2-الأخلاق القرآنية :تأسيس الأعمال الصالحة بالنوايا العظيمة!

عمرو توفيق في السبت ٠٥ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم الله

جاء في  المقال الأول أن الإيمان لابد أن يسبق أي عمل صالح أو خلق سوي، وأن الإيمان والأعمال الصالحة لا ينفك أحدهما عن الآخر...

الأخلاق هي طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام:

(وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

(وَأَطِيعُواْاللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ  وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)

وأيضا الأخلاق هي الاستقامة:

(اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)

(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

بل وتتنزل عليهم الملائكة بالبشرى!!:

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)

والأخلاق هي فعل الخير:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

(أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)

والأخلاق هي العمل الصالح عموما:

(وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

التعويل على النية:

ولكن قد يؤدي اثنان نفس العمل فيكون صالحا من أحدهما وغير صالح من الآخر -بل هو وبال عليه. فالأول قصد بقلبه الخير أو وجه الله أو التقرب من الله وعبادته وطاعته وهو ما يعرف بالنية الحسنة.أما الآخر فقد كانت نيته سيئة لا يرجو بها الخير ووجه الله.

ويضرب القرآن المجيد مثلا للاثنين:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

فالذي نوى بإنفاقه الرياء أوالمن والأذى كالحجر الصلب الذي لا يُنبِت زرعا فلا يصلح عمله وإن كان ظاهره الخير.إن هذا العمل يبطل ويحترق وإن كان في عظمته الظاهرية كجنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار وفيها من كل الثمرات فلا هو ينتفع به ولا ذريته.

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)

ويضرب الله لنا مثلا على صلاح النية في سورة الإنسان:

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا

إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)

فهم يطعمون الطعام رغم جوعهم واحتياجهم إليه(على حبه) ابتغاء وجه الله ورجاء رحمته  فيصرف عنهم سوء الحساب(يوما عبوسا قمطريرا).وهم لا يريدون جزاءً من أحد غير الله ولا شكورا.أو بكلمة:

ينفقون ما عندهم رجاء ما عند الله.

بينما نتتبع  مصير من أرادوا بناء مسجد الذي هو عمل عظيم في ظاهره، بقوله تعالى:

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)

فرغم أن المسجد تقام فيه الصلاة ويذكر فيه الله إلا أن نيتهم كانت الضرار والتفريق والإرصاد(ينتظرون لأبي عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-من المدينة،

وأمرهم أن يستعدوا للقتال معهم.)

فتكون النتيجة أن ينفي الله تعالى عنه صفة المسجد وينهى عن الصلاة فيه ومن يخالف فهو آثم:

(لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)

فالمسجد المؤسس على التقوى والنية الحسنة هو المسجد الحقيقي وعلى هذا يجب أن يؤسس أي عمل صالح وكل بنيان:

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَممَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

فالنية الفاسدة كجرف هار تنهار بصاحبها الظالم في نار جهنم.بل إن النية الفاسدة مرض عضال في قلوب المنافقين لا خلاص منه إلا بتقطيع هذه القلوب!!:

(لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

وقد يتلوا إنسان آية يريد بها باطلا كالذين احتجواعلى الإمام علي بقولهم:(إن الحكم إلا لله).فقال رضي الله عنه:(كلمة حق أريد بها باطل) !!فهم يحرفون القول عن مواضعه.

 

تعظيم النية:

وقد يؤدي اثنان العمل الصالح نفسه ولكن الثواب عليه يختلف بحسب النية.فمن يعمل ابتغاء رزق الله عز وجل سينال ثوابا لأنه سيأكل ويطعم عائلته من حلال.ولكن قد يقصد آخر من العمل ليس فقط الرزق الحلال وإنما خدمة وإرضاء الناس بالحق. وقد يعظم النية أيضا بأن يقصد بعمله أن يكون نموذجا يحتذى به في الإخلاص في العمل فيكون مبلغا لأمر الله تعالى بدون لسان!!

وهكذا كلما عظمت النية كلما عظم العمل وعظم الثواب عليه.وعليه يكون للمؤمن أن يستحضر ما استطاع من نوايا عظيمة ويُشرب بها قلبه.وعامة فللمؤمن أن ينوي أن تكون كل أعماله لعبادة الله وفي سبيله والتقرب منه وأن يقصد إرضاء الله بتلبية كل مقاصد الله  من هذا العمل.حينئذ ستكون كل أعماله عبادة وتقربا وليس فقط الصلاة...

فالنية إذن هي عمل قلبي تصدقه الجوارح.. ويحاسبنا الله تعالى أساسا على ما في قلوبنا،ألم تروا إلى قول الله جل شأنه:

(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

..يغفر لذوي النوايا الحسنة ويعذب ذوي المقاصد السيئة إلا أن يتوبوا، والله تعالى أعلم.

وجدير بالذكر أن هناك أعمالا ظاهرها الأذى ولكن جوهرها الخير:

(وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)

فالإيذاء هنا لردع من تسول له نفسه عمل الفحشاء ودافعا لمن وقع فيها إلى التوبة والإصلاح، ولله حكمًا هو أعلم بها منا.

كذلك راجع (سورة الكهف) في قصة موسى مع ذي العلم اللدني.

وإلى المقال التالي إن شاء الله تعالى عن مكارم الأخلاق وأختتم بالتضرع إلى الله عز وجل:

اللهم انته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال...

اللهم اجعلني قاصدا بكل أعمالي إرضاءك بتلبية كل مقاصدك منها، ما علمت منها وما لم أعلم،

اللهم اجعلني ممن قلت فيهم:

(...ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلاَيُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَاكَانُواْ يَعْمَلُونَ)

اجمالي القراءات 25025