التعديلات الدستورية ومواقف التيارات الدينية

رضا عبد الرحمن على في الأربعاء ٢٣ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

التعديلات الدستورية ومواقف التيارات الدينية

 

منذ أول أيام الثورة المصرية العظيمة التي لم تكتمل بعد ولا يزال الفاسدون يخططون ويسهرون على إجهاضها بكل السبل ، لدرجة أنهم يرسلون أعدادا من الشباب لميدان التحرير لاختلاق مشاجرات مع رجال القوات المسلحة ، ويوقعون الفتنة بين السلفيين والأقباط ، ويدعون الأقباط للتظاهر بحثا عن حقوقهم ، وإثارة فتن بين تيارات مختلفة في الدولة من ص˜ن صوفية وسلفية ، إرسال بلطجية يرهبون طلاب المدارس حتى يجبرون الأهالي على الاقتناع أن الثورة لم تجلب لهم إلى الخوف والرعب ، والأكثر من هذا كله هو إعلان هؤلاء نيتهم ـ التصفية الجسدية لمجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية والشخصيات العامة التي تساند الثورة ، بالإضافة لترويج آلاف الإشاعات في كل مكان في مصر للقضاء على حالة الوعي السياسي التي يعيشها كل مصري منذ بداية الثورة.

هي فعلا حرب لم تنتهي ، ويشرف عليها بقايا النظام السابق وجهاز أمن الدولة الذي لم ينتهي بعد.

ولكن ما أريد توضيحه هنا أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية أعطانا مؤشرا هاما جدا عن التيارات الدينية في مصر فأوضح لنا عدة حقائق عن الآتي : الأعداد ـ الاتجاهات السياسية ـ التلون وتغيير المواقف حسب المصلحة الخاصة ـ قابليتهم للتعاون مع أي اتجاه مهما كان طالما فيه مصلحتهم ـ التأكيد أن السلفية لا تزال تعمل تحت عباءة أمن الدولة.

ـ الأعداد ـ قام بالتصويت في الاستفتاء 19 مليون مصري منهم 77.5% قالوا ـ نعم ـ وهم من الأخوان والجماعة الإسلامية والسلفيين وأنصار السنة وكل من ينتمي للتيارات الدينية في مصر ، بالإضافة لفلول النظام وكل من كان لهم مصالح أو علاقة بالحزب الوطني في النظام البائد ، كل هؤلاء مجتمعين بذلوا مجهودات جبارة في إقناع البسطاء من الناس للتصويت بنعم معللين ذلك أنه في مصلحة الإسلام وأن التصويت ـ  بــ لا ـ يعني وصول الأقباط للحكم وهو نهاية للإسلام والدولة الإسلامية ، التيارات الدينية بذلت مجهودات جبارة في هذا وطبعت منشورات وطرقوا أبواب البيوت وخطبوا في المساجد لتلقين المواطنين هذا الدرس الكاذب للتصويت بنعم ، وساعدهم فلول نظام مبارك وأذناب الحزب الوطني بحشد الأهل والأقارب والأصحاب ، ومن لم ينجحوا في إقناعه يسلطون عليه شباب الجماعات والتيارات الدينية ، لدرجة أظهرت حالة غريبة جدا من التعاون بين فلول النظام من الحزب الوطني من ناحية وبين الأخوان والسلفيين وأنصار السنة وكل من له لحية ويلبس جلبابا قصيرا ، على الرغم من الخلاف المعروف بين السلفيين وبين الأخوان بسبب مشاركة الأخوان في العمل السياسي وخروجهم على الحاكم ، والخلاف المعروف بين الأخوان والحزب الوطني ، فهذه الحالة من الوفاق  لم تحدث بهذا الوضوح من قبل بين كل هؤلاء الفرقاء.

ـ الأخوان لهم مواقف متباينة تماما ـ قبيل الثورة كانوا يرفضون المشاركة ، والتزموا الصمت ، وحين تحولت التظاهرات الحاشدة إلى ثورة انضموا إليها بكل قوة في جميع المحافظات وكانوا دائما على منصة التوجيه وإعلان البيانات ، كانوا مع الثوار في جميع المطالب وخصوصا في قيام دولة مدنية تقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية ، لدرجة أن أحدهم تحدث بوضوح عن حرية العقيدة وحرية الدين وكل إنسان حر فيما يعتقد وقال المتحدث الرسمي باسم الجماعة أن الجماعة لا ترفض انضمام أي قبطي لحزبهم السياسي ، وبعد أن سقط النظام أصبح للإخوان الحق في تأسيس الأحزاب ، ظهروا بكثافة في وسائل الإعلام ، تمتعوا بحرية غير مسبوقة في الدعوة والتحرك بدون رقيب ، فوجدوا أن هذا يكفي في هذه المرحلة وهم لا يريدون أكثر من الحرية في الدعوة ، ولا يجب أن يضيعوا وقتهم في المطالبة بدستور جديد ، بل انقلبوا على الثورة وشحنوا عواطف الناس ضد الأقباط مرة أخرى بما فعلوه في موضوع الاستفتاء ، وبعد أن ادّعوا أنهم أخوة للأقباط في ميدان التحرير ، وبعد أن ذهب شيوخهم لأطفيح وقرية صول لرأب الصدع الذي صنعه جهاز أمن الدولة المجرم بين المسلمين والمسيحيين.

·       فهذه التيارات الدينية تتلون حسب المصالح وعندما شعروا أن مصر ستكون دولة مدنية ليبرالية ، وقد اقترب البرادعي من السيطرة على أكبر شعبية بين كل من أعلنوا أنهم سيخوضون انتخابات الرئاسة ، شعروا بالخطر ، لأن نهاية التيارات الدينية في مصر ستكون بقيام دولة مدنية ليبرالية يكون فيها الدين لله والوطن للجميع ولا فرق ـ حقا لا تمثيلا ـ بين مسلم أو مسيحي كما حدث من الأخوان في ميدان التحرير ، حين قاموا بتمثيل دور رائع في حب مصر وظهروا أنهم يدعون لدولة مدنية ، وحينما أحسوا بالخطر تغيرت السياسة وتغير الطريق لأن نهاية التيارات الدينية في مصر ستكون نهايتها في جميع الدول العربية.

·       فقد تغيرت سياستهم حين كثـُر الحديث عن تعديل المادة الثانية من الدستور ، وعن حق القبطي في الترشح لرئاسة الجمهورية ، وهذه الفتوى قال فيها الدكتور علي جمعه ـ أنه لم يجد في القرآن ولا السنة أي مانع يمنع القبطي أو المرأة من الترشح لرئاسة الدولة الإسلامية ، وقد كانت لفتوى الدكتور علي جمعه أعظم الأثر في هذا التغير في موقف الأخوان ، وظهر هذا جليا قبيل الاستفتاء بأيام قليلة، وأشك أن هذه الفتوى في هذا التوقيت لها علاقة بأمن الدولة لتغيير موقف الأخوان من الاستفتاء ، لأنهم كانوا مع الثورة في تغيير الدستور وكتابة دستور جديد ، وأمن الدولة يعلم جيدا مدى تأثير الأخوان على الناس ويقدر تواجدهم الواضح في الشارع المصري وأنهم قادرون على تغيير مجرى الاستفتاء ، كانت الفتوى بتاريخ 16/3/2011م. على هذا الرابط نقلا عن الدستور الأصلي ــ http://www.coptreal.com/WShowSubject.aspx?SID=44615

ويستمر دعاة السلفية في التأكيد على أنهم ببغاوات يقولون ما يمليه عليهم ضباط أمن الدولة ، وآخر وأهم هذه الأحداث ما قاله أحدهم على الهواء مباشرة ، حين توصل لدليل من كتب التراث يبيح قتل البرادعي وإهدار دمه لأنه قام بنشر الفتنة في المجتمع وخرج على الحاكم المسلم (على حد قول الشيخ السلفي) ، ولو كان هذا الشيخ يعقل لعلم أن أكبر فتنة في مصر هو جهاز أمن الدولة الذي يقوم هو بخدمته خدمة العبد للسيد.

فلابد أن نعلم جميعا أن التيارات الدينية لا تريد خيرا لمصر رغم مشاركتهم الفعالة في الثورة وخصوصا في أيامها الصعبة ، وكنت أنوى الكتابة عن سيطرة الأخوان على منصات الثورة في معظم المحافظات ، كما كنت أنوى الكتابة عن تخوفي من أسلمة هذه الثورة وأنوه عن ألاعيب الأخوان الذين يملكون الخبرة الكبيرة في ممارسة العمل السياسي مقارنة بشباب الثورة البكر الذي لم يخطو قبل 25 يناير خطوة نحو العمل السياسي الفعلي ، ولكن فضلت السكوت خوفا على شق الصف وخوفا على الثورة من نشر الإشاعات ، ولكي لا أساعد كل من كانوا ولا زالوا يحاربون هذه الثورة العظيمة.

إذن بالأرقام حصل فلول النظام  من الحزب الوطني بالتعاون مع جميع التيارات الدينية في مصر على إقناع عدد (14725000)مصري للتصويت بــ نعم ، وفي المقابل قام عدد (4275000)مصري بالتصويت بــ لا  ، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة كبيرة جدا ممن صوتوا بنعم كانت الخديعة هي السبب في إقناعهم ، وإجمالي كل من له حق التصويت في مصر 45 مليون مصري ، إذن مصر بخير والأغلبية للعقل إن شاء الله مع اختلافي مع كل من قالوا ـ نعم ـ ومع احترامي لهم جميعا كمصريين في حقهم أن يقولوا ما يشاءون.

 

 

اجمالي القراءات 10134