تدبر في معنى (آتى و أتى) في القرآن الكريم

رضا عبد الرحمن على في الثلاثاء ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

تدبر في معنى (آتى و أتى) في القرآن الكريم


إن الباحث عن الحق لا سبيل أمامه لفهم نصوص وآيات القرآن الكريم بمعانيها الحقيقية إلا إذا قام بقراءة و تتبع الآيات وتدبرها وربطها ببعضها البعض ، مقارنة وربط جميع الآيات التي تتحدث عن نفس الموضوع وتجميع كل ما يخص هذا الموضوع في جميع سور القرآن الكريم للوقوف على حقيقته كاملة ناصعة واضحة ، ويتم هذا بسهولة ويسر بدون إضافة أي مصطلحات أو مفردات بشرية تراثية يتم فرضها على آيات القرآن الكريم ، ودون الاستعانة بتفاسير البشر مهما كانوا ، فالنصوص القرآنية كفيلة بتوضيح بعضها بعضا وذلك لو اتبع الباحث منهج القرآن الكريم والتزم بمصطلحاته ومفرداته وأسلوبه ، تاركا خلفه ما توارثه المسلمون من تراث يعج بالمتناقضات مع نفسه ومع القرآن .

وهذا البحث القرآني قمت بكتابته للرد على كل مسلم يستدل بقوله تعالى (وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ)الحشر:7 واعتباره دليل قطعي على ثبوت الأحاديث واعتباره دليل لا يمكن تكذيبه ، فقد استخدمه جميع علماء الإسلام في الرد على القرآنيين ظناً منهم أن هذا الجزء المقطوع من سياق الآية الكريمة حجة دامغة لا يمكن الرد عليها.

وأول ما يجب الإشارة إليه هنا هو خيانة الأمانة العلمية عند معظم علماء الإسلام في استخدام هذا الجزء من الآية والاستدلال به على وجود الأحاديث ، لأنني ومنذ أن تشكل وعيي وعقلي لم أسمع عالم مسلم واحد يقرأ هذه الآية الكريمة كاملة من أولها عندما يريد الدفاع عن الأحاديث وإنما يقوم باقتطاع هذا الجزء من السياق العام للآية ليقنع العوام من الناس بأن هذا دليل قطعي يأمرنا باتباع الأحاديث ، وهذا ما حذرنا منه رب العزة في التعامل مع القرآن الكريم كما حذر بني إسرائيل في قوله تعالى(ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)البقرة:85 وهذا مجرد توضيح بسيط للتشابه بين من يقتص جزء من آية قرآنية ليجادل ويعاجز في آيات الله وبين ما فعله بنو إسرائيل.

ولو رجعنا للقرآن الكريم نقرأ آياته ونتدبر مفرداته ومصطلحاته ولغته الخاصة وكيفية استخدام هذه المفردات والمصطلحات في القرآن الكريم لوجدنا دليلا أخر أقوى وأوضح على أن هذا الجزء من الآية ( 7 ) من سورة الحشر لا يمكن اعتباره دليل على وجود الأحاديث على الإطلاق ، وذلك طبقا لاستخدام الفعل ( آتى و أتى) ومشتقاتهما المختلفة في القرآن الكريم ، وآيات القرآن الكريم وحدها كفيلة للرد البين على كل هؤلاء دون إضافة رأي ودون تفسير من البشر.

جاء الفعل (آتى وأتى ) ومشتقاتهما في القرآن الكريم في مواضع و استخدامات مختلفة ، ليس منها على الإطلاق ما يعبر عن تبليغ وحي من خاتم النبيين عليهم السلام لأمته ، وليس منها أيضا ما يفيد أمرا باتباع وحي أنزل علي خاتم النبيين.

الـتـوضــــــــيـح:

ــ جاءت للتعبير عن الوحي الإلهي من الله جل وعلا للأنبياء والمرسلين يقول تعالى لخاتم الأنبياء والمرسلين (وَلَقَدْآ تَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)الحجر:87

(كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا)طــه:99

وجاءت تبين موقف كفار قريش من القرآن ومطالبتهم لخاتم النبيين بأن يبدل لهم هذا القرآن ، وإجابة خاتم النبيين على مطالبهم بأن مجرد التفكير في هذا معصية لله جل وعلا يقول تعالى

(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)يونس:15


ــ جاءت تعبر عن تكذيب الكفار للقرآن بعد إذ جاءهم

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)المؤمنون:71،90


ــ وفى مواضع أخرى جاء الحديث عن بني إسرائيل وما أنزل إليهم من وحي قبل الرسالة الخاتمة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَاآتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)البقرة:63 ، البقرة: 93 ،المائدة 12،20 ، 41، الأعراف 171.

(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)البقرة:211


ــ وجاءت في بعض الآيات تخاطب أهل الكتاب

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)البقرة:146 ، البقرة 121 ، الأنعام 20 ، الأنعام89 ، القصص 52 ، الرعد36

ــ كما جاءت في حوار يجمع بين خاتم النبيين عليهم السلام وبين أهل الكتاب ، وأن القرآن نزل مؤكدا ومصدقا ومهيمنا على ما سبقه من رسالات وكتب وسماوية ، ولكل ابتلاء فيما آتاه الله ، وأمر الله لخاتم النبيين وقومه ولأهل الكتاب جميعا أن يتسابقوا في فعل الخيرات وأن المرجع لله وحده فهو جل وعلا سيحكم بين الجميع من آمن ومن لم يؤمن.

(وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْشَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة :48


(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَـزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)الأنعام:114 ، الرعد 36، النحل 55 ، العنكبوت47 ،66، الروم34 ،آل عمران73 ، الأنعام114.

ـ جاءت في القرآن لدعوة المسلمين للإيمان بجميع الرسل والأنبياء السابقين و الإيمان بجميع رسالاتهم وعدم التفريق بينهم.


( قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)البقرة:136

(قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)آل عمران:84

ــ جاءت في سياق التعبير عن رد فعل الكفار من إرسال الرسل و إنزال الوحي .

(وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)الحجر:11، (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)الأنبياء:2، يـس 30، الزخرف7، الشعراء 5.

ــ وجاءت في الحديث عن المشركين الذين يدعون مع الله شركاء ، و نفى القرآن أن الله جل وعلا لم ينزل وحيا من عنده على هؤلاء الشركاء لكي يعبدهم الناس.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورً)فاطر:40، الزخرف21

ــ وجاءت في نهاية حوار بين الكفار الذين كذبوا بآيات الله التي أنزلت على خاتم النبيين عليهم السلام ، وتشبيه ما فعلوه مع خاتم النبيين بما فعله المكذبون من قبلهم مع أنبياء الله .

(وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍـ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَاآتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)سبأ:44 ،45


ــ كما جاءت آية عظيمة توضح حوار الكفار مع خاتم النبيين وعدم اكتفاءهم بآيات القرآن ، بل يريدون أن يأتيهم الله بمعجزات مثل ما أوتىَ إبراهيم وإسماعيل وموسي....الخ)

(وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ)الأنعام:124

ــ ورغم أن القرآن قد جاءهم بالحق إلا أنهم يعترضون ويكفرون ويقولون بسخرية لولا أوتىَ مثل موسى على الرغم من كفرهم بما أوتىَ موسىَ.

(فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ)القصص:48،أي إن قريشا طلبت من النبي محمد عليه السلام معجزة حسية مثل المعجزات التي كانت لموسى ، ويرد عليهم رب العزة بأن أسلافهم من قبل كفروا برسالة موسى مع أن موسى استعرض أمامهم آياته الحسية فكان أن اتهموا موسى وهارون بالسحر والشعوذة وتمسكوا بكفرهم.


ــ جاءت للتعبير عن عطاء الله لبعض الرسل من معجزات حسية تؤيد المنهج الذي أرسلوا به ، كما جاءت أيضا للتعبير عـمَّـن آتاه الله الملك والثروة والعلم من الأنبياء أو من البشر.

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ)النمل:16

(فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ)النمل:42 ، 36



( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)القصص:79

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)البقرة:247، الإسراء85

ــ و كذلك جاءت للتعبير عن الابتلاء الدنيوي في الدين والرزق بأنواعه ، واعتبار هذا العطاء والملك والرزق والنعيم بمثابة اختبار للإنسان.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)الأنعام:165

ــ كذلك جاءت بمعنى إعطاء الزكاة وإخراج المال لله ، والحكمة التي يؤتيها الله لبعض الناس في ذلك.

( لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ)البقرة:177 ، التوبة 18، الروم39 ، الليل 18.

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ)البقرة:269 هذه الآية جاءت تعبر عن الحكمة التي يؤتيها الله لبعض الناس فيما يخص الإنفاق في سبيل الله وأن الحكمة هنا تعني الاحتكام للقرآن والاقتداء بتشريعاته في الإنفاق على المحتاجين ، وأن هذه الحكمة ستكون سببا في جلب الخير لهذا الإنسان لأنه قد اتبع كلام الله.

ــ كما جاءت لتبين أن متاع الدنيا وزينتها قليل ولا يقارن بما عند الله في الآخرة للمؤمنين.

(فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)الشورى:36، القصص60

آية عظيمة تنبه الناس وتحذرهم وتنصحهم بعدم الغرور بالمال والجاه في الدنيا لأن هذا الغرور قد يجعل الإنسان من المعذبين في الآخرة (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)الحديد :23

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)آل عمران :188

ــ وردت في القرآن بمعنى إعطاء الأجر والثواب من الله لكل من آمن بالله وحده بلا شريك وعمل صالحا ، ولكل من تاب توبة صالحة صحيحة وأن الله جل وعلا لا يظلم بل سيكافئ الإنسان على أقل أعمال الخير ، وعلى النقيض من يكذب بآيات الله ويتولى عنها فله العذاب.

(إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)النساء:40

(إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)النساء:146

( وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)هـود:3

ــ كما جاءت في سياق آيات التشريع للنكاح من أهل الكتاب و ملك اليمين والنهي عن الإمساك بعصم الكوافر، وكذلك في بعض آيات الطلاق والرضاع والميراث يقول تعالى (وَلْيَسْتَعْفِف الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاتُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيم)النور:33 ،المائـدة5، الممتحنة10، النساء20،البقرة229، 223، النساء 19

ــ وردت بمعنى (أرْسِـلَ) بضم أوله أو(جاء) جاءوك أو ( وصل ) مشيا على الأقدام مثلما جاء بعض المؤمنين يريدون الذهاب مع خاتم النبيين عليهم السلام يدافعون عن الإسلام فردهم لعدم وجود دواب وعُــدَّه لهم .

(كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)الذاريات :52

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَاأَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَايُنْفِقُونَ)التوبة:92 ،الفرقان40

(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لايَشْعُرُونَ)النمل:27

ــ وجاءت بمعنى حَـضَـرَ ، أحضر ، فعل ، صنع أو أتم عملا

(فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ)طـه:60

(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ)طـه:69

ــ جاءت بمعنى أعطى وليس هناك أوضح من آية توزيع الغنائم أو الفيء في سورة الحشر يقول تعالى(مَاأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)الحشر:7

ــ جاءت بمعنى دمَّــر في سياق تشبيه عقاب الله جل وعلا للمشركين بمن تتهدم ديارهم عليهم.

(قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ)النحل:26

ــ آيات بينات توضح ثواب الإيمان بآيات الله وعقاب الكفر بها

(وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ)العنكبوت:47 ،66 ، النحل 55، الروم 34

ــ وردت آيات تبين عذاب الله في الدنيا والآخرة وأن الساعة ستأتي بغتة أي فجأة

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)الأنعام:40 ، الأنعام 47، يـونـس50

ــ جاءت بمعنى (اقترب) للتعبير عن اقتراب موعد الساعة

(أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)النحل:1

ــ وجاءت بمعنى بـُعـِثَ للقاء الله جل وعلا ثم وردت في النص القرآني للتعبير عن استلام كتاب الأعمال في الآخرة

(إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)الشعراء:89


( يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)الإسراء:71

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ)الحاقة:19

( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ)الحاقة:25 ، الإنشقاق 7 ، 10 ، المدثر 52

ــ وفي النهاية يقول ربنا جل وعلا يخاطب جميع مخلوقاته في السموات والأرض (إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْدا)مريم:93


الخــلاصـــــــة:

ــ من خلال ما سبق يتبين أن استخدامات الفعل (آتى وأتى) ومشتقاتهما في القرآن الكريم جاءت في استعمالات كثيرة ومختلفة ، ولكن يمكن تقسيمها لقسمين:

القسم الأول:السياق القرآني الذي يكون فيه تشريع وأوامر من الله جل وعلا مثل إرسال الرسل وإنزال الوحي وإعطاء النعم والملك والجاه وتشريعات الزكاة النكاح والطلاق والرضاع والميراث ، والحديث عن الساعة وعن الثواب والعقاب والبعث ولقاء الله واستلام كتب الأعمال ، وفي هذا السياق القرآني يكون طرفي الحوار متواجدان فالله جل وعلا موجود وكل شيء هالك إلا وجهه مثال (إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)الشعراء:89، فالله جل وعلا موجود ومن يأتيه بقلب سليم من البشر أيضا سيكون موجود للحساب.

القسم الثاني :جاء فيه السياق القرآني يتحدث عن سلوكيات وأفعال ومواقف وتعاملات بين البشر وبعضهم البعض ، وكذلك الأمر فلابد من وجود طرفي الحوار في معية أثناء الحديث مثال (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَايُنْفِقُونَ)التوبة:92 ،الفرقان40 ، فالرسول موجود و كذلك من جاءه من المسلمين ، ومثال أخر أكثر توضيحا (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لايَشْعُرُونَ)النمل:27 فسليمان وجنوده وصلوا واد النمل وكلاهما موجود ومشارك في الحدث ، ودليل أخر يقول تعالى (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)الكهف:62

ــ وكذلك الأمر في أمور الزكاة والنكاح والطلاق والرضاع وجميع تعاملات البشر ، والجدير بالذكر هنا في استخدامات هذين الفعلين في السياق القرآني بين البشر ليس فيها على الإطلاق ما يفيد الأمر بتبليغ وحي من نبي أو رسول ، كما ليس فيها أمر باتباع وحي من نبي أو رسول ، وبذلك تكون وضحت الأمور بأن الآية 7 من سورة الحشر لا يمكن اعتبارها دليل على اتباع الأحاديث ولكنها كانت تتحدث عن توزيع الغنائم.

والله جل وعلا أعلى وأعلم.

هذا مجرد اجتهاد بشري يقبل الخطأ قبل الصواب ولا أفرضه على أحد


رضا عبد الرحمن على

مدرس بالأزهر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 32778