أبوأطفال الأنابيب وأعداء الحياة

خالد منتصر في الجمعة ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

تأخرت جائزة نوبل كثيراً عن عالم الفسيولوجى البريطانى «روبرت إدواردز» الذى قدم لملايين الأسر التى كانت تعانى العقم حلاً سحرياً فى تقنية أطفال الأنابيب. هذا العالم العبقرى الذى تجاوز الثمانين من العمر امتلك القدرة على الحلم، وامتلك إمكانية تحقيق هذا الحلم مع زميله طبيب النساء «ستبتو»، والأهم أنه امتلك شفرة تحويل الطب إلى معادلة أساسها تحقيق السعادة للناس، فهم العلم على أنه حب البشر واحترام رغباتهم البسيطة التى من أهمها حقهم فى الإنجاب واكتساب بصمة الخلود فى حياة أبنائهم، لم يوقف تجاربه انتظاراً لرأى رجال الدين، لم يعطل أبحاثه حتى يهتدى القساوسة إلى حل ويحسموا خلافاتهم، حركته نظرة الحرمان من أم مكلومة وأب محبط، وما أن تحقق الحلم فى ٢٥ يوليو ١٩٧٨ بولادة لويز براون أول طفلة أنابيب، هاجت الدنيا عليه، هاجمته الكنيسة، وتبعها فى الهجوم كل السلفيين ورجال الدين من جميع الديانات والعقائد، صرخوا «زنديق، كافر، يتلاعب بسر الحياة الإلهى»، وبرغم أنه بفضل روبرت إدواردز خرج إلى النور أكثر من أربعة ملايين طفل يملأون الحياة بهجة، وينتشلون أسرهم من بئر الإحباط الذى بلا قرار، فقد ظل هذا السيف مصلتاً على رقبته.

أعتقد أن لجنة نوبل تأخرت فى منح هذا العالم العبقرى الجائزة خوفاً من غضبة الكهنة ورجال الدين، ولننظر ما هو رد فعلهم لكى نتأكد من صدق هذا التخمين والاعتقاد، انتقد رئيس الأكاديمية البابوية للحياة اختيار إدواردز لمنحه جائزة نوبل للطب، وقال المونسنيور انياسيو كاراسكو دى باولا لوكالة الأنباء الإيطالية (انسا) «دون إدواردز لما كانت هناك سوق تباع فيها ملايين البويضات.

ولما كان فى العالم عدد كبير من الثلاجات المليئة بالأجنة»، وأضاف «فى أفضل الحالات فإن هذه الأخيرة تنتظر نقلها إلى أرحام لكن الأرجح أن ينتهى بها الحال للإهمال أو الموت وهى مشكلة يتحمل مسؤوليتها حائز نوبل الجديد»، كما اعتبر رئيس الأكاديمية البابوية أنه «دون إدواردز لما كان الإنجاب بمساعدة خارجية فى حالة بلبلة مع أوضاع غير مفهومة لأطفال ولدوا من جدات أو من أمهات حاضنات»، وأنهى هجومه قائلاً: «أجد أن اختيار روبرت إدواردز يصعب تفسيره» و«أسباب الحيرة عديدة».

مازالت نظرة رجال الدين للعلم منذ هيباشيا وكوبرنيكوس وجاليليو وابن رشد والكندى حتى الآن هى نظرة تربص وتوجس وكراهية خشية ضياع السطوة والسيطرة على عقول البسطاء، حين يكشف العلم أكثر ويتوغل فى المجهول أكثر ويقدم حلولاً أفضل وأكثر واقعية وعملية، مازال الفاتيكان يعتبر تقنية أطفال الأنابيب «غير مشروعة أخلاقياً» بسبب «التضحية بعدد كبير جداً من الأجنة»، ومازال الأزهر يدرس لتلاميذه آراء فقهاء يقولون إن أقصى مدة للحمل خمس سنوات، ومازال الحاخامات اليهود يحرمون الاستنساخ، ومازال العلم يمضى فى طريقه غير عابئ ولا مهتم بآراء من يريدون تعطيل قاطرة الحضارة وتحنيط الدنيا فى تابوت الماضى والأوهام.

اجمالي القراءات 10001