هل يجوز أن نحج أو نصوم عن الموتى .؟

رضا عبد الرحمن على في الخميس ٠٢ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

هل يجوز أن نحج أو نصوم عن الموتى .؟

 

إن المولى عز وجل خلق الإنسان وألهمه الفطرة السليمة الصحيحة المتمثلة في التقوى والصلاح ، وكذلك ألهمه الفجور المتمثل في الكفر والعصيان ، وهما بمثابة الغريزة الداخلية في كل إنسان حيث تتصارع فطرته السليمة التي توجهه للخير لتعيش في صراع مع الشق الآخر الأسوأ ، الذي يريد أن يوقع الإنسان في الفحشاء والمنكر والكفر بالله جل وعلا ، ويظل الإنسان طوال فترة اختباره في الدنيا يقاوم هذا الصراع الداخلي الذي لو نجح في السيطرة على غرائزه وشهواته ونزواته وقاوم وسوسة الشيطان له سيكون من الناجحين الفائزين ، وعلى النقيض لو فشل في السيطرة على هذه الشهوات والنزوات وسلّم نفسه لها منهزما حتى نهاية عمره بلا توبة حقيقية صادقة يعبر فيها عن ندمه على كل ما فعل ويثبت فيها لرب العالمين أنه يريد إصلاح نفسه وحاله فيما تبقى من عمره ، بأن يسارع بهذه التوبة ويبرهن عليها بالإكثار من العمل الصالح وعبادة الله بلا شريك في وقت مبكر ، فإن لم يفعل  فلا يلومـنَّ إلا نفسه ، لأن المولى عز وجل قد حمّـله المسئولية حين قال (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)الشمس10:7، وهذه النفس ستحاسب أيضا وحدها على ما فعلته وستكون رهينة مقابل أعمالها يقول تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)المدثر:38، ولأن يوم القيامة لا ظلم فيه ، ستوفى كل نفس ما عملت بلا ظلم يقول تعالى (وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)البقرة:281.

هذه مقدمة بسيطة أدخل بها على موضوع هام يخص عقيدة معظم المسلمين ، وهو (انتشار عقيدة الصوم والحج عن الآخرين) من الأحياء أو الأموات ، أسمع وأقرأ كثيرا أن س أو ص من الناس يريد أن يحج عن والده أو والدته لأن أحدهما غير قادر على أداء فريضة الحج بسبب كبر سنه أو مرضه ، كما أسمع أن أحد المسلمين يريد أداء فريضة الحج عن أخيه أو أمه وأبيه بعد موتهم ، كما أسمع أنه يجوز استئجار شخص سليم البنية تقي صالح عدل لأداء فريضة الحج عن شخص ما غير قادر بدنيا ، لكنه قادر ماديا ، وأقرأ أنه يجوز قضاء الصيام عن الموتى أو جواز دفع فدية الصيام عن الموتى ، وكلها أمور تحتاج لمزيد من التوضيح كما تحتاج لوقفة نعرض فيها هذه العقائد على آيات القرآن الكريم ..

أولا: الصيام

المولى عز وجل فرض علينا الصيام أو كتبه علينا يقول تعالى (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)البقرة:(185:183) ، وهذه الآيات تبين أن الصيام فرض على كل من يستطيع الصيام ويمتلك القدرة البدنية والصحية علي الصيام ، وليس على المريض أو المسافر الصحيح أي حرج في الإفطار وقضاء هذه الأيام بعد الشفاء للمريض أوالرجوع من السفر للمسافر ، لكن ليس هنا ضمن تشريعات الصيام تشريع يقول أنه يجوز للابن الصيام بدلا من أبيه أو أمه الموتى ، لأنه إذا كان مباح لهم الإفطار بسبب المرض وهم على قيد الحياة فهم ليسوا مطالبين بهالصيام أصلا بعد الموت.!

ثانيا: الحج

يقول تعالى عن فريضة الحج (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )آل عمران:97 ، نجد أن أمر الله جل وعلا شديد الوضوح حيث أن فريضة الحج هي مطلوبة ومفروضة على كل من استطاع والاستطاعة لها جوانب عديدة (مالية وصحية وأمنية) ، فإذا لم تتوفر جميع جوانب الاستطاعة لأي إنسان فهو غير مطالب بأداء هذه الفريضة ويكون غير مستطيع طبقا لتشريعات القرآن الكريم ، ولذلك ليس مقبولا أن يقوم أحد الأشخاص بهذه الفريضة عن أحد أقاربه بسبب مرضه ، فهذا الإنسان المريض غير مطالب أصلا بأداء هذه الفريضة فلماذا يصر المسلمون دائما في تغيير شرع الله وتعديل سنته القرآنية.  

 

ولمزيد من التوضيح :

إن كل إنسان في هذه الدنيا يمتلك الإرادة الكاملة في اختيار عمله حسنا كان أو سيئاً ، وهذا يتوقف على إرادته وقدرته على مقاومة وسوسة الشيطان له ونهي النفس عن الهوى كما أمرنا ربنا جل وعلا  ، ومن يقع في معصية ويفعل فاحشة ويظلم نفسه فلديه حلول تنجيه وتنقذه من عذاب الآخرة ، وذلك بالتوبة ، والتوبة لها درجات ، ولا أجد أفصح وأبلغ مما كتبه الدكتور ـ أحمد صبحي منصورـ عن التوبة ::

اقتباس " التوبة المقبولة عند الله جل وعلا هى التوبة المبكرة لكي يتسع الوقت أمام الإنسان للعمل الصالح . يقول جل وعلا (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ( النساء 17 ). فالتوبة المضمونة القبول عند الله هي التوبة المبكرة زمناً .

والتعبير القرآني غاية في الإحكام ، ونتوقف معه ببعض التدبر :

ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) يعني أن التوبة المضمونة عند الله ، أي وعد إلهي بالمغفرة هنا لمن يتوب مبكراً . والتعبير هنا بأسلوب القصر ( إنما ) أي إن التوبة الوحيدة المضمونة القبول عند الله هى التوبة المبكرة زمنا ، فى خلال الجزء الأول من العمر .

ـ (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) الجهالة هنا تفيد طيش المراهقة أو غلبة الغريزة ، أو الغفلة أو عدم إدراك المخاطر وعدم التعمد والإصرار على تكرار السيئة ..

ـ (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) أي يسارع في التوبة بعد الوقوع في الذنب مباشرة ، أو يسارع في التوبة في مقتبل العمر ويبدأ مبكراً في سلوك العمل الصالح .

ومفهوم هنا أن الذي يسارع في التوبة أولاً بأول وفي مقتبل العمر ويحافظ على التقوى إلى نهاية العمر هو في الدرجة الأولى من أصحاب الجنة ، أي السابقون المقربون.

ــ وهناك أصحاب اليمين في الدرجة الثانية من أهل الجنة ، وهو الصنف الذي يتوب بعد (حين) ، وبعد أن يكون خلال هذا ( الحين ) قد ملأ جسده الأزلي بسيئات يستوجب عليه علاجها والتكفير عنها بالصدقات وعمل الصالحات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وهنا يكون قبول توبته ليس حتما وإنما (عسى ) أن يقبل الله توبته حسب إخلاصه وصدقه في التوبة ورغبته فى تنقية قلبه أو جسده الأزلي من السواد والقاذورات أو السيئات . يقول ربنا جل وعلا :( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ( التوبة 102 : 103 )

على العكس من السابقين في التوبة الذين يتوبون من قريب وأولئك الذين يتوبون بعد فترة معقولة و يجتهدون فى عمل الصالحات وفى الاستغفار عما فات ، تجد الذين ينسون التوبة ولا يتذكرونها إلا عند الاحتضار ، هذا العاصي الذي أدمن المعصية بلا توبة إلى نهاية العمر شأنه شأن الكافر العريق في الكفر ، لا يقبل الله توبة أحدهما، يقول جل وعلا (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )  ( النساء 18 ).

" توقيت التوبة مهم جدا بنفس أهمية الصدق في التوبة . فأحسن التائبين حالا هو من يبادر  بالتوبة وهو فى سن الشباب، يقول تعالى:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )(النساء : 17 ) .

وهذه التوبة القريبة التى يقبلها الله يحددها القرآن بسن الأربعين ، يقول تعالى : (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(الأحقاف 15 : 16). ففى سن الأربعين ينبغى على الإنسان أن يتوقف مع نفسه يحاسبها على ما مضى ويبدأ مع ربه صفحة جديدة ناصعة يستعد بها للشطر الآخر من حياته .

وقد يستيقظ الإنسان بعد سن الأربعين فيتوب بعد المشيب وقد نظر حاله فوجد ما مضى من عمره أكثر مما بقى له ، فيعترف بذنبه ويبكى على حاله صادقا فى توبته ، وأولئك عسى أن يتوب الله عليهم : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )( التوبة : 102 ـ 103 ) . فالصدقة من مظاهر التوبة الصادقة هنا .

وقد يضطر أحدهم للتوبة بعد أن ضعف جسده فأذعن واستكان ، فأمره بين يدى ربه، إما أن يتوب عليه فيدخله الجنة وأما من يعذبه فيخلد فى النار، وليست هناك منزلة وسطى بين الجنة والنار ، يقول تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة : 106 ).

ثم نصل للصنف الأخير الذى يدمن المعصية فلا يستيقظ منها إلا عند الاحتضار، فيصرخ عند الموت بالتوبة حيث لا تجدى ولا تنفع ، وشأنه شأن الكافر تماما يقول تعالى فيه: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )  ( النساء 18 ).والآية صريحة فى وضع العاصى الذى لم تقبل توبته مع الكافر الذى أحبط الله أعماله ، كلاهما فى النار خالدا فيها ..) أنتهى الاقتباس ..

7 ـ ونعود إلى شروط التوبة . فالتوبة لا تعني فقط التطهر من السيئات والتخلص منها ، ولكن تعني أيضا ملء القلب ـ أو وعاء النفس أو الجسد الأزلى ـ  بالعمل الصالح وشغل النفس بالصالحات حتى لا تجد وقتا للعمل السيئ ، أي استغلال الزمن ـ المقدر لها أن تعيشه في هذه الدنيا  ـ في عمل الصالحات ، فلا يبقى فيه متسع من الوقت للتفكير في عمل سيئة .

وهنا نتوقف مع آيات القرآن الكريم بشىء من التفصيل فى شروط التوبة :

7 / 1 : هناك آيات تقرن التوبة بعمل المزيد من العمل الصالح :

ـ يقول جل وعلا :  (  ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )  ( النحل 119 ). التوبة هنا مبكرة لمن عمل السوء بجهالة ، والتوبة هنا مرتبطة بالإصلاح ،أى إصلاح الخطأ ، وإصلاح المسيرة بالمزيد من الانشغال بالعمل الصالح .

ـ (إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )  (النمل 11). أى ظلم ثم تاب ، وقرن التوبة بتبديل مسلكه ليكون حسنا بعد أن كان سوءا ، عندها تنتظره رحمة الله جل وعلا وغفرانه .

 ـ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(الأنعام 54). الخطاب هنا للنبى محمد عليه السلام وفى أصحابه المؤمنين ، ولا يخلو إنسان من خطأ . والتشريع هنا عام لكل المؤمنين فى أى زمان ومكان لأنه قاعدة أصولية قرآنية سارية المفعول إلى يوم القيامة ، فقد كتب رب العزة على نفسه الرحمة ، ولكنها مستحقة لمن يقوم بحقها ، أى فمن ارتكب سوءا بجهالة ثم تاب وقرن التوبة بإصلاح نفسه فستنتظره يوم القيامة  رحمة الله جل وعلا ومغفرته .

ــ وهناك آيات تؤكد نفس المعنى ولكن تضيف تصحيح الإيمان ،أى إن تصحيح الإيمان للتائب يعنى الإصلاح الحقيقى للعمل والعقيدة .

ـ يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأعراف 153). التوبة هنا مقترنة بتصحيح الايمان مع تصحيح العمل لكى ينال المغفرة والرحمة .

ـ ويشرحها قوله جل وعلا :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ( طه 82 ) فالإيمان يأتي تاليا للتوبة وبعده العمل الصالح ، ويتكرر ويتأكد ذلك بقوله جل وعلا:( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)( مريم 60  )(فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) ( القصص 67 )

8 ـ وهذا يعنى أن التوبة تمحو السيئة ، أى بالتوبة الصحيحة المقبولة تتحول السيئات السابقة إلى حسنات ، ومن هنا جاء وصف المفلحين بأنهم : (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(القصص  54).

8 / 1 : أى بالإنفاق فى سبيل الله والصبر تتحول السيئات الى حسنات ،والآية بأكملها تقول :( أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(القصص 54 ).

ويؤكد دور الصبر مع الإنفاق فى سبيل الله فى تبديل السيئات بالحسنات قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ )(الرعد 22 ).

وهذا يذكرنا بقوله جل وعلا عمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا:( .. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة: 103 )

والصبر على مداومة الطاعات وتأدية العبادات مع الإنفاق فى سبيل الله جل وعلا يعنى كلمة واحدة هى إقامة الصلاة طيلة وقت اليقظة ،وإقامة الصلاة ليس مجرد تأديتها ، ولكنه أيضا المحافظة عليها بعدم الوقوع فى الفواحش والمنكر بين الصلوات ، وبالخشوع أثناء تأدية الصلوات : ( العنكبوت 45 ) ( المؤمنون 1 : 9 ) . وبهذه الحسنات المتراكمة تنمحى السيئات، وهذه هى الوصية الذهبية من رب العزة للنبى محمد عليه السلام ولنا أيضا : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) (هود 114) ."انتهى الاقتباس .

ومن هنا أقول إن الإنسان إذا أشرك بالله أو فعل فاحشة أو ارتكب إثما أو ظلم غيره في حياته وأراد أن ينجو بنفسه من عذاب الآخرة فليس أمامه إلا أن يصحح أوضاعه قبل الموت وقبل مغادرة الدنيا وذلك بالتوبة ، والتوبة هنا ليست كلمة من ستة أحرف ، وإنما لها شروط ومواصفات ودرجات ومواعيد ، وقد تكون مقبولة أو غير مقبولة كما أوضحت الآيات القرآنية ، وأؤكد يجب أن تكون هذه التوبة في حياة الإنسان وقبل موته  بوقت كاف يستطيع أن يعمل فيه الصالحات ، ومن غير المعقول أن يتوب إنسان بعد الموت ، لأن ربنا جل وعلا قد بين لنا جميعا أن التوبة عند الموت وفي لحظة الاحتضار لا يقبلها الله جل وعلا ، فهل يعقل أن تقبل توبة إنسان بعد موته .؟ ، وهل يدخل العقل أيضا أن تقبل أعمال من إنسان بعد موته .؟

هذا ما أردت توضيحه وإلقاء الضوء عليه ، وأعود وأسأل : هل يجوز أن نحج أو نصوم عن الآخرين.؟ .

 

اجمالي القراءات 22391