المجتمع والدولة والدين

سامر إسلامبولي في الجمعة ٠٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

{

المجتمع والدولة والدين

   المجتمع ليس مجرد تجمع من الناس، فهؤلاء اسمهم جماعة أو تجمع مثل جمهور كرة القدم ، فسرعان ما تنتهي العلاقة بينهم  بانتهاء الشيء الذي اجتمعوا عليه، فما هو المجتمع؟

   المجتمع: هو تجمع جماعات من الناس على جغرافية معينة تربطهم شبكة علاقات اجتماعية وثقافية واقتصادية دائمة ومعقدة.

   الدولة:  هي نتاج ثقافي اجتماعي سلطوي يمثل تطلعات القوى الفاعلة في المجتمع وهويتها.

   السلطة: أداة حماية وحفظ منفعلة بالقوى الاجتماعية محكومة بنظم الدولة.

   الدين : ثقافة إنسانية متعلقة بالكون والحياة والدنيا والعلاقة بينهم تتناول الفرد والمجتمع.

   وقبل النقاش بهذه الأمور لابد من معرفة مسألة هامة جداً وهي :

   الجزئيات متعلقة بالكليات، وحين حصول اختلاف بالجزئيات ينبغي أن نتأكد من الاتفاق على الكليات لضبط النقاش.

 - والمنهج الذي أعرضه هو خاص للمسلمين بالدرجة الأولى، لذلك استخدمت كلمة المجتمع الإسلامي كون المسلمين هم الأكثرية ، ومع ذلك فما تتبناه الدولة من الثقافة الإسلامية يصير قانوناً يطبق على المواطنين جميعاً دون تفريق بينهم، المسلمون يطبقونه ديناً في أنفسهم وطاعة للقانون، وغير المسلمين يطبقونه قانوناً فقط. وفي النهاية جميعاً مواطنين أمام دولة القانون والمدنية.

  فالدولة ليست دينية، وإنما مدعومة بثقافة المجتمع فإن كان المجتمع ثقافته دينية يكون الدين هو المُكَوِّن الثقافي للدولة التي تمثل ثقافة الأكثرية وتأخذ من الدين ما يتعلق بالمجتمع دون الأمور المتعلقة بالفرد، والقرءان كتاب هداية للناس يحتوي على شرع إنساني حدودي لايرفضه أحد قط حتى ولو جرى تصويت عليه لأخذ الموافقة بالأكثرية إذا لم يكن بالإجماع وذلك بشرط أن يكون من القرءان فقط دون فهم الآباء أو زيادة مصدر آخر يضاف إليه تحت أي مسمى( أهل البيت، السنة، الحديث...)،لأن الشرع القرءاني إنساني وعلمي ومدني وحدودي، فكل الناس تخضع له وتقبله سواء أكان ديناً أم قانوناً.

 فالدين للناس، وهو الذي يؤسس ثقافة المجتمع،وينبثق من المجتمع الدولة المصبوغة بثقافة المجتمع، مع فصل كامل للسلطة السياسية عن الدين بكونها سلطة تنفيذية إدارية يختارها قوى المجتمع بالطريقة التي يرونها تخدم مصالحهم.

ولا شك أن المجتمع يضم بين جنبيه أطياف وقوى ومؤسسات مختلفة الرؤى، ولكن الدولة هي التي تمثل أمل الجميع وتحقق أهدافهم وتحمي مصالحهم، فالمشكلة هي بطريقة فهم المسلمين للقرءان، فالناس ترفض وجهة نظر المسلمين ،ولو اطلعوا على المشروع الثقافي القرءاني لوجدوا أنه يمثل تطلعاتهم الإنسانية ولسرعان ما التزموا به سواء إيماناً أم ثقافة أم قانوناً.

القرءان كتاب قيم وأخلاق إنسانية ليست هي محل رفض أو خلاف، ويحتوي على شرع إنساني علمي مدني يرتقي بالمجتمع نهضة ومدنية.

ولقد ذكرت لك سابقاً أن الإباحة لشيء لايعني ضرورة التطبيق له، فتبني الدولة لتعدد الزواج مثلاً لا يعني الإلزام بفعله، والشرع غير موجه لفرد وإنما لمجتمع،وظروف الناس مختلفة، وكذلك أذواقهم، فما يرفضه زيد يقبله عبيد،وما يعده عمرو ضرورة يعده عُمر غير ضروري...، مع وجود صلاحية للدولة بتقييد أو منع ممارسة المباح لأمر تراه يتعلق بمصلحة المجتمع مثل منع تعدد الزواج في "تونس" فهذا الإجراء ضمن الشرع الإسلامي وهو صواب وغير ملزم للمجتمعات الأخرى، ومثل منع زواج بنت العم في "فرنسا" فهذا إجراء صواب وهو ضمن أوجه الاحتمالات الشرعية، وكذلك منع النقاب على النساء ، أو منع غطاء الرأس، أو منع إرخاء اللحية للرجال، أو منع لباس الجلابية للرجال في المؤسسات الاجتماعية...الخ، فكل ذلك هو حركة الدولة في حقل المباح ، وهذا حقها، والقاعدة التي ذكرتها لك هي من أهم القواعد القرءانية المتعلقة بالتشريع  ( الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما أتى في النص عيناً أو استنباطاً، ولا يُطبق المباح إلا مقيداً)، والحرام والحلال متعلقان بالدين ، والمنع والسماح وفق دائرة المباح متعلقان بالدولة.

والأحكام الثابتة في القرءان المتعلقة بحركة الفرد في المجتمع المتبناة من قبل الدولة تُلزم الفرد ويُحاسب عليها قانوناً وليس دينياً ، ولا علاقة للدولة باليوم الآخر أو الجنة أو النار.

وما ذكرته حضرتك من نقاط أو قواعد متعلقة بالدولة أنا أوافق عليها كاملة (مع تحفظي على استخدام مصطلح الديمقراطية) وهي:

  1- مبدأ المواطنة، وحق المشاركة والاختيار على أساس المساواة.

 2-مبدأ حق تقرير المصير وحق الاعتقاد الحر ، بما فيه رفض الاعتقاد، وحق ممارسة الطقوس، وحق التعبير العلني على أساس المساواة والعدالة.

 3- جهاز الدولة يملكه المجتمع لصالح جميع المواطنين في الرقعة الجغرافية ، بالقدر ذاته ، والحقوق ذاتها على أساس العقد الاجتماعي.

 4-احترام حقوق الإنسان، ومكافحة التمييز على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو القومية أو الاعتقاد.

أما قولك: إذا كان منهجك يحترم هذه النقاط عندها لا يمكن إقامة أحكام القرآن حسب رؤيتك لها.

فأنا أخالفك في ذلك تماماً، فأنا أحترم هذه النقاط، بل وأدعو إليها ، وأزعم أن هذه النقاط هي قرءانية في الأصل، وهي قواعد عامة لابد لها من تفصيل حسب رؤية المجتمع.

والدولة لا يحق لها أن تُحرم شيئاً أباحه الخالق للناس، وإنما يحق لها أن تمنع ممارسة مباح أو تقيده حسب وجهة نظر القوى الثقافية والعلمية في المجتمع، وتحقق ذلك بالآلية التي تراها مناسبة أو ممكنة، فالأمر يتعلق بثقافة المجتمع ومستواه. ومن الشيء الطبيعي أن لاتقترب الدولة من الأمور الشخصية ، أو من الأمور التي لم تظهر في المجتمع.

فالدولة ليست أخلاقية، وإنما تقوم على القيم والأخلاق بجانب العلم والنهضة، ولو لم يكن الأمر كذلك لصارت الدولة وسلطتها السياسية مؤسسة لقطاع الطرق وعصابات المافيا!

   فالدين للناس، والدولة للمجتمع، والسلطة السياسية محكومة بالدولة، والحساب الآخروي لله.

 

  فأنت حر في عقيدتك وشخصيتك ورأيك ولكن ملزم بطاعة القانون في دولة المدنية والإنسانية والعلمية سواء رضيت أم لم ترض، أحببت أم كرهت طالما أنك تنتمي إلى هذا المجتمع، أو تعيش على أرضه.

وهذا مطبق في كل دول العالم كل حسب ثقافته،فالمشكلة في الثقافة، فالإنسانية تعاني من أزمة ثقافية حادة جداً! وخاصة الأمة الإسلامية.

  وتقبل تحياتي ممزوجة بالمودة والحب والياسمين الدمشقي

 

       وهذا رابط لبعض كتبي وتجد بينهم " مسودة مشروع ثقافي راشدي نهضوي" للاطلاع عليه مشكوراً

http://www.4shared.com/dir/35140712/90470b58/sharing.html

 

اجمالي القراءات 21222