أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِ
وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ..... فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ

محمد صادق في السبت ٣٠ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ.....فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ

مع سورة هود والعقيدة

حقائق العقيدة

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمaring;ِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة هود1-4   

كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

أحكمت آياته فجاءت قوية البناء دقيقة الدلالة كل كلمة فيها وكل عبارة مقصودة وكل معنى فيها وكل توجيه مطلوب وكل إيماءة وكل إشارة ذات هدف معلوم . متناسقة لا اختلاف بينها ولا تضارب  ومنسقة ذات نظام واحد . ثم فصلت . فهي مقسمة وفق أغراضها مبوبة وفق موضوعاتها وكل منها له حيز بمقدار ما يقتضيه.

أما من أحكمها ومن فصلها على هذا النحو الدقيق ? فهو الله سبحانه  وليس هو الرسول: (من لدن حكيم خبير

يحكم الكتاب عن حكمة ويفصله عن خبرة . . هكذا جاءت من لدنه على النحو الذي أنزل على الرسول  لا تغيير فيها ولا تبديل.

وماذا تضمنت؟العقيدة وأصولها:

أن لا تعبدوا إلا الله) فهو توحيد الدينونة والعبودية والاتباع والطاعة

إنني لكم منه نذير وبشير) فهي الرسالة , وما تضمنته من نذارة وبشارة .

وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) فهي العودة إلى الله من الشرك والمعصية , إلى التوحيد والدينونة .

يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) فهو الجزاء للتائبين المستغفرين .

وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير). . فهو الوعيدوالإنذار .

إلى الله مرجعكم) فهي الرجعة إلى الله في الدنيا والآخرة .

وهو على كل شيء قدير) فهي القدرة المطلقة  .

هذه هى آيات الكتاب . فهذه هي القضايا الهامة التي جاء ليقررها ويقيم عليها بناءه كله بعد تقريرها وما كان لدين أن يقوم في الأرض وأن يقيم نظاما للبشر قبل أن يقرر هذه القواعد .

فتوحيد الدينونة لله وحده هو مفرق الطريق بين الفوضى والنظام في عالم العقيدة وبين تحرير البشرية من عقال الوهم والخرافة والسلطان الزائف أو استعبادها للأرباب المتفرقة ونزواتهم وللوسطاء عند الله من خلقه ! وللملوك والرؤساء والحكام الذين يغتصبون أخص خصائص الألوهية - وهي الربوبية والقوامة والحاكمية - فيعبِّدون الناس لربوبيتهم الزائفة المغتصبة.

وما من نظام اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو أخلاقي أو دولي يمكن أن يقوم على أسس واضحة فاصلة ثابتة لا تخضع للهوى والتأويلات المغرضة إلا حين تستقر عقيدة التوحيد هكذا بسيطة دقيقة.

وما يمكن أن يتحرر البشر من الذل والخوف والقلق ويستمتعوا بالكرامة الحقيقة التي أكرمهم بها الله:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " 17:70

  إلا حين يتفرد الله سبحانه بالربوبية والقوامة ويتجرد منها العباد في كل صورة من الصور.

وما كان الخلاف على مدار التاريخ بين الجاهلية والإسلام ولا كانت المعركة بين الحق والطاغوت على ألوهية الله - سبحانه - للكون وتصريف أموره في عالم الأسباب والنواميس الكونية: إنما كان الخلاف وكانت المعركة على من يكون هو رب الناس الذي يحكمهم بشرعه ويصرفهم بأمره ويدينهم بطاعته.

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ " 7:172

لقد كان الطواغيت المجرمون في الأرض يغتصبون هذا الحق ويزاولونه في حياة الناس ويذلونهم بهذا الاغتصاب لسلطان الله ويجعلونهم عبيدا لهم من دون الله . وكانت الرسالات والرسل والدعوات الإسلامية تجاهد دائما لانتزاع هذا السلطان المغتصب من أيدي الطواغيت ورده إلى صاحبه الشرعي . . الله سبحانه .

والله - سبحانه - غني عن العالمين . لا ينقص في ملكه شيئا عصيان العصاة وطغيان الطغاة . ولايزيد في ملكه شيئا طاعة الطائعين وعبادة العابدين . . ولكن البشر - هم أنفسهم - الذين يذلون ويصغرون ويسفلون حين يدينون لغير الله من عباده وهم الذين يعزون ويكرمون ويستعلون حين يدينون لله وحده ويتحررون من العبودية لغير الله ولما كان الله - سبحانه - يريد لعباده العزة والكرامة والاستعلاء فقد أرسل رسله ليردوا الناس إلى عبادة الله وحده وليخرجوهم من عبادة العباد والله غني عن العالمين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" 35:15

إن الحياة البشرية لا تبلغ مستوى الكرامة الذي يريده الله للإنسان إلا بأن يعزم البشر أن يدينوا لله وحده وأن يخلعوا من رقابهم الدينونة لغير الله .

والدينونة لله وحده تتمثل في ربوبيته للناس وحده والربوبية تعني القوامة على البشر وتصريف حياتهم بشرع وأمر من عند الله لا من عند أحد سواه: " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " 42:13

أَالر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1  لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ......."  11:2 

وهذا هو معنى العبادة فى دين الله وكتابه الكريم.

والإقرار بالرسالة أساس للتصديق بهذه القضايا التي جاءت الرسالة لتقريرها وكل شك في أن هذا من عند الله كفيل بتحطيم احترامها الملزم في عالم الضمير . والذين يظنون أنها من عند محمد - مهما أقروا بعظمة محمد - لا يمكن أن تنال من نفوسهم الاحترام الملزم  الذي يتحرجون معه أن يتفلتوا منها في الكبير أو الصغير . إن الشعور بأن هذه العقيدة من عند الله هو الذي يطارد ضمائر العصاة حتى يثوبوا في النهاية إلى الله وهو الذي يمسك بضمائر الطائعين فلا تتردد ولا تحيد.

 كما إن الإقرار بالرسالة هو الذي يجعل هناك ضابطا لما يريده الله من البشر . كي يتلقى البشر في كل ما يتعلق بالدينونة لله من مصدر واحد هو هذا المصدر . وكي لا يقوم كل يوم طاغوت مفتر يقول للناس قولا ويشرع للناس شرعا ثم يزعم أنه شرع الله وأمره ! بينما هو يفتريه من عند نفسه.

وفي كل جاهلية كان يقوم من يشرع الشرائع ومن يقرر القيم والتقاليد والعادات ثم يقول:هذا من عند الله:

" فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " 2:79

وما يحسم هذه الفوضى وهذا الاحتيال على الناس باسم الله إلا أن يكون هناك مصدر واحد هو القرءآن الكريم.

" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ *

ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (47:3

والاستغفار من الشرك والمعصية هو دليل حساسية القلب وانتفاضه وشعوره بالإثم ورغبته في التوبة.....

والاعتقاد باليوم الآخر ضروري لاكتمال الشعور بأن وراء الحياة حكمة وأن الخير الذي تدعو إليه الرسالات هو غاية الحياة ومن ثم لا بد أن يلقى جزاءه فإن لم يلقه في هذه الحياة الدنيا فجزاؤه مضمون في العالم الآخر الذي تصل فيه الحياة البشرية إلى الكمال المقدر لها . أما الذين يزيغون عن نهج الله وحكمته في الحياة فهؤلاء يرتكسون وينتكسون إلى درك العذاب وفي هذا ضمان للفطرة السليمة ألا تنحرف.

فالاعتقاد باليوم الآخر ليس طريقا للثواب في الآخرة فحسب - كما يعتقد بعض الناس - إنما هو الحافز على الخير في الحياة الدنيا . والحافز على إصلاحها وإنمائها . على أن يراعى في هذا النماء أنه ليس هدفا في ذاته إنما هو وسيلة لتحقيق حياة لائقة بالإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه وكرمه على كثير من خلقه ورفعه عن درك الحيوان.

ومن ثم كان مضمون الرسالة أو مضمون آيات الكتاب المحكمة المفصلة بعد توحيد الدينونة لله وإثبات الرسالة من عنده والدعوة إلى الاستغفار من الشرك والتوبة وهما بدء الطريق للعمل الصالح . والعمل الصالح ليس مجرد طيبة في النفس وشعائر مفروضة تقام إنما هو الإصلاح في الأرض بكل معاني الإصلاح من بناء وعمارة وإنتاج . والجزاء المشروط:

وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ........... " 11:3

والمتاع الحسن قد يكون بالنوع كما يكون بالكم في هذه الحياة الدنيا . أما في الآخرة فهو بالنوع والكم وبما لم يخطر على قلب بشر . فلننظر في المتاع الحسن في هذه الحياة.

إننا نشاهد كثيرا من الطيبين الصالحين المستغفرين التائبين العاملين في الحياة  وضيقا عليهم في الرزق . فأين إذن هو المتاع الحسن؟

وهو سؤال نعتقد أنه يتحرك على ألسنة الكثيرين.....

ولا بد لإدراك المعنى الكبير الذي يتضمنه النص القرءآني أن ننظر إلى الحياة من زاوية أوسع وننظر إليها في محيطها الشامل العام ولا نقتصر منها على مظهر عابر.

إنه ما من جماعة يسود فيها نظام صالح قائم على الإيمان بالله والدينونة له وحده وإفراده بالربوبية والقوامة وقائم على العمل الطيب المنتج في الحياة إلا كان لها التقدم والرخاء والحياة الطيبة بصفة عامة كجماعة وإلا ساد فيها العدل بين الجهد والجزاء والرضى والطمأنينة بالقياس إلى الأفراد بصفة خاصة . فإذا شاهدنا في جماعة ما أن الطيبين العاملين المنتجين مضيق عليهم في الرزق والمتاع الطيب فذلك شاهد على أن هذه الجماعة لا يسودها النظام المستمد من الإيمان بالله القائم على العدل بين الجهد والجزاء.

على أن الأفراد الطيبين الصالحين المنتجين في هذه الجماعة يمتعون متاعا حسنا حتى لو ضيق عليهم في الرزق  وحتى لو كانت الجماعة تطاردهم وتؤذيهم كما كان المشركون يؤذون القلة المؤمنة وكما تؤذي الجاهليات القلة الداعية إلى الله . وليس هذا خيالا وليس ادعاء . فطمأنينة القلب إلى العاقبة والاتصال بالله والرجاء في نصره وفي إحسانه وفضله عوض عن كثير ومتاع حسن للإنسان الذي يرتفع درجة عن الحس المادي الغليظ الفانى.

ولا نقول هذا لندعو المظلومين الذين لا يجدون جزاء عادلا على جهدهم إلى الرضى بالأوضاع المنافية للعدالة . فالإسلام لا يرضى بهذا والإيمان لا يسكت على مثل تلك الأوضاع . والجماعة المؤمنة مطالبة بإزالتها وكذلك الأفراد ليتحقق المتاع الحسن للطيبين العاملين المنتجين . إنما نقوله لأنه حق يحس به المؤمنون المتصلون بالله المضيق عليهم في الرزق وهم مع هذا يعملون ويجاهدون لتحقيق الأوضاع التي تكفل المتاع الحسن لعباد الله المستغفرين التائبين العاملين بهدى الله.

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "6  : 11

هذه الدواب - وكل ما تحرك على الأرض فهو دابة من إنسان وحيوان وزاحفة وغيرها . ما من دابة من هذه الدواب التي تملأ وجه البسيطة ما من دابة من هذه الدواب إلا وعند الله علمها . وعليه رزقها وهو يعلم أين تستقر وأين تكمن.

فأودع هذه الأرض القدرة على تلبية حاجات هذه المخلوقات جميعا وأودع هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها من هذا المودع في الأرض في صورة من صوره.

وهذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله ورحمته في خلق الكون على الصورة التي خلقه بها وخلق هذه المخلوقات بالاستعدادات والمقدرات التي أوتيتها . وبخاصة الإنسان . الذي استخلف في الأرض وأوتي القدرة على التحليل والتركيب وعلى الإنتاج والإنماء وعلى تعديل وجه الأرض وعلى تطوير أوضاع الحياة بينما هو يسعى لتحصيل الرزق الذي لا يخلقه هو خلقا وإنما ينشئه مما هو مذخور في هذا الكون من قوى وطاقات أودعها الله بمساعدة النواميس الكونية الإلهية التي تجعل هذا الكون يعطي مدخراته وأقواته لكافة الأحياء.

وليس المقصود أن هناك رزقا فرديا مقدرا لا يأتي بالسعي ولا يضيع بالسلبية والكسل كما يعتقد بعض الناس ! وإلا فأين الأسباب التي أمر الله بالأخذ بها وجعلها جزءا من نواميسه .إن لكل مخلوق رزقاهذا حق . وهذا الرزق مذخور في هذا الكون مقدر من الله في سننه التي ترتب النتاج على الجهد فلا يقعدن أحد عن السعي وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة  ولكن السماء والأرض تزخران بالأرزاق الكافية لجميع المخلوقات حين تطلبها هذه المخلوقات حسب سنة الله التي لا تحابي أحدا ولا تتخلف.

" وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ " 11:7

أما كيف كان هذا الماء وأين كان وفي أية حالة من حالاته كان . وأما كيف كان عرش الله على هذا الماء فزيادات لم يتعرض لها النص وليس لمفسر يدرك حدوده أن يزيد شيئا على مدلول النص في هذا الغيب الذي ليس لنا من مصدر لعلمه إلا هذا النص وفي حدوده.

وليس لنا أن نتلمس للنصوص القرءآنية مصداقا من النظريات التي تسمى "العلمية " - حتى ولو كان ظاهر النص يتفق مع النظرية وينطبق - فالنظريات "العلمية " قابلة دائما للانقلاب رأسا على عقب كلما اهتدى العلماء إلى فرض جديد  وامتحنوه فوجدوه أقرب إلى تفسير الظواهر الكونية من الفرض القديم الذي قامت عليه النظرية الأولى . والنص القرءآني صادق بذاته اهتدى العلم إلى الحقيقة التي يقررها أم لم يهتد . وفرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية فالحقيقة العلمية قابلة للتجربة - وإن كانت دائما احتمالية وليست قطعية - أما النظرية العلمية فهي قائمة على فرض يفسر ظاهرة كونية أو عدة ظواهر وهي قابلة للتغيير والتبديل والانقلاب ومن ثم لا يحمل القرءآن عليها ولا تحمل هي على القرءآن .

وتلمس موافقات من النظريات "العلمية " للنصوص القرءآنية هو هزيمة لجدية الإيمان بهذا القرءآن واليقين بصحة ما فيه  وأنه من لدن حكيم خبير . هزيمة ناشئة من الفتنة "بالعلم" وإعطائه أكثر من مجاله الطبيعي الذي لا يصدق ولا يوثق به إلا في دائرته . فلينتبه إلى دبيب الهزيمة في نفسه من يحسب أنه بتطبيق القرءآن على "العلم" يخدم القرآن ويخدم العقيدة ويثبت الإيمان ! إن الإيمان الذي ينتظر كلمة العلم البشري المتقلبة ليثبت لهو إيمان يحتاج إلى إعادة النظر فيه ! إن القرءآن هو الأصل والنظريات العلمية توافقه أو تخالفه سواء . أما الحقائق العلمية التجريبية فمجالها غير مجال القرءآن . وقد تركها القرءآن للعقل البشري يعمل فيها بكامل حريته ويصل إلى النتائج التي يصل إليها بتجاربه ووكل نفسه بتربية هذا العقل على الصحة والاستقامة والسلامة وتحريره من الوهم والأسطورة والخرافة . كما عمل على إقامة نظام للحياة يكفل لهذا العقل أن يستقيم وأن يتحرر وأن يعيش في سلام ونشاط . ثم تركه بعد ذلك يعمل في دائرته الخاصة ويصل إلى الحقائق الجزئية الواقعية بتجاربه . ولم يتعرض لذكر شيء من الحقائق العلمية إلا نادرا . مثل أن الماء أصل الحياة والعنصر المشترك في جميع الأحياء . ومثل أن جميع الأحياء أزواج حتى النبات الذي يلقح من نفسه فهو يحتوي على خلايا التذكير والتأنيث وأمثال هذه الحقائق التي صرحت بها النصوص القرءآنية.

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.....

والسياق يظهر كأن خلق السماوات والأرض في ستة أيام - مع سيطرة الله سبحانه على مقاليده - كان من أجل ابتلاء الإنسان ليعظم هذا الابتلاء ويشعر الناس بأهميتهم وبجدية ابتلائهم.

وكما جهز الخالق هذه الأرض وهذه السماوات بما يصلح لحياة هذا الجنس  جهز هذا الجنس كذلك باستعدادات وطاقات  وبنى فطرته على ذات القانون الذي يحكم الكون وترك له جانبا اختياريا في حياته يملك معه أن يتجه إلى الهدى فيعينه الله عليه ويهديه أو أن يتجه إلى الضلال فيمد الله له فيه وترك الناس يعملون ليبلوهم أيهم أحسن عملا . يبلوهم لا للعلم فهو يعلم . ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله.

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (11:13

وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .........

ادعوا شركاءكم وفصحاءكم وبلغاءكم وشعراءكم وجنكم وإنسكم . وأتوا بعشر سور فقط مفتريات إن كنتم صادقين في أن هذا القرآن مفترى من دون الله.

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ .......

ولم يقدروا على افتراء عشر سور لأنهم عاجزون عن أن يقدموا لكم عونا في هذه المهمة المتعذرة ! وعجزتم أنتم بطبيعة الحال لأنكم لم تدعوهم لتستعينوا بهم إلا بعد عجزكم.

فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ .....

فهو وحده القادر على أن ينزله  وعلم الله وحده هو الكفيل بأن ينزله على هذا النحو الذي نزل به  متضمنا ما تضمنه من دلائل العلم الشامل بسنن الكون وأحوال البشر وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشهم.

وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ

فهذا مستفاد كذلك من عجز آلهتكم عن تلبيتكم في تأليف عشر سور كالتي أنزلها الله . فلا بد أن يكون هناك إله واحد هو القادر وحده على تنزيل هذا القرءآنويعقب على هذا التقرير الذي لا مفر من الإقرار به بسؤال لا يحتمل إلا جوابا واحدا عند غير المكابرين المتعنتين . سؤال

فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ؟

بعد هذا التحدي والعجز ودلالته التي لا سبيل إلى مواجهتها بغير التسليم ولكنهم ظلوا بعدها يكابرون

لقد كان الحق واضحا ولكنهم كانوا يخافون على ما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا من منافع وسلطان وتعبيد للناس كي لا يستجيبوا لداعي الحرية والكرامة والعدل والعزة  داعي لا إله إلا الله لهذا يعقب السياق بما يناسب حالهم ويصور لهم عاقبة أمرهم فيقول:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (11:6

إن للجهد في هذه الأرض ثمرته . سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة . فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ويتمتع بها كما يريد - في أجل محدود - ولكن ليس له في الآخرة إلا النار لأنه لم يقدم للآخرة شيئا ولم يحسب لها حسابا  فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا ولكنه باطل في الآخرة لا يقام له فيها وزن .

ونحن نشهد في هذه الأرض أفرادا اليوم وشعوبا وأمما تعمل لهذه الدنيا وتنال جزاءها فيها . ولدنياها زينة  فلا يجوز أن نعجب ولا أن نسأل:لماذا ? لأن هذه هي سنة الله في هذه الأرض:  مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ "

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ....... "(14

فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ .....................!

اجمالي القراءات 16903