القوة
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة (القضية الفلسطينية)

زهير قوطرش في الأربعاء ٠٨ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة (القضية الفسطينية)

يقول الله عز وجل :

 

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَي&uacuشَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ

 

 

هذه الآية الكريمة ,هي من أكثر الآيات القرآنية التي تم تطويعها لخدمة أولئك الذين  استغلوا القرآن الكريم وطوعوا آياته لخدمة مصالحهم الفئوية والمذهبية وحتى السياسية .

ففسرت القوة  بالقوة العسكرية, وفسرت كلمة ترهبون  بالقيام بالأعمال الإرهابية ,وذلك لإرهاب العدو وتخويفه من خلال عمليات قتل عشوائية طالت نتائجها التدميرية  البشر الأبرياء والحجر.

وحتى نعيد لهذه الآية القرآنية الكريمة مدلولاتها  القرآنية العملية والإنسانية ,كان لابد من أن نتدبر كلماتها ,ونسقط هذا التدبر على الواقع الحالي الذي نعيشه, وعلى القضية الفلسطينية كمثال للتطبيق العملي لهذه الآية الكريمة .

في البداية وكالعادة نعود إلى رأي السلف ,وقد رأيت الأخذ برأي الطبري رحمة الله عليه من كتب التفسير :

 

"الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعِدُّوا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ الَّذِينَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَهْد , إِذَا خِفْتُمْ خِيَانَتهمْ وَغَدْرهمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله { مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } يَقُول : مَا أَطَقْتُمْ أَنْ تَعُدُّوهُ لَهُمْ مِنْ الْآلَات الَّتِي تَكُون قُوَّة لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ السِّلَاح وَالْخَيْل . { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } يَقُول : تُخِيفُونَ بِإِعْدَادِكُمْ ذَلِكَ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12599 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل مِنْ جُهَيْنَة يَرْفَع الْحَدِيث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } " أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة , أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة " . 12600 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , وَعَبْد الْكَرِيم بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي عَلِيّ الْهَمْدَانِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَة بْن عَامِر عَلَى الْمِنْبَر يَقُول : قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } أَلَا وَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى الْمِنْبَر " قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " ثَلَاثًا"

 

 

نعود إلى الآية الكريمة , فالقرآن الكريم وضح لنا معنى القوة  من خلال بعض الآيات القرآنية ,وقد أشار إلى أن القوة ...تعني المال ,والأولاد ...إي القوة المالية والبشرية  .كقوله عز وجل :.

 كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا

 

والقوة تعني الرزق الذي يأتينا بفضل الله تعالى من السماء ...وهنا أشارت الآية إلى المطر ,الذي  بدوره  يزيد من قوة المؤمنين الاقتصادية ,والتي هي أهم عوامل المواجهة إذا تمت مع العدو .

كقوله عز من قائل:

 

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.

 

رباط الخيل ...

لو أسقطناها  هذا المصطلح على عصرنا من خلال التطور الذي حصل منذ عهد نزول القرآن حتى اليوم , لوجدنا أن رباط الخيل تعني كل أنواع التسليح البري والبحري والجوي . وهنا لابد من الملاحظة أن رباط الخيل أو القوة العسكرية لا يمكن الوصول إليها إلا بعد توفر القوة الاقتصادية والبشرية. لهذا جاء ذكرها في الآية الكريمة بعد لفظة القوة.

والقوة تعني أيضاً إلى جانب القوة البشرية والاقتصادية , قوة الوحدة الوطنية ,والالتفاف حول قيادة سياسية واعية توحد كلمة الأمة

 لقوله عز من قائل.

 

قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ "

 

 

أما كلمة ترهبون ,فقد جاء توضيحها  في الآية الكريمة

 

لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ  " 

 أي أنهم يحسبون حسابكم أكثر مما يحسبون حساب الله في اليوم الأخر .

 

مما تقدم ,نستطيع القول ,أن الله عز وجل طلب إلينا أن نعد القوة البشرية والاقتصادية وقوة الوحدة الوطنية  إلى جانب القوة العسكرية ,حتى نستطيع جعل العدو  يرهب هذه القوة ,وتجبره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات  ومحاولة حل الأزمة بشكل سلمي .

لقوله عز وجل

 

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

 

من كل ما تقدم نستطيع القول أن عوامل القوة لقرار القتال ,هي نفسها العوامل الرئيسة لقرار التفاوض وإقرار السلام . فالقوة هي سلاح الإقناع أو الأرغام في ميدان القتال ,ونفس القوة هي سلاح الإقناع أو الإرغام على مائدة المفاوضات.

 

 

 

تطبيقات الآية على عصرنا الحاضر.

سنأخذ القضية الفلسطينية ,كمثال ...أي صراعنا مع إسرائيل ,وعناصر القوة والضعف في هذا الصراع.

الصراع العربي الإسرائيلي ,هو الصراع الوحيد في العالم  اليوم الذي أثبت وبالأحداث والأرقام ,ضعف القوة العربية والإسلامية بشكل عام .

عناصر القوة  التي تحولت إلى ضعف في هذا الصراع.

الأمة العربية والإسلامية تملك القوة البشرية والمادية (لكن هذه القوة المادية  تم اغتيالها ,بفعل الفساد وأصبحت الشعوب العربية والإسلامية من أفقر الشعوب في العالم) ,ولديها قوة عسكرية ,توازي قوة العدو بل وأكثر ,لكنها مع كل أسف موجهة إلى قمع إرادة وحرية الشعوب.

عناصر الضعف .

الأمة العربية والإسلامية تفتقد إلى الوحدة الوطنية (وحدة الرأي والموقف),والقيادة الحكيمة .أي إلى موقف تفاوضي قوي .

الموقف التفاوضي الموحد الذي هو من أهم عناصر القوة المذكورة في كتاب الله عز وجل ,يجب أن يعزز بالقوة المادية الاقتصادية والعسكرية ,لأن ميدان القتال ومائدة المفاوضات هي ساحة لصراع الإرادات ....فقد تتصارع فيه الإرادات بالقوة ...لكن بعد ذلك يجب أن تتصارع بالحوار .

ولنسأل أنفسنا الآن .

ما هي قوة المفاوض العربي.

قوته في قوله إذا لم نصل إلى حل أطمئن إلى عدالته ,فسوف أخرج من هنا لابحث عن العدل بوسيلة أخرى.

وعندما لا يملك المفاوض العربي الوسيلة الأخرى الفعلية .فهو لا يملك إلا خيار الإذعان ,والخطب الجوفاء لخداع شعوبه .وتبقى القضية الفلسطينية أسيرة الضعف العربي والإسلامي. فلا قوة ...ولا رباط الخيل ...ولا وحدة وطنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 29852