نداءات منكري الحديث ما لها وما عليها
نداءات منكري الحديث ما لها وما عليها

أحمد أبو إسماعيل في الإثنين ٢٥ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


نداءات منكري الحديث ما لها وما عليها
كنا في العهد القريب نؤمن بالقرآن الكريم ونحاول فهم أوامره ونواهيه وكان إيماننا أشد عند سماع حديث منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة إذا كان في ذكر فضائل الأعمال أو في وصف الجنة أو النار أو غيره من المغيبات ولم نكن نعرف معنى الحديث الصحيح أو الضعيف في محيطنا وكنا نثق في وعاظنا ونرى ما يقدمونه هو الحق وبهم يعرف الحق فبالمطالعة ومجالسة العلماء المتمكنين ومخالطتنا للغير من غير مذهبنا مشائخ وطلبة تفطنا إلى وجود الحديث بأنواع كثيرة وعرفنا أن هناك مذهب أهل الحديث ومذهب أهل الرأي فأصبحنا نتحرج كثيرا في قبول الحديث في موضوع الأحكام أو الرغائب خوفا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي هذه العشرية الأخيرة ظهرت نداءات لبعض المشائخ والباحثين تمس بشخصية المحدثين المقدسة وبصحاحهم وتدعوا لتمحيصها لأنها في نظرهم مصدر بلاء المسلمين طيلة قرون لما تحويه من الأكاذيب المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرون أن الصحاح الست بمثابة ضرة شريرة لكتاب الله تعالى وفيها العجب العجاب في مواضيع شتى وخاصة في موضوع العقيدة وموضوع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فما نجده في هذه الكتب في نظرهم كله مناقض للقرآن في موضوع العقيدة وكله تدنيس لشخص الرسول الكريم في موضوع سيرته ولهم أدلة على ذلك مفصلة في كتبهم
فمنهم المعتدل في طرحه للموضوع كالأستاذ سرحان المالكي حنبلي المذهب في كتابه دراسات في كتب العقيدة المذهب الحنبلي نموذجا
والأستاذ بن خليفة أبو زكرياء المحرمي إباضي المذهب في كتابه قراءة في جدلية الرواية والدراية عند أهل الحديث .
ومنهم الدكتور مصطفى محمود في بحثه العقدي المسمى بالشفاعة .
ومنهم المتطرف كالدكتور إبراهيم الغول الشيعي في كتابه عفوا صحيح البخاري لظهور تشيعه في بحثه وكل هؤلاء لا يردون الحديث كلية
ومنهم من لا نستطيع الحكم عليهم لا بالتطرف ولا الاعتدال لأنهم ينكرون الحديث كلية ويرون أن مصدر التشريع الحقيقي هو كتاب الله تعالى لا غير وعلى رأسهم الدكتور أحمد صبحي منصور ولهم أدلتهم على ذلك في شبكة المعلومات وغيرها .
وسبب نشوء هذا الخلاف هو اعتقاد أن السنة المطهرة موحى بها من قبل الخالق كالقرآن فهذا باللفظ وتلك بالمعنى وزد إلى هذا الحديث القدسي من قبل الطائفة الأولى المعتدلة والمتطرفة
وأما الطائفة الأخيرة فتقول بأن السنة ليست بوحي إلهي لذا فلم تحفظ كما حفظ القرآن الذي ضمن الله لنا حفظه دون السنة
والأمة بعلمائها وأتباعهم على أقسام تجاه هؤلاء:
فالكثرة تؤمن بالصحاح الست وترى ما فيها وحي إلهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى ولا تنكر على العموم وجود الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تريد السماع إلى أي صوت يشكك في هذه الصحاح أو يجرح أحد كتابها كالبخاري مثلا وتجد هذه الشريحة في خلافات فرعية مرجعها إلى الحديث وبسبب هذه الخلافات تعددت الاتجاهات وكثرت المساجد وكلهم يرون أنفسهم يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم ويدافعون عن سنته .
وهناك طائفة من الناس بعلمائها وأتباعها ترى صحة ما عندها من حديث محصور في مسند واحد ويمكن الاستفادة من غيره من صحاح ومسانيد وهو الجامع الصحيح عندهم وأصح كتاب بعد كتاب الله كما يقول غيرهم في شأن صحيح البخاري وغيره وتجد في هذه الطاي هذه الطائفة تقديس ما روي عن أشياخها في كتبهم مما هو غير موجود في المسند ولو كان هذا يعتبر من الموضوعات عند غيرهم والمشائخ عندهم قد بحثوا ونقحوا ولا يمكن بحال أن يتعمدوا الخطأ لذا فكل ما هو موجود في كتبهم منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صحيح .
وهناك طائفة فرقت بين الأمرين فتخصصت في كتاب الله فهما ودراسة لأنه القول الفصل وتركت السنة النبوية لأصحاب التخصص فيها لأنها القول الظني وكثير من الناس يتهمونهم بإنكار السنة وهو ينفون ذلك عن أنفسهم مرارا .
والعامة من الناس من كل الطوائف يشتكون هذا التناقض والتخليط .
وهناك طائفة قليلة من العلماء والطلبة تريد الاستفادة من كل من ذكر سابقا فهم يريدون تعظيم القرآن بكل المقاييس ويريدون تنقيح السنة النبوية دليلهم في الكل هو الحق فبه يعرف الرجال عندهم مهما بلغوا من المكانة العلمية فلا قداسة للربيع أو البخاري أو ما شاكلهما من رواة الحديث ولا قداسة عندهم لأقوال الفقهاء والمشائخ مهما كانوا لأنهم بشر يصيبون ويخطئون وعلم الحديث عندهم من وضع البشر وفيه نقائص عديدة أفرزها الزمان وبإمكانهم وضع قواعد أخرى يستعان بها في تنقيح الحديث وباب الاجتهاد في الكشف عن الحقيقة مفتوح عندهم إلى قيام الساعة عملا بقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية .

وخلاصة القول :
أنا في نظري البسيط أرى أن التقارب إلى كل هؤلاء الفرق المتنوعة هو الأجدى والبحث العلمي هو الفيصل بين هؤلاء وهؤلاء فبتقدير هؤلاء للسنة نتحصل على حمايتها ولتقديس هؤلاء لكلام الله نتحصل كذلك على حماية السنة وتنقيتها من الدخيل فلا يمكن بحال عتاب أحد بدون حجة ولا برهان على ما ذهب إليه يجب أن نقارع الحجة بالحجة حتى لا يضيع الحق بين المتعصب والمتسيب وبين الغالي والمعتدل فكل أحد رأينا فيه تصرفا في نظرنا أو اعتقادنا باطلا طلبنا منه الإتيان بالبرهان الجلي على ما ذهب إليه وناقشناه بالحكمة ودعوناه بالموعظة الحسنة فإذا أقام لنا الدليل الواضح واقتنعنا به وجب علينا الإذعان والمساعد على هذا هو تعظيم الرجال بالحق لا تعظيم الحق بالرجال
اجمالي القراءات 13407