المملكة العربية السعودية : ماذا تريد من المصريين ؟!!
المملكة العربية السعودية : ماذا تريد من المصريين ؟!!

أنيس محمد صالح في الإثنين ٢٠ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

محمود الزهيري
الحوار المتمدن - العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25

   1
الأوضاع التي تمربها المنطقة العربية التي عاشت طوال تاريخها في مناخ الإستبداد والطغيان والفساد بجدارة لم تعيشها أي منطقة في العالم , بدأت بعض الدول التي تشتغل أنظمة حكمها علي هدم كرامة الإنسان العربي , وإهدار إنسانيته بدعاوي عديدة مستترة بأردية مصنوعة من قماشات دينية , أو سياسية , أو كلاهما معاً , إلا أن الطابع الغالب لأنظمة الحكم العربية كان يستتر بالقضية الفلسطينية كغطاء فضفاض واسع يغطي مساحات عورات الطغيان والإجرام في حق الشعوب العربية , وكان أن جعل الطغاة العرب قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية , التي عطلوا معها كافة المفاهيم ذات المضامين الديمقراطية , والحريات , إلي أبسط مفاهيم حقوق الإنسان .
2
علي هذا المنوال الخاص بالقضية الفلسطينية نسجت كل الأنظمة العربية علي منوال الإستبداد والطغيان والفساد , وأنتجت حكومات أشبه بأنصاف الرجال , أو قل إن شئت الدقة , حكومات من الأغوات والخصيان , وكأن دورهم هو التخديم علي الحريم في حرملك أنظمة الحكم العربية , فلأنهم خصيان , فلا يخشي منهم علي حريم الملك أو الأمير أو السلطان , أو الرئيس , فكلهم يقعوا علي مقياس واحد ينتج نفس الدرجة بمؤشر الإستبداد والطغيان والفساد ..

وكانت المفاهيم الدينية التي تنتجها هذه الأنظمة المجرمة بواسطة رجال دين السلطان , حيث الناس علي دين ملوكهم أو أمرائهم , أو سلاطينهم , أو رؤساء جمهورياتهم , فكان هؤلاء الذين اسميناهم رجال دين في غالبيتهم , كانوا هم بحق المجرمين المعاونين للطغاة الفاسدين المستبدين , وتعطلت حياة الشعوب العربية , وانشغلوا بالقضية الفلسطينية , عن قضاياهم الوطنية الصرفة , وكان هذا الإنشغال لايمنعهم من الإنشغال بالقضايا القومية , ومنها القضية الفلسطينية , وانقسم العرب مابين قومي عربي , وإسلامي أممي , لتكتمل مأساة العرب , وملهاة المسلمين , ويستمر الطغيان والفساد بأوامر من الرعاة الرسميين من الحكام العرب الإستبداديين , والذين أخافونا من الله , وبالله , لنيل كل مآربهم الغيرشريفة , بمفاهيم هاربة من الدنيا , ولاجئة للأخرة ..

3
تحركت أمواج المياه الراكدة في تونس , وتبعتها تموجاتها في مصر , لتنتج مجتمعات حية نابضة بروح ثورية ناهضة لمطالب الإنسان التونسي , والمصري , وعبرت هذه التموجات معوقات الجغرافيا لتصل إلي البحرين , واليمن , وسوريا , وسلطنة عمان , وهذا ما أرعب أنظمة الإستبداد العربية من تخوفها علي مستقبل الفساد الذي بدأت الثورات تقطع أوصاله , وتهشم جسده الضعيف الواهن , الذي كان يبدو بالوهم , وكأنه عملاق جبار , ولتتحول عروش هذه الأنظمة التي ظن حكامها أنهم آلهة , فإذا بهم أصنام من فخار, يسهل تحطيمها بسهولة ويسر , ومع أول قذفة حجر .
المرعوب حقاً من هذه الثورات , وخاصة الثورة المصرية , هي مملكة آل سعود , لأن الدور الريادي المصري في المنطقة العربية بتخومها الإسلامية حتماً سيكون له تأثيرات إيجابية دافعة لعجلة الديمقراطية والحريات والحقوق الإنسانية , مما يؤثر بالسلب علي أنظمة الحكم الإستبدادية التي تحكم بالوراثة وبالخريطة الورثية بجيناتها الوراثية التي تأخذ نفس المواصفات الوراثية الموروثة بجيناتها الإلهية أو نصف الإلهية المزعومة , مما يؤدي بوجود هذه الثورات لخلق فضاءات من الحرية تسمح بتحطيم الأسس الإستبدادية التي قامت عليها تلك الأنظمة .
ويذكر التاريخ المصري مدي فهم محمد علي , وجمال عبد الناصر , لحقيقة الوهابية , التي جعلها آل سعود ديانة رابعة بمواصفات عقيدية خاصة , وخادمة لبقاء أسرة آل سعود في الحكم الوراثي لشعب شبه الجزيرة العربية , والذي أسمته أسرة آل سعود في جزء كبير منه بالمملكة العربية السعودية نسبة إلي عائلة آل سعود !!
وهذان الحاكمان هما من أخذا مواقف من الدولة السعودية , وعلما بمدي المخطط الإجرامي الذي يعمل ضد إرادة الشعوب في الديمقراطية والحريات , وصناعة قراراتها , وأخذا الأول بإعداد جيش لتأديب الوهابيين في مملكة آل سعود , وأخذ الثاني بزمام المبادرة في إشعال نار الثورات التحررية العربية , مما كان يقلق مملكة وعرش آل سعود , إلا أنه بالرغم من وجود بعض الملاحظات علي مرحلة هذين الرجلين إلا أنهما إمتازا بفهم حقيقة الدور السعودي الحنبلي الوهابي !!

وهناك ملاحظة جديرة بالمراقبة حسب قراءة تاريخ صناعة العداءات الوهمية التي تعتاش منها وعليها أنظمة الإستبداد , وهو الصراع الوهمي الذي تم تضخيمه إبان إندلاع الثورة الإيرانية بقيادة الخوميني , وآيات الله في إيران , والذي إتخذته الأنظمة الإستبدادية ومنها المملكة العربية السعوية , والعديد من دول الخليج , وهو ماتم التعارف عليه بتصدير الثورة الشيعية الإيرانية إلي المنطقة العربية , وماستجلبه هذه الثورة من مخاطر ضد العرب والمسلمين , ووصفوا إيران بالصفويين , والفارسيين , والشيعة الخوارج , بل ووصل الأمر إلي التكفير الصريح للشيعة بصفة عامة .
4
إذا أحدثنا مقارنة بسيطة بين إيران وكل الدول العربية التي ناصبت إيران العداء , وقارنت بين التقدم العلمي والتكنولوجي , والحضاري بين إيران والدول العربية , لتم التعرف علي الفارق , وهذا بالرغم من سيادة المفاهيم الدينية في إيران , والدول العربية !!
إلا أن الثورات في الدول العربية أزعجت المملكة العربية السعودية , وبعض دول الخليج , وجعلتها ترتجف منها , وقامت بإنفاق مايزيد علي 36 مليار دولار أمريكي علي رعايا المملكة , وهذاالإنفاق لم يجعل الممكلة بمنأي عن الثورة ضد النظام الملكي السعودي الوراثي , وهذا حسب تقديرات صحيفة الجارديان التي رأت أن : ملك السعودية، البالغ من العمر 86 عاما، والذي وعد باصلاحات لدى اعتلائه العرش في 2005 لم يغير كثيرا من الوضع الراهن.

ورغم الثروة النفطية الهائلة الا ان السعودية بها ذات المشاكل التي اشعلت فتيل الثورة في الدول العربية الاخرى، فنصف عدد السكان تحت سن 18 عاما وعكس بقية دول الخليج التي لا توجد بها بطالة كبيرة فان 40 في المئة من الشباب السعودي من سن 20 الى 24 عاطل عن العمل.

ويشير التقرير إلى أن الدعوة للإحتجاج على موقع فيسبوك لم تحظ حتى الأن بردود الفعل التي لاقتها دعوات مماثلة في مصر وتونس، فلم يسجل على صفحة مظاهرة الشهر المقبل في السعودية سوى عدة مئات الى الآن.

إلا أن بعض المحللين يرون أن 20 مليونا من سكان المملكة وعددهم 27 مليونا يشعرون بالإنفصال التام عن الدولة، مما يشكل قنبلة معارضة موقوتة.
وحينما تنفجر القنبلة الشعبية السعودية , فلن يكون هناك إلا تدبير نفس الإتهامات لإيران , لأن المملكة العربية السعودية لن تستطيع أن توجه أي سهام إتهام تجاه الولايات المتحدة الأمريكية , أو تجاه إسرائيل لأنهما في لائحة العداءات يأتيان في المؤخرة حسب القراءات السياسية الواقعية لما تنتجه معطيات الواقع السياسي المألوم بالإستبداد السعودي , وطغيان الأسرة الحاكمة سواء داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها .
5
الغريب في الأمر أن الدولة السعودية , والدولة الكويتية , قامتا بالقبض علي أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير, حينما قاموا بجمع التوقيعات علي بيان " معاً سنغير " والخاص بالجمعية الوطنية للتغيير , بريادة الدكتور محمد مصطفي البرادعي , وهاتان الدولتان , هما من قامتا بمساعدة أمير الطغيان العربي , الرئيس المخلوع , حسني مبارك , وهما من طالبتا بعدم محاكمته , هو وأسرته , وذلك مقابل أي شروط مصرية , نظير عدم المحاكمة للطاغية السفاح القاتل حسني مبارك !!
ولا يغيب عن المشهد بزوغ نجم التيارات الدينية في مصر , بعد فجر 25 يناير , والترويج لمفاهيم دينية دأبت المملكة العربية السعودية علي ترويجها مقبل مبالغ مالية ضخمة تدفعها لحملة ألوية التجهيل الدينية , وخلق صراعات خارج إطار العقل , والمصالح الحياتية للمواطنين , مثل الأفكار التي تهتم بعورات الجسد , والمحرمات في المأكل والمشرب , وكذا الأفكار السياسية ذات المفاهيم التي تتعامل مع الحكام الطغاة المستبدين الفاسدين , علي أنهم ولاة الأمور , أو الخلفاء والأمراء , وهم ليسوا كذلك , لأنهم إما ملوك , أو أمراء وسلاطين , أو رؤساء جمهوريات , في حالة تغيبية للعقل الجمعي , بمفاهيم دينية , أري أن الأديان منها براء , وخاصة الدين الإسلامي الذي يحض ويأمر علي مجابهة , ومكافحة الحكام الطغاة الفاسدين , وعلي مثل هذا المنوال تسير الدعوات الدينية , التي لايشغلها أمور الدنيا الحياتية , ولكن يهمها الأمور الأخروية الغيبية , التي يريدوا عمارتها , علي حساب خراب الدنيا للناس , لكي يستمتع الحكام الطغاة هم وأسرهم ومن سار علي نهجهم في دوائر المصالح في الحكم والسلطة , وأغرب مايقال أن المملكة قدرت 5 مليار دولار أمريكي للإنفاق منها علي الحملات الإنتخابية في الدولة المصرية , لإجهاض الثورة المصرية , وإغراقها في مفاهيم الحرام , والحلال , والمادة الثانية من الدستور المصري , والمرجعيات الدينية , بداية من المرأة كعورة , ومروراً بتحريم عمل المرأة , وخروجها من بيتها , ووصولاً لتحريم الإنتخابات التي تنتج مجتمع مدني مؤمن بالحقوق والواجبات علي شرط مناخ الحريات السياسية , والحريات الإجتماعية , والمحرم علي شعب المملكة العربية السعودية ممارسة تلك الحقوق , والتي هي من صميم الحريات الإنسانية , بوصايات مكذوبة علي الله , وعلي الرسول ..
6
الغريب في الأمر , والذي يظهر مدي العداء والكراهية , من المملكة العربية السعودية , للثورة المصرية , ولمن قاموابإشعال فتيلها , أن المملكة العربية السعودية رفضت إصدار تأشيرات لأهالي الشهداء في الثورة المصرية , لأداء فريضة الحج والعمرة , وكأن المملكة العربية السعودية تريد أن تسير ضد حركة التاريخ , وحركة الإنسان , بل والتطور الطبيعي للعقل الإنساني بأبعاده السلوكية , ولن أقول بأبعاده العلمية والحضارية , لأن المملكة العربية السعودية تناهض وتعادي أي مظهر للعلم , والعلماء , وتناصب الحضارة الإنسانية الكراهية والعداء .. ومن ثم تريد للمصريين وغيرهم من الدول العربية أن يكونوا في أعلي درجات الفقر والتخلف حسب مفاهيم الكراهية ورفض الآخر ليس في الدين وفقط , ولكن في العروبة , حال كونها تبتغي أن يعمل لديها المصريون في وظائف دنيا أسفل السلم الإجتماعي , بزعامة الكفيل السعوي , الذي يعامل غير السعودي علي أنه غير آدمي , ومنزوعة منه الكرامة والإنسانية , والدليل , لماذا أتي إلي مملكة آل سعود للعمل لديها برعاية كفيل مملكة آل سعود ..
7
أقول هذا , وليس بيني وبين أبناء المملكة العربية السعودية أي عداء أو كراهية , لأن الإنسان بوعيه الإنساني الحضاري الكوني , يمقت الكراهيات والعداءات والعنصريات , إلا لمن بادر بها تجاهه محاولاً إضعافه أو تهديد أمنه وحريته واستقراره , فهنا المثل بالمثل , والعين بالعين , والجروح قصاص !!
أعتقد أن المملكة العربية السعودية تريد إجهاض الثورة المصرية , والعودة بالمصريين إلي مربع ماقبل عصابات مبارك الإجرامية , من ميليشياته الأمنية , وميليشياته الدينية , ليتم التكريس لمنظومة الإستبداد التي يكمن معها إستمرار الدور السعودي في الحفاظ علي الإستبداد والطغيان والفساد السعودي , ولتهنأ أسرة آل سعود , ومعها كل أسر الإستبداد , ولتذهب الشعوب إلي الجحيم , وهذا لن يكون , لأن القطار الإستبدادي قد فاتت مواعيده , ولن تقبل الشعوب إستخدامه كوسيلة للإنتقال إلي محطات الحريات الفردية , والإجتماعية .

اجمالي القراءات 16790