الفكر السلفي المعاصرالمتشدد الذي يسيطر على عقول الأئمة والخطباء
لماذا الآن وبعد ثورة 25 يناير

محمد صادق في الإثنين ١٨ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

لماذا الآن وبعد ثورة 25 يناير

 

فرض الفكر السلفي العصري نفسه بشدة على الساحة الفكرية في الآونة الأخيرة بما جاءت معه الريح بما لا تشتهيه الأنفس، فمنذ عقود كثيرة مضت والتشدد لا يزال هو المتربع على الساحة، هدّد الوحدة وفرّق المواطنين وساهم بقدر كبير في توسيع الفجوة بين أبناء الوطن الواحد، بشكل جعل من الأهمية بمكان على المفكرين والعقلاء أن يعيدوا القراءة الحقيقية لمفردات ا&aacu;ت الواقع المصري، خاصة بعد تفجر الكثير من الحوادث الطائفية التي نتجت جراء الاعتماد على الفكر السلفي المتشدد واتخاذه منهجًا في الفكر والتعامل، فبات الشارع بين سندان الإرهاب ومطرقة القتل المتنقل بين محافظاتها محمولاً على أعناق الفتاوى الإجرامية التي كفّرت المخالف وأباحت قتل غير الموافق وأجبرت على الاعتناق من لا يعتقد، بل وأججت النيران بين أهل الأديان المختلفة.

فيقولون من قام بتفسير القرءآن الكريم بغير تفسير السلف فهو كافر، أقول لهم هل أمرنا الله سبحانه بتفسير القرآن ؟ انظر معى إلى قول الله العلى القدير:

" ........ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بالحق وأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " الفرقان 33

الإجابة اننا ليس مطالبون بتفسير القرءآن الكريم، إذن فلماذا نجد آلاف الكتب فى الأسواق وعلى الأرصفة معنونة ب " كتاب تفسير القرءآن لإبن كثير، تفسير القرءآن للقرطبى، تفسير القرءآن للطبطبائى، تفسير الجلالين وتفسير فلان وفلان ...الخ والقائمة لا تعد ولا تحصى.

ونرى كتاب آخر بعنوان " التفسير المبين " أنظر إلى كلمة التفسير المبينوقارن هذا بآيات الله الكريمات وماذا قال رب العباد عن كتابه وآياته على سبيل المثال لا الحصر يقول سبحانه:

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا" النساء 174

ويقول أيضا: " الر  تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ" الحجر 1

وفى موضع آخر: " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ" يس 69

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " النور 43

 ولو رجعنا إلى كتب الفقه نجد ان أول ما يُشار إليه عن أحسن وافضل طريقة لفهم القرءآن هو " تفسير القرءآن بالقرءآن " ثم يليها عدة طرق أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

لذلك، دعا الله عز وجل عباده إلى التدبر فيما أنزله إليهم من آيات بينات بصور متعددة، فبين أن هذا التدبر هو المقصود بإنزال القرآن بقوله: " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص 29، وعلى سبيل التقريع على من أعرض عن تدبره كما يقول سبحانه: " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ " المؤمنون 68 وأيضا فى موضع تقريع آخر يقول رب العزة: " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" محمد 24

فعلينا أن نقول كما قال الرسول والمؤمنون فى سورة البقرة " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " 285

 ولذا فإن الفكر السلفي المعاصرالمتشدد الذي يسيطر على عقول الأئمة والخطباء وبالتالي انتقاله إلى شارعنا وتفشيه في عقول الشباب الصغير، الأمر الذي يهدد استقرار المجتمع ووحدته الثقافية ويؤثر بالتالي على قبول الآخر والاعتراف بالتنوع الديني وبالتالي تدمير الوحدة الوطنية عبر انتقال الفكر السلفي المتشدد إلى العديد من الشباب وتغذية مشاعر العداء تجاه الآخرين الذين يخالفونهم في الفكر والاعتقاد.

 كما أن الأفكار المتشددة التي تسيطر الآن على عقول البعض ويبذرها المشايخ المتطرفون بين الصفوف جاءت مع عودة بعضهم من الخليج في أوائل الثمانينيات والتسعينيات، وهي الأفكار التي ساهمت بدور أو بآخر في تغذية مشاعر العداء تجاه الآخرين والإحساس الدائم بأنه فوقهم ويجب فرض أفكاره الخاصة عليهم.

لقد رأيت أن أساهم في استئصال هذا الورم الخبيث من جسد هذه الأمة، مستعيناً في ذلك بعلماء كافة الطوائف الإسلامية من مؤلفاتهم ومحاضراتهم ، وبالنقل عن الوهابية أنفسهم من كتبهم ومحاضراتهم، وبنقل موثَّق عن نصارى رضي بهم الوهابية مستشارين وقادة بشكل لا يستطيعون نفيه مطلقاً ،  وأعلم أنه لن يأتيني من قِبلهم إلا الريح الخبيث، ولكنني أحتسب أجري على الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ولا يفوتني ههنا أن أنبِّه على أنَّ نقدنا هذا لا يعني أيَّ مسلم في بلاد الحرمين الشريفين متمسكٍ بأهداب دينه، يأخذ الحق من أي مصدر وجده من غير تعصب، وإنما يعني تماماً أدعياء السلفية الذين يقدِّسون الفكر الوهابي المنحرف، ويرون ما سواه باطلا في أي بقعة كانوا.

لا تزال الحركات المارقة عن الدين، تتوالى في الخروج على الملة الحنيفية السمحة من لدن ذي الخويصرة إلى مسيلمة الكذاب إلى نجدة بن عامر الحنفي وقومه أهل اليمامة إلى أن طلع علينا في هذا العصر قرن الشيطان في بلاد نجد حيث الزلازل والفتن فخرجت الوهابية، التي عاثت في الأرض فسادا ولا تزال، معتبرة أهل ملة التوحيد أهل شرك فاستباحت دماءهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.

 إن الخلل في فِرقة واحدة نبتت حديثاً رأت أن لا حياة لها إلا بتفرقة المسلمين؛ فأخذت تكفِّر هذا وتطعن في ذاك، حتى حكمت على غالب الأمة بالشرك الأكبر والضلال المبين، ولم يبق مسلم واحد على ظهر الأرض يخالفهم إلا وأخرجوه من حظيرة الإسلام. إن هذه الفرقة هي الفرقة الوهابية التي لا تؤمن إلا بالسيف البتار والدرهم والدينار.

 فحكمت على المذاهب الأربعة بأنهم ليسوا بأهل سُنَّة مطلقاً، وأنه لا يجوز تسميتهم بذلك ما داموا على عقيدة الأشاعرة  الزائغة على حد زعمهم، وسموهم بالصوفية والمعطِّلة. ورأوا أن التسمية بأهل السنّة غير لائقة أصلاً بل الواجب أن يتحول الناس إلى فريقهم ويتسمَّوا بالسلفية.

          وحكمت على الشيعة من زيدية وجعفرية بالكفر والضلال

          وحكمت على الإباضية بالضلال ولم يجيزوا الصلاة خلفهم

          وحكمت بضلال الإخوان المسلمين

          وحكمت على جماعة الدعوة والتبليغ بالضلال، ومنعتها من الحركة في أرض الحرمين.

  كما استحوذت على منابر المسلمين في بلاد الغرب وفرقت شمل الموحدين، فتراهم في كل بلد هم أبرز أسباب الشقاء والفرقة. 

وقبل ذلك كله ضجَّت أرجاء الجزيرة وما حولها من رعونتهم ووحشيتهم فى تقتيل المسلمين للإستيلاء على أرضهم وأموالهم وإنتهاك أعراضهم. وليتهم كانوا على شيء فنتبعهم، ولكن عقيدتهم التجسيم وفكرهم الضحالة؛ حتى أنهم أفتوا باستحلال دم من يقول بدوران الأرض .

ولكأنهم في الحقيقة لا يسعون إلاَّ لهدم الإسلام؛ ولا غرابة في مسعاهم، فأهل نجد بقيادة مسيلمة كانوا أول مرتد عن الإسلام بعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، وما عادوا إلى الإسلام إلا تحت وطأة سيف خالد وصحابة الرسول الكريم. ولكن أيجهل أحد فينا كيف عادوا؟‍ لقد عادوا بعد أن قتلوا زيد بن الخطاب وإخوته حفظة القرآن من أصحاب رسول الله ، فأحدثوا في جدار الإسلام هوة كبيرة.

ولأمر أراده الله خرج من بين هؤلاء المرتدين قومٌ ما زالت جراحات (حديقة الموت- كبرى المعارك ضد المرتدين وقعت فيما يُعرف اليوم بالرياض) تنكأ في قلوبهم قيحا، فما برحوا يخططون لهدم صرح الإسلام الشامخ؛ ولكن أنى لهم ذلك؟! لقد عادوا لأسلوبهم القديم مع تحديث بسيط إذ حملوا السيف على المسلمين مرّة أخرى واستحلوا دماءهم ، ولكنهم هذه المرة لم  يجاهروا بنبوة زعيمهم وإنما لبسوا مسوح الإسلام ليكيدوا له من الداخل ويشوِّهوا صورته السمحة في أفهام الناس وليكفروا المسلمين في كل أرض.

ملخص سريع عن التعريف بالوهابية

الوهابية فِرقة نشأت في منطقة نجد على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تصحيحية المظهر تنادي بمحاربة الشرك وعبادة الأوثان وتقديس القبور، وهو مطلب سامٍ بلا شك. لقد خرجت الدعوة الوهابية بدعوى التصحيح والقضاء على الشرك، ففرح بها كل مخلص، ولكن ما إن تحركت حتى ظهر من أمرها العجب! حيث استحلت دماء الموحدين؛ بل ودماء الأطفال من أهل نجد ، ثم ما هي إلا برهة من الدهر حتى اشتدَّ عودها فهاجمت كل أرض إسلامية استطاعت إليها سبيلا.

لقد تبيَّن من البحث للحركة الوهابية امتيازها بأنها حركة أنشأها أنصاف متعلمين. خرجت في آخر الزمان على حين ضعفٍ وفُرقةٍ بين المسلمين، تركت قتال أهل الأوثان ، وقاتلت أهل الإسلام، واعتبرتهم مشركين ، مالم يكونوا وهابية ويهاجروا إلى دار هجرتهم نجد ، وذلك في بداية دعوتهم كما أثبت ذلك الشيخ سليمان بن عبدالوهاب النجدي في معرض رده على أخيه محمد في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية).

والحق إن الوهابية  لم ينقموا على المسلمين أموراً جوهرية، بل جادلوا في مسائل فرعية، وكفَّروا المسلمين على أساسها، ويدَّعون اتباع السلف لتقليدهم ابن تيمية ؛ ولتعلقهم بظاهر القرءآن مع المحاربة لإعمال العقل في فهم النص أو التأويل، إلا أنَّ أفكارهم سرعان ما انكشف تهافتها ووهنها لكثير من العقلاء، وعلماؤهم لا يستطيعون الوقوف أمام حجج المسلمين وبراهينهم، فهم إن تحدَّثوا فكثيراً ما تسمع عيَّهم وضعفهم في لغة القرآن الكريم، يهربون من كلِّ مناظرة علمية تهدف إلى تبيين الحق لأنهم يعلمون أن لا قِبَل لهم بذلك.

الغريب أننا نرى اليوم بعض الوهابية يحاولون الهرب من تسميتهم هذه بينما كانوا بالأمس يفاخرون بها؛ أليس شيخهم وشاعرهم الأعمى سليمان بن سحمان (ت 1349) هو مؤلف كتاب " الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية" مطبعة المنار، مصر، 1342هـ.

أن من الأسباب التي سرَّعت في انتشار شرر الوهابية أيضاً اعتمادهم في القديم على التجنيد الإجباري لأقوام كانوا قطَّاع طرق أصبحوا جنود التوحيد –على حد تعبيرهم- أولئك الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يعرفون حرمات ولا يهتدون سبيلاً، يقول ابن بشر عن هذا التجنيد خلال حديثه عن سيرة سعود بن عبدالعزيز تلميذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب : (وأرسل إلى جميع البوادي حواويش رجال يحوشونهم من أقطار الجزيرة للغزو معه)  فيخرج بهم زعيم الوهابية من بعد لغزو المسلمين ولا ينسى أن يعظهم: (بالصبر في مواطن اللقاء وأن النصر لا ينال إلا بالصبر، وما وعد الله الصابرين وتوعد الفارين المدبرين ويتلو عليهم قوله تعالى{ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}) !!

 إنهم الخوارج الذين يصرفون آيات قتال الكفار في المسلمين! أما سبب انتشار شررهم حديثاً فاعتمادهم على شراء الذمم بالذهب الأسود، وبذل الأموال الطائلة لترويج بضاعتهم البائرة عن طريق وسائل الإعلام المقروءةوالمسموعة والمرئية ، لخداع البسطاء بالتباكي بالقرآن الذي لا يجاوز حناجرهم، وحكمهم الناس في بلاد الحرمين بالحديد والنار.

بطلان دعوة السلفية

(منقول نصاً من كتاب صحيح شرح العقيدة الطحاوية للشيخ حسن بن علي السَّقاف)

الحشوية هم طوائف تدعي الانتماء لمذهب الإمام أحمد مرَّت على مدار التاريخ الإسلامي؛ منهم (الكرامية) و (البربهارية) و(السالمية) وآخر العقد هم (الوهابية) التي خرجت منها فرقة أخرى اليوم تسمى (الجامية)، وهم أصناف المجسمة عموماً ، وسبب تسمية الذين يُدخلون في العقيدة ما ليس منها بالحشوية: أن طائفة من أسلافهم حضروا مجلس الحسن البصري بالبصرة، وتكلموا بالسقط عنده فقال: ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة – فتسامع الناس بذلك وسموهم (الحشَوية) بفتح الشين ويصح إسكانها – وناسبهم لقولهم بالتجسيم، لأن الجسم محشو، فالحشوية هم الذين حادوا عن التنـزيه، وتقولوا على الله بأفهامهم المعوجَّة.

يدَّعي الحشوية بأنه يجب فهم الكتاب والسنة بفهم السلف، وهم بذلك يعتبرون فهم السلف من الأدلة الشرعية الواجب اتباعها وهذا يتضمن مغالطتين:

أولا: أن السلف غير متفقين في فهم المسائل فليس لهم مذهب موّحد معروف حتى يصح أن يقال مذهب السلف أو فهم السلف أو يجب فهم الأمور بفهم السلف.

يذكر الشيخ السقاف أمثلة على ذلك كالاختلاف في خلق القرآن بين الإمام أحمد والحافظ الكرابيسي وكيف تحولت صداقتهما إلى عداوة، وكيف وافق البخاري ومسلم وابن كُلاّب وأبو ثور وداود بن علي وغيرهم الحافظَ الكرابيسي في أن التلفظ مخلوق، ثم يقول: بأي فهم من هذه الأفهام نأخذ؟!وبأي من هذه الآراء نتمسك؟!  إنتهى..

والجواب على هذا السؤال، لا بد أن نترك هذه الأفهام ونرجع إلى كتاب ربنا ونستعمل عقولنا لنفهم ونتدبر الأمر فسيتضح لنا الصواب، فنعرف آنذاك من أصاب ومن أخطأ فالرجوع حقيقةً لفهمنا لا لفهم السلف.

ثانيا: أنه ليس في القرآن الكريم دليل يفيد أنه يجب تعطيل العقول التي وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها وفهم الكتاب بفهم غيرنا ما دام أن المرء وصل إلى درجة الفهم والاجتهاد بل نقول لهؤلاء: إن النصوص الشرعية تخاطبنا مباشرة لنفهم أوامر الله تعالى ونواهيه دون تحريف أو ليٍّ لها، فقول الله تعالى في آيات كثيرة مثلاً {يا أيها الذين آمنوا} عام يشمل السلف والخلف والمتقدم والمتأخر إلى قيام الساعة.

وقوله تعالى "  وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ....... "4:83  نص صريح بأن علم أولي الاستنباط أو فهمهم وهم المجتهدون في كل عصر، ولم يُخَصَّ ذلك بالسلف، حيث لم يقل بأن أهل الاستنباط من السلف هم الذين يعلمون الأحكام ويفهمونها دون غيرهم من الخلَف، وفي هذا دليل واضح على هدم الاستدلال بفهم السلف وجعله أحد الأدلة الشرعية، بل الصواب أن يقال: إن فهم المجتهدين سواء كانوا من الخلف أو السلف معتبر شرعاً بالنسبة للعامي الذي لم يتأهل لفهم الأحكام من كتاب الله مباشرة، وإجماع هؤلاء المجتهدين في أي عصر من العصور سواء في زمن السلف أو الخلف هو معتبر شرعاً وهو من الأدلة الشرعية، وما سوى ذلك هذيان.

ثم إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...."  4:59  ولم يقل ردوه إلى فهم السلف لهما.

يتخبّط أدعياء السلفية، حيث يقولون دائما: يجب أن نفهم القرآن والسنة على فهم السلف، بينما يقول أحد متعصبيهم في كتابه (الإنصاف في أحكام الاعتكاف) ص 35، طبع المكتبة الإسلامية /عمان/ الأردن /ط1

" زد على ذلك أننا لسنا متعبدين بفهم أحد كائنا من كان، سواء كان ابن مسعود أم غيره، إنما نحن تعبدنا بنص رسول الله " نلاحظ أنهم لا يترددون فى الإنتقاص من أصحاب رسول الله حين لا يوافق قول الصحابة هواهم، وأيضا يذكرون نص حديث الذى يمكنهم التلاعب فيه بالتصحيح والتضعيف ولا يذكرون القرءآن الكريم الذى لا يمكنهم التلاعب فيه.

إن الإيمان بوجوب السير على ما فهمه الأولون من غير تفكر ولا تدبر ولا نقد ما هو إلا تعطيل صريح للعقل وإن نفى الوهابية ذلك! فخلاصة القول:" إنّا قد كُفينا مؤونة التفكير والتدبر، فالسلف قد فكَّروا وقرروا، وما علينا إلا اتباعهم، فهم لن يكونوا إلا على الصواب!" .

 مع العلم بأن فكرة التسليم للسابقين فكرة حاربها القرآن وسخِر من معتنقيها بقوله حكاية عنهم: " وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ"  43:23  فهؤلاء مثلهم، حيث رفضوا التفكير فعطَّلوا عقولهم عن فهم النص، وسلَّموا لعقول السابقين ولنُقول اختلط فيها الحق بالضلال.

وكما قلت سابقا فى المقالات التى تم نشرها عن السلفية، هم ينادون بشعار " إتباع السلف " وبلغة القرءآن الكريم " ما ألفينا عليه آباءنا " ولننظر قول الحق:

البقرة (آية:170): وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " 

المائدة (آية:104): وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " 

لقمان (آية:21): وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ "

العهد الالهى يحذرنا ربنا جل وعلا من أن نقابله يوم القيامة وقد نسينا ذلك العهد واعتذرنا بأننا وجدنا آباءنا ضالين فاتبعناهم!! اقرا قوله تعالى " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ." الأعراف172-174

هم حين يدافعون عن كبار الصحبة يجعلونهم السابقين المقصودين بقوله تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " 9:100

إن هذه الآية تتكلم عن السبق فى العقيدة والعمل الصالح وليس على السبق الزمنى أى يكون فلان أول من آمن أو ضمن العشرة الأول الذين آمنوا سابقين غيرهم . فالآية تتحدث عن السبق فى العمل الصالح القائم على عقيدة إمانية ، بدليل أنها، نفس الآية، ألحقت بهم كل من يتبعهم فى السبق بالإيمان والعمل الصالح حتى يوم القيامة. وهناك أدلة أخرى منها أن الله تعالى وحده هو الأعلم بحقيقة إيمان الناس ومنهم الصحابة، والآية التالية تقول للنبى عليه السلام عن بعض من أصحابه: " التوبة (آية:101): وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ  وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ  مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ  نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ  سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ".

أى فهناك منافقون أدمنوا النفاق وهم حول النبى وهو لا يعلم شيئا عن ما فى قلوبهم لأن الله تعالى وحده هو الأعلم بما تخفى الصدور وهو القائل للنبى ومن معه ولكل الناس: " ...... وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.. "4:25  

إذن فهو وحده جل وعلا صاحب الحق الوحيد فى معرفة من هم السابقون إيمانا وعملا بين الصحابة. ومن يزعم أنه يعرف مكنون قلوب الصحابة فقد إدعى الألوهية دون أن يدرى لأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى : " قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ " 27:65

 

إن إلغاء التعدد ،وهو حكمة ربانية، وسيادة الرأي الواحد، والفكر الواحد، يؤدي إلى ضيق أفق الفرد، فتقل أمامه الخيارات المتاحة، وعندما يعجز عن إحداث تغيير في الوسط المحيط به، فلا يبقى سوى حل واحد يكون هو الملاذ الوحيد ألا وهو العنف، ومكمن الخطورة ليس في الدين،أي دين، ولكنه يعود إلى سوء الفهم فالدين قد يكون مصدراً لظهور التعصب نحو بعض الشعوب أو الطوائف. فالمتدين يميل إلى أن يتخذ الدين قناعاً لكل أنواع الأفعال القاسية التي يرتكبها وقد يصور القناع تعبيرات جميلة لكنه في قرار نفسه يخفي دوافع آثمة. وهذا الجيل يمتاز ويميزه عن غيره من الأجيال السابقة عدة أمور تدلنا على الحالة الفكرية المتأثرة بالتطور الحادث في الحياة وهي: ثقافته سمعية بصفة أساسية. ليس له جذور في التدين أي حديث العهد بالتدين مندفع في الدعوة والفتوى، كما أن مرجعيته سلفية فضائية،ولا يعترف بتعدد الآراء في المسألة الواحدة ويرى أن ذلك يؤدي إلى التفرقة والتشتت، كما أنه يرى نفسه دائماً على صواب وغيره دائماً على خطأ، وهنا مكمن الخطورة. فالتشدد هو الطريق الأقصر إلى التعصب، فالتعصب لدين ما أو فكر ما ،أياً كان هذا الدين أو الفكر، له تأثيرات غاية في الخطورة بشأن استقرار المجتمع وأمن الأفراد.

وإن انتشار الفكر السلفي المتشدد وراء عدد من الأحداث الطائفية التي مرت على الأمة ، خصوصا مع دعاوى التعصب والكراهية التي أصبحت موجودة في المجتمع كنتيجة حتمية من نتائج التسليم بهذ الفكر، الأمر الذي يتطلب ضرورة تضافر المفكرين وتفاعلهم مع الواقع لإنتاج نماذج فكرية صالحة للتطبيق في الوقت الحالي.

ومن المهم اليوم القضاء على الأفكار السلفية المتحجرة التي تحارب الإبداع وتتهمه بالكفر والزندقة والخروج على الدين في الوقت الذي تخالف هذه الأفكار في مضمونها صحيح الدين، من خلال الحرص على الارتباط الدائم بأفكار الأولين والموتى بوصفها مسلمات، بينما يدعو الدين في مواضع عديدة منه إلى التجديد والابتكار وإعمال العقل والخروج من دائرة الجمود الذي يعطل التنمية والرقي.

إن سيطرة الفكر المتحجر وفرضه يحقق مصالح لفئة من الناس استقرت مصالحهم بحكم الارتباط الطبيعي بينهم وبين هذا النوع من الفكر، لا سيما وأنه يخدم مشاريع سياسية كالفكر الوهابي السلفي المتحجر الذي يكره الآخرين ولا يرى إلا نفسه فقط، بينما من الضروري أن يتم تطوير هذه الأفكار لمواجهة التحديات المعاصرة.

ألسلفية أنواع، أوجه هذه الأسئلة إلى السلفية ككل:

1-أى سلفية تتكلمون عنها؟

2-هل السلفية فرق أم مذاهب أم حركات؟

3-هل السلفى يعترف بخطئه إن أخطأ؟

4-هل السلفى يدعى العصمة والعلم المطلق قولا وعملا ؟

أنها جماعات وحركات اسلاميه سواء اختلفت الاسماء توضع تحت التقييم والنقد وكل واحدة غير مبرأة من الخطا باعتبارها عمل بشرى. لكن السلفية قصرت فى العمل العام والعمل الاجتماعى وتركت الناس دون ان تقدم برامج عمليه لمواجهه مشكلات الناس من البطاله والفقر والجهل المخيم على اجزاء الامه المسلمه.

وشغلت نفسها وغيرها بالجدال والمراء مع غيرها مع انها لو تحركت بدعوتها صامتة لقبلها الناس لكنها تجادل ويقوم افرادها بتضليل المجتمع او تسفيهه رغم ان المجتمع يعانى ازمات علميه واقتصاديه. وبالتالى التنظير وحدة لا يكفى بل لابد ان يشهد للتنظير الواقع العملى. لا نريد تعميما ولانريد كلاما مضخما فاين البرامج العمليه التى على اساسها احاسبك واقيمك كتجربة عملية فى واقع حياة المسلمين.

 

 

اجمالي القراءات 14549