سيناريو تفتيت الوطن العربى

حمدى البصير في الإثنين ٢٧ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

" أبيى " .. أولى ضحايا الإنقسام العربى فى 2011

بقلم حمدى البصير

الإستفتاء المرتقب على تحقيق المصير فى وحدة السودان ككل الأسبوع القادم -9يناير 2011 - والذى سيتقرر بموجبه وضع مدينة أبيي الغنية بالبترول ، وهى محور الصراع الأساسي بين شمال وجنوب السودان ، إماالالتحاق بالشمال أو بالجنوب ، سيكون نقطة فارقة فى تاريخ وادى النيل ، فبعد أن كانت مصر والسودان بلد واحد فى العهد الملكى ، تنازل عنها قادة ثورة يوليو فى مصر طواعية وبكرم حاتمى ، ب&I، بحجة مساندة حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا ، وكان علينا التنازل عن السودان حتى نبدأ بانفسنا ، ونساعد على تحرير القارة السمراء حتى من " المستعمر المصرى " !

والنتيجة إن السودان سيصبح بعد أيام دولتين ، واحدة فى الشمال وثانية فى الجنوب ، وأخشى أن يكون ذلك بداية لتقسيمات أخرى ، وتتكون دولة أخرى فى الغرب وتسمى دارفور وثالثة فى الشرق ورابعة فى جبال النوبة ، وينفرط عقد السودان الموحد الذى كان من المفترض أن يكون سلة غذاء العالم العربى لأنه يحوى مساحات شاسعة من الأراضى الخصبة التى تشتاق للزراعة ، ومياه عزبة وفيرة لاتتوافر فى أى بلد عربى ، بل إن الإكتشافات البترولية توالت فى السودان أيضا بكميات وفيرة خاصة فى مدينة أبيى ، الفاصلة بين الشمال والجنوب ، ومن هنا كان التركيز على السودان الشقيق ، من أجل إضعافه وتفتيته إلى عدة دويلات متناحرة - وفقا لنظرية المؤامرة - وبالطبع كانت أبيى الغنية بالبترول هى حجر الزاوية فى إعادة تشكيل السودان جغرافيا وسياسيا إقتصاديا .

ومدينة كركوك الغنية بالبترول فى العراق تتشابه تماما مع أبيى السودانية ،رغم أن الإولى فى شمال " الوطن العربى " والثانية فى جنوبه ، فهما ليسا غنيتان بالبترول فقط ، بل يتشابهان فى الوضع الديموجرافى السكانى أيضا ، فمثلما هناك أكراد وعرب وتركمان ومسيحيين وسنة وشيعة يعيشون معا فى كركوك ، هناك فى أبيى قبائل المسيرية العربية المسلمة الموالية للشمال ، وقبائل الدنكا ذات الأصول الأفريقية والأغلبية المسيحية الموالية للجنوب ، والذين يتعايشون معا أيضا .

وأصبحتا المدينتين - أبيى وكركوك - هما عنوان الإنفصال ومهد التقسيم فى الوطن العربى الكبير ، لأنهما يملكان مقومات الإنقسام أكثرمن الوحدة ، من ناحية الثروات الطبيعية خاصة البترول ، وكونهما يضمان سكانا يختلفون فى الدين واللغة والعرق ، ولإنهما أضعف منطقتين فى العالم العربى ، من الناحيتين الثافية والسياسية ، ومن هنا نجحت القوى الكبرى وأصحاب المصالح الإقليمية والدولية ، فى إستقطاب هاتين المدينتين ، " واللعب " فيهما بنجاح ، لإن تلك القوى عادة ماتنجذب إلى رائحة النفط ،وتجيد السير على أوتار الخلافات المذهبية والعرقية .

والحقيقة إن الدول العربية ككل مسؤلة عن إنفصال جنوب السودان المرتقب وضياع أبيى ، والتى ستصبح أولى ضحايا الإنقسام العربى فى 2011

فقد تقاعس الحكام العرب خلال قممهم العربية المختلفة فى حسم الخلافات داخل السودان وتجنب إنقسامه ، وركزنا على حل الصراع العربى الاسرائيلى وفلسطين وعملية السلام المزعومة ،وفشلت الجامعة العربية أيضا فى إقتراح حلولا بديلة لإبقاء مدينة أبيى فى حضن السودان ،حتى ولو إختار أهل الجنوب الإندماج مع جيرانهم الأفارقة وعملوا علاقات طبيعية مع إسرائيل.

وأبيى هى منطقة غنية بالبترول على الحدود بين شمال وجنوب السودان تمتد داخل ولايتي غرب كردفان وشمال بحر الغزال. وكان من المقرر منذ عام 2005 أن تخضع المنطقة للحكم المشترك من طرف الجهتين الحاكمتين في شمال وجنوب السودان. وخلال الحرب الأهلية التي مزقت البلاد خلال الفترة بين 1983 و2005، لجأ الطرفان إلى استعمال السكان للقتال بدلاً عنهم.

وقد نص بروتوكول أبيي على إجراء استفتاء فى 9 يناير القادم (عام 2011 ) والذى سيتقرر بموجبه إلحاق أبيي إما بالشمال أو بالجنوب، وإقرار الإدارة المشتركة إلى ذلك الحين. كما يحدد البروتوكول كيفية تقاسم العائدات النفطية للمنطقة بين حكومة الوحدة الوطنية بالشمال وحكومة جنوب السودان بالإضافة إلى تأكيده على حقوق الرعي بالنسبة لرعاة المسيرية الذين يعيشون في شمال أبيي. كما قام البروتوكول بتكليف مفوضية ترسيم حدود أبيي "بتحديد وترسيم" المنطقة التي يتنازع على حدودها كل من الشمال والجنوب.

ويوضح الفصل الرابع من اتفاق السلام الشامل على أن الأشخاص الذين يعيشون بشكل دائم في أبيي هم من قبيلة نجوك المنتمين إلى مجموعة الدينكا العرقية. أما المجتمعات العربية، بما فيها المسيرية، فهي عادة ما تتنقل مع مواشيها عبر المنطقة في مواسم معينة بحثاً عن المرعى والمياه والتجارة. وهذا يعني أن الطائفتين عادة ما تتواجهان وقد أدى ذلك إلى دخولهما في اشتباكات في الماضي.

وتوصل حكم المفوضية "النهائي والملزم"، الصادر في يوليو 2005، من محكمة التحكيم الدائمةإلى أن أبيي أكبر بكثير مما كانت تدعيه حكومة الشمال. وتأتي أهمية حجم أبيي من منطلق تأثيره على كمية النفط المخصص لها، بالإضافة إلى توقع تصويت سكان منطقة أبيي خلال الاستفتاء المقرر يناير القادم .، وقد رفضت حكومة الوحدة الوطنية هذا الحكم بدعوى أن المفوضية قد تجاوزت حدود ولايتها.

وقد اتفق الجانبان على أن محكمة تحكيم خاصة بأبيي داخل محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي هي التي يجب أن تقرر ما إذا كان هذا القول صحيحاً وبالتالي إذا ما كانت صلاحيات المفوضية لا تزال سارية المفعول. واتفقا كذلك على أنه إذا تبين للمحكمة أن المفوضية قد تجاوزت حدود ولايتها فينبغي أن تتخذ المحكمة قراراً جديداً بشأن حدود أبيي على أساس المعلومات المقدمة من الطرفين.

وقد تضمن اتفاق السلام الموقع بأديس أبابا عام 1972، والذي أنهى الحرب الأهلية الأولى (1956-1972)، أحكاماً لاجراء استفتاء بين الدينكا نجوك في أبيي حول انضمامهم أو عدم انضمامهم إلى المنطقة الجنوبية التي كانت آنذاك تتمتع بحكم شبة ذاتي. وقد أدى الفشل في تنفيذ هذه الأحكام إلى إعادة اشتعال الحرب الأهلية في أوائل الثمانينيات.

وقد ظلت المنطقة تشكل بؤرة توتر منذ التوقيع على اتفاق السلام الشامل. ففي مايو 2008، تسببت المواجهات في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص في مدينة أبيي في حين اشتعلت النيران في المدينة. ومن المتوقع أن يؤدي الفشل في تنفيذ بروتوكول أبيي على النحو الصحيح ليس فقط إلى تفاقم الصراع بين المجتمعات المحلية، وإنما أيضاً إلى تزايد توتر العلاقات بين الخرطوم وحكومة جنوب السودان.

وتقع أبيي على خط الصدع العرقي في السودان، إذ أنها تلخص الانقسام الثقافي وتباين سبل كسب العيش في البلاد. ولكنها أيضاً قد تقدم، في أحسن أحوالها، مثالاً على العيش السلمي المتبادل بين المجتمعات المحلية. وتشكل أبيي معقلاً رئيسياً لأقوى جماعة عرقية في الجنوب، وهي جماعة الدينكا. كما أنها وإن كانت لا تحوي سوى أقل من ربع الإنتاج النفطي الحالي في البلاد إلا أنها تشكل في الوقت نفسه أكبر احتياطي قد تطالب بقية السودان بالتحكم فيه.

تم تحويل التبعية الإدارية للمنطقة التي كانت تسكنها قبيلة دينكا نجوك من ولاية بحر الغزال إلى ولاية كردفان لتصبح معروفة بعد ذلك باسم أبيي. والنزاع القائم حالياً هو على مساحة هذه المنطقة.

ولإن الجميع يعرف نتيجة الإستفتاء مسبقا منذ توقيع إتفاقية السلام بين الشمال والجنوب والتى أنهت الحرب الأهلية السودانية ، وادرك حتى حكام السودان إن الإنفصال قادم لامحالة ،فإن المطلوب الأن تحرك عربى من أجل فض نزاع مرتقب بين قبيلتى المسيرية العربيية والدنكا الجنوبية على الحدود بين دولتى جنوب وشمال السودان نواللجؤ السريع إلى المفاوضات من اجل الحصول على مكاسب أفضل فى ابيى ،الظهور أمام المجتمع الدولى والقوى الكبرى ، بأننا لانفرط فى اراضينا بل ووطننا العربى بسهولة ن لإن معنى ترك أبيى إلى جنوب السودان بهذه الطريقة ،والموافقة المقننة عى تقسيم السودان غننا سنفتح الباب أمام تقيم باقى السودان خاصة إقليم دارفور ، بل وسيكون نهاية النزاع على كركوك ، هو حل توافقى لتقسيم العراق إلى دولة كردية فى الشمال عاصمتها كركوك ، ودولة سنية فى الوسط ، بلإضافة إلدولة ثالثة شيعية فى الجنوب .

بل والسيناريو المرتقب - إذا لم يتحرك العرب وجامعة الدول العربية بسرعة - ستكون هناك دولة شيعية أخرى فى جنوب لبنان بالإضافة الى إلى دولة ثانية سنية ودولة مسيحية ثالثة .

واخشى أن يكون السيناريو الاسود الذى سيبدا فى 2011 هو تقسيم الوطن العربى الكبير ، ويأتى الدور على مصر .

حمدى البصير

elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 12959