نهاية النهاية وبداية البداية ..!!
سفينة مصر الغارقة من ينقذها ..!

أيمن عباس في الأربعاء ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

سفينة مصر الغارقة من ينقذها

بدأت مسيرة الديمقراطية والليبرالية في مصر في اوائل القرن الماضي في وجود الأحتلال البريطاني لمصر ..وفي وجود الملكية أيضا ..

استطاع الشعب المصري أن يمشي في شارع الديمقراطية من بدايته وتم أقرار دستور 1923 بعد جهاد ومظاهرات ومطالبات وتوكيلات ..وكان لثورة 1919 أثراً كبيراً في التطور الديمقراطي للشعب المصري وقيام أول دستور  ..

 وجود الملكية والأحتلال لم يمنعا مصر من التحول نحو الديمقرطية &aelcute;ة وسبقت مصر العشرات من دول العالم التي تنعم بالديمقراطية الآن ..فشعب مصر في هذه الفترة أراد الحياة ..فكان لابد ان يستجيب له القدر ..

وكمثل كل ديمقراطيات العالم فإن الديمقراطية المصرية تعثرت وواجهت المصاعب نجحت احيانا وفشلت أحيانا أخرى .. وكانت المعوقات هي في القصر والأحتلال بالإضافة إلى الشعب المصري الذي كانت الديمقراطية جديدة عليه وما زالت ..

وانعدام العدالة الأجتماعية كان من أهم العوامل التي حدت من نجاح الديمقراطية .

ومع ذلك فإن ديمقراطة ما قبل الثورة رغم كل عيوبها ومعوقاتها ــ التي كانت قابلة للإصلاح ــ أستطاعت أن توفر حياة أفضل وحرية اكبر  للمصريين مقارنة بالكثير من الشعوب في المنطقة والعالم ..

استطاعات الليبرالية المصرية في هذه الفترة أن تخرج لنا علماء ومفكرين وفنانين وادباء في كافة الأتجاهات وأصبحت مصر أكثر من ذي قبل منارة علمية وثقافية للشرق وقبلة للعلماء والمفكرين والعلماء والشعراء وطالبي العلم ...

كانت عيوب ديمقراطية ما قبل الثورة مراعاتها مصالح الأغنياء على حساب الفقراء ، وخضوعها  للمساومات مع القصر والأحتلال حيث أن سلطة الحكومة ليست مطلقة مع وجود سلطة للقصر وأخرى للأحتلال ولكل منهما نفوذه ..

ولأن الديمقراطية تحمل بداخلها آليات اصلاحها فكان من المفترض أن تصلح الديمقراطية المصرية الوليده ما ظهر في الممارسة من انتكاسات،،

.

مع افتقاد الديمقراطية الى وجود عدالة أجتماعية ، قام بعض الشباب المصري الغاضب والساخط على كل شيئ في  الجيش  بثورة 1952 ، ساعدهم في هذا وجود الجو الليبرالي قبل 1952، حيث كانت الظروف مهيأة لذلك .

استطاع هؤلاء الشباب استغلال هذه الثغرات ونجحوا في انقلابهم العسكري

وكانت اهدافهم التي اعلنوها هي :

  •  القضاء على الاستعمار
    القضاء على الاقطاع 
    القضاء على سيطرة راس المال
    إقامة جيش وطنى قوى
    إقامة حياة ديموقراطيه سليمه
    إقامة العدالة الأجتماعيه..

لم يكن من ضمن اهداف الثورة تغيير نظام الحكم او الغاء الملكية .. ولكن تم الغاء الملكية وخروج الأحتلال من مصر ..بسبب وقوف الشعب مع الثوار الذي كان يأمل فيهم خيرا ..

ولكن للأسف الشديد ..

فإن السلطات التي كانت تتوزع على الملك وقصره .. والأحتلال .. والحكومة .. ورجال الأعمال والبشوات صودرت جميعها لحساب شخص واحد وهو عبدالناصر ..

ورث عبدالناصر هذه السلطات وجمعها في يده فأصبح  هو المحتل وهو الملك وهو الحكومة بل وصار هو الشعب ..

 بل أصبح الشعب المصري هو الآخر في قبضة الرئيس ..

 

بهذا المنطق في الحكم فشل شباب الثورة بقيادة عبدالناصر  في تحقيق أي من وعودهم واهدافهم الستة .. ما عدا العدالة الاجتماعية التي نجحوا فيها جزئياً..عن طريق أفقار الأغنياء أكثر من تحسين أوضاع الفقراء .

 والإستعمار الأنجليزي الذي كان في نهايته وضعفه أستبدل بإستعمار محلي أقذر من الأحتلال السابق يقتل ويعذب ويعتقل بإسم الوطنية والقومية  ..

وبالنسبة للأقطاع فبدلا من رجال الأعمال والبشوات والأقطاعيين . أصبح هناك أقطاعي واحد  استولى على كل الأقطاعيات ..وتحولت مصر إلى أقطاعية واحدة كبيرة .

وبالنسبة للقضاء على سيطرة رأس المال فإنها قضي عليها بإن تم نزع المال من جميع المصريين وتأميمه ووضعه في جيب الرئيس..

ومصادرة المال من أيدي المصريين الغرض منها  هو تكريس الأعتماد على الحكومة في كل شيئ لضمان الولاء من الجميع..

وبالنسبة لإقامة جيش وطني قوى .. فإن النتائج هي خير إجابة على ذلك .فعبدالناصر حافظ على الهزيمة على ارضه وخارج ارضه ..

و بالنسبة لإقامة حياة ديمقراطية سليمة ..

 فهنا مربط الفرس

كانت  الفرصة مواتية لإقامة حياة ديمقراطية سليمة ، وذلك لكون كل معوقات الديمقراطية في السابق قد تم إزالتها (القصر ـ الأحتلال ـ البشوات ـ الأقطاعيين ) ..أي ان الفرصة كانت ذهبية ..

بل ان  اقامة حياة ديمفراطية سليمة كان كفيلا بإن يساهم في إقامة بقية الاهداف ..

ولكن بدلا من أن يتم أصلاح الحياة الديمقراطية اختار عبدالناصر الغائها بلا رجعة ..  وعندما رجعت في عصر السادات ومبارك كانت ديكوراً ومسخا وتبريرا وتكريسا للإستبداد ..

كان توزيع القوى قبل الثورة كما قلنا بين القصر والأحتلال والحكومة المنتخبة من الشعب في بعض الاحيان  او حكومة القصر .. يساعد  في خلق مساحات للعب فيما بينها..وهذا أعطى الحياة المصرية قبل الثورة قدرا من المرونة والأزدهار والحرية أسهم في استمراريتها ورواجها ..

هذه المزية انتهت فيما بعد الثورة فلقد استحوذ عبدالناصر على جميع النفوذ .. فإما أن تلعب معه بالطريقة التي ترضييه ، وإما سيكون مصيرك في أحسن الأحوال مثل مصير السنهوري باشا رجل القانون ..وفي أسوأ الاحوال مثل مصطفى خميس ومحمد البقرى.وقد أعدمتهم ثورة يوليو " المباركة " بعد قيام الثورة بفترة وجيزة  ..لقيامهم بإصراب ..

 

ولذلك آثر معظم المصريين تسليم جميع المفاتيح لعبدالناصر .. وتفرغ المصريين لتربية الأولاد وتحضير الرضعات واحضار الخبز من مخابز الحكومة والدعاء بالستر والأستقرار ..ولعن المعارضين .والتصفيق الحاد .

قاد عبدالناصر السفية المصرية وحده فكان هو القائد وهو الحارس وهو الركاب  ..

استطاع عبدالناصر ان يحصد جميع النياشين في الأنهزام .. فلم يدخل في معركة إلا وخسرها عن جدارة وأستحقاق ..

كان عبدالناصر يسير بالسفينة في كل الطرق التي تؤدي لغرقها والقضاء عليها وعلى من فيها ..

إلى أن اصيبت السفينة بصورة شبه كاملة في عام 1967 ..اعترف عبدالناصر في ساعة صفا بإنه يتحمل النتيجة وانه المسئول  .. وأراد أن يتنازل عن القيادة ويرجعها مرة أخرى للشعب ويرجع هو إلى سكنات الجيش ..

في هذا الوقت فإن الشعب الذي تم تهميشه قد تعود وأدمن التهميش ، فحياة المهمشين لها لذتها وعبقها ، والكسل فيه اكثر من السبع فوئد التي توجد في السفر .. لذلك تم رفض طلب قائد السفينة  .

وقبيل موت عبدالناصر سلم المفاتيح والقيادة لأنور السادات فراوغ الجميع في الخارج والداخل ،وانتقاما منه من الشعب المصري  ـ الذي كان يؤلف عليه النكت ـ أعطى قيادة السفينة لحسني مبارك..

أستطاع حسني مبارك بكل براعة أن يجمع ما بين أسوأ ما كان قبل  الثورة ( الطبقية ) (سيطرة رأس المال )( التوريث ) ،  وامراض ما بعدها ( الأستبداد والانفراد بكل شيئ ) في توليفة مباركية مع زيادة في الفساد لم يحدث مثلها في البلاد ،  ..

استطاع مبارك القضاء على ما نجح عبدالناصر فيه جزئيا وهو البعد الأجتماعي ..فالثلاثة فدادين الذي وزعها عبدالناصر على صغار المزارعين تحولت إلى قراريط في عصر مبارك .. أي أن الثورة أكلت منجزاتها المحدودة .

استطاع مبارك ان يجعل من سفينة مصر بيته الخاص فجعلها ضيعة كبيرة تدر له دخلا كبيرا هو وولداه  وخادميهم..

وبسبب حتمية الخراب النهائي للسفينة ( بيت مبارك ) فكان الحل في تطبيق المثل المصري الذي يقول ( إذا خرب بيت أبوك الحق لك منه قالب  ..)

 فقد قام الأب وأبناه ببيع قوالب البيت ،وهم الآن يبيعون أرضيته ( أرض مصر ) لمن يدفع ..

فمن ينقذ سفينة مصر ..

اجمالي القراءات 11638