وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاأَفَ

Brahim إبراهيم Daddi دادي في الأحد ١٧ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

عزمت بسم الله،

سبحان الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، ليبلغوا لقومهم رسالات ربهم، فكان محمد آخر الأنبياء عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، لقد أنزل الله تعالى معه على البسيطة كتابا فريدا من نوعه، وتولى سبحانه حفظه بقدرته من كيد الكافرين، وتحدى به خلقه من الجن والإنس على أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين، (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ te; كُنتُمْ صَادِقِينَ)

(23). البقرة.

إن المتدبر في أحسن الحديث ( القرآن) لن يصل أبدا إلى نهاية التدبر فيه مهما أوتي من العلم والمعرفة، فكلما تدبر آيات الله الكونية والمقروءة وجد نفسه في بداية الصراط الذي يؤدي حتما إلى صراط الله المستقيم، فقال المولى تعالى عن الكتاب: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52). الشورى. فالرسول محمد عليه السلام كان واسطة لهداية الناس إلى نور الله الذي هو الصراط المستقيم.

بعد هذه المقدمة الوجيزة أرجو أن نتدبر معا ونحاول فهم كتاب الله بإخلاص وبما وهبنا الله تعالى من العلم والمعرفة، قال رسول الله عن الروح عن ربه:  

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاأَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(99)وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِوَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ(100). يونس.

نلاحظ بداية الآية كانت: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ). من حق المتسائل أن يقول إذن الإيمان والكفر هو بمشيئة الله تعالى، ولا دخل لنا نحن المخلوقين لأننا لم نُستشر قبل ذلك، فيكون إيمان المؤمن إيمانا سطحيا، والدليل على ذلك ظاهر في عبادتنا وتقوانا، فنحن نشرك رسول الله وأئمتنا وكبراءنا في أحكام الله تعالى التي نقلت إلينا منسوبة إلى من لا ينطق عن الهوى، وكتبتها أيدي البشر بعد اكتمال نزول كتاب الله الذي لم يأته الباطل، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ـ الذي لم يبلغ إلا ما أمر بتبليغه ـ بعد حوالي قرنين من الزمن. (أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)(28). إبراهيم. ويظهر ابتعادنا عن دين الله تعالى كذلك في سلوكنا ومعاملاتنا مع بعضنا البعض، ومع غيرنا من الناس، فلا صِدق في القول، ولا وفاء بالوعد، ولا استو فاء للكيل والميزان، استبيح أكل أموال اليتامى، وأموال الناس بالباطل، وتلوثت البيئة بمكبرات الصوت التي تقض مضاجع المرضى عند الآذان، والأدهى والأمر هو الجهر في الصلاة بمكبرات الصوت، فلا يتمكن الساكن جوار المسجد من الخشوع في صلاته، رغم أن الله تعالى نهى عن الجهر في الصلاة والخفت فيها، (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)(110). الإسراء. والقائمة طويلة في خروجنا عن الصراط المستقيم، ولم يبق لنا من الدين إلا المظهر وتمسُّكنا به مثل إطالة اللحى وتقصير القميص والسروال إلى ما فوق الكعبين ( لأن ما تحت ذلك فهو في النار).

أعود إلى قول الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ). قد يقول قائل بما أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإنه يعلم مصير كل عبد مسبقا، ويعلم المؤمن من الكافر، ويتساءل آخر لماذا لم يختر الله تعالى أن يكون كل من في الأرض مؤمنا؟ لأن رحمته وسعت كل شيء وهو الغفار الودود، ينذرنا الرحمان بقول من قبلنا ويقول: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(35).النحل. فحسب تدبري المتواضع فقد وجدت الجواب في الشطر التالي للآية التي قال فيها المولى تعالى لرسوله:أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(99).يونس. فحسب فهمي المتواضع إذا كان الله تعالى لم يكره من في الأرض ليكونوا مؤمنين، فكيف بك أنت يا محمد تريد أن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، فما عليك إلا البلاغ ولست عليهم بمسيطر ولا عليهم بوكيل ولا حفيظ، وليس في مقدورك إنقاذ مِن النار من هو داخلها. (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)(19). الزمر.

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ(48). الشورى.

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(12). التغابن.

ثم يقول المولى تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ). نفس التساؤل يطرح هنا، بما أنه لا يمكن لكل نفس أن تؤمن إلا بإذن الله، إذن فالأمر لله الواحد !!لكن إذا واصلنا قراءة الآية كاملة: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)(100).يونس. نجد أن الله تعالى قد أكرم بني آدم وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ليكونوا خليفة في الأرض فيعمروها، فألآن لهم الحديد وجعل فيه بأسا شديدا، وذلَّّلَ لهم الأنعام ليركبوها ومنها يأكلون، (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(13). الجاثية. لاحظوا أعزائي نهاية الآية "100" يونس ونهاية الآية "13" الجاثية، إن الذين يعقلون والذين يتفكرون هم أقرب من غيرهم إلى الإيمان والتقوى، ولذلك يبتغون إلى ربهم الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون عذابه، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)(57). الإسراء. فيكون الله تعالى أقرب إليهم من حبل الوريد فيهديهم سبله وصراطه المستقيم.

 أما الذين لا يعقلون فهم كالأنعام بل هم أضل، (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)(44). الفرقان. فالذين لا يعقلون ويحملون عن شيوخهم ما حمِّلوا هم كذلك، فأولئك هم الذين لا يعقلون، لأن الرجز على قلوبهم قد أقفلها فأصبحوا كالأنعام بل هم أضل حسب وصف الله تعالى لهم. يقول سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179)الأعراف.

ثم يقول المولى تعالى على لسان نبيه موجها عناية العباد إلى آيات السماوات والأرض، لكن رغم وجود تلك الآيات والنذر فلا تغني القوم الذين لا يؤمنون لأنهم لا يعقلون. (  قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)(101). ثم يقول ملك يوم الدين: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ(102)ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ(103). دائما مع توجيهات الخالق لرسوله ليبلغها للناس، ويكون هو أول الممتثلين لها ليضع حدا بينه وبين الذين لا يؤمنون فيقول: قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِوَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(104)وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(105)وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ(106)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)يونس.

فهل المؤمنون اليوم يمتثلون لما بلَّغه الرسول عليه السلام وتأسوا به، فلا يعبدون إلا الله تعالى ولا يشركون به شيئا ولا يدعون ما لا ينفعهم ولا يضرهم...؟؟؟

ألم يكن كتاب البخاري وغيره يقضي على كتاب الله وأحكامه فيحرم ما أحل الله تعالى ويحل ما حرم سبحانه؟؟؟

ألا يعتبر هذا من الشرك ومخالفة لأسوة الرسول عليه السلام الذي أمر أن يقول: قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِوَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(104)وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(105)وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ."106" يونس.

لكم أعزائي القراء من الله تعالى التحية ومني السلام.

اجمالي القراءات 45832