسدين مثل نقيب المحامين و نقيب الممثلين .. إلخ، و لكن لم تكن المظاهرات الحاشدة المطالبة ببقاء الديكتاتور تكتفي فقط بالتعبير عن رأيها ! بل فاقت حدود حرية الرأي و التعبير و بدأت في التجريح لثوار التحرير و إلقاء الإتهامات عليهم و من تلك الإتهامات العمالة لأمريكا و العمالة لإسرائيل و العمالة لإيران و العمالة لأفغانستان و العمالة لحركة حماس و العمالة لكل ما هو متناقض و تمت الإشارة ! عن طريق بعض فناني الجنس و إثاراة الشهوات مثل طلعت زكريا و حسن يوسف و شمس البارودي بأن قالوا بأن متظاهري التحرير يتلقون بضعة دولارات و وجبات كنتاكي ! و قد ظن طلعت زكريا الحقير اللسان و المعروف من خلال أفلامه بأنه تاجر متعة، أن رميه لشرفاء ميدان التحرير بالزنا بالباطل سيكون له مردود إيجابي،و ظن كل من حسن يوسف و شمس البارودي أن العمل بالسياسة هي كالمتاجرة بالعري و الإثارة الذي ظلا يمارسانه في حياتهم الفنية، و هذا و إن دل فإنما يدل على أن وجوه النظام الحاكم البائد كانت جميعها لا تختلف عن حسن يوسف أو شمس البارودي فرجل مبارك الأول صفوت البشريف تاريخه في عالم الدعارة معروف.

المهم أن يوم 2 فبراير إستمر في إشعال النيران و بدأت فيه الدعوات إلى ضرورة إخلاء ميدان التحرير ! و هنا نتساءل لماذا جاءت هذه الدعوات ؟ و الواقع أن يوم 2 فبراير كانت هناك قناعة عامة بأن الثوار سوف يقضى عليهم و أن مبارك عائد مرة أخرى، و من هنا يجب على أذناب النظام أن يقدموا أي قرابين من أجل عيون الديكتاتور، حتى يحفظوا لأنفسهم مكان عند إستقرار الحكم للديكتاتور، و بدأ الدعوة إلى ميدان التحرير من المحامي / مرتضى منصور و الذي قام بسب و قذف رموز المعارضة اللذين هم أشرف منه و من تاريخه الملوث، و قد وصل الأمر بهذا المرتضى منصور أن قام بالإتصال بأحد برامج التوك شو و يقول أنه رأى جواسيس و عملاء بميدان التحرير الذي يكتظ بمن هم أشرف منه و من أمثاله من أذناب النظام البائد، بينما قامت الفضائيات العميلة للنظام البائد أيضاً مثل قناة المحور بتسخير نفسها و مذيعيها إلى السب و القذف في حق الثوار و كان لعميلي النظام سيد علي و هناء السمري مقدمي برنامج 48 ساعة القدر الأكبر في النفاق، و الرياء خاصة عندما إستضافا إحدى الصحافيات و تم الإتفاق معها على فبركة مواضيع تسيئ إلى الثوار، و على جانب آخر إتضح للشعب أن هناك من يدعي المعارضة و هو أخلص المخلصين للنظام البائد مثل رجب حميدة و سعيد عبد الخالق اللذين كان يدعيا المعارضه في حين أنهم عملاء مباحث أمن الدولة !

لقد كشف يوم 2 فبراير الكثير و الكثير و بسبب أن من بيدهم مقاليد الأمور أغبياء، قدر الله للثورة أن تنجح، فبغباء مبارك الديكتاتور و أذنابه قرروا أن يحاربوا المتظاهرين بالبلطجية عن طريق الخيل و الجمال و السنج و السيوف و المطاوي و السكاكين و قنابل المولتوف، المهم أنهم سيجعلون ميدان التحرير ينفض بأي طريقة كانت ! و بدأت المعارك مع ظهيرة يوم 2 فبراير .. أذناب النظام البائد من تجار الدعارة و الجنس و كافة الشهوات، في مواجهة مع المثقفين و أصحاب الكلمة و الرأي و المحبين للوطن ، فكيف ستكون المعركة !؟

لقد كانت ساعة الحسم و لكن كم كان عدد البلطجية و كم كان عدد الثوار ؟ لقد كان البلطجية أكثر عدداً من الثوار ! و قد بدأ الخوف يندب داخل نفوس الثوار اللذين هم متعددي التيارات السياسية و هذه ميزة قد إستغلها الثوار فعلاً ، لقد تم تقسيم الأدوار حتى يتم صد هجوم البلطجية و قسمت التيارات أنفسها فكان لليسار دور و لليبراليين دور و الجماعات الإسلامية دور و للإخوان المسلمين دور آخر ، لقد كانت معركة دامية ، كانت حرباً بمعنى الكلمة في غياب الشرطة و في غياب الجيش الذي إختبأ داخل مدرعاته و دباباته تاركاً الثوار يواجهون مصيرهم المجهول، و هذه هي أولى إنتكاسات المجلس العسكر !

إنتصر الثوار يوم 2 فبراير و ليلة 3 فبراير، و قد كان للمعركة ضحايا فقد قتل من قتل و أصيب من أصيب، و لكن صادفتني حالة احب أن أذكرها فقد إلتقيت بشخص فقد أحدى عينيه و سألته إن كان يشعر بالندم فأجابني أنه سعيد بقضاء الله و بالثمن الذي دفعَ من أجله إحدى عينيه، و أبلغني أنهُ مستعد للتضحية بعينه الثانية ! الواقع أن شعور هذا الرجل لم يكن شعوراً خاص بل كان هو الشعور المسيطر على الميدان كله .

يوم 3 فبراير كان التحدي الأكبر، فبعد المعارك الدامية إما أن يخاف المتظاهرون و إما أن يزدادوا إصراراً، و في النهاية إزداد المتظاهرون إصراراً و عزيمة و تمت الدعوة إلى مليونية ثانية يوم الجمعة 4 فبراير و بدأت الإستعدادات منذ يوم 3 فبراير، و كما أن للنظام مشاهير من الفنانيين و لكنهم في حقيقتهم من تجار الشهوة و المال و كل ما هو رخيص، كان للثوار أيضاً مشاهير و لكن من العاشقين الحقيقيين لتراب مصر أمثال الفنان أحمد عيد و شرف حلمي و خالد الصاوي و خالد يوسف و عمرو واكد و الذي شارك في المظاهرات منذ يوم  25 يناير و غيرهم، وتمكن المتظاهرون من الإستعداد ليوم 3 فبراير لمليونية 4 فبراير ، و كانت مليونية 4 فبراير، و هي  التي  أطلق عليها جمعة الإصرار، و في هذا اليوم توقع المصريون أن يرحل مبارك و أعوانه إلا أن ذلك لم يحدث و كان لسان حال صحف المعارضة و المستقلة يوحي بأن مبارك لن يرحل !

و لكن كان لسان حال الثوار يقول بأن الإصرر سيؤدي في النهاية إلى رحيل الديكتاتور، و كان يوم السبت 5 فبراير و لكنه لم يكن بالمليونية و لكن كانت الأعداد غفيرة ثم توالت المليونيات أيام 6 و 7 و 8  و 9 فبراير و من يوم الثلاثاء 8 فبراير كانت الحالة العامة بدأت في التشاؤم و أصبحت المطالب نوعاً ما في محافظات مصر فئوية بعيدة عن إسقاط النظام، إلا أن هذه اللمحة من التشاؤم لم تدم طويلاً حتى يوم 10 فبراير و الذي بدأ الإعداد فيه لجمعة الزحف، و هي الجمعة التي سيذهب المتظاهرون فيها إلى قصر العروبة حيث يقطن الديكتاتور، و في هذا اليوم خرج و لأول مرة البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم أعلن أن الرئيس سيلقي خطاباً نهاية مساء 10 فبراير و قد كان، جاء خطاب مبارك في ذلك اليوم محطماً للآمال و كله كبرياء و تعال و فيه تنصل من دماء الشهداء إذ أن مبارك قد قال في سياق حديثه .. شهدائكم و لم يقل .. شهداءنا ! لقد تنصل مبارك من مصريته في خطابه الثالث و الأخير، مراهناً بأن الملل سيصيب الثوار، و له عذره فقد كان الرجل محدود التفكير لم يقرأ التاريخ و لو كان يفهم لعلم أن الشعب المصري إذا خرج فإنه لن يعود إلا بعد أن يحصل على ما خرج و إنتفض من أجله، و قد كانت النتيجة أن زحف المصريون في اليوم التالي و هو الجمعة 11 فبراير إلى قصر العروبة حيث يسكن مبارك و عائلته، و هنا كانت اللحظة الحاسمة لحظة المواجهة بين الجيش و الشعب بسبب شخص و عائلته، و كانت ساعة الحسم بأن أعلن نائب رئيس الجمهورية تخلي مبارك عن الحكم و تسليمه السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، و إذا بالقاهرة تشهد يوماً قلما سيتكرر في تاريخها، لقد إنتصرت إرادة الشعب على أقوى نظام ديكتاتوري حكم مصر، لقد أسقط الشعب الديكتاتور، لقد إستعاد الشعب كرامته، و وجد المصريون أنفسهم يناجون ربهم قائلين يا إلهي نحن نفخر بأننا مصريون، لقد عاد كل شئ جميل إلى الشعب عاد حب الوطن و حب الحياة عادت الطيبة و إنتابت الشعب نظرة مشرقة نحو المستقبل .

 

أللهم أحفظ مصر و أهلها

اجمالي القراءات 11809