حرية اختيار الفول أو الكشري

نبيل هلال في الأحد ١٥ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

حرية اختيار الفول أوالكشري

النظام الاستبدادي هو الذي يحدد المسموح به وغير المسموح , فليس للناس التدخل بأي صورة في طريقة حكمهم واختيار من يحكمهم وماذا يفعل بهم . ويضيَّق عليهم دائرة الاختيار حتى تكاد تقتصر على مجرد المفاضلة بين أكل الفول أو الكشري , ولبس السروال أو الجلباب    .
وبعد الإخفاق الاقتصادي والعلمي وفشل الرئيس في تحقيق إنجازات حقيقية - فليست له الكفاءات المطلوبة - لأن مهارات الحكم وسياسة أمور الناس مهارات إدارية خاصة لا تتوافر بالضرورة لذوي الحسب والنسب الملكي , ولا يتوارثها الخلف من السلف - لابد له من إنجازات وهمية بديلة مثل الفوز بمباراة للكرة , أو تعظيم الاحتفال بافتتاح كوبري أو مزرعة دواجن أو سوق للسمك             .  .     
والحاكم يمثل نظريا سلطة الجميع , فإذا تجاوز حدود الدستور تسقط شرعية تمثيله للناس , فالسلطة هي مجموع إرادات الأفراد وليست مستقلة عنهم , والطاعة للخليفة ليست أبدية وغير مشروطة , فلا حق له في طاعة الناس إن خالف أحد شروط العقد الاجتماعي المبرم معهم , وإذا انتفت المصلحة بتعاقد الحاكم مع المحكوم كان من حق الناس- بل من واجبهم - الخروج على السلطان الجائر , وهو خروج غير مجرَّم إذا لم يحقق السلطان مصالح الناس , وهو واجب حتى وإن ترتب عليه الإضرار " ببعض " الناس , فذلك من باب اختيار أهون الشرين , فشر إراقة الدم بالخروج مؤقت وظرفي , أما فساد المستبد فشر دائم يترتب عليه ضياع " كل " الناس             .
وفي هذا المقام لا يفوت الفقيه السلطاني استخدام واحدة من حيله الفقهية اسمها " درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة " , فهو لا يجيز الخروج على ولى نعَمه بدعوى أنه "قد" يترتب على ذلك شرور من جراء الاقتتال والمدافعة , وهي في نظره محض مفاسد حتى وإن لبت الغاية من ورائها , وذلك كله دون نظر إلى حجم "المفسدة" أو"المنفعة" !        
وإذا تلاشى الشعور الإنساني بالمساواة ووجوب العدل , كان من اليسير ركوب طبقة فوق أخرى دون أن تجد الطبقة المستضعَفة مبررا قويا للثورة واستعادة حقوقها , ولذا فإن التسليم بقدسية الخليفة النبوي أو جلالة الملك أو سيادة الرئيس أو نيافة الأمير.... ينفي من الوجدان الشعبي الشعور بالمساواة , وأمكن للسلطان الظالم أن يفعل بهم ما يشاء دون استنكافهم , وهم في ذلك مذنبون كل الذنب ويتوعدهم الله بجهنم لقاء استخذائهم , واسمعه يقول :
{
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء97 . والأمم التي حازت الشعور بالمساواة هي التي ناهضت الظلم والطغيان , وهو شعور أكد عليه الإسلام نظريا غير أنه قد حيل بينه والتطبيق العملي بمساعي من السلطان والكاهن والملأ .




اجمالي القراءات 9535