اعتقال الأحلام في مصر في عهد مبارك

رضا عبد الرحمن على في الإثنين ١٤ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً


اعتقال الأحلام في مصر في عهد مبارك

 

سمعت هذه القصة أثناء فترة اعتقالي في عصر مبارك البائد

1 ـ روى لنا شاب معتقل فى احد السجون المصرية لأخوانه أنه رأى فى المنام أنه يركب متوسيكلا وخلفه صديق له ، وأنهما ألقيا متفجرات  فى أحد الشوارع . أوصل المخبرون فى السجن هذا الحلم إلى ضابط أمن الدولة ، فاستجوب الشاب المعتقل عن تفصيلات المنام ، والاستجواب يعنى التعذيب ، وسرعان ما عرف منه إسم صاحبه الذى كان يركب معه المتوسيكل فى الحلم ،وفى اليوم التالى كان الصاحب المسكين معتقلا فى نفس الزنزانة بتهمة انه كان يركب المتوسيكل فى الحلم الذى رآه صاحبه .

 

2 ـ لقد قام حسنى مبارك بقهر المصريين بالتعذيب خلال 30 عاما من حكمه وظل مستمرا فى هذا  الظلم وهذا التعذيب والقتل إلى أخر لحظة في حياته كرئيس للدولة البوليسية القمعية التي أقامها وأشرف على بنائها بنفسه ، ولذلك  كانت تأتى التقارير السنوية تتحدث عن تحول التعذيب فى مصر إلى روتين عادى تمارسه السجون ومقرات البوليس السرى والعلنى ومراكز الشرطة فى كل العمران المصرى .

 

3 ـ احتكر حسنى مبارك كل السلطات لنفسه وهو ليس مسئولا أمام البرلمان الذى يصنعه بالتزوير ، وليس من حق البرلمان مناقشة ميزانية الجيش و مؤسسة الرئاسة التى يتحكم فيها مبارك ، وهو كرأس للنظام العسكرى البوليسى الحاكم فان سلاح الجيش وقوات الأمن  كانت موجهة لأفراد الشعب المصري ، وبهذا يجرى تعذيب المصريين منذ عام 1981 وحتى أيام قليلة مضت بعد ثورة 25 يناير ، ولأن التعذيب فى القانون المصرى جريمة لا تسقط بالتقادم فقد قام مبارك بتعطيل القانون منذ تولى الحكم ، وهو يحكم بقانون الطوارئ ومحاكم أمن الدولة الاستثناية و المحاكم العسكرية التى يحال اليها المدنيون ، هذا عدا الحبس الاحتياطى الذى بموجبه تقوم مباحث أمن الدولة باختطاف الأفراد وسجنهم وتعذيبهم فى سجونها السرية ، وتحيلهم الى النيابة باعترافات منتزعة بالتعذيب ، ويأخذ المتهم المظلوم جولة أخرى من الاستجواب ، ولا يستطيع البوح بما تعرض له من تعذيب لأنه يعود فى نهاية اليوم لقبضة الجلادين أنفسهم ، أو يتم سحبه ليلا من مكان محبسه ليلقى في مقرات أمن الدولة أسوأ عقاب جراء شكواه من التعذيب أمام النيابة ، وهذا مشهور جدا ومعلوم لكل المعتقلين .

 

 وفى الغالب كانت النيابة تفرج عن المتهم سعيد الحظ لأنه لا توجد له تهمة اصلا ، فيخرج وقد عوقب بالحبس الاحتياطى على جريمة لم يرتكبها ، أما البرىء التعس فقد يقضى أعواما فى السجون الخاصة بمباحث أمن الدولة دون العرض على النيابة ، أو يموت تحت التعذيب ، وليست هناك سجلات فى أمن الدولة لأسماء المعتقلين ، وعندما يتشجع أهل المواطن للابلاغ عن خطفه وطلب معرفة مكان احتجازه وهل هو حى أم مات بالتعذيب فإن أمن الدولة تبادر بإنكار معرفتها به ، وقد حدث ذلك معي ، وذلك حين تم الإفراج عني يوم  8/1/2009م  من نيابة أمن الدولة العليا، ورغم ذلك استمر اعتقالي في أمن الدولة حتى يوم 22/1/2009م ، وذهب أهلي لسجن طره فأخبروهم أنني تم الإفراج عني ، ذهبوا لمقر أمن الدولة بالزقازيق فأنكروا وجودي تحسبا لتجديد اعتقالي مرة أخرى رغم وجودي عندهم.

 

4 ـ تعرض للتعذيب فى عهد مبارك ملايين المصريين ، وهناك مقولة ساخرة فى مصر تقول ( الدين لله والتعذيب للجميع ) وهى تحريف مؤلم للشعار المصرى السابق الذى ساد قبل مجىء مبارك للسلطة ( الدين لله والوطن للجميع ) ، تعرض للتعذيب أطفال ونساء وشيوخ و مواطنون فقراء و مثقفون ونشطاء سياسيون ومجرمون ومطالبون بالاصلاح لا فارق فى التعذيب بين ارهابى أو مثقف علمانى ، وبين غنى أو فقير ، كلهم تحت ماكينة التعذيب يتمتعون بالمساواة فى ظل نظام مبارك .

 

5 ـ كنا ننتظر الوقت الذي يقول فيه المجتمع الدولى  وادراة الرئيس أوباما : كفى يا مبارك تعذيبا للشعب المصرى ..  ، ولأن المجتمع الدولي لم يقل ، ولأن أوباما لم يفكر فكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير هي الحل الذي أسقط مبارك بكل سلطانه وكل أجهزته القمعية الإرهابية الإجرامية.

 

وكانت الثورة في بدايتها تعلن العدالة الاجتماعية والحرية وإلغاء الطواريء هي المطالب الأساسية  وبسبب إجرام مبارك وإجرام أجهزته الأمنية وخطط العادلي الغير إنسانية وتفكير رموز الوطني الإجرامية في التعامل مع الشباب المصري ، كان ـ التحول ـ بتحويل التظاهرة إلى ثورة تطالب بإسقاط مبارك  أولا ، ثم إلغاء قانون الطوارىء و القوانين الاستثنائية و القوانين المقيدة للحريات والمطالبة بكل الإصلاحات المؤجلة منذ ثلاثين عاما ، على الرغم أننا كنا نطالبه فقط أن يتوقف التعذيب فى مصر نهائيا ، وأن تتأكد منظمات حقوق الانسان الدولية و المصرية  بنفسها من انعدام التعذيب فى مصر ، ولو حدثت حالة تعذيب يكون مبارك بشخصه مسئولا عنها أمام العدالة الدولية.

 

5 ـ باسم ملايين المعذبين فى مصر أهنأهم  بثورة 25 يناير التي استطاعت اسقاط هذا النظام الفاسد كما استطاعت إيقاف ماكينة التعذيب التى قهرت 80 مليونا من المصريين . لأنه ليس عدلا أن يقوم شخص واحد بتعذيب وقهر شعبه طوال 30 عاما حتى يحتكر السلطة والمال لنفسه ويورثهما لابنه ، ثم يسكت عنه المجتمع الدولى وتسكت عنه المحاكم الدولية.

 

6 ـ لقد أثبتت التجارب أن التعذيب أساس لنشر التطرف والإرهاب وإذا كان الطغاة العرب يستخدمون القبضة الحديدية بالقهر والتعذيب للسيطرة على الشعوب وعلى الإسلاميين والحركات الإسلامية وتحجيمهما أقول لهم جميعا أنتم تعانون من مرض الغباء السياسي لأن هذه السياسة الإجرامية ضاعفت من أعداد الإسلاميين بكل أنواعهم وتوجهاتهم المختلفة ، وأن السكوت على هؤلاء الطغاة من الخارج هو الذي أوصل الحركات الإرهابية لتضرب داخل الوطن العربي وداخل أمريكا وأوربا  فقد ساعدت أوروبا وأمريكا هؤلاء الطغاة طوال نصف قرن من الزمان وكانت النتيجة واضحة مزيد من الإرهابيين والمتطرفين ، ومزيد من التهديدات كل يوم لأمريكا وأوروبا ، فهل سيفهم هؤلاء الدرس ويستفيدوا من جريمتهم في مساندة الطغاة العرب.

أخيرا::

 اعتقد أنه قد انتهى التعذيب في مصر ، وقد انهار جهاز التعذيب وسقط وانفضح أمره مثلما سقط مبارك وانفضح أمره، فإلى متى يستمر التعذيب و تستمر آثاره القاتلة في باقي البلدان العربية بمساندة الغرب وأمريكا الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم فقط.

اجمالي القراءات 11624