المادة الثانية أو معضلة الثورة

سيد القمنى في الأحد ٢٧ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

المادة الثانية أو معضلة الثورة

 

بعد أن أسقطت الشرعية الثورية المصرية رأس النظام، كان المفترض سقوط الدستور الذي قام عليه و أضاف إليه و حذف منه و رقعه وبهدله وعدله مرات النظام السابق ، الذي يبدو أنه لم يسقط بعد، و أنه سيظل غارسا أنيابه في الفريسة لاّخر لحظة ممكنة، حتى لو غير تكتيكاته مع تحولات يتحول فيها هذه الأيام المخفي إلى علني،  بتحالف فاشية الإقطاع العسكري مع الفا&Octe;فاشية الدينية، حيث للدين سلطانه و مكانه لدى شعوبنا خاصة ، و يمكن استثماره انتهازيا حسب الحاجة لإخراس قول الجماهير أمام قول الإله، بالإبقاء على الدستور الشائه المعيب المهين مع بعض التعديلات التي تخدم حلف الفقيه و السلطان وحدهما.

تعالوا نتذكر تكتيكات حلف الفقيه و السلطان المرتبطة بما يحدث الاّن، فالمادة (77) بالدستور المصري التي تعطي للرئيس مُددا مفتوحة للحكم، قد تمت بمعرفة الإخوان و الدكتور صوفي أبو طالب و الرئيس المؤمن أنور السادات، و بمباركة من أهل الدين جميعا في مشارق مصر و مغاربها مقابل أمرين واحد نظري و الثاني عملي، كان النظري هو إلقاء التشريع بالكامل في أيدي سدنة الدين بإضافة الألف و اللام القاطعة لنص البند الثاني في الدستورلتتحول المادة:"الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع "، إلى "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". أما الأمر العملي فهو إطلاقهم على مصر و مؤسساتها و هيئاتها و إعلامها و تعليمها، و بعد أن روًعوا المصريين و هدموا أفراحهم و كسروا تماثيلهم  ودّعروا فنونهم وكفروا تاريخهم الفرعوني و أدخلوهم تحت خيام الحجاب و النقاب، أنقضوا على شريكهم الأول الذي أعطاهم مصر وشعبها ، و نحروه على مٍنًصًتٍه في يوم نصره ، و هو الشأن المعتاد مع الإخوان و كل فرقهم على تعدد أسمائها الحركية، الإنقضاض على الشريك عند أول فرصة، و خيانة العهد فعل معلوم مكرر ومُقدس للإسلام السياسي، عبر تاريخنا الطويل، منذ فجره الأول بجزيرة العرب الذي شهد كل ألوان نقض العهود .

اليوم يتمسك الإسلام السياسي و بكل قوته بدستور الفساد، للإبقاء على المادة الثانية تحديدا و التي وقفوا جميعا صفا مرصوصا و ترسا واحدا لها، و أكد القطب الإخواني عصام العريان أنها مادة فوق دستورية، فإذا كان الدستورهو قول كل الشعب و الناس ، فما فوقه لا يكون سوى الإلهي، فهي مادة إلهية، رغم أنه لم يرد لا في القراّن و لا في الحديث شئ عن الدستور و نظام الحكم دستوري  أو غير دستوري، ناهيك عن أنه لو كان ذلك صحيحا فلا يجوز لإنسان إذن تحكيم هذه المادة بإسم الإله ، و إنما على الإله أن يحكم بنفسه مباشرة لأنه لا أحد يزعم أن يملك توكيلا منه للعمل نيابة عنه في الأرض ، أو أنه الفاهم الأوحد لمراد الله دون بقية المسلمين .

و الأغرب و( ليس غريبا مع انتهازية الإخوان ) أن يتفق الإخوان مع طرح النظام (و ليس غريبا مع انتهازية النظام و رخصه) على تعديل مواد بعينها أهمها المادة (77) التي رقص لها الإخوان من قبل زمن السادات حتى كادوا ينصبونه خليفة لولا خشيتهم إعطائه صلاحيات مطلقة يبطش بهم بموجبها، و هو ما جعلهم يستعجلون الموقف فبطشوا به أولا.

و إصرارهم على هذا التعديل هو لصرف النظر تماما عن فكرة سقوط الدستور بالشرعية الثورية الشعبية و ضرورة وضع دستور مدني جديد ، و هو التعديل الذي لا يسمح لرئيس الجمهورية بأكثر من ولايتين، و هو أمر على المستوى السياسي محمود و مطلوب ، لكن موقف الإخوان منه عبر الزمنين موقف راقصات مبتذل رخيص و انتهازي.

فإذا كان الإخوان يسمون نفسهم بالمسلمين تميزا عن غيرهم بالالتزام بقواعد الإسلام، فإنهم يعلمون يقينا أن الإسلام لا يعرف مُدة لحكم الإمام إنما يعرف أن الإمام يبقى مدى الحياة و عقوبة الخارج عليه هو القتل، و أنه لا معارضة في صحيح الإسلام، و أنه لا ديمقراطية  وأنه " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا أحدهما" ، و أن هناك فرقة واحدة ناجية هي التي ستحكم و 72 عداها هلكى، و ليس في الإسلام برلمان و لا مجالس نيابية، فيه البيعة التي هي إقرار إذعان من الناس لمن يستطيع بغلبته و شوكته الوصول إلى سدة الملك أو الخلافة، فيجلس أولا و تتم البيعة ثانيا، و فيه الشورى أي أخذ النصيحة من الحاشية و المختصين و له أن يعمل بها أو لا يعمل، و لم يحدث أن عمل بها أحد من الخلفاء حتى الأربعة الراشدين ذاتهم. أبو بكر شاورالصحابة بشأن مانعي الزكاة فأشاروا بعدم قتالهم وعلى رأس المشيرين عُمًر، فلم يأخذ بمشورتهم و أعلن القتال، الخليفة عمر شاور مجلسه في شان خروجه على رأس الجيش لحرب الروم، تسعة قالوا نعم و عبد الرحمن بن عوف قال لا، فأخذ بما قال عبد الرحمن بن عوف، ...و هكذا.حتى سقوط الخلافة، و لم يحدث في تاريخ الإمبراطورية الإسلامية أن تم تبادل السلطة سوى بالخنجر أو بالسيف أو بالسم أو الإغتيال ناهيك عن الحرق و السمل و الصلب.

فإذا كان الإخوان يريدون تطبيق الشريعة و يُصرون على المادة الثانية من الدستور فأنهم لا يفعلون فعل الشريعة (الاّن على الأقل) و إن كانوا سينظرون في تطبيقها فيما بعد فيما قال قطبهم (سعد الكتاتني) ، و هو ما يعني أن ما يفعلونه اليوم هو خروجهم على مبادئ الشريعة و تبنيهم لمبادئ الكفرة الفجرة مثل روسو و فولتير و مونتسكير و غيرهم، حتى يتمكنوا من الحكم ،و حينها سيتم تطبيق حدود الشريعة . هم لا يقبلون تطبيقها الآن لأنها لو طُبٍقًت الآن لوجب قطع رقابهم بميدان التحرير لخروجهم على السلطان، والزيادة للدين ماليس فيه ، والقول بما يخالف معلوماً من الدين بالضرورة ، لكنهم سيطبقونها علينا إن شاء الله عندما يتربعون كما قال الكتاتني .

و إن تمسكهم بالمادة الثانية مع إعلانهم أنهم مع الدولة المدنية أمر شائه و كوميديا سوداء، فالمدنية تعني عدم  وجود أي نصوص أو بنود أو حتى كلمات دينية بالدستور، و ما إصرارهم عليها إلا لعقيدتهم بأنه لا يجوز مساواة المسلم بغير المسلم من المواطنين، و لأنها سبيلهم الدائم للسيطرة على المجتمع سواء بالحكم المباشر أو بالتحالف مع من يحكم بإسمهم .

أن دستورا يٌصًنٍف أبناء وطنه و يرفع دينا و أصحابه على دين اّخر و ينحاز لطائفة دون أخرى هو دستور فاشي بامتياز و جدارة.

كان قراري الشخصي مع ثورة الغضب اللوتس25 ينايرهو عدم الظهور في الإعلام و لا التعليق ، لأن الأمر كله قد صب بيد شباب مصر، و أنه يكفيني عن بُعد أن أُسدي نُصحا قد يُصيب و قد يُخطئ، مع ما رأيت من وعي نافذ و فهم سديد لمعنى المدنية عند شبابنا المُبهرين. و اكتفيت ببرقيات تراوحت مدا و جذرا مع ما يحدث على الأرض. رأيت وجوها فاشية دموية في التحرير وسط الثوار و قلت لا بأس فهٌم زيادة عددية مطلوبة و أن شبابنا قادر على فرز الطيب من الخبث، ثم جاءت جمعة النصر كارثة بعد أن استلمها صفوت حجازي و قرضاوي و غيرهم، ليٌصلوا بالناس الجمعه في الميدان ، مُطفئين نور اللاّلئ الثمينة من شبابنا مُعلنين الاستيلاء على الثورة. و تلاحقت الكوارث، فتقرر السماح بدخول المنقبات إلى المدن الجامعية مما يفتح أبواب الفتن الجنسية و السماح بدخولهن الامتحانات مما يفتح ابواب الغش على مصراعيه ، كما تقرر منح حزب الوسط الإخواني دون كل بقية الطلبات الحزبية شرعية الوجود، و شكل المجلس العسكري لجنة لتعديل الدستور و ليس لوضع دستور جديد، دخلتها الوجوه الإخوانية الفاشية عن اختيار عمدي، و من المفارقات المدهشات أن الدكتور علاء الأسواني الذي أحترمه و أٌقدر ثوريته ووطنيته لم يجد حرجا في القول أن جهات أجنبية تُشجع الأقباط ضد المادة الثانية بالدستور، فيالهول ما قال؟ و هل هو بذلك يتسق مع نفسه بمطالبته بدولة تامة المدنية؟ لذلك أهيب بشجاعته ليراجع موقفه من المادة الثانية في دولتنا المدنية المرتقبة ، ولأننا لازلنا ننتظر منه المزيد من العمل .

خطابي هنا أوجهه لشبابنا ، و أنا مجرد مواطن نفر ،فلا أنا أستاذ و لا قائد و لا زعيم لأحد، مُجرد مواطن يرى أولاده في التحرير يُعيدون له الفخر بوطنه بعد أن كان يشعر بالعار، و يُعيدوا إليه الكرامة بعد الشعور بالقنوط و المهانة، و لم يستثمر ثورتهم بالمرة، بل دعمها بقوة و نشر رأيه وموقفه مع أول ساعة فُتًح فيها الإنترنت .و لأني اعلم أن كلامي يتجاوز سقف أي رئيس تحرير و حساباته داخل مصر حتى الاّن، و حساسيات معروفة سببها حملات الإسلام السياسي ضدي تشويها و تمزيقا، رأيت أن النشر في الفضاء الافتراضي هو مساحة حريتي الكاملة.

أبنائي أولاد العزة و الشرف، إن الإسلام دين و ليس سياسة، و إن كانت له سياسة فقد كانت خاصة بالنبي الكريم ( ص ) و زمنه وحده، و ان هذه السياسة مر عليها أكثر من ألف و أربعمائة عام ، و هي سياسة أفراد و ليست قدرا سماويا، فلم يأت نص مُقًدس يُحدد لنا نظام الحكم و الدولة و اّلياته و شكله و دستوره و ليس لدينا سورة الدولة و لا حديث الدستور، و رفض النبي أن يكون مًلٍكا و هو صيغة نظام الحُكم زمانها بل و أكدًت الاّيات أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، و أنه عندما أرسل لهرقل الروم دعاه للإيمان بالإسلام و ليس لإقامة دولة إسلامية في بلاده، و أنه عندما أرسل سليمان لملكة سبأ أرسل يدعوها للإسلام و ليس لتغيير نظامها الشبه ديمقراطي (الملأ) لتحويله ألى دولة إسلامية، هذا ناهيك عما أضافه الحديث و الفقه من بعد للإسلام، بما يجعل تحكيمه في السياسة اليوم كارثة تُلقي بنا في ثُقب التاريخ الأسود و نحو الهلاك. فأكًد أن درء الفتن (الثورات) مٌقًدًم على جلب المصالح، و سلطان غشوم خير من فتنة تدوم، و الشرط الوحيد لخلع الحاكم أن نرى منه كٌفرا بواحا بأصل من أصول الدين، و أن الخروج على الحكام حرام بإجماع المسلمين حتى لو كانوا فسقة فجرة و من فعلها فإنه يموت ميتة جاهلية، و أن عليه أن يسمع للأمير و إن ضرب ظهره و أخذ ماله  و لا يجب أن تسأل الحكومة عن حقوقك إنما إذا سألت فاسأل الله.

و هذا كله يفسر لكم موقف شيخ الأزهر و المفتي ، و محمد حسان الذي حيا ( لله ) كلمات الرئيس مبارك المباركة و اعتبر المظاهرات أفعالا مُخزية يختلط فيها الرجال بالنساء، و الشيخ صفوت حجازي -الذي خصص ساعة بقناة الناس من قبل يجأر لسيده رئيس الجمهورية و يٌقًبٍل أياديه ليثأر للإسلام من سيد القمني ، و الزغبي الذي راّها فسادا لفرق ضالة، و لا ننسى وجدي غنيم الذي قال نصا: "عندنا شورى ، مافيش ديمقراطية، إحنا مالنا و مال الديمقراطية؟ اللحمة بتاعتنا خرفان و بقر و بط و وز، و رايح تمسك في الخنزير؟عندنا الشورى أجيب الخنزير من بره ليه؟ ماعندناش مُعارضة في الإسلام،مافيش حاجة اسمها مُعارضة، الديمقراطية دي كلها عك في عك".

و أيضا لكم أن تلحظوا أنه بعد نجاح ثورتكم قد انتكس كل هؤلاء عن إيمانهم و تخلوا عن دينهم و قواعده ليؤيدوا ثورتكم ليسلبوها منكم ثم يعودوا مرة أخرى إلى حرفيتهم النصية ليطبقوها علينا.

أبنائي شباب التحرير:

أعلم ان الأمر شديد الحساسية ،لكنه مصيركم و مصير مصر كلها على محك تاريخ لا يحتمل التمحل بحساسيات دينية، لأن أصحاب هذه الطروحات لم تكن لديهم أي حساسيات من التقلب ذات اليمين و ذات الشمال و من الموقف إلى نقيضه و من الإيمان إلى اللا إيمان و بالعكس،و إخوانكم شعب تونس العظيم لم يتوقف إلا هُنيهات ليهب المرة تلو الأخرى ليفرض وجوده و شروطه الشرعية ، حتى لا تضيع دماء الشهداء و المعاناة الطويلة هدرا،لتصب بيد الفاشيات الدينية في النهاية، فإن وصلتكم رسالتي فانظروا ما أنتم فاعلون و ميدان التحرير ليس عليكم ببعيد.

 

 

اجمالي القراءات 11910