أيمن نور وغزو العراق

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ـ كنت فى زيارة لصديق يملك مكتبا ضخما للنشر فى واشنطن . لقينى منفعلا وهو يقدمنى لفتاة ذات ملامح عربية قائلا : هذه " أنّا" .. ناشطة فى حقوق الانسان" كانت "أنّا" منشغلة باعداد لافتات كثيرة مكتوب عليها شعارات لاطلاق سراح أيمن نور . صديقى الأمريكى المتعاطف مع اصلاح الشرق الأوسط ورعاية حقوق الانسان، أوسع مكتبه الأنيق للفتاة التونسية "أنّا " لكى تعد ما يلزم من لافتات للمناداة باصلاح مصر.
تذكرت أن الصديق مجدى خليل الناشط القبطى فى واشنطن قد دعانى والعائلة لأتحدث فى مظاهرة تقام أمام البيت الأبيض للمطالبة بالافراج عن أيمن نور، وقال أنه أوكل لشركة متخصصة للدعاية الى المظاهرة ، وستحضرها أجهزة الاعلام الصحفية والتليفزيونية. تحدثت مع (أنّا) والصديق الأمريكى عن المظاهرة وأملنا أن تحظى بحضور واسع وآثار طيبة يتم على أساسها الافراج عن أيمن نور وكل المعتقلين بقانون الطوارىء . ضحك صديقى الأمريكى مشيدا بدور الفتاة التونسية فى الدفاع عن أيمن نور ، وقال : لو كانت موجودة وقت أن كان صديقك سعد الدين ابراهيم فى السجن لربما ساعدت بنشاطها فى اخراجه سريعا.
2 ـ فى يوم السبت25 مارس( 2006 ) ذهبنا مبكرا للساحة المفتوحة أمام البيت الأبيض للمشاركة فى المظاهرة الموعودة، كان معى زوجتى وأبنائى . كانت الساحة مزدحمة بالناس ، معظمهم أمريكيون من ولايات أخرى معهم أجهزة تصوير، لكن لا يوجد بينهم مصرى واحد. بحثت أعيننا عن المظاهر المألوفة لأجهزة الاعلام والصحفيين فلم نجد أحدا. فى النهاية وجدنا مجدى خليل مع (أنّا) وأربعة آخرين من الرجال والنساء. اذن لم يعد هناك جمهور ولا صحافة ولا اعلام ، مجرد حوالى دستة " أشراف " من المصريين عددهم أقل من اللافتات المكتوبة ، ونصفهم تقريبا هم انا وزوجتى وأولادى. حملنا اللافتات وأخذنا نهتف ونحن نسير ذهابا وايابا أمام البيت الأبيض بينما كاميرات الأمريكيين السياح تتابعنا تسجل بالصوت والصورة. أثناء المظاهرة التحق بنا بعض المصريين ، أحدهم جاء خصيصا من نيويورك ، فأصبح بامكاننا أن نؤلف صفين من المتظاهرين ، وهذا نصر ـ لو تعلمون ـ عظيم.
3 ـ أخيرا رأيت صحفية أمريكية جاءت لتستعلم الأمر. وجدتها فرصة للراحة من المشى والهتاف فانفردت بها بعيدا عن المظاهرة آملا أن تكتب عنها فنحقق شيئا ما. سررت أن الصحفية تعمل فى مجلة ((weekly standard التى تعبر عن المحافظين الجدد الذين يحكمون البيت الأبيض الآن، ومعروف أن هذه المجلة الاسبوعية شديدة التأثير على صانعى السياسة الأمريكية ، وتوجد منها نسخة اسبوعية على مكتب الرئيس بوش. ذكرت للصحفية الشابة بعض أصدقائى من الكتّاب الدائمين فى ال(weekly standard ) فازداد اهتمامها بالحديث معى والتعرف لى.
تحدثنا كثيرا عن أحوال مصر ، وقد كانت طالبة فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ولها خلفية بما يحدث. قلت لها : ان غزو أمريكا للعراق هو السبب فى تعطيل الافراج عن أيمن نور لأن أمريكا الآن فى ورطتها فى العراق أصبحت محتاجة لعون من الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية، وبالتالى فقد تأجّل موضوع الاصلاح ليفسح الطريق أمام نجدة أمريكا من المستنقع العراقى . أى تعيّن على المناضل أيمن نور أن يدفع الثمن من حريته وصحته". قالت : ولكن امريكا قد ذهبت لاقامة الديمقراطية فى العراق؟" قلت : قبل اقامة الديمقراطية كنظام حكم لا بد من اقامة ثقافة الديمقراطية بطريقة سلمية بين طوائف الشعب ، وهذا ممكن أن يتحقق فى مصر بارساء حرية الفكر والتعبير والعقيدة والدين ، وتطهير النظام القانونى من كل القوانين سيئة السمعة حتى يشعر المثقفون بالأمن ، والافراج عن كل المعتقلين السياسيين. أى لا بد من اللا بد من الافراج عن أيمن نور وكل العشرين ألف معتقل من كل الاتجاهات كى نقيم اصلاحا حقيقيا سلميا فى مصر. قالت : ولكن معظم المعتقلين من الاخوان المسلمين والارهابيين؟ قلت : أنا أكبر خصم لهم ولكن لا أرضى بوضعهم فى السجون لمجرد العمل السياسى السلمى. وقلت: أمريكا أخطأت بغزو العراق وهى الآن تدفع الثمن ، وقد أعلنت هذا هنا فى واشنطن فى مؤتمرات أمريكية عديدة قبل الغزو وبعده ، وتنبأت بالفشل الذى يحدث الآن، وقلت أن العراق سيكون أفظع من فيتنام بالنسبة لأمريكا. قالت : كيف ؟ قلت :فى فيتنام غابات تقلل عدد الخسائر البشرية بينما العراق مناطق مكشوفة مفتوحة وتجمعات بشرية ضخمة تغرى بالعمليات الانتحارية. فيتنام شعب واحد لهم دين واحد ، اما العراق فينقسم الى عناصر مختلفة عنصريا ودينيا ومذهبيا وثقافيا، وبينهم جميعا ميراث تاريخى من الاقتتال الطائفى ، وقد أفلح بطش صدام حسين فى ارهاب الجميع ، ثم أدى الغزو الأمريكى الى رفع الغطاء عن كل هذه الدمامل فانفجرت ووضعت البلاد على شفا حرب أهلية . هذا عن السكان والتاريخ ولكن الجغرافيا العراقية أيضا تحتم فشل الغزو الأمريكى لأن حدود العراق الطويلة تجعل من العسير ضبطها حتى فى الأوقات العادية، ومعظم هذه الحدود تتلامس مع شعوب تكره أمريكا ، من ايران وسورية الى الأردن والوهابيين فى السعودية . ومن السهل تسلل المقاتلين عبر تلك الحدود ليطيلوا أمد الحرب وليزيدوا غرق أمريكا فى المستنقع العراقى. قالت : ولكن توجد فى العراق الآن بداية نظام ديمقراطى. قلت : هى ناحية ايجابية أخاف عليها من الطائفية والتشاحن بين أرباب الطوائف. أما المشكلة الكبرى فهى قيام أمريكا بتسريح الجيش العراقى فاختفت الأسلحة بعض الوقت ثم ظهرت الآن فى أيدى الفرقاء المتصارعين يقتلون أنفسهم بأيديهم فى الشوارع والمساجد والمقاهلىوالأسواق. وقلت : من المضحك أن تذهب أمريكا الى العراقيين بجيش يحتل بلادهم ليعلمهم الديمقراطية. ساعدوهم أولا على فهم الديمقراطية من خلال دينهم الاسلامى ،وبعدها سيرحبون بكم كأصدقاء. أما ان تحتلوا بلادهم وتهينوا كرامتهم باسم الديمقراطية فهذا لا ينبت الا الحرب طويلة الأمد. ان الحرب هى أعتى مشكلة ولا يمكن للحرب أن تكون حلاّ . وفى الاسلام فان الحرب هى ضرورة استثنائية للدفاع عن النفس حين تتعذر كل الطرق السلمية. قالت : وكيف كان يمكن طرد صدام حسين بدون حرب؟ قلت كان يمكن ذلك بالضغط عليه وتخويفه والوصول الى حل وسط معه بأن يترك العراق مع اسرته وأمواله، ثم تقوم حكومة مدنية تؤسس للاصلاح تحت حماية الجيش . لو فعلت أمريكا ذلك لأنقذت سمعتها وآلاف الضحايا من الأمريكيين والعرب، وهذا ما قلته قبل الغزو الأمريكى ولم يلتفت له أحد. وقلت لها أخير: لا أريد لبلدى مصر أن تكون عراقا آخر. لا يزال فى جعبة أمريكا الكثير من أوراق الضغط على مبارك, منها أرصدته فى أمريكا والغرب. لا بد من الضغط على مبارك ليقيم اصلاحا سلميا، ويترك الحكم ويعيش باسرته فى مكان آمن فيما تبقى له من عمر. وبذلك نقيم اصلاحا بدون دماء.
4 ـ توقعت أن تكتب الصحفية ِAbby Levin) ) كل ما قلته عن العراق ومصروأسس الاصلاح ،ولكنها لم تفعل ، بعثت لى بالايميل بماكتبته ، وهذه هى ترجمة مقالها فى الويكلى استاندرد :
(الديمقراطية في وادي النيل)
مجموعة صغيرة من المتظاهرين تجمعوا امام البيت الابيض يوم السبت الماضي لمناصرة الافراج عن السجين السياسي المصرى ايمن نور. حملوا لافتات و رددوا (اوقفوا دعم مبارك ، اوقفوا دعم الديكتاتوريين ، افرجوا عن ايمن نور ).
المجموعة المتظاهرة كانت من ضمنها الدكتور احمد صبحي منصور و افراد عائلته. منصور هو مفكر مصري و زميل ايمن نور، و كان قد تعرض للسجن في مصر قبل سفره للولايات المتحدة و حصوله علي اللجوء السياسي في سنة 2002 , منصور ضمن مجموعة كبيرة تضم سياسين و باحثين و صحفيين تعرضوا للسجن بسبب انتقاد النظام و الدعوة الي الاصلاح.
من هو ايمن نور؟. الحكومة المصرية سوف تقول انه مجرم قام بتزوير مئات من التوقيعات حتي يحصل علي الموافقة الرسمية لحزبه الليبرالي العلماني ( الغد). مناصرو ايمن نور يقولون انه سياسي ذو كاريزما وضع في الحبس خلال سنة الانتخابات التعددية حتي يستمر الرئيس مبارك في حكمه .
في اكتوبر 2004 قبل اي اتهامات ضد نور ، كان نور عضوا في البرلمان المصري و انتخب رئيسا لحزب الغد الذي حصل قريبا علي الاعتراف الرسمي. الحزب يدعو الي حقوق المرأة و السوق الحرة و اصلاح الدستور. و دعا نور - بوصفه رئيسا لحزب الغد ـ الي تقليل صلاحيات الرئيس المصري.كان هذا بمثابة تحدي لمبارك الذي مازال رئيسا لمصر منذ 25 عاما، ظل خلالها في موقع القوة ، و تعلق جميلة اسماعيل زوجة ايمن بقولها علي نظام مبارك "ديمقراطية الزهايمر".
و علي الرغم من ان نور قد حكم عليه بالحبس خمس سنوات في ديسمبر 2005 ، فان معاركه القانونية قد بدأت بعام قبلها . في صباح السبت من يناير 2005 قرر البرلمانيون المصريون حرمان ايمن نور من حصانته . علم نور بالاجتماع قبل نصف ساعة من بدايته و هم بالتوجه الي البرلمان ليجد االاجتماع قارب علي النهايه و البوليس في انتظاره للقبض عليه بتهمة التزوير، و ظل في الحبس لمدة 45 يوما، وخلالها اعلن مبارك قيام اول انتخابات يمقراطية رئاسية في الخريف.
و عقب الافراج عنه قام بالترشيح مع 9 مرشحين غيره للرئاسة . و حصل نور علي المركز الثاني بنسبة 7% ، يبنما قالت المصادر المستقله انه حصل علي 13%. الانتخابات لم تكن نموذجيه حيث قتل 10 افراد في اعمال عنف متعلقة بالانتخابات، و تشير المصادر الي قيام قوات أمن الدولة بمنع البعض من الادلاء باصواتهم ، الى جانب القبض علي نور.
القبض علي نور جاء في لحظة مناسبة لمبارك ، و قد علّق عليه المتحدث باسم الولايات المتحدة بقوله ان التوقيت لم يكن ملائما،فقد خسر جميع مرشحي حزب الغد، و يؤكد نور انها حركة متعمدة من الحزب الوطني برئاسة مبارك فقد صدرت التعليمات من اعلي المستويات بعدم فوز حزب الغد بأية مقاعد.
في الشهور السابقة للانتخابات كان علي نور مهمة مضاعفة تضم الترشيح و المحاكمة ، و يقول نور انه لم يعرف المتهمين معه الذين ادعوا انهم ساعدوه في تزوير التوقيعات في تأييد حزب الغد. و عقدت الجلسات الاولي في قاعة محكمة صغيرة مليئة بقوات الامن حتي يمنعوا الصحفيين من الحضور.
القاضي عادل عبد السلام جمعة رئيس المحكة يطلق عليه نشطاء حقوق الانسان لقب قاضي النظام، و قد رفض جمعة طلبات الدفاع بالحصول علي الوثائق التي يدعون تزويرها او حتي نسخة منها.
احد المتهمين (ايمن اسماعيل حسن) سحب اعترافه خلال المحاكمة قائلا ان امن الدوله هي التي اجبرته علي الاعتراف ، و رفض رئيس المحكمة تدوين سحب الاعتراف في محضر الجلسة ، و بعد عدة طلبات سمح باضافته اخيرا ، و لكن رفض طلب حسن بالحماية قائلا ان اي شيئ يحدث خارج المحكمة ليس من مسؤليته . و قد علق جوزيف ستورك نائب رئيس هيومان رايتس واتش فىالشرق الاوسط علي المحكمة قائلا ( انها أسوأ دعاية لأجندة مبارك الاصلاحية المزعومة ، و أسوأ دعايه للقضاء المصري ) .
ان الحكومة المصرية لا تسمح ان يتم انتقادها . الشخصيات التي تمثل تهديدا للنظام مثل نور يتم اسكاتهم بحدة . متظاهرو نور امام البيت الابيض دعوا ادارة بوش الي الضغط علي الحكومة المصرية من اجل اطلاق سراحه، لم يكفهم قيام الولايات المتحدة بشجب حبس نور. و يشجع المتظاهرون قيام الولايات المتحدة باتخاذ اجراءات ضد الجكومة المصرية، و يعلق علي هذا مجدي خليل المساعد في تنظيم المظاهرة بقوله "ان امريكا لها ورقة ضغط قوية علي مصر : هي المعونة الامريكية "
و من غير المرجح ان تقوم امريكا بذلك، علي الرغم من ان حبس نور قد اجل مفاوضات التجارة بين مصر و امريكا لابعة اشهر، حيث ان ادارة بوش قد تراخت في موقفها من قضية ايمن نور في الشهور الاخيرة حيث وصفت كوندوليزا رايس موقف نور انه "عائق". وفي الشهور القادمة يتعين علي الادارة الامريكية تقييم كيفية مخاطبة موقف ايمن نور بطريقة تساير اجندتها الديمقراطية و حقوق الانسان في الشرق الاوسط بغض النظر ان كان يعني الصمت او غيره. ) انتهى المقال، وهذا هو الرابط لمن يريد قراءة النصّ الانجليزى:
http://www.weeklystandard.com/Content/Public/Articles/000/000/012/034kggwf.asp?pg=1
5 ـ نعود الى مظاهرة السبت العجيبة .
فبعد حوالى ثلاث ساعات من السعى ذهابا وايابا وهتافا فى طقس شديد البرودة انفض الجمع الضئيل وبقيت مع اسرتى فى الحديقة المجاورة . جلست متعبا مرهقا مع زوجتى وابنى الأكبر محمد بينما أخذ بقية أولادى يلعبون الكرة. أخذت أفكر فيما فعلته بنفسى؛ شيخ أزهرى مثلى يلزم بيته معظم الوقت يكتب ويقرأ ويبحث ويجتهد ، ولكن يتحامل على نفسه ـ وهو يقترب من الستين ـ ليسير فى مظاهرة ضئيلة فى الصقيع القارص فى واشنطن يهتف مطالبا بالافراج عن المعتقلين ظلما فى وطنه، بينما آلاف الشيوخ فى دفء القاهرة ينعمون بعطايا السلطان ويهتفون باسمه فى غرف أجهزة الاعلام المكيفة لا يؤرقهم صرخات المظلومين و لا آهات ذويهم المنكوبين .
وددت لو كنت فى مظاهرة حافلة حاشدة تستحق حضورى، أو على الأقل تحضرها أجهزة الاعلام من صحافة وتليفزيون. ان صديقى الأمريكى الفلسطينى الأصل كمال نعواش رئيس منظمة " تحالف المسلمين الأحرارضد الارهاب " أقام مسيرة فى واشنطن فى الصيف الماضى ، كان عدد الحاضرين من الصحفيين والمصورين أكبر من عد الحاضرين من المسلمين، بل كان معظم الحاضرين من المتحدثين أصلا، وكنت من بينهم. وقد نشرت أجهزة الاعلام الأمريكية ما قلناه فوصل الى مئات الملايين من المتحدثين بالانجليزية، وظل كمال نواش ضيفا على الاعلام الأمريكى بعدها مدة اسبوعين. أى ان الاعلام الأمريكى بحضوره قد عوّض نقص الحاضرين من المسلمين الأمريكيين. بل اننا جعلنا هذه النقطة فى صالحنا حين كررنا انه لو كانت هذه مظاهرة تنظمها مؤسسة ( كير ) المؤيدة للوهابية فى أمريكا لحشدت لها آلاف المسلمين الأمريكيين من المساجد الأمريكية ، وهذا دليل لنا يؤيد وجهة نظرنا فى ضرورة اصلاح فكر المسلمين الأمريكيين من داخل الاسلام. نجحت مظاهرة كمال نواش برغم قلة من حضر من المسلمين لأنه استجلب الصحافة والاعلام بينما فشلنا فى استجلاب الاعلام والناس. وبقى السؤال حائرا : لماذا نفشل ـ نحن المصريين ـ دائما، حتى فى الاعداد لمظاهرة فى عاصمة المظاهرات فى العالم؟
أثناء التفكير لمحت اثنين من الشباب بملامح مصرية يأتون نحونا بسرعة كما لو كانوا يريدون اللحاق باتوبيس العتبة. تعرفهم بسيماهم حتى لو كانوا وسط مليون شخص، نظراتهم الزائغة ولفتاتهم المريبة تؤكد أنهم من المخابرات المصرية. فاتهم حضور المظاهرة و جاءوها متأخرين على العادة المصرية الخالدة فى التأخر عن كل موعد. انهالوا علينا مباشرة بأسئلة عن المظاهرة ومن شارك فيها وماذا كانوا يقولون وهل شارك فيها حزب الغد. تلاعب بهم ابنى محمد بالكلام بينما ظللت أحدق فيهم وفى خيبتهم الثقيلة. فطنوا الى أننا كشفنا حقيقتهم فتلعثمت عيونهم تتنقل بينى وبين ابنى. جاء دور محمد فأخذ يستجوبهم : من أنتم ومتى جئتم من مصرولماذا هذا الاهتمام بالمظاهرة. لملموا بقايا الحرج والكسوف وانصرفوا.
عدت للتساؤل: لماذا تلاحقنا الخيبة ـ نحن المصريين ـ من دون باقى البشر؟ خيبة فى الاعداد للمظاهرة ، وخيبة حتى فى مراقبتها؟ هل لأننا منذ خمسين عاما نعيش فى خيبات لا تنقطع ؟ هل لأن الخيبة تأصلت فى رأس السمكة ثم انتقلت للجميع من الحكومة الىالمعارضة؟ والى متى يظل المعتقلون المظلومون أمثال أيمن نور يدفعون ثمن خيبتنا وسكوتنا؟ هل لا بد أن يكون أيمن نور لاعبا شهيرا فى الأهلى أو أن يكون نجم غناء مثل شعبولا أو نجم تمثيل مثل أحمد زكى أو سعاد حسنى حتى تقوم من أجله المظاهرات؟ ان القاهرة تمتلىء بمئات الألوف من المتظاهرين اذا فاز الأهلى على الزمالك ، وامتلأت بآلاف المتظاهرين فى جنازة أحمد زكى وجنازة سعاد حسنى، والقاهرة على استعداد للتظاهر اذا ماتت فيفى عبده أو حتى نجوى فؤاد ، بل ان القاهرة على استعداد للتظاهر اذا تكرمت الأخت الفاضلة نانسى عجرم بعقد مؤتمر صحفى فى ميدان التحرير. لكن القاهرة ـ قاسية القلب ـ لا تسيل لها دمعة على أيمن نور وضحايا السجون والمعتقلات.!!
6 ـ والعاقبة عندكم فى .. المظاهرات .!!.

اجمالي القراءات 16476