ما بال الصحف الأولى ؟

يحي فوزي نشاشبي في الأربعاء ١٨ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله  الرحمن  الرحيم

ما بال  الصحف  الأولى   ؟

        إنّ  الآية  رقم 285  في سورة  البقرة تفيد  أن من واجبات المتّقين المؤمنين، وابتداء من سيدنا  محمد بن عبد الله  الرسول عليه  الصلاة والتسليم ، التصديق والاعتقاد بما أنزل الله تعالى ، وأن كلا من الرسول محمد بن عبد الله  وكل مؤمن ، وليستوفي  كل  منهم الشروط  التي ترفعه إلى درجة  الإيمان الحقيقي، عليه واجب، وهو الإيمانilde;ان بالله وملائكته وجميع كتبه ورسله ، وبدون أدنى تمييز أو تفريق ، أو  حتى  محاباة  أو عاطفة.

         ومن جهة أخرى فإن هناك آيات مبشرة مفادها  أنه  ((  قد  أفلح  من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ))، وتفيد أيضا أن الآخرة هي  خير وأبقى، ثم  تضيف بأن هذا كله لفي الصحف  الأولى ، وهي  صحف  إبراهيم وموسى. – الآيات : 14- 15- 16- 17- 18- و19 – في سورة الأعلى.

         وعندما نقابل الآيات المذكورة أعلاه في سورة البقرة مع المذكورة في سورة الأعلى،  يتأكد  لنا أن من واجبات المؤمن : الإيمان بالله وملائكته وجميع كتبه  المنزلة  سابقا  ورسله  المرسلين وبدون أي تفريق  أو تمييز.

         عندما نقابلها  بتلك  التي  جاءت في أواخر سورة الأعلى والتي تؤكد أن ذلك  وارد  في الصحف الأولى  أي  صحف  إبراهيم  وموسى . نعم  عندما نجمع  تلك  مع  تلك  أو  حتى عندما  نضرب آيات البقرة  فــي آيات  سورة  الأعلى – إن جازت عملية الضرب هنا -  ألا يتشكل هنا  تساؤل ذو حجم وثقل ؟  لا مفر منه  ولا مهرب،  ومن غير الممكن  أن  ندير له ظهرنا ؟

وهـــــــــــو

ما دام المعروف أن الصحف الأولى من صحف إبراهيم  وموسى من توراة وإنجيل تعرّض محتواها إلى  شتى العوامل ، أي عوامل عدم  الجدية  في  تحمل المسؤولية والإخفاء  والتحريف والتجاهل ، وقد أخبرنا الله عز وجل عن ذلك  في  سورة  الجمعة  الآية ر قم 05.

وما دام المعتقد والمطمأن إليه هو أن حديث ربّ العالمين الذي نزّله على  خاتم  النبيئين هو قرآن كريم ، وأن الذي  يشير إلى قيمته ومكانته هو  ذلك  القسم العظيم  المشهور الوارد في سورة  الواقعة ( 75- 81).

وما دمنا معتقدين ومطمئنين ومرتاحين إلى ذلك التصريح العظيم من لدن العلي القدير العظيم حيث  يقول : ((  إنا  نحن  نزلنا  الذكر  وإنا  له  لحافظون ))  سورة  الحجر رقم 9

فإن هذا الاعتقاد وهذا الإيمان وهذا الاطمئنان يجب أن يجعلنا حتما مؤمنين ومعتقدين ومطمئنين ومرتاحين إلى ما  يلي :

بأن القرآن العظيم المنزل على محمد رسول الله هو الحديث الشامل والكامل والمضبوط  والضابط  والمصحح  والمسلـّط  الأضواء  الكاشفة  المزيحة  كل شك أو التباس أو افتراء  عن كل ما جاء  في  الصحف  الأولى .

وبالتالي فالأسئلة الأخرى التي تتولد  بل  وتتزاحم  تكون من نوع :

- هل من المفهوم أو المعقول  أن يكون الله قد  شرّع  شرائع  وأحكاما  وأوامر في  ما سبق من الأزمان في  صحف  وإنجيل وتوراة ،  ثم  شرّع  أخرى  مغايرة  في آخر حديثه  المنزل  وهو  القرآن  الكريم ؟

- فمثلا :

- هل كان لحم  الخنزير  مباحا ؟

- وهل شرع الخالق الختان  حتى  للإناث ؟ بل  هل  شرع  ذلك  أصلا  على الذكور؟  والظاهر أن  القرآن  لم  يرد  فيه  شئ  من  هذا  القبيل  أو  حتى  إشارة  أو  تلميح ...  وهل  صحيح  أن الله  أمر  سيدنا  إبراهيم  - عليه  السلام  - بأن يختتن ؟  وهل  أمره  هو  فقط  كذكر،  أم  تعدى  أمره  إلى  الأنثى ؟ 

        - هل شريعة الرجم  حتى  الموت كانت  حقا  سائدة  في  عهد  ما وبمشيئة الله ؟  ثم ألغاها  بمشيئته – تعالى - وذلك في حديثه المعروف والمشهور بسورة  النور التي افتتحها بأسلوب  ملفت حيث قال : ((  سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها ءايات بينات لعلكم  تـذّكــّرون )). سورة النور – الآية رقم 1.

         - وعن آية المحيض : هل  يا  ترى تبادر هذا  الموضوع  إلى  المؤمنين السابقين ؟ وهل سأل  سائل – مثلا-  موسى أو عيسى عن المحيض ؟ وهل  جاء  الرد  مباشرة  من شفتي موسى أو عيسى  أو غيرهما عليهم - جميعا  السلام - ؟  أم  أن  الموجه  إليه  السؤال  تصرف  كما  رسول الله  محمد  بن  عبد الله ؟  الذي  انتظر الرد  من  السماء ؟ وبالمناسبة  فإن قضية المحيض  والحيض يبدو  أنها  أقامت  الدنيا  ولعلها  لم  تقعدها  بعد ،  في  عهود  خلت ، وإلى يومنا هذا ، ويقال إن  المرأة أهينت أيما  إهانة  في  عهدي التوراة  والإنجـــــيل

ولا أدل على ذلك  من  مثل ما  قيل  وهو : ( ... ونجاسة المرأة التي تظهر في التوراةأكثر من أي كتاب آخر، وكيف مُنعت المرأة في المسيحيّة من الترانيم الروحيّةبالكنيسة بمثل ما منعت في الإسلام من الأذان للصلاة. وهناك كثير من المشايخ في الإسلام في يومنا هذا يردّدون عبارة بولس الشهيرة: « ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القدّيسين فإنه لا يؤذن لهن بالتكلّم ». أصبح صوت المرأة عورةعند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين، بمثل ما أصبح شعر المرأة عورة منذ أن جاءت هذه العبارة الشهيرة في التلمود: « شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري».  إلى أن أصبحت هناك إشاعة  مفادها  أن هناك دعاء  يردد  وهو: يشمل صلاة اليهودي كل يوم:  « أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني إمرأة».

- وبالمناسبة فنحن المؤمنين الذين تلقوا آخر الرسالة ، ألا نكون من حيث  ندري  أو لا ندري غير بعيدين  من أولئك  الذين أهانوا المرأة بنفس السبب أو الأسباب التي  سادت  ولا  يمكن  أن نكذب  ونقول إنها  قد بادت ؟

         - وعن  الإرتداد : فحدّث  ولا حرج .

         وقد  سمعت  الخطيب  يختم  خطبته  مثل  جميع  الخطباء  داعيا  الله :  اللهم  صلّ  على  محمد  وعلى آل  محمد  وصحبه  والتابعين  إلخ ...  فحدثتني  نفسي  قائلة  :    

لا  مانع أن ينوي العبد الخير ويتفاءل  ويتضرّع  إلى  الرحمان  الرحيم  ليرحم  آل محمد  وأصحابه  والتابعين ،  ولكن !?  

         ثم  حدثتني نفسي  قائلة : كم  هم  يا  ترى أولئك المؤمنون الحاضرون للصلاة – بما فيهم الخطيب الإمام -  الذين يعلمون ويعتقدون ويطمئنون ويرتاحون  إلى أن  محمدا  الرسول  ما  كان  بدعا  من الرسل ؟ ( سورة الأحقاف رقم 9).

ألا  تكون  هناك  أولوية  ما ؟ وهي  أن  يصلّي  الخطيب  ويوجه التسليم  أو  السلام  لجميع  الرسل  السابقين مصداقا  لما  هو  مقرر في آخر سورة  البقرة ؟  ثم  يعرّج  إلى  آل  الرسول  وأصحابه  والتابعين ؟

         وباختصار شديد :

         ألا يحق  للمؤمنين الذين  يؤمنون بالله  وملائكته  وكتبه  وجميع رسله ،  أن يرفعوا  التحدي  ويراهنوا  على أن الدليل القاطع  الذي لا  يصمد أمامه أي زعم  أو افتراء أو ادعاء، هو أن كل ما جاء  في  حديث  الرحمان الرحيم ( القرآن ) المنزل على خاتم  النبيئين  من طيبات  وحلال وحرام وأوامر وترغيب وترهيب وبشرى وإنذار، هو نفسه الذي  ورد  في  الصحف  الأولى ؟  ولعل  التأمل  في  الآية  رقم 46 بسورة العنكبوت يكون  مفيدا  في هذا  الموضوع ؟ . (( ولا تجادلوا  أهل  الكتاب  إلا  بالتي  هي  أحسن إلا  الذين ظلموا  منهم  وقولوا  ءامنا  بالذي  أنزل  إلينا  وأنزل إليكم وإلهنا  وإلهكم  واحد  ونحن  له  مسلمون ))

 

 

اجمالي القراءات 13701