لا تربية ولا تعليم

عمرو توفيق في الخميس ٢٤ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
خدعونا فقالوا إن لدينا وزارة تربية وتعليم ،إذ إنها في الحقيقة لا تربي ولا تعلم كما ينبغي ولا حتى وزارة التعليم العالي.
أولا التربية:
مادة التربية الدينية مادة مهملة لا يعتنى بمتلقيها ولا ملقنها. إنها مادة نجاح ورسوب وليست مادة مجموع. حسنا هناك مسلمون ومسيحيون وحل ذلك سهل جدا وهو أن المبادئ الأخلاقية مشتركة بين الأديان جميعا بل وبينها وبين التراث الأخلاقي للإنسانية.بل ان الأديان واحدة كلها إلا فيما يخص التشريع الذي ينزل مناسبا لتغير الزمان.
فيمكن إذن استحداث مادة اسمها( الأخلاق والحكمة )أو الروح -أو أي اسم مناسب -تكون عامة على جميع الملل تدرس من أول صف حتى تخرج الطالب  وتكون درجتها أعلى درجة وإن وصلت لتكون نصف مجموع الدرجات.كما أن سلوك الطالب يجب أن يكون مراقبا خلال سنوات تعليمه بحيث لو ثبت إساءته لمعلمه أو والديه أو إخوته وزملائه أو ارتكاب أعمال مخلة يقلل ذلك من درجاته في هذه المادة بل في حالة استفحال أمره يحرم من الانتقال إلى الصف التالي بل وقد يحرم من التعليم نهائيا وقد قيل( لا تعلموا السفهة العلم) وذلك صحيح إذ إن العلم سلاح ذو حدين بحسب خلق صاحبه.وكم رأينا من أطباء ومهندسين وغيرهم من المهن كان تعلمهم سببا في خسائر جمة!!والعلم بلا أخلاق أدى إلى كوارث إنسانية؟؟
يجب أن يعد معلمو هذه المادة إعدادا رفيعا من الناحية النظرية وأيضا من الناحية العملية بمراقبة حسن سيرهم وسلوكهم ولو بسؤال المحيطين بهم من أقارب وجيران وأصحاب كما نسأل عن الخُطاب. إذ إن السيرة الأخلاقية للإنسان تكون واضحة للقريبين منه.و إذا سمحت الإمكانيات يمكن إعداد معسكرات لمدة 15 يوما كل سنة يختلطون فيها ويتعايشون معا ويقحمون في تجارب أخلاقية لاستشعار سموهم النفسي.كما يجب أن تكون مرتباتهم أعلى المرتبات المتاحة(وكذلك كل المدرسين والأساتذة) على الأقل حتى يكتسبوا نظرة احترام من الناس ومن تلاميذهم خاصة.ويجب أن يكون لهذه المادة كلية جامعية لا يقل مجموع القبول فيها 85% ويدرس إلى جانب مادة الأخلاق كل المواد ذات الصلة بالأخلاق والاجتماع وبحيث يصبحون على أعلى مستوى من الثقافة. هذا لا يعني أننا نلغي مادة التربية الدينية ولتكن مادة نجاح ولكن بشرط أن يراعى فيها ما سبق ذكره في المعلم والتلميذ كما أنهم يجب أن يحصنوا ضد ما علق بالتراث الديني من أحاديث مدسوسة وتحريفات تفسيرية للكتب السماوية وفقهيات ما أنزل الله تعالى من سلطان.والأهم يجب التركيز على التسامح الأكيد الموجود في كل دين تجاه الأديان الأخرى.
إن أعظم إنجاز لثورة 25 يناير هو المحبة التي سادت بين الناس بطوائفهم المختلفة. ولقد هزتني الصورة التي رفع فيها المصحف مع الصليب جنبا إلى جنب وصار ميدان التحرير مسجدا وكنيسة في آن واحد!!بل وتواجد الدينيين بجانب العالمانيين بكل تسامح ومحبة!!وأذكر بأنه يجب ألا نحافظ على هذه الروح فحسب بل يجب أن تزيد وتتغذى أيضا.وهذا واجب على حكماء الشعب ومفكريه.
مادة التربية الرياضية لها تأثير على العقل والروح إلى جانب الصحة:
وإنها مهملة تماما بدعوى أن ساحات المدارس ضيقة وهذه أيضا حجة باطلة لأن تمرينات السويدي واليوجا الهندية والتاي تشي الصيني لا تحتاج إلى مساحة كبيرة وهي رياضات تؤثر تأثيرا كبيرا على التوازن النفسي والعقلي وبالتالي الأخلاق وكما يقولون( خللي عندك أخلاق رياضية؟)
وعليه يجب ممارسة هذه الرياضات وأمثالها يوميا في طابور الصباح لمدة نصف ساعة ولا مانع من أن تصاحبها موسيقى روحية وأناشيد حماسية أخلاقية ترقى بالروح والوجدان.ولا يقبل طالب في الجامعة إلا إذا كان ممارسا لرياضة من مثل هذه الرياضات.كما أوصي بأن يكون التدريس عموما في الهواء الطلق وتحت الشمس وبجوار الطبيعة لا في اختناقات الفصول وهذه المباني الخرسانية التي تشبه الزنازين والتي لا تتوافق مع الفطرة والبيئة.
الرقابة على الإعلام بحيث يكون تربويا وخاليا من المواد الهابطة والمسلسلات المنحطة مثل زهرة وأزواجها الخمسة التي بها وبأمثالها أفسدوا علينا روحانية شهر رمضان الكريم.
ثانيا التعليم:
حشو المناهج الدراسية بكم كبير لا كيف له يتناسب مع متطلبات الوطن الحقيقية ومما يؤدي إلى نفور الطلاب وتجرعهم لها كتجرع الغصة مما يؤدي إلى إهمالهم لها بعد أداء الامتحان.لذلك يجب أن تنقى المناهج مما هو قابل للاستغناء عنه وبحيث تكون المادة محببة إلى نفس الطالب بحيث يتابع المزيد منها بعد الدراسة.
مثلا مادة اللغة العربية النحو فيها معقد ورغم تدريسها يتخرج طلاب لا يجيدون ضبط القراءة مع أنه يكفي جدا أن يتعلم الفعل والفاعل والمفعول وأخوات كان وإنّ لكي يضبط الحروف ويفهم معنى ما يقرؤه.
يجب أن نبذل قصارى جهدنا لكي يحب الطلاب اللغة العربية لأنها هويتنا وتراثنا ومتشرفة بنزول القرآن المجيد بها.
يجب التركيز على الجانب العملي والتقني التنفيذي أكثر بكثير من التعقيدات النظرية فالمنظرون كثيرون ولا نحتاج إلا للقليل جدا منهم خاصة بعد شياع برمجيات التصميم(design) وللراغب في التعمق في الجانب النظري أن يدرسه في الدراسات العليا:دبلومة وماجستير ودكتوراة.
يجب التعويل على فهم المادة وتدبرها واستيعاب روحها أكثر بكثير من الحفظ الذي ينبغي أن يكون بالحد الأدنى الضروري لصلب وأساس المادة.
بالنسبة لمجموع دخول الكلية يجب أن يتمتع كل طالب حاصل على أكثر من 85% على حق الدخول في الكلية التي يحبها وبذلك سننهي مشاكل وتكاليف الدروس الخصوصية. كما أن دراسة ما تحب ليس كدراسة ما لا تحب.
قد يقال من أين نأتي لهم بالجامعات والرد على ذلك أن تسخر إمكانيات الإعلام الهائلة بعد النايل سات والإنترنت للمحاضرات ويستلزم ذلك توحيد المناهج ويقتصر الذهاب إلى الكليات على السؤال فيما يستبهم وإجراء التجارب المعملية ويمكن أن تكون ساحات المصانع والمشاريع الإنشائية والعمرانية والحقول الزراعية مكانا لتلقي الخبرة التنفيذية.وهناك الكثير من الأفكار الرائعة والحلول المبتكرة يمكن أن تظهر بعدما تخلصنا من الكبت المقيت ووأد الأفكار االسائد في العهد البائد إلى غير رجعة إن شاء الله تعالى.
وقد يقال إن نسبة البطالة ستزيد.. فأقول إن الارتفاع بمستوى التعليم سيفتح مجالات إبداعية تشق الطريق لاستثمار إمكانيات البلاد ومواردها والتي لا تخلو منها مصر والتي يتم حجبها بسوء التخطيط والنهب والسلب !! وكم من دول إمكانياتها أقل منا ومع ذلك لا يوجد فيها مشاكل اقتصادية.وأضرب على ذلك مثلا: اليابان التي موردها الحقيقي في عقول أبنائها وحسن إدارة البلاد.كما أن الصين رغم إمكانياتها الكبيرة إلا أنها قياسا إلى تعداد سكانها الهائل قد تعد صغيرة ومع ذلك غزت العالم وحتى أمريكا بسلعها الرخيصة.والبطالة لها حلول كثيرة بشرط أن نستمع إلى علماء الاقتصاد والعلماء والمفكرين عموما الذين من الله تعالى بهم على مصر.
إنني أعتبر أن الثورة التي حدثت رغم عظمتها هي الجهاد الأصغر ولنبدأ في إصلاح البلاد في التربية والتعليم وغيرها من المجالات وفي أخلاقنا قبل كل شيء.. فبالأخلاق ترقى البلاد لا بالأيديولوجيات التي تهاوت جميعها وأصبحت في مزبلة التاريخ ولم يبق غير مكارم الأخلاق والحكمة والكلمة الإلهية.
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.العمل العمل والكثير جدا من العمل والقليل جدا من الكلام!!

اجمالي القراءات 11934