لك أن تنبح ما دمت لا تعض

نبيل هلال في الأربعاء ٢٦ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

يقرأ المسلم المروَّض الآية الكريمة :- والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون-، وغيرها من الآيات التي تحض على مناهضة الظلم والقهر، وبعد أن ينتهي هذا المسلم المستأنس من القراءة وقد اغرورقت عيناه بالدموع تأثراً، يغلق المصحف في ورع شديد، ويضعه جانباً في خشوع جم، ثم يبادر بكشف ظهره ليجلده مولانا بسوطه، ويمد قفاه ليصفعه رجال السلطان ومماليكه. ويواجه المستضعفون واقعهم بمبادئ وسلوكيات أخرى تختلف تماماً عن ما يحضهم عليه ربهم، ويص&YaOtilde;فقون للمستبد ويهتفون بحياته ملء الحناجر، ويدعون له بطول العمر، عمر تطويق أعناقهم بأصفاده. وتهلل الجماهير المقهورة بالروح والدم نفديك يا فلان، ويعلم السلطان كذبهم، ويعلم المستضعفون أنهم لا يعنون ما يقولون. إنها علة العقل العربي الموصوم بالفصام وقبول الأضداد. إنهم – أي المستضعفين – يقدسون ثوابت من تاريخهم وعاداتهم وتراثهم، ولا يناقشونها بل يتأسون بها وتنفعل بها ضمائرهم وإن خالفت عقولهم وعاكست آمالهم وطموحاتهم وعمد أعداؤنا إلى السيطرة على العقل المسلم، أو على الأقل إبطال مفعوله، إذ إن سيطرتهم العسكرية على بلادنا لم تكن لتدوم دون إبطال فعالية العقل المسلم، فالقوى الواعية في بلادنا التي دانت للمستعمر ستواصل مناهضته طالما أن عقولها غير محاصرة، لذا حاصرنا بمجموعة من الأفكار المسيطرة مثل التصوف، وزكَّى أفكاراً أخرى كقبول الأمر الواقع على اعتبار انه تسليم بالقضاء والقدر، وذلك كله في ظل تبعية ثقافية أصبحنا جاهزين لها بعد شل عقولنا. وتعطيل العقل يؤدى ضمن ما يؤدى إليه إلى إخماد جذوة الكفاح الوطني. " وقد كانت منظومة الأفكار المبررة لاستعمار بلدان ما يسمى بالعالم الثالث تؤكد على الفراغ العقلي لشعوب تلك البلدان، وعلى الكسل، والخدر  .نعم كانت العقول فارغة ومعطلة  واعتدنا السلبية والكسل، إذ توهمنا أن التوكل هو التواكل وأن حسن التدين في انتظار الفرج، وأن الأمور تجرى كيفما يحلو لها، فهو القضاء والقدر. " واستهان الصوفيون بالعقل طريقاً إلى المعرفة والسعادة، بل منهم من حارب العقل كأداة للمعرفة واليقين وحقره. وحسبنا أن نشير في هذا الصدد إلى حملة أبى حامد الغزالى على الفلسفة، واتهام أهلها بالغباء والحماقة والجهل، بل اتهامهم بالكفر، والنتيجة التي أسفرت عنها هذه الحملة هي ضيق العالم الإسلامي – مشرقه ومغربه – بالفلسفة وأهلها. ولا ندرى ماذا يكون الإنسان بغير العقل الذي وهبه الله له وميزه به عن سائر الكائنات.
وقد طرأ على العقل الغربي تغير جوهري في طريقة التفكير تأثراً بآراء الفيلسوف المسلم ابن رشد، واهتداءً بأفكار فرانسيس بيكون التي استقاها من تراث المسلمين في وقت عزهم العلمي وهى أفكار تدور حول المنهج العلمي في البحث القائم على الملاحظة والاستقراء، ولكننا في عالمنا الإسلامي بعد أفول عصر العز العلمي الإسلامي، ناصبنا ابن رشد العداء وتولى حجة الإسلام  !! أبو حامد الغزالى تسفيه آراء ومنهج ابن رشد، والغض من قيمة العقل كأداة للتوصل إلى الحقيقة، واعتمد بدلا منها الدروشة والفهلوة وأباطيل الصوفيين                ويناقشك الرجل منهم ساعة في أمر تختلفان فيه حتى تقنعه بالرأي الصواب بعد أن تسوق له من الأدلة ما يدحض رأيه. فإذا كان الصواب يخالف معتقده من الموروثات، تململ في جلسته وقال: أنا مقتنع بما سقته من أدلة دامغة، ولكنني ...، إنه عقل مطاط يسع الشيء وضده. ترى ذا اللحية الكثة المرتشي الذي يتقاضى مالاً حراماً حتى لا يعطل مصالح الناس، ثم يمضى في خشوع والمسبحة في يده إلى المسجد ليصلى بل ليؤم باقي المصلين! وترى المتعلمين الذين يقصدون السحرة والدجالين لمعرفة الطالع وضرب الرمل. وترى الرجل يحدثك عن وجوب التسامح وحسن المعاملة والتوصية خيراً بالنساء، ثم يذيق زوجته من ألوان القهر الكثير ,إن إعمال العقل والتفكير عمل حواري بين المرء ونفسه، بين ضميره وعقله، فهو فرض عين، لا فرض كفاية يسقط بممارسة البعض له دون الكل، وكلنا مطالبون بإعمال عقولنا والتدبر، وإقامة هذه العلاقة الحوارية بين النفس والعقل. وبقدر ما ينشط الناس في اكتشاف العالم واستكشاف حقائقه، بقدر ما تتعمق رؤيتهم له ويتأتى انسجامهم معه. وبقدر مضى المفكرين في استكناه الواقع والبحث عن إجابات يفرضها تجدد واقعهم، بقدر ما يكون مضيهم في الاتجاه الصحيح. ويتعين على المستضعفين التدبر ومواصلة ممارسة التفكير رغماً عن وساائل الإعلام والسياسات التعليمية والنظم القهرية التي تعمل في عكس هذا الاتجاه، إذ تعمد إلى تبليد عقول الناس وتسطيح مدركاتهم في محاولة للالتفاف حول عقولهم لإحكام اعتقالها وتعطيلها ومن نقائص العقل المسلم التي تأصلت فيه، خصوصاً بعد غلق باب الاجتهاد، الاستعلاء على الآخر، والنظر إليه نظرة فوقية، إذ ظن الفقهاء ورجال الدين من غير المتحمسين للعلوم العقلية أن ما يعرفونه هو العلم كل العلم، وما سواه علوم الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع. كانت تلك هي النظرة إلى العلوم غير الدينية في أوقات الظلام. والموضوعية والمنطق يقضيان بالتساؤل حول الحقائق لا تقريرها في جزم وثقة ولا سيما لمن لا دربة له أو خبرة.  وصرف فقهاؤنا، في زمن سقوط العقل، صرفوا اهتمامهم لأمور تافهة لا تستحق صرف العناية إليها، فتساءلوا، مثلاً، عن سبب معاناة الأطفال في الدنيا، وهل هي عقاب متوقع عن خطايا ربما كانوا سيرتكبونها لو كبروا؟ وتساءلوا عن بعث الحيوانات المفترسة، وعن معاناة البهائم، ويرى بعضهم أن الله سيبعث الحيوانات المفترسة يوم القيامة، لا ليعاقبها، ولكن لتفترس الكفار في جهنم    .ويقع ضمن دائرة غمط العقل حقه، عدم الأخذ بآليات البحث العلمي في حل مشاكلنا واعتمادنا على الفهلوة والحظ أحياناً والتجاهل أحياناً أخرى. كذلك نغمط العقل حقه عندما يُوَلى أهل الثقة وننحى جانباً أهل الخبرة في المواقع القيادية بدءاً بالمصانع والمؤسسات والدواوين وانتهاءً بالجيش، فينتهي الحال إلى البوار والفشل وسوء المنقلب. وتستفحل مشاكلنا وتستعصي على الحل، ويستمر اتساع الهوة بيننا وبين الغرب المتقدم الذي يعظم العقل ويأخذ بآليات البحث العلمي   

اجمالي القراءات 8888