إن هذا القرءآن هو المنقذ للبشرية من واقعها المرير
العهد والميثاق فى القرءآن الكريم

محمد صادق في الثلاثاء ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

بحث

العهد والميثاق فى القرءآن الكريم

مقدمة

من أهمية دراسة بعض القضايا القرءآنية دراسة موضوعية، تكشف لنا مثل تلك الدراسة عن جوانب مهمة، يصعب الوصول إليها عن طريق الدراسة التحليلية، وبخاصة إذا كانت هذه القضية من القضايا المرتبطة بواقع العصر كموضوع العهد والميثاق.

إنّ كلمة العهد تطلق على ع&IumN; على عدة معاني، وما اشتق من مادة (وثق) يستعمل لأكثر من معنى، ولكن الغالب على استعمالهما ما اتفقا فيه، وهو اليمين والموثق والعهد المحكم، وتعلق الذمة بشيءٍ أو تعلقه بها فإذا أطلق أي منهما لم يكد ينصرف إلاَّ إلى ذلك، أمَّا المعاني الأخرى فلا يفسران بها إلاّ بقرينةٍ تدل عليها.

 والمتأمل في واقع أمتنا في هذا العصر، يرى أنها تتقاذفها الأمواج، وتميل بها الرياح، تلتفت يمينًا وشمالا تبحث عن منقذ لها، تأوي إلى الغرب وتهوي إلى الشرق ويتآمر عليها شراذم البشر وشرار الخليقة. ومركب النجاة بين يديها، ولكن يا ليت قومي يعلمون.

وفي السنوات الأخيرة رأينا كيف أصبحت الدول تعيش في قلاقل ومحن، وباتت الشعوب - وبالأخص الشعوب الإسلامية - لا تأمن على حياتها وممتلكاتها، فلم يعد الإنسان يطمئن إلى عهد ولا إلى ميثاق، توقّع العهود في الصباح وتنقض في المساء، أنشئت الهيئات والمنظمات الدولية، ولكنها أصبحت كلاَّ على الضعفاء وسلاحًا فتّاكًا بيد الأقوياء، وسادت شريعة الغاب ، القوي يأكل الضعيف، والكبير يقضي على الصغير بل حتى على مستوى الأفراد والجماعات لم يعد للعهود مكانًا، ولا للمواثيق احترامًا، إلا ما ندر ممن يؤمن باللـــه واتخذ القرءآن له دستورًا وأمانًا، و أن من بعض أسباب شقاء هذه الأمة وبؤسها بعدها عن كتاب ربها، وعدم التزام كثير من أفرادها بعهود اللـــه ومواثيقه، في العقيدة والسلوك والمعاملات والأخلاق وغيرهم الكثير، ولذلك اختلت الموازين والقيم، وضعفت الأمة وامتلأت المحاكم والسجون، وما خفى كان أعظم.

إن هذا القرءآن هو المنقذ للبشرية من واقعها المرير، ففيه النور والبرهان، فيه المخرج لأزماتها، والحلول لمشكلاتها، لا الشرق ينقذها، ولا الغرب ينفعها، وإنما كتاب اللـــه الكريم هو الهادى وهو الصراط المستقيم.في القرءآن الكريم من كنوزٍ مجهولةٌ بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين، ولذلك تخبَّطوا في حياتهم في الظلمات والنور بين أيديهم، يبحثون عن الهدى والهدي في حوزتهم، إن هذا القرءآن منهجٌ للبشر، كلام اللـــه لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.

من خلال تدبرى بين آيات العهد والميثاق وجدت أن هذا القرءآن العظيم يضع الأساس لحياة الناس لحظةً بلحظةً وساعةً بساعةً، موجهاً ومنقذاً، ومبشِراً ومعاتِباً ومعاقِباً، يُحيط الناس بعنايته، هذا يَعِدُهُ وذاك يتوعّده، وآخر يُعلِّمُه ويربيه.

العهد والميثاق في اللغة

أهم المعاني التي وردت لمعنى العهد، ولم أتطرق إلى مشتقاته .

العهد:الجذر اللغوى " عهد " يأتى كلمة العهد على عدة معانى...

والعَهْدُ: الوصيّة..عَهِدَ إليّ فلان كذا .. أوصَاني،الوَفاءُ والحِفَاظُ، الأمان، المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عُهِدَتِ الأرض فهي مَعْهودةٌ أي: مَمْطورة، ويأتى بمعنى الزمان، التّوحيد،الضّمان،  ويأتى بمعنى الإلّ، والإلّ؛: العهد والقرابة.   

الميثاق: الجذر اللغوى .. " وثق "

أهم المعاني التي وردت لمعنى الميثاق..

كلمة الميثاق تدلّ على عَقْد وإحْكام، وَوَثَّقْت الشيء: أحكَمْتَه، عَقْدٌ أو عهد يؤكد بيمين ، وأخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف.

الميثاق:: العَهْد المحكم، قال الأزهري: الوَثاقَة: مصدر الشيء الوَثيق المُحكم، والفعل اللازم: وَثُقَ وثاقة فهو وَثيق.

والوَثاق: اسم الإيثاق، تقول: أوثقتُهُ إيثاقًا ووَثاقًا، والحبل أو الشيء يُوَثق به: وثاق.

 والوثيقةُ في الأمر: إحكامُهُ والأخذ بالثقَة، جمعها وثائق.والمُواثَقة: المُعاهدة.

العهد والميثاق فى الحياة العامة

فى حياتنا اليومية وتعاملاتنا مع بعض، يأتى أحيانا طرفين إتفقا فيما بينهما إتفاق شراكة أو دين أو حتى زواج، فنجد ان هذان الطرفان عقدا إتفاق وتمت كتابته وقاما بالتوقيع على هذا الإتفاق بينهما. هذه الورقة الموضحة للإتفاق وتوقيعهما عليها ليس كافيا ليأخذ صفته الرسمية فيما لو حدث أى خلاف بين الطرفين إلا إذا ذهبا سويا إلى من له سلطة قانونية ليعتمد هذا الإتفاق المكتوب فيوقع المسئول ويحضر شاهدين لتوقيع وبعدها يتم وضع خاتم الجهة المسؤولة على هذه الورقة وبذلك يصبح الإتفاق قانونيا وبذلك تتحول هذه الورقة من إتفاق أو عقد إلى وثيقة قانونية يؤخذ بها لدى السلطات القضائية.

القرءآن الكريم يُسمى المرحلة الآولى – الإتفاق أو العقد الذى أبرم بين الطرفين والموقع بينهما – يسميه القرءآن العهد. فى المرحلة الثانية بعد توثيقة فى الجهة المعنية، يسميه القرءآن وثيقة.

ومن هذا المنطلق أقول – واللــه أعلم- بالنسبة إلى اللـــه سبحانه وتعالى، لا يحتاج إلى مكتب توثيق ولا إلى شهود وأيضا لا يحتاج إلى ختم قانونى يؤكد صحة هذا العهد. فالقرءآن الكريم يوضح لنا هذه النظرية توضيحا جليا لا عوج فيه. فلنتدبر آيات اللـــه التى تشير إلى هذا المنطلق.

العهد بعد توثيقه يصبج ميثاق

قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) المائدة:7

وعد اللـــه هو عهد، ووعد اللــــه صدق، فنفذ وعده بأن أنعم عليهم ثم طلب منهم توثيق هذا العهد فكان السمع والطاعة وبذلك تحول الوعد أو العهد إلى ميثاق " وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ".

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ..........سمعنا وأطعنا) (البقرة: من الآية285

قال تعالى في سورة يوسف: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف: 66

هنا التوثيق جاء مختلفا، الإتفاق كان بين يعقوب عليه السلام وأولاده، وليتأكد الوالد ويضع أبناؤه فى حيز المسؤولية، طلب منهم توثيق هذا الإتفاق، فكان حلفهم باللـــه، بمعنى أنهم وضعوا اللــــه سبحانه معهم شاهدا على هذا الإتفاق بصدقهم فأصبح الإتفاق موثق من اللــــه فقبل الوالد المؤمن باللـــه وبموثقه فقال بعد أن تأكد من موثقهم، قال:" اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ".

والآية الأخرى في المعنى نفسه: (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) (يوسف: من الآية80

أي عهدا بشهادة وعلم من الله في حفظ ابنه فأصبح هذا العهد " موثقا ".

ثم فَصََّل وبيَّن في سورة آل عمران ما أجمل هناك: " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ" آل عمران:81

" وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" الرعد25

هنا يتضح أيضا ما ذهبنا إليه سابقا أن كان هناك عهد مع اللـــه سبحانه وتم بعده توثيق هذا العهد فأصبح ميثاق " عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ".

يقول تعالى في سورة النحل بعد الأمر بالوفاء بالعهد: " وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً " النحل: من الآية91

العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذريه آدم

قال الله تعالى في سورة البقرة: " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "  البقرة:27

هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصفه في  قوله: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " الأعراف:172

وقال تعالى في سورة الحديد: " وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "   الحديد:8

لا تناقض بين الميثاق والفطرة، بل نقول أن المولود يولد على الفطرة ، لأنه أعطى الميثاق وفيه الإقرار بربوبية الله ووحدانيته، ويبقى على ذلك ويولد عليه، ولكن هذه الفطرة تتغير بما يطرأ على الإنسان من عقائد فاسدة لأسباب كثيرة تصْرفه عن فِطرته وميثاقه.

أن هذا الميثاق ليس كافيًا لإقامة الحجة على الخلق، بل لا بد من إرسال الرسل وإنـزال الكتب، والآيات القرآنية صريحة بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة وما ركز من الفطرة .

قال تعالى: " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"  الإسراء: من الآية15

وقال سبحانه: " رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ " النساء: من الآية165

العهد والميثاق فى القرءآن الكريم

أثار انتباهي كثرة الآيات التي وردت في قضية العهد والميثاق، وشمولها لجميع العصور والأزمنة حتى قيام الساعة، منذ أن خلق اللـــه آدم - عليه السلام - وأخرج الذرية من ظهره فأخذ عليهم العهد والميثاق. في حديث القرءآن عن العهد والميثاق، عدم اقتصاره على جانب معين، بل إنّه يتحدث عن العهد والميثاق في جوانب التوحيد والعبادة، ويتحدث عنه في جانب العلاقات الدولية وهكذا، إلى أخصّ أمور الناس كحديثه عن الميثاق في العلاقات الزوجية، وعلاقة الابن بأبيه كقصة يعقوب وبنيه.

1-أسلوب القرءآن عند عرض قضية العهد والميثاق

وقد تأملت في آيات العهد والميثاق فوجدت أنها قد عرضت بعدة أساليب، استمالة للقلوب وإيقاظا للنفوس، ذكرى للمؤمنين وتنبيها للغافلين، وحجة على الكافرين والمعاندين. ويصعب حصر الأساليب التي وردت في عرض قضية العهد والميثاق لتعددها وتنوعها، حسب المقتضى والارتباط، وسأذكر أبرز تلك الأساليب.

ا- بصيغة الخبر        

جاءت آيات كثيرة بصيغة الخبر مفيدة عاقبة نقض العهد، أو جزاء الوفاء بالميثاق

يقول تعالى: " وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ "  البقرة 26، 27

وكما أن الضلال والفسق عاقبة الذين ينقضون عهد الله، تأتي آية أخرى لتقابل معنى هذه الآية حيث جعل التقوى جزاءالوفاء بعهده: " بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " آل عمران:76  فجعل نقض العهد في الآية الأولى ملازما للفسق، وجعل التقوى في الآية الثانية ملازمة للوفاء بالعهد.

وفي آية أخرى يأتي الخبر في سياق التذكيربفضل اللـــه " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ"  البقرة:63، 64

ونجد فى المقابل أسلوب بصيغة خبرية ، والمقابلة نوع من البلاغة له أثره الإيجابي في النفس: " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ" الرعد: 20، 21 ، " أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ "  الرعد  22 

وفى المقابل:  " وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ "  الرعد 25

وتتعدد الصيغ الخبرية، فمرة تأتي بصيغة الأمر، وأخرى في معرض النهي وثالثة مسبوقة بجملة استفهامية.

ب- بصيغة الأمر       

من الأساليب التي عرضت بها قضية العهد والميثاق أسلوب الأمر، وهو أسلوب يتسابق المؤمنون لتحقيقه والوفاء بالمراد منه ومن نكث فإنما ينكث على نفسه:" يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " البقرة 40    

وفي سورة الأنعام: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) وفي النحل: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) وفي الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)

وهكذا يتكرر الأمر، تعظيما لشأن العهد، وتنبيهًا على وجوب الوفاء به، وعدم الإخلال بمقتضاه.

ج- بصيغة النهى        

وكما جاء الأمر، فقد ورد النهي عن نقض العهد والميثاق بصيغة طلبية وبأسلوب خبري.

يقول تعالى في سورة النحل بعد الأمر بالوفاء بالعهد: (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) . وفي آية أخرى: وفى نفس السورة (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) . وهذا نهي صريح عن نقض العهود والمواثيق. أما الأسلوب الخبري وهو يحمل معنى النهي فقوله تعالى في سورة الرعد: (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) ، فمدلوله لا تنقضوا الميثاق لتكونوا من أولي الألباب.

د- بصيغة الإستفهام     

وقد ورد بصيغة الاستفهام الإستنكارى في عدة آيات، منها قوله تعالى في سورة الأعراف موبخًا بني إسرائيل على سوء أفعالهم وخيانتهم للعهد والميثاق: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ).

وفي سورة يس يبين الله ما سيوجه للكافرين يوم القيامة من توبيخ  لتفريطهم بالعهد الذي عهده الله إليهم فضيعوه (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يّـس:60، 61) وجاء الاستفهام إسنكاريا في سورة البقرة: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة:80)

وفي سورة التوبة: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) التوبة: 7

ويستمر عرض موضوع العهد والميثاق بصيغة الاستفهام،  فيأتي الاستفهام في سورة التوبة بمعنى النفي: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) التوبة:111

وهكذا يكون الاستفهام بأنواعه أحد الأساليب البلاغية التي عرضت فيها قضية العهد والميثاق توبيخا وإنكارا ونفيًا.

ه- الإجمال والبيان      

ومن الأساليب التي وردت في القرآن الكريم مبينة قضية العهد والميثاق، الإجمال في موضع، والبيان والتفصيل في موضع آخر. وهذا أسلوب بلاغي ، ففي الإجمال لا إخلال، وفي البيان لا حشو ولا إسهاب. فقد ذكر الله في سورة البقرة أنه قد أخذ الميثاق على بني إسرائيل دون أن يبين أو يفصل في ذلك. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) البقرة: 6

وسرعان ما يأتي البيان والتفصيل في آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة: 83

وفي المائدة يأتي زيادة بيان وتفصيل لهذا الميثاق: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) المائدة:1

وفي سورة الأحزاب ذكر الله أخذ الميثاق على النبيين ولم يفصل فيه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) الأحزاب:

ثم فصل وبين في سورة آل عمران ما أجمل هناك: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران:81

و- الترغيب الوعد و الوعيد     

النفس البشرية لها خاصيتها التي فطرها الله عليها، والنوازع التي جبل عليها البشر من أهم ما تجب معرفته لمن يريد التعامل مع تلك النفس، والله سبحانه هو خالق الإنسان، فهو أعلم بسرائره، ومداركه ونوازعه، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:1

وهذه النفس تعيش بين شدّ ولين ، والترغيب والترهيب من أقوى المؤثرات في هذا المخلوق العجيب، والوعد والوعيد عاملان حاسمان في استقامة البشر وتقويم سلوكهم. ومن هنا كان من أبرز الأساليب القرآنية في قضية العهد والميثاق أسلوب الوعد والوعيد، بل إن أغلب الآيات التي وردت في هذا المجال لا تخلو من أحد هذين الأسلوبين، وفي آيات منها يأتي الجمع بين الترغيب والترهيب في آية واحدة.

والأمثلة كثيرة جدا، ومجرد إلقاء نظرة على تلك الآيات تكشف عن هذه الحقيقة، ففي سورة التوبة يعرض القضية عرضًا يهز نفس المؤمن هزًا، ويشوقها إلى وعد الله وترغيبه (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة:11

وفي سورة الرعد يذكر الموفين بعهودهم الذين لا ينقضون مواثيقهم ثم يختمها بهذا الجزاء الذي تقبل عليه النفس إقبالا: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد:22-2

أي جزاء مثل هذا الجزاء، وهو متحقق لمن كان هذا مآله وعقباه. وفي سورة (المؤمنون) تعرض القضية بأسلوب آخر (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)  المؤمنون:1) من هم وما هي صفتهم لتنشد هذا الفلاح وتطلبه... (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون:8

ما هو جزاؤهم، وماذا أعدّ الله لهم ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون:10، 1

وكما جاء الترغيب داعيا، والوعد مناديًا، جاء الوعيد ناهيًا ومحذرًا، ها هي سورة البقرة تقص علينا قصة بني إسرائيل مع مواثيقهم وعهودهم، نقض وفجور، ولكن الجزاء كان رهيبًا ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:85، 86) وفي آل عمران يأتي الوعيد مخيفا: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران:77

وفي سورة الأنفال يخفق القلب وهو يتلو تلك الآيات التي لا تدع مجالا للمتلاعبين والخائنين: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) الأنفال:56-58

2- مجالات استعمال مصطلح العهد والميثاق فى القرءآن الكريم

 إستعملهذا المصطلح في مجالات كثيرة،فنجد أنه استعمل في مجال تقرير العقيدة وبيانها،وهومن أوسع المجالات التي استخدم فيها.كما نجد أنه قد ورد في بيان العبادات والأمر بها،أما في مجال العلاقات بين الدولة المسلمة وغيرها فقد ورد هذا المصطلح ليبين ويرسم كيف تكون تلك العلاقة بين المجتمع المسلم وغيره.   

وفي باب المعاملات الفردية والجماعية فقد ورد ليكون أساسًا وأمانًا للمتعاملين، وليضفي جوّ الثقة لدى من يتعامل مع المسلمين.

وفي القضايا الاجتماعية ورد هذا المصطلح حاسمًا، ومغلقًا، لبعض أبواب الشرّ التي قد تعصف ببنية المجتمع المسلم وتثير فيه القلائل والاضطرابات.

وفي مجال الحث على الجهاد في سبيل الله جاء العهد مثيرًا للهمم ومذكّرًا بعواقب الفرار والانهزام.

وإليكم شيئ من التفصيل:

فى العقيدة:      

الإيمان بالله - سبحانه وتعالى: هذا الجانب من أهم الجوانب، بل هو الأساس الذي تتفرع عنه جميع مسائل العقيدة، وقد وردت آيات كثيرة تتضمن لفظ العهد والميثاق وتشتمل على وجوب الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - إما تصريحًا أو ضمنًا، ففي أول آية في القرآن يرد فيها لفظ العهد والميثاق نجد الحكم من الله تعالى على من نقض العهد والميثاق بالكفر، ومعنى ذلك أن الالتزام بالعهد والميثاق من صميم الإيمان بالله سبحانه، بل لا إيمان إلا بالالتزام بعهد الله وميثاقه، يقول سبحانه: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) البقرة: 27،28

وفي سورة آل عمران يبين سبحانه أنه أخذ العهد على النبيين بالإيمان به وتصديق رسله، عليهم السلام أجمعين.

" قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"  آل عمران:84

وتتوالى الآيات التي تربط بين الوفاء بالعهد والإيمان به تعالى، حيث نلحظ التلازم الكبير بين نقض العهد والميثاق وبين الكفر بالله ، ويؤكد ذلك في قوله تعالى في سورة النساء

" فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ"  النساء: من الآية155،  ثم يقول في آخر الآية " بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً"  النساء:  155 إثبات للكفر ونفي للإيمان، ويؤكد ذلك في الآية التي بعدها مباشرة وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً"  النساء:156

وكما أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بأن يؤمنوا ويصدقوا رسله، فقد أخذ الميثاق على الذين قالوا إنا نصارى "وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ" المائدة: 14  والميثاق هو الميثاق " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " المائدة: 17

وفي سورة الأنفال يصف فئة من البشر بمجوعة صفات كل واحدة منها كافية للزجر والتهديد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هذه الفئة لا تؤمن بالله لوقوعها في الكفر، وهي بذلك شرّ الدواب ، ما سر هذا الأمر؟ وما سبب خروجها من الإيمان؟. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55، 56

وفي مجال الإيمان نفسه وبأسلوب بلاغيّ ، يشير إلى الشيء بذكر ما يقابله ويضاهيه، مستخدمًا لفظ العهد الذي قد أخذ على بني آدم مذكرًا بهم (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يّـس:60

أن أهمّ العهود والمواثيق ما أخذه الله على آدم وذريته عند إخراج الذرية، إنه الإقرار بعبودية الله جل وعلا، وهل ذلك إلا الإيمان بالله وحده وصدق الله العظيم (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الحديد: من الآية8

الإيمان بالرسالات السماوية المنزلة:     

آيات كثيرة نزلت على الرسول وللمؤمنين  آمرة بالإيمان بالكتب السماوية (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة:136 .   

وفي آخر سورة البقرة يقرر حقيقة إيمانية (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة 285

وفى آية أخرى يدعو بنى إسرائيل أن يوفوا بالعهد ويتضمن الإيمان بالتوراة وفيها وجوب الإيمان بالرسول محمد والكتاب الذى المنزل عليه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) البقرة 40، 41

فى الإيمان بالرسل والأنبياء:    

وأخذ الميثاق على النبيين كان في مجال وجوب الإيمان برسل الله سابقهم ولا حقهم ويصدّق بما جاء به (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)  آل عمران:81

إنه من أهم المواثيق ، فليس خاصًا بالنبيين بل الأمم مطالبة بما أخذ على أنبيائها من الإيمان والتصديق برسل الله (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:82) وبعد أن بين سبحانه الميثاق الذي أخذه على النبيين أمر  محمدًا أن يؤمن بذلك ويعلنه على الناس: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) آل عمران: 84)

فلا يكتمل ويتحقق الميثاق إلا بإعلان: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة: 136.

وتبين لنا آية الميثاق في سورة المائدة نوع ميثاق بني إسرائيل وما اشتمل عليه، فتذكر أن الإيمان بالرسل وإجلالهم ونصرهم من أهم بنود هذا الميثاق الذي لم ينفذ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) المائدة:12

فى العبادات:   

أمر الله سبحانه عباده بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وجاء الأمر بالعبادة مجملا فى آيات ومفصلا فى آيات أخرى، فنجد مثل قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات:56 وقوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ) النساء: 36 وكما جاء الأمر بالعبادة مجملا جاء مفصلا كقوله جل وعلا: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة:43 وقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء: 73 فالآيات كثيرة فى هذا الصدد.

أمْرُ الله لبني إسرائيل بالوفاء بالعهد يقول لهم سبحانه : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة: 40 وبعد أن يأمرهم سبحانه بالإيمان بما أنـزل وينهاهم عن كتمان الحق، وكل ذلك من العهد الذي أخذه عليهم يقول لهم آمرًا: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة:43 وذلك من الوفاء بالعهد الذي طالبهم به.

وفي بيان الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) البقرة: 83 ففي هذه الآية تضمن الميثاق جملة من الأمور التي أمر الله بها بني إسرائيل أن يقوموا بها ويؤدوها على وجهها.

وفي سورة المائدة نجد أن الآية المباشرة العامة لآية القيام للصلاة وكيفية الوضوء والتيمم هي قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ) المائدة: من الآية7

لا عهد مع المشركين، ولكن إن تابوا وعبدوا الله حق عبادته(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة: 11 بإقامة أهم أركان العبادة: الصلاة والزكاة، فإن لهم عهدًا آخر، وهو عهد الأخوة في الله، أقوى وثاقًا .

ويأتي ذكر العهد - أيضًا - في ركن من أركان العبادة التي أمر الله بها، وهي الزكاة وسائر فروع النفقة في سبيل الله دليلا على أهمية هذا الركن ووجوب أدائه، وسوء عاقبة من خان عهده في ذلك: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة:75

فى المعاملات: 

لقد جاء العهد والميثاق في القرآن الكريم في إطار تنظيم التعامل بين الناس لتحمل الثقة والأمانة مكان الخوف والخيانة:(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً). وبعدها مباشرة يقول سبحانه: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) آل عمران عمران:،75,76  

وهذا دليل قوي على أن التعامل والتقايض نوع من العهود يجب الوفاء به،وتأتي آية المائدة مؤكدة هذا الأمر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

والزواج والطلاق نوع من أنواع التعامل البشري يحتاج إلى ضمانة قوية تضفي على طرفي العقد الود والوئام .

ونلمس قوة هذا العقد وأهميته في الإسلام عندما نقرأ سورة النساء: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) النساء:20و21، وسياق الآية يدل على الاهتمام البالغ به.

وفي سورة الأنعام يجمع بين إيفاء الكيل والميزان وبين الوفاء بالعهد مما ينبئ عن قوة العلاقة بينهما: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الأنعام: 152

أما في سورة الإسراء فيأتي الأمر في الوفاء بالعهد ثم يعقبه مباشرة الأمر بالوفاء بالكيل والوزن بالعدل، وهذا يؤكد مدى قوة العلاقة بينهما كما قلت في وصايا سورة الأنعام: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) الإسـراء:34،35

فى القضايا الإجتماعية: 

عناية الإسلام في بناء المجتمع المسلم الصالح، جاء الاهتمام في كل قضية تتعلق بالأسرة والمجتمع،ومن تلك الوسائل التي كونت دعامة أساسية في بناء هذا المجتمع، تلك العناية الفائقة التي أقرها القرآن الكريم لهذه الأمة تربية وإعدادًا، ومن ذلك الآيات التي جاءت تعالج القضايا الاجتماعية، وتكون أسسها ومنطلقاتها، وفي هذا المجال جاء مصطلح العهد والميثاق لبنة قوية.  

ففي سورة البقرة يبين لنا الله سبحانه ما أخذه على بني إسرائيل من ميثاق يتضمن عددًا من القضايا الاجتماعية الأساسية. فالبر بالوالدين، وصلة الأرحام، والعطف على اليتامى، والإحسان على المساكين، والقول الحسن لجميع الناس،أمور يجب أن يتحلى بها الأفراد ويلتزم بها المجتمع: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) البقرة:84.  

وقضية الزواج والطلاق قضية اجتماعية - كما هي مسألة تعاملية - يؤخذ الميثاق الغليظ على جزئيه فيها مما يدل على خطورتها وأثرها: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:20،21

وما حدث بين يعقوب وبين أبنائه: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) يوسف:66، (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) يوسف: 80 فالميثاق كان عاملا حاسمًا في بداية ونهاية هذه القضية الاجتماعية.

في سورة الرعد، أولو الألباب، هم الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق وهم كذلك يتصفون بصفة لازمة للصفة الأولى وهي أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل من صلة الوالدين والأرحام وحقوق الجوار وغيرهما مما أمر الله به: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الرعد: 20،21

فى الجهاد فى سبيل اللــــه:      

في سورة التوبة يقول سبحانه:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ)ثم يقول بعدها: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) التوبة 111والتعبير هنا بالاشتراء كناية لجامع ما بينهما من الإيجاب والقبول، يؤكده التصريح بالعهد من الله جل وعلا.

والمؤمنون مدحهم الله لصدقهم ولوفائهم بعهودهم وثباتهم في ساحة الجهاد، وكانت أرواحهم ثمنًا للوفاء بعهودهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) الأحزاب:23.  

وأختم هذا البحث المختصر، لأن البحث الأصلى يحتاج إلى صفجات وصفحات وحتى هذا أقول لم أعطى هذا الوضوع حقه كاملا، وقد رأينا فى هذه السطور كيف إستخدم القرءآن مصطلح العهد والميثاق فى معظم أمور الحياة الدنيا والآخرة.فأرجو أكون وُفقتُ فى نقل صورة مبسطة عن العهد والميثاق فى القرءآن الكريم لأهميته ومدى تعلقه بكل أمور الدين والدنيا.

دعوة صادقة مخلصة أوجهها للأمة المسلمة عمومًا وللعلماء والدعاة خصوصًا بأن نعود إلى كتاب ربنا ومنهج حياتنا، نتفيء في ظلاله وتسعد البشرية الحائرة، فقد طال بلاؤها وزادت تعاستها، وأدعو اللـــه سبجانه أن نكون من " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ".

سبحان ربى رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

اجمالي القراءات 138177