لكل نفس بشرية جسدان (18 ): (القضاء والقدر) والجسد الأزلى

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٣ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا                             

1ـ دخلت مشكلة القضاء والقدر في تطور عجيب في العصر العباسي، وهو عصر التدوين وعصر الاجتهاد العلمي ثم التقليد فيما بعد، وهو أيضاً عصر تبلور العلوم وتخصصها ما بين علوم اللغة الى علوم الشرع إلى علوم الفلسفة والطبيعيات، وهو في النهاية عصر تحولت فيه الفرق السياسية إلى فرق فكرية وفلسفية تخلط الصراع السياسي بالجدال الفكري. ومن هنا تحولت مشكلة القضاء والقدر من عمقها السياسي الذي كان في الدولة الأموية إلى عمقORN; آخر فلسفي فكري في إطار الدولة العباسية.

2ـ لقد كان القدرية الأوائل ـ  فى العصر الأموى ـ  المؤمنون بحرية الإنسان ومسئوليته عما يفعل من آثام يقرنون أفكارهم بالثورة على الأمويين الذين يبررون ظلمهم وجرائمهم بأن ذلك هو قضاء الله وقدره ، أي كان الفكر في خدمة العمل السياسي في الدولة الأموية التي لم تعرف من العلم والفكر إلا مجرد البداية البسيطة القائمة على الرواية الشفهية وعدم التخصص . فلما جاء العصر العباسي بالتدوين والتخصص والتعمق والاطلاع على الفلسفة الإغريقية والشرقية أصبح الفكر هدفاً في حد ذاته، فتحولت الفرق السياسية إلى الجدال الفكري.

3 ـ وبالتالي تطورت مشكلة القضاء والقدر ، وظهر فيها جانب التأثر بالثقافات التي سادت العراق والشام ومصر قبل الإسلام، وخصوصاً الثقافة اليونانية الإغريقية المسيحية التي تجادلت في موضوع صلة الإنسان بالقضاء والقدر الإلهي . ومن هنا نجد نفس الأدلة العقلية التي سادت في القرن الثالث الميلادي قبل الإسلام قد عادت للمسلمين في القرن الثالث الهجري في العصر العباسي ، أي بعد سبعة قرون، غاية ما هنالك أنها أصبحت تتكلم العربية بعد السريانية وصارت تستشهد بالقرآن أو بالآيات القرآنية التي توافق هواها ، وتصطنع لها من الأحاديث ما يعزز رأيها..

4ـ ومع كثرة المذاهب في موضوع القضاء والقدر إلا أننا نستطيع أن نميز الاتجاهات الكبرى في العصر العباسي: فاتجاه القدرية ـ أو حرية الإرادة ومسئولية الإنسان على جرائمه ـ قال به المعتزلة . والاتجاه الآخر الذي يرى الإنسان مجبورا على أعماله قالت به الجبرية التي ترى أن الإنسان كالريشة في الهواء ليست له حرية على الإطلاق، وتوسط أهل السنة (الأشاعرة والماتريدية ) فقالوا بجبرية مخففة ، ترى أن للإنسان دخلاً في أفعاله هو "الكسب" وعلى أساسه يكون الثواب والعقاب في الآخرة، مع إيمانهم بأن الإنسان مجبور ، وأنه لا يقع في ملك الله شيء يخرج عن إرادة الله كما يقول الجبرية المتطرفون.

ثم جاء الصوفية بعد القرن الثالث بمبدأ خطير في الجبرية مأخوذ من عقيدتهم ( وحدة الفاعل ) المأخوذة بدورها من عقيدة وحدة الوجود، التى تعنى عدم الفارق بين الله الخالق و المخلوقات ، وأن الكون والخلق هم الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) والفارق بينهما كالفارق بين البحر وامواجه لأن الخلق ( فيض ) أو ( جزء ) من الله و مظهر من تجلياته . وعليه فان الانسان حين يعصى ويأثم وحين يطيع و يعمل صالحا فليس هو الذى يفعل ذلك بل هو الله فى داخله ، وحين يريد الإنسان شيئا فليس هو الذي يريد، ولكن ينسبون ارادته الى الله جل وعلا، ولو فكرت ودبرت فلست انت الذى تفكر وتدبر بل الله ، وقام بتطوير هذا الإفك فيما بعد الصوفي المصري ابن عطاء الله السكندري في كتابه "التنوير في إسقاط التدبير". وفيه دعا للتواكل والقعود والجمود وأنه لا داعى للتفكير والتدبير.

5ـ وكما قلنا فإن كل فريق قام بتأويل الآيات القرآنية التي يتفق ظاهرها مع قوله ، وتجاهل الآيات الأخرى . فما هو رأي القرآن؟ .

ثانيا :

1ـ أبناء الأمم المفتوحة هم الذين كتبوا التدين العملي للمسلمين ورسموا المنهج الفكري للحضارة العربية الإسلامية، وقد اعتبروا القرآن مجرد مصدر للتشريع أخضعوه لثوابتهم الدينية والفكرية التي سادت قبل الإسلام ثم استمرت بعده، ومن هنا فقد دخلوا على القرآن الكريم بآرائهم المسبقة ، فما يتفق من آياته مع ثوابتهم أخذوها وما يختلف منها تجاهلوها أو حكموا بأنها منسوخة أي باطلة التأثير، ثم عززوا ثوابتهم المخالفة للقرآن بأحاديث نسبوها للنبي عند أهل السنة، أو نسبوها لآل البيت والنبي عند الشيعة، أو زعموا أنها جاءت من الله تعالى مباشرة وحياً أو إلهاماً ينزل على قلب الولي، كما يزعم الصوفية.

2ـ ومن الطبيعي أن يقعوا في الاختلاف وان يتعمق ذلك الاختلاف ويتأكد بوجود تلك المرجعية الزائفة، ولذلك استمر هذا الاختلاف حتى اليوم بين الشيعة والصوفية وغيرهم. وموضوع القضاء والقدر إحدى محطات ذلك الخلاف بين المسلمين. ولو قرءوا القرآن بمصطلحاته ومفاهيمه قراءة موضوعية بدون رأي مسبق لعرفوا بسهولة الحقيقة القرآنية في الموضوع. ومن خلال استقراء لآيات القرآن في موضوع القضاء والقدر يمكن ان نكتب بحثا مطولا ، ولكن نوجزه في الآتي :ـ

2/ 1 ـ أن هناك حتميات أربع ، لا سبيل للفرار منها، والإنسان مجبور عليها ، ولن يحاسبه الله عليها يوم القيامة. وهذه الحتميات تشمل الميلاد( وقته ومكانه ، وملامح الانسان وابوه وامه وأهله )، والموت ( مكان وموعد الموت )،وما بين الميلاد والموت من (رزق) ومن (مصائب) لا دخل للإنسان فيها .وخارج هذه الحتميات يوجد المجال الأوسع وتوجد المنطقة الحرة التي يفكر فيها الإنسان ويعمل صالحاً أو سيئاً ويؤمن أو يكفر ، وهنا تقع مسئوليته مرتبطة بحريته، ويكون ثوابه أو عقابه يوم القيامة.

2 / 2 ـ إن كلمة "قضى" تأتي في القرآن بمعنى الحتم والالتزام كقوله تعالى(إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آل عمران : 47 . وتأتي بمعنى التشريع الذي ينبغي على الإنسان أن يتمسك به فإذا لم يفعل فالعذاب ينظره، وهنا مجال الحرية الانسانية فى الطاعة و المعصية، يقول تعالى في القضاء بمعنى التشريع:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء : 23 ـ

2/ 3ـ وكلمة كتب تأتي بمعنى المكتوب أي القضاء المحتوم الذي لا فرار، منه كقوله جل وعلا:(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا) التوبة :51 ـ  وتأتي "كتب" بمعنى شرع حيث مجال الحرية والمسئولية والثواب والعقاب، كقوله تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ )(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) البقرة : 216 ، 183.

2/ 4ـ وحتى كلمة الأمر تأتي بمعنى الأمر الحتمي الذي لا فرار منه والذي يرجع لله تعالى وحده (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ )(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )(آل عمران54 ،  154 ، 47)(َإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ)(هود : 123) . وتأتي كلمة الأمر بمعنى التشريع الذي هو مجال الحرية في الطاعة أوالمعصية ومجال المسئولية والثواب والعقاب ، كقوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) النحل : 90 ـ (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )النساء : 58 .

2/ 5ـ إن الإنسان يختار بمشيئته الحرة الإيمان والهدى فيزيده الله تعالى إيمانا وهدى (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) مريم : 67 ـ وقد يختار الضلال فيزيد ضلالاً (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً ) البقرة: 10 ـ أي مشيئة الإنسان هي الأساس : ومن هنا نفهم قوله تعالى (يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء ) النحل : 93 ـ أي من يشاء الهداية من البشر يهديه الله ، ومن يشاء الضلالة منهم يضله الله ، وفي ذلك أعظم تقدير لحرية الإنسان ومسئوليته.

ثالثا :

1ـ ليس بإمكانك أن تقرر أن تكون أجمل إنسان في العالم أو الأقوى أو الأذكى أو الأغنى أو الأطول أو الأضخم أو الأكثر جاهاً، وليس بإمكانك أن تتفادى الأمراض والنكبات والذل والمصائب .لأنه لا مفر من مواجهة الحتميات التي كتبها الله علينا فيما يخص الميلاد والوفاة والرزق والمصائب . ولذلك فإن كل إنسان يناضل ويكافح ولكن لا ينال إلاّ حظه المقسوم سلفاً في الرزق والصحة والمرض والنعمة والنقمة إلى أن يأتيه أجله في الموعد المحتوم.

2ـ إن الله تعالى ضمن لكل إنسان حقه من هذا المتاع الدنيوي بغض النظر عن أقداره الحتمية في الميلادوالموت والرزق والمصائب . وأعتقد أن قدر المتاع المتاح لكل إنسان يكون متساوياً لكل بني آدم، بغض النظر عن اختلاف الرزق والظروف ، لأن هناك طاقة في احتمال الألم واحتمال اللذة لا يستطيع الإنسان أن يتعداها . فإذا زاد الألم عن احتماله دخل في غيبوبة يستريح فيها من الألم، وإذا زادت المتعة عن تذوقه أصبحت بلا طعم، ولهذا يصاب المترف بالملل والسأم من كل المتع والشهوات المتاحة أمامه، بينما يحسد الفقير على شهيته المفتوحة وهو يلتهم الخبز الحاف بعد جوع طويل وعمل شاق.ونفس الحال فى المتعة الجنسية ، الاسراف فيها يضيّع الاحساس بها و يجعل الرجل يفقد القدرة عليها ، بالاضافة الى المساوىء والأمراض والمعاناة المرتبطة بالزنا (الذى ساء سبيلا ). بينما يعطى الاعتدال والعفة متعة اكبر فى الكيف واستمرارية أطول فى سنوات العمر. وفى كل الاحوال يتساوى قدر المتعة لدى الفقير المحروم والغنى المترف فى تناول الطعام بغض النظر عن الكمية و النوعية ، وتتساوى المتعة الجنسية بين من زوج لا يعرف سوى زوجته وآخر منطلق فى غرائزه .

3ـ والأهم من ذلك هو حمق الانسان حين يغفل عن هذا كله، ويأكله القلق على ما في يده والطمع إلى ما في غيره فيظل محروماً من النعم المجانية التي أعطاها الله له، من الحواس والهواء العليل والماء الزلال والشمس الدافئة، وينسى شكر الله تعالى لأنه مشغول بتحقيق المزيد مما لا يجد وقتاً للتمتع به، وفي تحقيقه لهذا المزيد يظلم ويكذب ويأكل الحقوق ويسعى في الأرض بالفساد ويظل هكذا إلى أن يأتيه الموت فيكتشف الحقيقة الكبرى التي غفل عناه. فما هي هذه الحقيقة؟

4ـ إنها الآتي باختصار :ـ ليس بإمكان الإنسان أن يقرر أن يكون الأجمل أو الأقوى أو الأذكى أو الأغنى ...الخ .. في هذه الدنيا الزائلة... ولكن بإمكانه أن يقرر أن يكون من أهل الجنة ، بل أن يكون من السابقين المقربين من أهل الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.. بإمكان الإنسان أن يقرر ذلك وأن يكون كذلك. وهنا مجال الاختيار. فالإنسان ليس حراً في اختيار موعد ومكان مولده أو وفاته، وليس حرا في اختيار أهله وحسبه وملامحه، وليس حراً في اختيار رزقه ومصائبه... ولكن جعله الله تعالى حراً في اختيار مستقبله في الآخرة. جعله حراً في أن يختار بين الحق والباطل ، بين الطاعة لله تعالى أو معصيته. بين إتباع كلام الله تعالى في الدين أو إتباع وحي الشيطان وأكاذيبه . وهذا الاختيار هو في حد ذاته اختبار لأن أغلبية البشر يرسبون في الاختبار ، بعضهم تلهيه الدنيا عن الدين الحق وينشغل بالدنيا وينسى الآخرة، بل ينكرها ، وبعضهم يتدين تديناً فاسداً يتبع الباطل وينكر الحق، ويقدس البشر والأضرحة ويلتمس المدد والشفاعة من البشر وهذا الصنف يكون في عداء أفظع مع الله تعالى مالك يوم الدين..

5 ـ ثم نأتي للفائزين ، وهم من البداية اختاروا الآخرة وعملوا في الدنيا بالعمل الصالح النافع للوطن والمجتمع ابتغاء مرضاة الله ، وبإيمان مخلص لله تعالى وحده ، وصبروا وصابروا وهم يرجون لقاء الله تعالى لينصفهم وليجزيهم خير الجزاء . هذا هو الصنف الذي يقرر هدفاً في حياته ويصمم عليه، وهو أن يبيع نفسه وحياته لله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ـ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)الأنعام : 162، 163 ..

هذا الصنف يختار الآخرة وهو متفاعل فى الدنيا بالخير و العمل الصالح ، مؤمنا إن الله جل وعلا لن يخلف الميعاد ، فقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة ، وليس هناك أوفى بعهده من الله . لذلك فإن هذا المؤمن بالحق يعمل صالحا وهو يرجو لقاء الله جل وعلا حيث يتم الوفاء بالعهد ، وحيث لا يضيع الله جل وعلا أجر من أحسن عملا .

6 ـ ونلتفت الى غير الفائزين ، وهم فعلا مساكين خاسرون ، خسروا الدنيا والآخرة ، فالخاسر الحقيقى هو من يخسر نفسه وأهله يوم القيامة .

ونتطلع حولنا فأعظم الخاسرين هم المستبدون المتحكمون فى الثروة و السلطة ، ومعهم أهاليهم وأتباعهم . هم خاسرون لأن حياتهم فى هذه الدنيا محددة لابد ان تنتهى بالموت ، ولأن المتع التى يحصلون عليها لها سقف أعلى لا يمكن تجاوزه ، بل يتساوون فى المتع مع المحروم والفقير ، بل يزيدون فى الشقاء لأنهم مثقلون بالهموم والبحث عن الأمان ، وهم معتقلون خلف حصونهم ومحاطون بجندهم ، تخلوا عن حريتهم فقيدوها بأنفسهم لا يستطيع احدهم ان يتجول بحرية يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق يتصرف على سجيته ، ولا يستطيع فى سجنه الاختيارى ان ينعم براحة البال لأن أشباح ضحاياه تطارده فى يقظته ونومه ، ولأنه يتوقع الانتقام كل وقت ، وينتظر البلاء كل حين ، ولا يثق فى أقرب الناس اليه ، وبالتالى ليس له صديق يأنس اليه ، بل لا بد عليه أن يتشكك فى اقرب الناس اليه ، يراهم متآمرين عليه أو فى سبيلهم للتآمر عليه . ثم يأتى الموت فيفقد كل شىء ، ويأتى يوم القيامة مرهونا بما ارتكبه من ظلم شعب بأكمله ، أى ظلم ملايين الناس . وهذا المسكين لا يستحق الشفقة ولا يستحق سوى ما قدّم لنفسه من عمل . هو قد إختار بكل حرية وظل متمسكا باختياره دون توبه ، وكانت النتيجة أنه ألبس نفسه يوم القيامة جسدا من نار سيظل يتعذب به أبد الابدين .

هذا بينما يكون المؤمن الذى عمل الصالحات قد البس نفسه جسدا نورانيا يكون به قريبا من الله منعما فى جنة خالدة .

7 ـ المضحك أن استحقاق الجنة سهل قليل التكاليف ولا يكلف المرء عسرا . مجرد ايمان صادق وعمل صالح فى إطار انه لا يكلف الله جل وعلا نفسا إلا وسعها . إما استحقاق النار فهو صعب ومكلّف وعسير . لأن المسرف فى الفواحش والعصيان ينفق كثيرا على عصيانه ، والظالم يبذل الكثير لكى يصل الى موقفع يستطيع به ظلم الناس ، ويظل فى حرب للوصول الى هذا الموقع ، ويظل فى حرب لكى يظل فيه ، وفى كل هذه الحروب والدسائس لا يجد وقتا للتمتع بالطيبات الحلال ، ولا يجد وقتا لتذوقها . ثم فى النهاية يفارق الجاه و يترك المال ، وما أغنى عنه ماله وما كسب وسيصلى نارا ذات لهب .

8 ـ الانسان ليست له حرية فى صناعة جسده المادى الدنيوى . الله جل وعلا هو خالق ذلك الجسد ، وقد حدّد لهذا الجسد موعد ومكان ميلاده وابويه واهله وملامحه ، وموعد ومكان موت ذلك الجسد الفانى ، وما تتنزل عليه من مصائب وأمراض وما يتنعم به من رزق .

ولكن للانسان حرية مطلقة فى صناعة جسده الأزلى لأنه يصنعه بعمله الصالح أو الفاسد . الفائز اعتنى بعمله الصالح وإيمانه الخالص وبجسده الأزلى ، أما الخاسر فقد إنكبّ على الدنيا وانشغل عن تزكية نفسه و تكوين جسد نورانى لها بالحرص على جسده الأرضى الفانى ، وتأتى نهاية الموت وقد زال جسده الأرضى المادى ليجد ثوبا من عمله السىء ينتظره يوم القيامة .

أخيرا

عزيزي القارئ : ما هو هدفك في هذه الحياة الدنيا ؟. وهل قررت ان تكون من اهل الجنة ام من اهل النار ؟

هو قرارك ، وهو مصيرك ، وهو مستقبلك ، والموت فى انتظارك ، وانت تسير الى قبرك بسرعة 24 ساعة فى اليوم ، وتقترب من الموت بسرعة 60 دقيقة فى الساعة .

اجمالي القراءات 20217