المتاجرين بالسنة الشريفة
رد المهندس عدنان الرفاعي على المتاجرين بالسنة الشريفة

thewaytotruth thewaytotruth في الأربعاء ١٦ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

   رد

   المهندس عدنان الرفاعي

   على المتاجرين بالسنّة الشريفة

   المهندس عدنان الرفاعي

   برنامج المعجزة الكبرى تناول مسائل قرآنيّة ، من بدايته إلى نهايته ، وتم فيه عرض الكثير من المسائل القرآنيّة ، ببراهين قرآنيّة ، وفي هامش العرض تم التعرّض لبعض الروايات بشكلٍ جانبيٍّ ، ومن باب التعلّق بالمسا&AECcedil;لمسائل القرآنيّة المعروضة .. ولم يُعَد هذا البرنامج لعرض ما يتعلَّق بالسنّة الشريفة ، فشرح السنّة الشريفة وما يتعلّق بها ممّا يسمّى بعلوم الحديث ، يحتاج لبرنامج خاص يتمُّ فيه البرهان على حقيقة جزئيات ما يسمونه علوماً ، خطوة خطوة من المقدّمات باتّجاه النتائج ..

   ومن الطبيعي أن يقيم الدنيا ولا يقعدها من يعتبرون العقل والمنطق عدواً لا بدَّ من محاربته ، ومن الطبيعي أن يفتري هؤلاء علينا ، فمن يفتري على الله تعالى وعلى كتابه الكريم وعلى النبي ( ص ) ، من الطبيعي أن يفتري علينا ، وأن يقوّلنا ما لم نقل ، انتصاراً للأباطيل التي تمَّ افتراؤها على منهج الله تعالى ..

   والذين جنّدوا أنفسهم للافتراء علينا وعلى برنامج المعجزة الكبرى من الظلاميين التكفيريّين كثر ، ومن هؤلاء مدعو اسمه : مازن السرساوي ، يقدِّم نفسه عالماً بالحديث ، ينطق بكلمات بذيئة تعبر عن حقيقة ما بداخله من فهم مشوَّه لمنهج الله تعالى ، وتعبِّر عن ابتعاده عن الأخلاق التي يحملها كتاب الله تعالى والسنّة الشريفة للنبيِّ ( ص ) التي يزعم أنَّه ناطقٌ رسميٌّ باسمها ، مخرجاً من جيوبه تهماً باطلة يُلقي بها جزافاً علينا ..

   .. فهذا الرجل يعتقد – شأنه شأن كلّ أصحاب المنهج التراثي الجمعي المبني على محاربة العقل – أنَّ الروايات التي صحَّحها بعض السابقين في بعض العصور هي عين السنّة الشريفة ، وأنَّه علينا أن نطلِّق عقولنا وأن نعتقد – مثله – أنَّ حديث آحاد يمكنه أن ينسخ حكماً قرآنيّاً ، وأنَّه علينا أن نعتقد بأنَّه عالمٌ ربّانيٌّ مختّصٌ لا ينطق إلاَّ بالحقيقة ، وبالتالي لا بدَّ أن نقفز فوق قواعد اللغة العربيّة وثوابت العقل والمنطق كي نصدِّق كلَّ ما يقول ، وقبل كل ذلك علينا أن نقفز فوق دلالات كتاب الله تعالى ، فقط لأنَّه يعتبر نفسه عالماً ربّانيّاً مختصّاً ..

   .. ففي لقاء له في قناة الحكمة مع وسام عبد الوارث ، قال وبالحرف الواحد :

   [[ هؤلاء الحمقى ليس فيهم واحد متخصّص ، ثم هم ينكرون على أهل الاختصاص ، رجل طبيب رجل مهندس ولاّ لواء في السلطة ولاّ في الجيش ولاّ في أي اختصاص آخر ]] ..

   بالنسبة لكلمة الحمقى أدع الردَّ عليها لكلِّ إنسانٍ فيه أخلاق وأدب واحترام لنفسه وللآخرين ، ولا أطالبه بالاعتذار ، لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه ، ويدّعيه ، فمن يعتقد أنَّ الآخر – مهما كان – هو ضال وربّما كافر ، لا تجدي معه أساليب الحكمة والمنطق ، ومن يدعو لتطليق العقل والمنطق لا تنفع معه كلّ نداءات العودة إلى آيات كتاب الله تعالى التي تأمر بالتدبّر والتعقّل ..

   .. أمّا بالنسبة لكلمة متخصّص فهي كلمة يستخدمها هؤلاء لذر الرماد في أعين العوام .. ففي المناهج التراثيّة الجمعيّة المبنيّة على تطليق العقل وعلى محاربة المنطق تصف كلمة مختص إنساناً تمَّ غسل دماغه ، وملؤه بجزئيّات من الموروثات المتناقضة ، بحيث لا يُدرك هو حقيقة هذه الجزئيّات .. كلُّ ما يُدركه هو أنَّ العقل عدوٌّ له ، ولا بدَّ من محاربته بكلِّ الإمكانيات الممكنة ..

   كلامنا هذا قد يراه بعضهم تحاملاً وضرباً من الخيال .. ولكن حينما نطّلع على بعض ما يعتقده هؤلاء سنرى ذلك بأمِّ أعيننا .. ولنأخذ مثالاً نبيّن به صحّة ما نذهب إليه ..

   .. كل عاقل مؤمن بكتاب الله تعالى وبعدالة الله تعالى وبحقيقة الامتحان في هذه الدنيا ، يعتقد أنَّ الإنسان لا يمكن أن تُوضَع ذنوبه على أيِّ إنسانٍ آخر .. ويتأكَّد اعتقاده هذا بقوله تعالى (( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى )) [ النجم : 39 ] ، وبقوله تعالى (( هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) [ النمل : 90 ] ، وبقوله تعالى (( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) [ الإسراء : 15 ] ، وبغيرها الكثير من آيات كتاب الله تعالى ..

   وهذا الإنسان العاقل المؤمن بكتاب الله تعالى ، وبأنَّ النبيَّ ( ص ) لا يمكن أن يخالف أحكام كتاب الله تعالى ، وبأنَّ ذنوب الإنسان يحملها ذات الإنسان ، ولا يحملها إنسان آخر غيره ، مشكلته – عند مازن السرساوي وأمثاله – أنَّه ليس مختصّاً ، فيصاب بالصدمة والذهول حينما يسمع الحديث التالي :

   مسلم ( 4971 ) :

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِيُّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا قَالَ أَبُو رَوْحٍ لَا أَدْرِي مِمَّنْ الشَّكُّ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ أَبُوكَ حَدَّثَكَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَعَمْ

   .. حسب ما يُفترى من قِبَل بعض السابقين في هذا الحديث على السنّة الشريفة الطاهرة ، فإنَّ أُناساً من المسلمين ذنوبهم أمثال الجبال يتمُّ غفرانها ووضعها هي ذاتها على اليهود والنصارى .. نعم هي ذاتها .. فالعبارة [[ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]] نرى أنَّ الضمير في كلمة [[ فَيَغْفِرُهَا ]] يعود على الذنوب التي هي أمثال الجبال ، ونرى أنَّ الضمير في كلمة [[ وَيَضَعُهَا ]] يعود أيضاً إلى ذات الذنوب ، ولا يعود إلى ذنوبٍ أُخرى اقترفها أولئك اليهود والنصارى .. هكذا يفهم من هذه الرواية كلُّ عاقل يُدرك الحدَّ الأدنى من قواعد اللغة العربيّة ..

   ولكنَّ مُشكلة هذا المواطن العاقل المؤمن بكتاب الله تعالى وبنقاء النبيِّ ( ص ) وطهارته ، مُشكلته – عند مازن السرساوي وأمثاله – أنَّه ليس مختصَّاً ، وبالتالي مُشكلته أنَّه من الصعب عليه أن يُطلِّق عقله ويقتنع أنَّ النصَّ التالي من كتاب صحيح مسلم بشرح النووي ، فيما يخصّ تفسير هذا الحديث ، هو نصٌّ له علاقة بالحديث الذي هو شرح له :

   [[ قوله : ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ) فمعناه : أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين , ويسقطها عنهم , ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم , فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين , ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقوله : ( ويضعها ) مجاز والمراد : يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه ، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتِهم , وأبقى على الكفار سيئاتِهم , صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي , وهو إثمهم , ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سببٌ فيها , بأن سنّوها فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى , ويوضع على الكفار مثلها , لكونهم سنّوها , ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها . والله أعلم ]]

   .. إذا كانت روايةُ الحديث تقول : [[ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]] .. فالذنوب التي تُوضَعُ على اليهود والنصارى هي ذاتُها الذنوب التي مثلُ أمثالِ الجبال والتي اقترفها المسلمون ، وذلك بدليل الضمير المتّصل في كلمة [[ وَيَضَعُهَا ]] ، أي يضع الذنوبَ ذاتَها التي تمّ غفرانُها .. فما يتعلّقُ به هذا الضمير هو ذاته ما يتعلّقُ به الضمير المتّصل في كلمة [[ فَيَغْفِرُهَا ]] ..... فالعبارة الواردة في هذا الحديث [[ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]] ، تعني الذنوبَ ذاتَها ولا تعني أبداً ما نراه في تفسير هذه الرواية ..

   .. والعبارة الواردة في تأويلِهم : [[ ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ]] ، كان من المفروض أن تكون على الشكل : [[ ولا بُدَّ من القوْلِ بعدمِ صحّةِ هذه الرواية إيماناً واحتراماً لقوْلِه تعالى (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) ]] ..

   .. والعبارة الواردة في شرحهم : [[ ولا بد من هذا التأويل ]] ، تُبيِّنُ بما لا يقبل الشك أنَّ تأويلاتِهم هذه والتي يسمّونها علماً تضع نتيجةً مُسبقةَ الصنع ، هي أنَّ هذه الروايات صحيحة ، مهما بلغت مخالفتها لكتاب الله تعالى ولثوابت العلم والعقل والمنطق واللغة ، ومهما بلغت درجة التناقض بينها ، وأنَّه ما على تأويلهم إلاّ خلق التبريرات لإيهام الناس أنَّها كلَّها صحيحة ..... فالعبارة الواردة في تأويلِهم : [[ ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى : (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) ]] ، تؤكّدُ أنَّ المؤوِّل ذاته يعلم – في نفسه – أنَّ هذه الرواية تناقضُ كتابَ الله تعالى وثوابت اللغة ..

   .. ولو طلّقنا عقلنا وقبلنا بتأويلِهم هذا .. فلماذا اليهود والنصارى دون غيرِهم [[ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]] ، لماذا لا تُوزَّعُ ذنوبُنا على المجوس والبوذيين وغيرِهِم من أصحاب الديانات الأخرى ؟!!!!!!! .. فهل لا يُحاسبُ يومَ القيامة إلاّ نحن واليهود والنصارى ؟!!! .. طبعاً المسألةُ مسألةُ رواياتٍ لا أساسَ لها من الصحّة ، ووُضِعَت لهدفٍ واحدٍ هو الإساءةُ لمنهجِ الله تعالى ...

   .. هذه الحقيقة تتأكّدُ معنا حينما نسمعُ الرواية التالية :

   مسلم ( 4969 ) :

   حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ

   .. وهذا نصٌّ مقتطعٌ من كتاب صحيح مسلم بشرح النووي ، فيما يخصّ تفسير هذا الحديث :

   [[ فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره . معنى ( فكاكك من النار ) أنك كنت معرَّضاً لدخول النار , وهذا فكاكك ; لأن الله تعالى قدَّر لها عدداً يملؤها , فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين ]]

   .. كيف يكون معنى العبارات : [[ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ ]] ، ما نراه من تأويلٍ لا علاقةَ له بمتن هذه الرواية لا من قريبٍ ولا من بعيد ؟!!! .. أليست العبارة المُفتراة على الرسول ( ص ) : [[ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ]] ، تعني كُلَّ مسلمٍ ، وبالتالي تشمل جميعَ المسلمين .. وهل جميعُ المسلمين يقومون بالذنوب والمعاصي نتيجةَ إملاءٍ عليهم من اليهود والنصارى ؟!!! ... وحتّى لو طلّقنا عقلنا وتصوَّرنا مثل هذه الأوهام ، فهل المسلمون – في هذه الحالة المُتخيَّلة – هل تسقطُ عنهم تلك الذنوب ويخرجون أبرياء على الرغم من قيامِهم بذنوبِهم تلك بسبب أنَّ اليهود والنصارى أوعزوا إليهم باقتراف تلك الذنوب ؟!!! ..

   .. من الواضح وضوح الشمس وسط النهار أنّ تأويلاتِهم لا تهدف إلاّ إلى ذرِّ الرماد في الأعين ، لتغطية الحقيقة الجليّة التي يُدركُها كلُّ مؤمن بكتابِ الله تعالى وبعدالةِ الله تعالى باحثاً عن الحقيقة ، وهي أنَّ مثلَ هذه الروايات موضوعة .. وهذا ما يتأكّدُ لدينا في الرواية التالية :

  مسلم ( 4970 ) :

   حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ عَوْنًا وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً قَالَ فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَحَلَفَ لَهُ قَالَ فَلَمْ يُحَدِّثْنِي سَعِيدٌ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى عَوْنٍ قَوْلَهُ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ عَفَّانَ وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عُتْبَةَ

   .. إنّنا نرى في هذه الرواية أنَّ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ يستحلفُ الراوي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وفي هذا بيانٌ لكلِّ باحثٍ عن الحقيقة أنّ عمرَ بن عبد العزيز كان شاكّاً في هذه الرواية من أساسها .. أمّا المؤوّلون الذين تعنيهم هذه الروايات أكثرَ بكثير ممّا يعنيهم كتاب الله تعالى ، فلا شكَّ أنّهم سيؤوّلون غيرَ ذلك .. لننظر في النصِّ التالي المُقتَطَع من كتاب صحيح مسلم بشرح النووي ، فيما يخصّ تفسير هذا الحديث :

   [[ قوله : ( فاستحلفه عمر بن عبد العزيز أن أباه حدثه ) إنما استحلفه لزيادة الاستيثاق والطمأنينة , ولما حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين , ولأنه إن كان عنده فيه شك وخوف غلط أو نسيان أو اشتباه أو نحو ذلك أمسك عن اليمين , فإذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور , وعرف صحة الحديث , وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي - رحمهما الله - أنهما قالا : هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين , وهو كما قالا لما فيه من التصريح بفداء كل مسلم , وتعميم الفداء ولله الحمد ]]

   .. العبارة : [[ فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]] ، من الحديث ، أوّلوها بأنَّ ذلك الاستحلاف كان لِمَا حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين .. وبدلاً من القول بأنَّ متنَ هذه الرواية يُخالفُ كتابَ الله تعالى ومبدأ العدالة الإلهيّة والعقلَ والمنطقَ ، وأنَّ هذا الاستحلاف إنّما كان نتيجةَ شكٍّ في هذه الرواية ، بدلاً من ذلك قالوا : [[ هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين , وهو كما قالا لما فيه من التصريح بفداء كل مسلم , وتعميم الفداء ولله الحمد ]] ..

   .. إذاً .. فلله الحمد .. كلُّ مُسلم مهما فعل من الذنوب والمعاصي سيفديه الله تعالى بيهودي أو نصراني ، محمّلاً ذنوبَه على ذلك اليهودي أو النصراني !!! .. هكذا تقول هذه الرواية المفتراة على الرسول ( ص ) دون أن نضيف لها معاني من جيوبنا .. فحسب هذه الرواية المفتراة ، كلّما فعلنا من الذنوب ما هو أكثر كلّما أغرقنا اليهود والنصارى في نار جهنّم !!!! .. فذنوبنا يوم القيامة تُحمَّل عليهم !!! .. وهذا نموذجٌ يُظهرُ كيف تحلُّ الروايات مكان دلالات كتاب الله تعالى في فكر الكثيرين ، وفي عقيدتِهم ..

   .. هذا هو الاختصاص الذي نحن لسنا من أهله ، والذي يريدنا أهله أن نطلِّق عقولنا كي نقبل مثل هذه الروايات ، والذي نرجو الله تعالى ألاَّ يجعلنا من أهله ، ولا يجعل أيَّ إنسان نقيٍّ صادقٍ مع الله تعالى ونفسه من أهله ..

   يتهموننا بأنَّنا ننكر السنّة الشريفة فقط لأنَّنا نعتقد أنَّ النبيَّ ( ص ) بريء من مثل هذه الافتراءات ، وفقط لأننا نأبى أن نقفز فوق ثوابت كتاب الله تعالى وثوابت اللغة العربيّة والعقل والمنطق .. يتّهموننا بأنَّنا ننكر السنّة الشريفة ذرّاً للرماد في أعين العامّة ، وهم يعلمون أنَّنا لم ننكر حجيّة السنّة الشريفة في يومٍ من الأيام ، وأنَّ المشكلة هي في ثبوت الرواية وليس في حجيّة السنّة الشريفة ..

   نحن أيها المختصّون بإنكارنا لمثل هذه الروايات لا ندافع عن اليهود ولا عن النصارى ولا عن المجوس ولا ولا ولا كما تفترون علينا ... نحن بإنكارنا لمثل هذه الروايات إنما ندافع عن منهج الله تعالى .. نحن بإنكارنا لمثل هذه الروايات إنما ندافع عن النبيّ ( ص ) وعن سنته الشريفة .. وندافع أيضاً عن عقولنا وعن هويتنا كبشر أحرار نتميز عن الحيوانات بتلك العقول ..

   هذه الروايات وشرحها نموذج من الاختصاص الذي يريدون فرضه على الأمّة ، فحتى تكون مختصاً لا بدَّ أن تترك المنطق فتعتقد أنَّ هذه الروايات صحيحة ، ولا بد أن تطلّق عقلك فتعتقد أنَّ تلك الشروح ملتزمة بالصياغة الحرفيّة للروايات المشروحة ، حتى تكون مختصّاً لا بد أن تقفز فوق قواعد اللغة العربيّة ، وإلاَّ ستتهم بأنّك ليس مختصّاً وبأنّك تخالف علم أصول الحديث وبأنّك مثل المهندس عدنان الرفاعي وغيره ممن لا يقبلون النقائص على منهج الله تعالى وسنّة نبيه ( ص ) ، عملاً بقوله تعالى (( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )) [ الإسراء : 36 ] ..

   .. ولنأخذ مثالاً آخر لنرى ما هو العلم الذي يريدوننا أن نختصَّ به ، وكيف أنَّه يُحظر على غير المختص بهذا العلم أن يتكلَّم معبراً عما يعتقد ..

   هناك بعض الروايات تُسيءُ لكتابِ اللهِ تعالى .. فالقرآنُ الكريمُ ذاتُه لم يَسْلَمْ من الدسّ الذي يهدف إلى الإساءة له ، وإلى زرع الشكّ في النفوس بأنّه ليس من عند الله تعالى .. لننظر إلى الحديث التالي :

   مسلم (4504) :

   حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا نَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَنَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا يَوْمًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَقَدْ ذَكَرْتُمْ رَجُلًا لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَبَدَأَ بِهِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ

   .. إذاً .. وفق هذه الرواية ، يُعَدُّ عبدُ الله بن مسعود مرجعاً لأخذ القرآن الكريم منه ، بل يُعدُّ المرجعَ الأوّلَ وفق هذه الرواية ، حيث بدأ به الرسول ( ص ) : [[ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَبَدَأَ بِهِ ]] .. وحسب الرواية التالية يتأكّدُ لدينا أنَّ عبد الله بن مسعود مرجعٌ أوّلٌ لأخذ القرآن الكريم منه :

   مسلم (4503) :

   حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا قُطْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ

   .. هل من الممكن لعاقل أن يتصوَّرَ بأنَّ هذا المرجعَ الأوَّلَ لأخذ القرآن الكريم منه ، والذي يقول : [[ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ]] .. هل من المعقول أنّه لم يعلم بوجود سورتين كاملتين في كتاب الله تعالى .. هذا ما تقولُهُ الروايات التي يحاولون رفعَها إلى مستوى كتابِ الله تعالى ، والتي يُكفَّر من لم يُطلِّق عقله فيعتقد أنَّها صحيحة وأنَّ بعضها يملك صلاحية نسخ بعض أحكام كتاب الله تعالى ... لننظر إلى الحديث التالي :

   البخاري (4594) :

   حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

   البخاري (4595) :

   حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ح وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أُبَيٌّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي قِيلَ لِي فَقُلْتُ قَالَ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

   .. القولُ المنسوب إلى ابن مسعود في هذه الرواية [[ كَذَا وَكَذَا ]] ، يعني أنَّ المعوّذتين ليستا من كتابِ الله تعالى .. هذا الكلام لا نأتي به من جيوبنا ، إنّما نأتي به من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، وهو كتابٌ له اعتباره عند أهل الحديث ، إذ يقول – فيما يخصّ هذا الحديث – وبالحرف الواحد :

   [[ قوله : ( يقول كذا وكذا ) هكذا وقع هذا اللفظ مبهما , وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً له . وأظن ذلك من سفيان فإن الإسماعيلي أخرجه من طريقي عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام , كنت أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه " قلت لأبي إن أخاك يحكها من المصحف " وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في " المستخرج " وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه . وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ " إن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه " وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ " إن عبد الله يقول في المعوذتين " وهذا أيضا فيه إبهام , وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال " كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله . قال الأعمش : وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي , وقد أخرجه البزار وفي آخره يقول " إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما " قال البزار . ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة . ]] ..

   ولنتابع ما يقوله ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري :

   [[ وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب " الانتصار " وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال : لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر إثباتهما في المصحف , فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئاً إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه , وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك , قال : فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآنا . وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها : ويقول إنهما ليستا من كتاب الله . نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور . وقال غير القاضي : لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيتهما , وإنما كان في صفة من صفاتهما انتهى . وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي . ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع . وأما قول النووي في شرح المهذب : أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن , وأن من جحد منهما شيئاً كفر , وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح , ففيه نظر , وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل " المحلى " : ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل . وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره : الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل . ]] ..

   ولنتابع ما يقولُه ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري :

  [[ وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال : إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرها , وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر . قال : وهذه عقدة صعبة . ]]

   .. هذه مقتطفات مُنتقاة من شرح هذه الرواية .. إذاً .. فهمنا لصياغة هذه الرواية في صحيح البخاري هو فهمٌ صحيح ، وهو أنَّ ابن مسعود كان يقول : إنَّ سورتي المعوِّذتين ليستا من كتابِ الله تعالى .. وإذا نظرنا في ذات الرواية الواردة في مسند أحمد ، فسيظهرُ لنا هذا الدسُّ بشكلٍ جليّ ..

   مسند أحمد (20244) :

   حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ قُلْتُ لِأُبَيٍّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ فَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ لَكُمْ فَقُولُوا قَالَ أُبَيٌّ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نَقُولُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ قَالَ أُبَيٌّ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نَقُولُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِمِثْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيًّا عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ إِنِّي سَأَلْتُ عَنْهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقِيلَ لِي فَقُلْتُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نَقُولُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقُلْتُهَا فَقَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ

   مسند أحمد (20245) :

   حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ الْأَعْمَشُ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَأَلْنَا عَنْهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقِيلَ لِي فَقُلْتُ

   .. نحن نعلم أنّه تُوجَدُ روايات تؤكّدُ أنَّ المعوِّذتين من القرآن الكريم ، وإيمانُنا بأنَّ المعوِّذتين من القرآن الكريم ليس من هذه الروايات .. أبداً .. نحن نؤمن بأنّهما من كتاب الله تعالى نتيجةَ إيماننا بالقرآن الكريم الذي تكفّلَ الله تعالى بحفظه .. ولكنَّ المسألةَ مسألةُ تقييم بعض الروايات التي دُسَّت خلال التاريخ للإساءةِ إلى منهجِ الله تعالى .. المسألةُ مسألةُ دراسةٍ موضوعيّة على ضوءِ كتابِ الله تعالى ، لرواياتٍ يرفُعها الكثيرون إلى مُستوى المُقدَّس ..

   .. إنّنا نرى الدسَّ واضحاً جلياً في هذه الروايات التي أتتنا نتيجةً لتطبيق ما يُسمّى بعلوم الحديث الذي يحسبونه نصوصاً مُقدّسة .. فالعبارة : [[ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ]] ، عبارةٌ واضحةٌ جليّةٌ لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ ولا إلى تأويل ..

   .. والعبارة : [[  قَالَ قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقُلْتُهَا فَقَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]] .. لا تقلُّ إساءةً عن العبارة الأولى ، بل هي أكبرُ إساءة ، فأُبيٌّ – حسبَ صياغةِ هذه الرواية – لم يُنكرْ على ابن مسعود عدمَ كتابةِ المعوِّذتين في مصاحفه ، في إجابته على السؤال : [[ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ ]] .. وبدلاً من أن يجيب بالقول : لا هذا غيرُ صحيح ، إنَّ المعوِّذتين من كتابِ الله تعالى ، وبدلاً من أن يُجيب بالتبريرات التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، ولا وجود لها في صياغة هذه الأحاديث ، والتي يُلبّسها عابدو أصنام التاريخ بغية ذرِّ الرماد في الأعين للإيهام بصحّةِ هذه الروايات .. بدلاً من ذلك .. راح يُصوِّرُ سورتي المعوِّذتين على أنّهما دعاءٌ كدعاءِ الاستسقاء .. هكذا يفهم من صياغة هذه الروايات كلُّ إنسانٍ يُدركُ الحدَّ الأدنى من قواعد اللغة العربيّة .. والأهم من كلِّ ذلك هو نسبُ ذلك إلى الرسول ( ص ) ، وكلُّ ذلك من خلال رجال يقول الرسول ( ص ) خذوا القرآن منهم .. فأيُّ إساءةٍ وأيُّ دسٍّ وأيُّ مهزلة هذه المهزلة التي نراها بأمِّ أعيننا ؟!!! ..

   .. وهنا نتوجّه بالسؤال إلى كُلِّ من يحملُ في قلبه ولو ذرّةَ إيمانٍ بكتابِ الله تعالى ، فنقولُ له : هل هذه الروايات تُعدّ سنّةً يُكفّرُ من لا يُؤمن بها ؟!!! .. ومن الذي يُدافعُ عن السنّة الشريفة ؟!!! .. هل هم ( المختصّون ) الذين يُقرّون بصحّتها ، أم هم الذين يقولون بأنّها موضوعة من أمثالنا ؟!!! .. وهل انتماء مثل هذه الروايات للكتب التي يُقال إنّها كلَّها صحيحة ، هل هذا الانتماء يجعلُنا نُطلّقُ عقولَنا ونصدّقُ مثل هذه المزاعم ؟!!! .. ومَن العميل الذي يُنفِّذ أجندات خارجيّة ( على حدِّ قول مازن السرساوي وعبد الملك الزغبي وأمثالهما ) ؟ !!! .. أليست مصلحة أعداء الأمّة هي ما يذهب إليه هؤلاء من جعل هذه الروايات ( التي لا تحمل لمنهج الله تعالى إلاّ الإساءة ) نصوصاً مقدَّسة ، لكي تكون مبرّراً يطعن من خلاله أعداء الأمّة بكتاب الله تعالى وبالسنّة الشريفة .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   إذا كانَ من يُوصي الرسولُ ( ص ) بأخذ القرآن منه ، ومن يقولُ في الصحاحِ ذاتِها : [[ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ]] .. إذا كان لا يعلم انتماء سورتين من كتابِ الله تعالى إلى كتابِ الله تعالى ، فكيف إذاً نستطيعُ أنْ نثقَ بأيِّ روايةٍ أُخرى في هذه الصحاح ، تنقل لنا جزئيّاتٍ تاريخيّةٍ لمْ يسمعْها إلاّ أناسٌ مُحدَّدون ؟!!! ..

   وكيف بنا أن نُطلِّقَ عقولَنا لنقبلَ تأويلَهم الذي رأيناه : [[ لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن ، وإنما أنكر إثباتَهما في المصحف ]] ، هل هذا التأويلُ الذي لا يلقى أساساً له وقبولاً إلاّ في مخيّلةِ من طلّقَ عقله وكفر بقواعد اللغة العربيّة .. هل هذا التأويل يتماشى مع العبارات الواردة في هذه الروايات : [[ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ]] ؟!!! .. حتى نُصدِّقَ تأويلَهم هذا ، هل علينا أنْ نتخيّلَ القرآنَ الكريمَ كتاباً آخر يختلفُ عن كتابِ الله تعالى ؟!!! .. وهل هذا التأويل من المُمكن أنْ تُطلقَ عليه صفةُ العلم ؟!!! .. وهنا أيضاً نتركُ الإجابةَ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   هذا هو الاختصاص الذي يطلبونه منّا ، لدرجة أصبحت فيه كلمة مختص تعني فنّاناً في القفز فوق ثوابت العقل والمنطق ، وفنّاناً في الالتفاف على الصياغة اللغويّة للنصوص ، سواء نصوص كتاب الله تعالى أم نصوص الروايات ..

   ولمعرفة المزيد من حقيقة علومهم التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .. لننظر في الحديث التالي ، والذي عرضناه في برنامج المعجزة الكبرى على هامش عرضنا لمسألة الناسخ والمنسوخ المزعومة ..

   أحمد ( 25112 ) :

   حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْراً فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا

   .. حسبَ بعضِ رواياتِهم التي يسمّونها بالسنّةِ الشريفةِ ، ويكفِّرون من لا يؤمن بها ، حسبَ هذه الروايات ، القرآنُ الكريمُ تأكلُهُ الدواب !!! .. فبعضُ الأحكام التي يريدونَ جعلَها جزءاً من المنهج ، ولا نصوصَ لها في كتاب الله تعالى ، يجعلون لها نصوصاً في بطونِ الدواب ، وإلاَّ كيف بنا أن نفهمَ العبارات الواردة في هذه الرواية : [[ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا ]] ...

   وهم بذلك يقدّمون كتابَ الله تعالى الذي بين أيدينا والذي تكفّل عزَّ وجلَّ بحفظه ، يقدِّمونَه على أنّه أقلُّ من الكتاب الذي نُزّلَ بين يدي الرسول ( ص ) ، بمقدار تلك النصوص التي أكلتها تلك الدويبة ، وبمقدار النصوص التي يزعمون أنّها نُسخَ خطُّها !!! ..

   .. ومع كلِّ ذلك .. يزعمون أنّهم بإقرارِهم لهذه الروايات إنّما يدافعون عن السنّة الشريفة وعن كتاب الله تعالى !!! .. ويزعمون أنّنا بإنكارنا لِمثلِ هذه الرواية كونها تستحيل عليها الصحّة ، إيماناً بقولِه تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) إنّما نهدف لهدم السنّة الشريفة !!! .. يذرّون الرماد في أعين البسطاء من العوام ، أنّنا بهذا الإنكار لهكذا روايات موضوعة إنّما نُنكرُ السنّةَ الشريفةَ كمقدّمةٍ لإنكارِ كتابِ الله تعالى !!! ..... نتركُ الفصلَ بيننا وبينهم في معرفةِ من منّا يتَّبعُ الحق ، ومن منا يُؤمنُ بحفظِ الله تعالى لكتابه العزيز .. نترك الفصل بيننا وبينهم في ذلك لله تعالى ، ومن بعدِه لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد ..

   .. وإساءات رواياتهم التي يقدِّمونها نصوصاً مقدَّسة ، طالت – أيضاً – شخص النبيِّ ( ص ) ، الذي يزعمون أنَّهم يدافعون عن سنّته الطاهرة .. لننظر في الرواية التالية :

   أحمد ( 13478 ) :

   حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِامْرَأَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا لِيَقْتُلَهُ فَوَجَدَهُ فِي رَكِيَّةٍ يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَه مِنْ ذَكَرٍ

   مسلم ( 4975 ) :

   حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ اخْرُجْ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ

   .. كم تحملُ هذه الرواية الموضوعة من إساءةٍ للنبيّ ( ص ) ، ولأزواجه ؟ !!! .. كيف يُطْلِقُ النبيُّ ( ص ) حكماً بقتل إنسانٍ بريءٍ لمجرّد تهمةٍ غيرِ ثابتة ، وهو الذي نَزَلَ عليه قولُ الله تعالى :

   (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )) [ الحجرات : 6 ]

   .. حسب هذه الرواية الموضوعة ، ألم يُصدِّقُ النبيّ ( ص ) الفاحشةَ على نسائه بدليلِ ما يُنسَبُ إليه أنّه قال لعليٍّ : [[ اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ]] ؟ .. حسب هذه الرواية الموضوعة ، ألم تذهب عنق هذا الرجل المجبوب في خبر كان لو لم يكن يتبرّد ؟ .. وأيٌّ تأويلٍ يمكننا قبوله بعدما نقرأ صياغةَ هذه الرواية ؟!!! ، فالنبيّ ( ص ) لا يعلمُ الغيب كما يُخبرنا اللهُ تعالى في كتابه الكريم ، وبالتالي فعنقُ هذا الرجل كانت بحكم المقطوعة لو لم يكن يتبرّد ، وكذلك فإنّ عِرضَ نساء النبي ( ص ) الذي يتباكون عليه ليل نهار كان – أيضاً – في خبر كان لولا ذلك التبرّد .. فالنبيُّ ( ص ) لا يعلم الغيب بأنَّ علياً سيجد هذا الرجل فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا وسيقولُ له اخْرُجْ فيناوله يَدَهُ فيجده مجبوباً لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فيكفّ عنه ..

   .. وشرح هذه الرواية لا يُلامسُ حقيقةَ ما تحملُ صياغتُها اللغويّة من دلالات .. لننظر إلى شرح هذه الرواية في كتاب صحيح مسلم بشرح النووي :

   [[ ( باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة ) ذكر في الباب حديث أنس أن رجلا كان يتهم بأم ولده صلى الله عليه وسلم , فأمر علياً - رضي الله عنه - أن يذهب يضرب عنقه , فذهب فوجده يغتسل في ركي , وهو البئر , فرآه مجبوبا فتركه , قيل : لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر , وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا , وكف عنه علي - رضي الله عنه - اعتمادا على أن القتل بالزنا , وقد علم انتفاء الزنا . والله أعلم  ]] ..

   .. إنَّ العبارة الواردة في هذا الشرح : [[ قيل : لعله ]] تُبيّن لنا أنَّ هذا الشرح لا يتّكئ على أيِّ دليل يعتقدُه المؤوِّلُ ذاتُهُ ، لا من صياغةِ الرواية ، ولا من أيِّ طريقٍ آخر .. والعباراتُ التاليةُ للكلمتين [[ قيل : لعله ]] تؤكّدُ أنَّ هذا الشرح وُضعَ من أجل هدفٍ واحد ، هو عدمُ الاعتراف بعدمِ صحّة هذا الحديث ليس إلاّ .. [[ قيل : لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر , وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا , وكف عنه علي - رضي الله عنه - اعتمادا على أن القتل بالزنا , وقد علم انتفاء الزنا  ]] ..

   .. إن كان مستحقّاً للقتل بنفاقه لا بالزنا ، فلماذا نقرأ في بداية الرواية العبارة : [[ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ]] ؟!!! .. ولماذا كفّ عليٌّ عن هذا الرجل بمجرّد ما رآه مجبوباً ليس له ذكر : [[ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ اخْرُجْ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ ]] ؟ .. أليست العبارة [[ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ]] ، تؤكِّدُ أنَّ المسألةَ تتعلّقُ بعرض نساء النبيِّ ( ص ) وليس بأيِّ أمرٍ آخر ؟ ..

   .. وحتّى لو طلّقنا عقولنا وصدّقنا ما ورد في تأويلِ هذه الرواية ، فما علاقةُ عدمِ قتِله نتيجةَ انتفاءِ الزنا ، ما علاقة ذلك بنفاقِه ؟!!! .. أين هي العلاقة بين هاتين المسألتين في ظاهر صياغةِ هذه الرواية ؟!!! .. ثمَّ هل عقوبةُ النفاق هي القتل ؟!!! .. أليس القوْلُ بعدمِ صحّةِ هذه الرواية أفضلَ من تأويلِها تأويلاً لا تحملُهُ لا من قريب ولا من بعيد ؟!!! .. لكن المشكلة أنَّنا لسنا مختصّين كالسيد مازن السرساوي وأمثاله ، من الذين يضلّلون الناس صباح مساء على الفضائيّات وغيرها ، ليفرضوا عليهم روايات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، وما علم بها النبيّ ( ص ) ، متاجرين بالسنّة الشريفة ، عبر اللعب على أوتار الفتن الطائفيّة والمذهبيّة ..

   .. بعد عرضنا لهذه الروايات ، وبعد دفاعنا عن كتاب الله تعالى وعن النبيِّ ( ص ) وشرف نسائه وعرضهن وعن ثوابت العقل والمنطق وقواعد اللغة العربيّة ، يحقُّ لنا أن نلوم بعض الأخوة كالدكتور حسام عقل ، الذي خرج على قناة الرحمة ليقوِّلنا ما لم نقل ، فقد قال : [[ وعدنان الرفاعي هو الذي أباح للمطلَّقة أن تتزوَّج قبل أن تنتهي عدّتها ]]

   وعلى الرغم من أنَّ الأخ حسام عقل لم يخرج عن حدود اللياقة الأدبيّة في حديثه ، ولكنَّه قوَّلني ما لم أقل ، وهذا أمر ليس من الأمانة العلميّة في النقل .. ولا ألتمس له عذراً في ذلك ، فكان من الأولى له أن يتأكَّد من المعلومات التي وُضعَت بين يديه .. وأنا أقول له : ما قلتَه يا أخي ليس صحيحاً على الإطلاق ، فهذا الكلام يا أخي لم يخرج من فمي على الإطلاق ، ولا يوجد في أيِّ كتاب من كتبي ، ولم أسمع به إلاَّ منك .. وأتحدّى أن تُثبت صحّة قولك هذا ..

   .. أمّا بالنسبة لأمثال مازن السرساوي ومحمد الزغبي وأمثالهم ، فهم شيء آخر ، لا يتناهون عن لفظ الكلمات التي لا تليق بمن عنده ولو ذرّة تأدّب بكتاب الله تعالى .. لننظر في القول التالي الذي نطق به مازن السرساوي على قناة الحكمة الفضائيّة ..

   [[ بالقطع هؤلاء القوم موظَّفون مستأجرون لهدم الدين ، تتلاعب بهم أيدي خفيّة ، لا تخرج عن الأيدي الصهيونية العالمية ، التي تنظم هذا الإشكال الأكبر ، تتلاعب بكثير من الطوائف والقوى المنحرفة وتجمعها وتفرقها حيث تشاء لهدم الدين الحق ، وكما بيّنت أنَّ عامّة من يتكلّم بالسنّة مدعوم من قبل الشيعة ، إن لم يكن شيعيّاً فهو مغدق عليه من قبلهم موجَّه منهم لأنهم يهمهم بكل وسيلة أن يقضى على السنّة لأنَّها غصّة في حلوقهم وشجى في حلوقهم ، ولا يستطيعون إلى أهوائهم وبسط نفوذهم الخبيث على العالم إلاَّ إذا كسروا هذا الحاجز المنيع الذي تشكله السنّة وأهلها ، ولذلك فهم يدعمون كل هؤلاء المتكلمين بكل ما أوتوا من قوّة ، ولا ترى كلام هؤلاء المتكلمين يخرج عن كلام الشيعة ، يعني كلام هذا المتحدث الأخير المسمى بعدنان الرفاعي هذا كلامه كله هذا ....... ]]

   .. وهذه التهم الباطلة سمعنا مثيلاً لها من المدعو محمد عبد الملك الزغبي ، ومن غيرهم الكثير ممن يكيل لنا التهم الباطلة بكلمات لا يفهم هو ذاته معانيها .. فيتهمنا بأننا عملاء وأننا نأخذ الدولارات وأننا ننفذ أجندات خارجية ، متوّجاً اتهاماته الباطلة هذه بكلمات بذيئة لا تخرج من فم إنسان يستحي من الله تعالى .. ولننظر إلى قوله التالي بحرفيّته والذي نطق به الزغبي على فضائيّة الخليجيّة :

   [[ ييجيهم معونة ثابتة ثابتة ثابتة من الولايات المتّحدة في مركز معروف في مصر جداً جلّ همّه أن يدمّر في الإسلام وأن يفتت فيه ، لهم معونة ثابتة بالدولار معروفة عند الكبير والصغير وبتأتي في الصحف ، انتشر الأمر ، وصل إلى الشقيقة سوريا حتى ظهر منها من جاء ينكر السنّة وكيت وظهر على قناة دريم 2 وما شابه ذلك وهم وعدوني بالمناظرة معه ، بقت منظومة في كل الدول العربية ، بدأ الطرف الآخر يحتج بأقوال هؤلاء على أنَّهم إسلاميّون ، بقلك المفكّر الإسلامي فلان ، عندكم المفكّر الإسلامي فلان ، وهؤلاء ليسوا من المسلمين في شيء ، اللي بنكروا السنّة مطلقاً أجمع العلماء على كفرهم ، دُول أجراء مرتزقة ، عملاء ، مش كلهم طبعاً ، مش كلهم ، عشان محدش يقول خصني الزغبي ، ارفع قضية على الزغبي ، دُول اللي همة يطعنوا في السنّة في ديننا إلى آخره ، دي كلّها أمور مدفوعة الثمن ..... ]]

   إذاً نحن عند الزغبي كفّار ، ولكنّه يوهم فقط حتى لا تُرفَع عليه قضية ، ولولا ذلك لما أوهم ولكفّرنا بصريح العبارة ولأمر على الملأ بقتلنا ، فحقيقة ما يذهب إليه هو تكفيرنا والتحريض على قتلنا .. وأنا شخصيّاً كونه ذكرني في هذا اللقاء ، يكوني قد خصّني بإفتائه الميمون هذا ، والقضية بالنسبة له ليست خوفاً من الله تعالى ، إنّما هي خوف من إقامة الدعوى عليه ..

   وهنا أتوجَّه إلى كلٍّ محامٍ وقاضٍ وشريفٍ في هذا العالم لأقول له : هذه القضيّة أمانة بين يديك ، فهذه الاتّهامات هي تحريضٌ على القتل ، وإشاراتٌ للمشوَّشين فكريّاً من ضحايا هؤلاء .. وقد عرضَت فضائيّة (( الرحمة )) دعاية لبرنامج وضعت في مقدّمته مقاطع لي من برنامج المعجزة الكبرى ، وبعد ذلك صوراً وكلمات فيها تحريضٌ على القتل ، والدعاية موجودة على النت ..

   .. أقول لكلِّ هؤلاء ممن لا يرى الآخرين إلا أعداء يجب قتلهم والتخلص منهم : الذي ينفذ أجندات خارجية ويأخذ الدولارات لتمزيق الأمة هو من يظهر يومياً على الفضائيات لينثر الفتن المذهبية والطائفية والدينية بين أبناء الوطن الواحد ، فتمزيق أبناء الوطن الواحد ودفعهم إلى الاقتتال المذهبي والطائفي والديني ، عبر فرض لون فكري ومذهبي واحد ، على كل أبناء الأمة ، وتكفير من لم يصبغ نفسه بهذا اللون ، هو مطلب أعداء الأمة الذين يريدون تمزيق بلدانها ودفع أبناء الوطن الواحد إلى الاقتتال كما يحدث الآن في أكثر من بلد عربي وإسلامي ..

   كل ذلك هو أجندة أعداء هذه الأمة ، فالفكر الظلامي التكفيري الذي لا يرى إلا ما سجن نفسه في دياجيره ، والذي لا يؤدي في النهاية إلاّ إلى الاحتقان ومن ثم الاقتتال والإرهاب ضد أبناء الأمة ذاتهم قبل الآخرين ، هذا الفكر الذي جُرِّب وما زال في أكثر من بلد عربي ومسلم ، والذي يدعو هؤلاء الظلاميّون إليه ، هو من مزق الأوطان ، وهو من سلَّم بعض البلدان للذين يدفعون الدولارات لمن يدعوا إلى هذا الفكر ..

   .. أقول لهؤلاء :كيف لا يخرج كلامنا عن كلام الشيعة وقد بيّنت في كتبي وفي برنامج المعجزة الكبرى وفي الكثير من اللقاءات أنَّ عصمة آل البيت وهم ، ولا وجود لها على الإطلاق ، وأنَّ المهدي المنتظر وهم لا وجود له على الإطلاق ، وأنَّ روايات الشيعة ليست أفضل حالاً من روايات السنّة ؟!!!!!!! .. وكلّ ذلك موثّق في كتبي ولقاءاتي على الفضائيات ، وقد قام بعضهم من الشيعة بالردّ علي في ذلك .. كيف إذاً لا يخرج كلامنا عن كلام الشيعة ؟!!!!!!! ..

   أقول لهؤلاء أتحدَّاكم ثمَّ أتحدَّاكم أن تثبتوا أنَّ ما قلته وكتبته هو انتصارٌ لطائفة ضد أُخرى ، أو لمذهب ضد آخر .. لو كنتم من الباحثين عن الحقيقة ( ولن تكونوا ) لعلمتم أنَّ هدفنا هو الانتصار للحق عبر تنزيه كتاب الله تعالى من النقائص التي تنسبونها إليه ، وعبر تنقية السنّة الشريفة ( التي نؤمن بها أكثر منكم ) من الروايات الموضوعة التي تسعون لفرضها على منهج الله تعالى ، وذلك عند السنّة والشيعة على حدٍّ سواء ، فنقدنا لروايات الشيعة لا يقلُّ أبداً عن نقدنا لروايات السنّة .. ولكنَّكم غارقون في مستنقع العصبيّات النتنة التي لا تنظر إلى كتاب الله تعالى ، وإلى أيِّ فكرٍ آخر ، إلاَّ من المنظار الضيّق للانتماء المذهبي والطائفي ..

   وأقول لهؤلاء : أنتم وأعداء الإسلام وجهان لعملة واحدة ، فأنتم تقدِّسون روايات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، وهذه الروايات تحمل الإساءة للإسلام ولنبيّه ( ص ) ، وأعداء الإسلام يستشهدون بهذه الروايات للطعن بمصداقيّة الإسلام ونبيّه ( ص ) ... ولمعرفة شيء من ذلك لننظر في الرواية التالية :

   البخاري ( 4853 ) :

   حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسُوا هَا هُنَا وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَبِي نَفْسَكِ لِي قَالَتْ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ قَالَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ قَالَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا

   .. حسب هذه الرواية المزعومة ، النبيّ ( ص ) يدخل على امرأة ، ويقولُ لها هبي نفسكَ لي ، فتقول له : [[ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ ]] ، متهمةً إياه بأنّه من السُّوقَة ، وعندما يهوي بيدِهِ عليها لِتَسْكُنَ تقول له : [[ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ]] .. والنبيُّ ( ص ) حسب هذه الرواية المزعومة ، يبسطُ يده لامرأةٍ تكره منه ذلك ..

   .. ومن شرح هذه الرواية لا يمكننا أن نصلَ إلى نتيجةٍ في فهمها ، ولا حتى إلى نتيجة في معرفة هُويّة تلك المرأة المعنيّة بهذه القصّة ، ولا إلى نتيجة هل كانت لِتُخْطَب أم أنّها كانت مخطوبة للنبيّ ( ص ) .. ومهما أوّلوا في دلالات صياغة هذه الرواية ، لإيهام الناس الذين يعرفون قواعدَ اللغةِ العربيّةِ وقيمةَ النبيّ ( ص ) ، ومعنى قَوْلِه تعالى : (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [ القلم : 4 ] .. مهما أوّلوا فإنَّ هذه الروايةَ وشرحَها لا تحملُ للنبيّ ( ص ) إلاّ الإساءة ..

   .. ولننظر في النصوص التالية التي نقتطعها من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، فيما يخصُّ هذه الرواية :

   [[ وجزم هشام بن الكلبي بأنها أسماء بنت النعمان بن شراحيل بن الأسود بن الجون الكندية , وكذا جزم بتسميتها أسماء محمد بن إسحاق ومحمد بن حبيب وغيرهما , فلعل اسمها أسماء ولقبها أميمة . ووقع في المغازي رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق " أسماء بنت كعب الجونية " فلعل في نسبها من اسمه كعب نسبها إليه , وقيل هي أسماء بنت الأسود بن الحارث بن النعمان ]] ..

   .. ولننظر في المقطع التالي :

   [[ وفي رواية لابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فقال : ألا أزوجك أجمل أيم في العرب ؟ فتزوجها وبعث معها أبا أسيد الساعدي ]] ..

   .. ولننظر في المقطع التالي :

   [[ عن أبي أسيد قال " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني الجون فأمرني أن آتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم , ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي ونحن معه ]] .. ولننظر في المقطع التالي :

   [[ يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم فخاطبته بذلك , وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال ]] ..

   .. ولننظر في المقطع التالي :

   [[ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها , فلما كلمها قالت : أعوذ بالله منك , قال : لقد أعذتك مني . فقالوا لها أتدرين من هذا ؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك , قالت كنت أنا أشقى من ذلك ]] ..

   .. ولننظر في المقطع التالي :

   [[ قوله ( فأهوى بيده ) أي أمالها إليها . ووقع في رواية ابن سعد " فأهوى إليها ليقبلها , وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل " وفي رواية لابن سعد " فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت : إنك من الملوك فإن كنت تريدين أن تحظي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذي منه " ووقع عنده عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب " إن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها , وقالت لها إحداهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك ]] ..

   .. ومهما كانت الصلة بين هذه المرأة المعنيّة بهذه الرواية وبين النبيّ ( ص ) ، فإنَّ كلَّ حرفٍ من هذه الرواية ومن شرحها يقول بأنّها موضوعةٌ لقصدٍ غيرِ نبيل .. فكيف بنا أن نفهمَ الجملةَ التالية من شرح هذا الحديث : [[ ووقع في رواية ابن سعد " فأهوى إليها ليقبلها , وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل ]] ؟!!! .. كيف يهوي إليها ليقبّلَها وهي تتعلّقُ به بإحدى احتمالين لا ثالث لهما :

   1 - إمّا أنّها ليست زوجتَه حسب ما تُبيّن العبارة الواردة في شرح هذه الرواية : [[  فقالوا لها أتدرين من هذا ؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك , قالت كنت أنا أشقى من ذلك ]] .. فهذه العبارة تُبيّنُ أنَّ هذه المرأة لم تُخطَب بعد للنبيِّ ( ص ) ، بل لم تعرفه .. وبالتالي كيف يفترون على النبيِّ ( ص ) بأنّه : [[ فأهوى إليها ليقبلها , وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل ]] ؟!!! كيف يُقبّلُ ( ص ) امرأةً لا تعرفه ولا ترتبط معه بأيِّ عقدٍ شرعي ؟!!! ..

   2 - أو أنّها زوجتُه التي لم تُوافق على هذا الزواج ، بدليلِ قوْلِها في هذه الرواية المكذوبة من أساسها : [[ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ]] ، وبدليلِ قوْلِها [[ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ ]] .. وبالتالي كيف يفترون على النبيِّ ( ص ) بأنّه : [[ فأهوى إليها ليقبلها , وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل ]] ؟!!! .. كيف يتزوّج النبيُّ ( ص ) من امرأةٍ لا تريد الزواج منه ، وهو الذي يصفه الله تعالى في كتابه الكريم (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [ القلم : 4 ] ؟!!! ..

   .. ثمَّ كيفَ بنا أنْ نفهمَ العباراتِ التالية من تأويل هذا الحديث : [[ إن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها , وقالت لها إحداهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك ]] .. هل هذه المرأة ساذجة إلى حدِّ تصديقِ أنَّ النبيَّ ( ص ) يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك ، أم أنَّ الساذجَ هو من يصدِّقُ مثل هذه الافتراءات على النبيِّ ( ص ) وعلى زوجاته ؟!!! ..

   .. ألا تُسيءُ هذه التبريرات المُلفّقة إلى عائشة وحفصة بوصفهما كاذبتين تُلفّقان الأكاذيب على النبيِّ ( ص ) ؟!!! .. وإلاَّ كيف بنا أنْ نفهمَ ذرَّهم للرماد في الأعين عبرَ تأويلِهم بأنَّ عائشة وحفصة قالت إحداهما لهذه المرأة : [[ إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك ]] .. وكيف يُؤتمنُ في أخذِ الأحاديث عنهنّ إنْ كانت هذه هي أقوالُهن وأفعالهن ؟!!! .. ولماذا يتمسّكون بصحّةِ روايةٍ لا هدفَ لها إلاّ الإساءة للنبيِّ وأزواجه ؟!!! .. وما هي الأحكامُ الشرعيّةُ القيّمةُ التي يُمكننا أن نستنبطَها من مثلِ هكذا رواية ؟!!! .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   وهنا أقول لمازن السرساوي ومحمد الزغبي وأمثالهما : أعداء الإسلام الذين يريدون الطعن به ، ألا يجدون بمثل هكذا روايات مادّةً دسمة للنيل من الإسلام ونبيّه ( ص ) ؟ .. وبالتالي إن كانوا يعلمون ما يقومون به من عمل في سبيل محاربة الإسلام ، فمعوناتهم ودولاراتهم لا بدَّ أن تذهب إلى من يضع بين أيديهم هذه المادّة الدسمة للطعن بالإسلام وبنبيِّه ( ص ) ... نحن لا نتّهم أحداً ، ولكنّنا نردُّ على مخلوقات لا تعرف إلاَّ كيل التهم للآخرين ، نحن نردّ على مخلوقات لا ترى أيَّ آخر مهما اختلف معها إلاَّ عدواً أو كافراً أو عميلاً ..

   .. هؤلاء يمتهنون التهريج والتحريف والتلبيس على الحقائق ، لدرجة أصبحوا فيها لا يستطيعون إلاَّ أن يكونوا كذلك .. والفضائيّات تحت تصرّفهم .. والإمكانيات بين أيديهم .. وهناك من العوام من جعل من نفسه ضحية لهم .. فكيف إذاً سيتكلّمون بموضوعيّة وبمنهج علمي سليم ؟!!!!!! .. 

   .. وفي اللقاء الذي شاهدته على قناة الحكمة مع المدعو مازن الرساوي سمعته يقول عمّا قُدِّم في برنامج المعجزة الكبرى :

   [[ وكلامه حتى في ما يتعلق بالإعجاز العلمي اللي بحكي عنه مش كلامه ، هذا كله مسروق من غيره ، وأهل العلم والاختصاص يعرفون أنه لا في العير ولا في النفير ، مش شغله ، يعني هو حتى مسألة الرقم 19 وغيره أخذها من هلكى مثله ..... هو شخص يقوم على جمع فتات موائد الهلكى والبطالين ، ثم يضعها في ثوب جديد يستغل به جهل الناس بتاريخ هذا الباطل ، ويعرضه عليهم عرضاً جديداً منمّقاً فلا يعدم شخصاً مختل العقل أو ضعيف التفكير أو ضعيف الاعتقاد يسقط في شباكه ]]

   .. أقول له ولغيره ممّن يمتهن صناعة التهريج والتضليل والخداع : كتابي : المعجزة الكبرى مطبوع منذ سنين ، وموجود على النت ، وبرنامج المعجزة الكبرى رآه الملايين ، وموجود على النت ، وأنا أتحداك ثم أتحداك ثم أتحداك أن تثبت أنك صادق فيما تقول ، بل وأن تثبت أنك تدرك معنى ما تقول .. بمعنى آخر أتحداك أن تثبت أن إنساناً من آدم عليه السلام إلى الآن قد اكتشف الأبجدية التي هداني الله تعالى إليها ، والتي تبدأ بحرف الألف فاللام والنون فالميم لتنتهي عند حرف الظاء ، أتحداك أن تثبت ذلك ..

   ثم أتحداك ثم أتحداك ثم أتحداك أن تثبت أنَّ إنساناً من آدم عليه السلام إلى الآن قد وظّف هذه الأبجديّة في قانونين على كامل مساحة النصّ القرآني ، كما بيّنت في كتابي المعجزة الكبرى ..

    .. أقول لهذا المدعو وأمثاله .. أنا لا استغرب هذه الافتراءات ، فمن يكذب على الله تعالى وعلى كتابه الكريم وعلى نبيّه ( ص ) وعلى سنّته الشريفة ، من الطبيعي أن يفتري علينا ، انتصاراً لأصنامه التاريخيّة ، ولكنَّ نور الله تعالى لن يُطفأ مهما لبّس الملبّسون ومهما افترى المفترون ..

   وفي ذات اللقاء على فضائيّة الحكمة قال مقدّم البرنامج وسام عبد الوارث لمازن السرساوي مستشهداً بكتابي (( الحق الذي لا يريدون )) ناسباً الكلام إلي :

   [[ قال في حاشية الصفحة رقم ( 5 ) : بعض الذين يحسبون أنفسهم مدافعين عن السنّة الشريفة ذهبوا إلى أنَّ الحديث كُتب في عصر الرسول ( ص ) محتجين ببعض الروايات التاريخيّة ، من ذلك ما ورد في سنن الدارمي حديث ( 484 ) : أنَّ عمرو ابن العاص أومأ إليه النبي ( ص ) بإصبعه إلى فيه فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاَّ حق ، وقد سمى عمرو بن العاص رضي الله عنه صحيفته الصادقة .. هو بقول : ولو كانوا من الباحثين عن السنّة الحق لرسول الله ( ص ) لعلموا أنَّ هذه الرواية التاريخيّة – حسب تفسيرهم لها – تناقض الكثير من الروايات الأخرى ، التي تؤكِّد أنَّ الحديث لم يُكتب أبداً في عصر الرسول ( ص ) ، ولا في عصر الخلفاء الراشدين ، بيقول بقه : فقد ورد في تذكرة الحفّاظ ص ( 5 ) ج ( 1 ) : روى الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : جمع أبي الحديث عن رسول الله ( ص ) – تقصد أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه – وكان خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلّب كثيراً ، فلمّا أصبح قال أي بنيّة : هلمّي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها فدعا بنار فحرقها ]] ..

   فأجابه المدعو مازن السرساوي قائلاً :

   [[ هذا الرجل كما قلت يعني هو مُحرِّف ، وكذّاب ، ابتداء يعني ، لأنه هذا النقل لو كان هو نقله بنفسه مش نقله عن كذّاب مثله ، لو نقله بنفسه من تذكرة الحفّاظ للذهبي لوجد بعد هذه الكلمة التي قفل بها القوس قول الذهبي : وهذا لا يصح ، فلم ينقل هذه العبارة لأنَّها لا توافق هواه ، وهكذا شأن أهل البدع ، ينقلون ما لهم ويدعون ما عليهم ، ولو كان نقله من كنز العمال والحديث أيضاً مذكور في كنز العمال سيجد صاحب الكنز قد نقل عن الحافظ بن كثير قوله : وهذا حديث غريب جداً ، وفي إسناده فلان وهو ضعيف ، فلو نقل من هذا أو ذاك لوجد كلام أهل العلم بتكذيب هذه الرواية وعدم صحّتها ، ثمَّ هذه الرواية على فرض صحّتها لو احنا اعتبرناها صحيحة لا تدلّ على ما أراد إطلاقاً ، ليش ، أبو بكر الصديق كتب ، كما تقول الرواية ، لكنَّه بعدما كتب أحرق ، فلو كان هناك نهي عن الكتابة لما كتب أبو بكر الصديق ابتداء ، هو كتب وبعد ما كتب أحرق لأمرين : لأنه يقول قد سمعت من شخص وثقت فيه وهو متهم ، وفي بعض الأحاديث مذكرهاش هذا المحرّف قال : أو خشية أن يسقط عني حديث فيقول الناس لو صح لذكره أبو بكر ، لهذا أحرق الكتاب ، لو صحّت القصّة وهي غير صحيحة بالمرّة ، فالرجل ابتداء نقل النص وكذب في نقله ، وحرَّف أسقط منه ما يخالف مراده ، ثانياً لم يحسن فهم النص ، فعلى فرض صحة هذا النص الذي ذكره لا يدل على مبتغاه ، ثم مسألة إن الصحابة لم يكونوا يكتبوا في عهد النبي ( ص ) هذه مسألة تدلّ عن بعده التام عن هذا الطريق ]]

   .. وقبل الرد على هذا المدعو ، لنقف عند نص الرواية المعنيّة الواردة في تذكرة الحفّاظ :

   [[ وقد نقل الحاكم فقال : حدثني بكر بن محمد الصيرفي بمرو أنا محمد بن موسى البربري أنا المفضل بن غسان أنا علي بن صالح أنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي حدثني القاسم بن محمد قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلَّب كثيراً قالت : فغمَّني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها فقلت: لم أحرقتها ؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك . فهذا لا يصح والله أعلم  ]] ..

   أقول لهذا المدعو وأمثاله : لقد قال لك مقدّم البرنامج مستشهداً بكتابي (( الحق الذي لا يريدون )) ، وبالحرف الواحد [[ قال في حاشية الصفحة رقم ( 5 ) ]] .. إذاً .. في كتاب : (( الحق الذي لا يريدون )) تمَّ عرض هذه الرواية في الحاشية مع مجموعة أخرى من الروايات ، ومعلوم أنَّ الحاشية توضع للفت انتباه القارئ لكي يعود هو إلى ذات المرجع وينظر في القضيّة ..

   ومن جهة أُخرى .. حتى في هذه الحاشية لم يتم اقتطاع النص قبل الجملة [[ فهذا لا يصح والله أعلم  ]] مباشرة كما يُفترى علينا .. فما عُرض في حاشية الكتاب هو : [[ جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلَّب كثيراً قالت : فغمَّني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها ]] .. وبالتالي هناك عبارة تفصل هذا النص الوارد في حاشية كتابنا عن العبارة الأخيرة [[ فهذا لا يصح والله أعلم  ]] ، وهذا العبارة الفاصلة هي : [[ فقلت: لم أحرقتها ؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك ]] ..

   .. إذاً نحن لسنا محرّفين كما يفتري هؤلاء المفترون ، المحرِّف هو من يتّهمنا بذلك ، نحن وضعنا في حاشية كتابنا مجموعة روايات مع هذه الرواية وفي ذات البند المتعلّق بتلك الحاشية ، لنقول للقارئ عد وانظر في هذه المراجع ، ولم نقتطع النصَّ قبل العبارة [[ فهذا لا يصح والله أعلم  ]] مباشرة ، كما افترى هذا المخلوق علينا ..

   .. وأقول لهؤلاء المفلسين فكريّاً : بناء على تأويلاتكم التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، وحسب منهجكم – الذي لا يُحمَل على أيِّ محملٍ علمي منطقي – في قراءة النصوص وشرحها وتأويلها ، لماذا لا تتعلّق العبارة [[ فهذا لا يصح ]] بالقول المنسوب لأبي بكر ، بمعنى أنَّ هذه الكلمات نطقها أبو بكر في الكلمات المنسوبة إليه في هذه الرواية .. بمعنى أنَّ أبا بكرٍ قال : لا يصحُّ أن اعتمد قولَ رجلٍ ائتمنته ووثقت به ولم يكن الأمر كما حدثني .. [[ قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك . فهذا لا يصح ]] .. مِن الممكن – حسب صياغة هذه الرواية – أنَّ تُقرأ الكلمات [[ فهذا لا يصح ]] في نهاية هذه الرواية بأنَّها تابعة للقول المنسوب لأبي بكر ..

   .. أنا أقول من الممكن ذلك ، أعود فأقول من الممكن ، كما أنَّه من الممكن إعادة هذه العبارة للذهبي كما يذهبون .. ونحن لا نجزم جزماً قاطعاً بصحّة هذه الرواية أو أيِّ رواية غيرها في أيِّ صحيحٍ كانت ، عند أيِّ طائفة أو مذهب ، ولا نجزم جزماً قاطعاً بتفسيرٍ محدَّدٍ وقراءةٍ محدَّدة لأيِّ روايّة من أيِّ إنسانٍ كان .. هذه روايات كلّها ظنيّة الثبوت ، ولا يمكنها أن ترتقي إلى مستوى العلم اليقيني الذي عليه كتاب الله تعالى ، ورجالات التاريخ ودون استثناء ليسوا معصومين ، فالمعصوم هو الرسول ( ص ) فقط وفقط لا غير ..

   .. وهذه العبارة [[ فهذا لا يصح ]] كما يحملها المدعو وأمثاله تصف رأي الذهبي بهذه الرواية ، وبالتالي يقول بعدها [[ والله أعلم . ]] ؟ .. بمعنى أنَّ الذهبي يرى أنَّ هذه الرواية لا تصح .. وبالتالي فإنَّها لا تعني جزماً قاطعاً منه بعدم صحّة هذه الرواية ، وإلاَّ لما رأينا كلمتي [[ والله أعلم . ]] في نهايتها ، فهاتان الكلمتان يضعهما الناس في نهاية قولهم ليبيّنوا أنَّ قولَهم ليس مطلقاً وأنَّه يحتمل الخطأ والصواب في الوقت ذاته .. ولو كان الذهبيّ قاطعاً بعدم صحّة هذه الرواية كما يريدون ، فلماذا ينقل لنا هذا النصَّ من أساسه ويقول في نهايته [[ والله أعلم . ]] دون أيِّ تفصيل صريح ؟!!! .. ثمَّ لماذا لا يكون الذهبي مخطئاً في رأيه هذا ؟!!! ..

   .. ولماذا لا تكون العبارة الأخيرة [[ فهذا لا يصح والله أعلم . ]] قد نُسبَت له ولا علم له بها ، خصوصاً أنَّه ينقل هذه الرواية بسندها ؟ .. وخصوصاً أنَّ معنى هذه الرواية يرد – كما سنرى – في رواياتٍ أُخرى ولهذه المسألة ذاتها ، ولكن مع عمر بن الخطاب ؟ ..

   .. ونحن لم نعتمد على هذه الرواية كمقدمة يقينيّة لإثبات ما نذهب إليه ، نحن وضعناها في الهامش لنقول للقارئ اذهب أنت وانظر ليس فقط في هذه الرواية وإنّما في الكتاب الذي يحويها .. فنحن عرضنا الكثير من الأدلّة القاطعة التي سنعرض جزءاً منها بعد قليل في سياق ردِّنا هذا .. وهذه الأدلّة القاطعة هي الحامل لما نذهب إليه في عدم كتابة الحديث بين يدي النبيِّ ( ص ) ..

   والأهم من كلِّ ذلك أنَّ السرساوي ووسام عبد الوارث قالا : نحن نردّ على برنامج المعجزة الكبرى ، فلماذا الذهاب إلى هامش كتاب لا علاقة له بالبرنامج ، ومن ثمَّ الذهاب إلى بند في الهامش فيه عدّة روايات ، ومن ثمَّ الوقوف عند جزء من رواية من تلك الروايات في ذلك الهامش وُضعت لهدف واحد هو تنبيه القارئ من أجل العودة إلى هذا المرجع ليطّلع هو على حقيقة الأمر ؟!!!!!!! .. لماذا لم يتعرّضوا لعشرات الروايات التي ذكرناها صراحة في البرنامج بالصوت والصورة ، والتي شرحناها في سياقات فكريّة ممّا تمّ عرضه في البرنامج ؟!!!!!!! ..

   .. وفي حلقة أُخرى ، قال وسام عبد الوارث لمازن السرساوي :

   [[ عايز اقرأ لحضرتك مقطع من كتاب عدنان الرفاعي اللي هو الحق الذي لا يريدون ، حسب ما يقول ، يعني يقول بعد الحديث السابق الذي ذكرناه ، ورد في تقييد العلم ص 52 من رواية محمد بن القاسم أنَّ عمر بن الخطّاب وقف يخطب في الناس قائلاً : (( أيّها الناس ، إنَّه قد بلغني أنَّه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبّها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحدٌ عنده عنده كتاب إلاَّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي )) قال فظنّوا أنَّه يريد أن ينظر فيها ، ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال : (( أمنية كأمنية أهل الكتاب )) .. كما أنَّه كتب إلى الأمصار : (( من كان عنده منها شيء فليمحه )) ]] ..

   فأجابه المدعو مازن السرساوي :

   [[ طبعاً هذا الكلام هو صاحبنا يقمِّش ، هو لو كان قرأ النص هذا وأمعن وكان من أهل الفهم لهذا الفن لما قال هذا الكلام ، الرواية اللي عند الخطيب في تقييد العلم بيرويها من طريق ابن القاسم أنَّ عمر ، ابن القاسم هذا ولد سنة 37 هجريّة بعد وفاة عمر بـ 14 سنة ، فلم يسمع من عمر ولم ير شيئاً ، القصّة منقطعة لا تثبت عن مثل عمر ، ثمّ لو سلّمنا أنَّها عن عمر ثابتة ، عمر بقول ائتوني بهذه الكتب ، أيّ كتب ذكر ، مذكرش والله مقالش كتب الحديث ، وكان عندهم كتب كثيرة موجودة في الدنيا ، كتب جماعة من أهل الكتاب ، كانوا بينقلوا منها ساعتها وكان بعضهم مولع بالنقل وقراءة كتب أهل الكتاب ، ما قالش كتب الحديث ، هي كتب إيه ؟ ، منعرفش كتب إيه ، هذا كلام عام جداً ما يتعلقش به حكم ، وعلى فرض أنَّها كتب حديث فالقصّة منقطعة ]] ..

   .. وأردّ على ذلك فأقول : لماذا تهربون من مواجهة الحقيقة وتحرِّفون الكلم عن مواضعه .. وسام عبد الوارث ومازن السرساوي أعرضا عن الرواية السابقة مباشرة لهذه الرواية ، مع العلم أنَّ هاتين الروايتين هما ضمن ثماني روايات تُذكر في ذات الهامش ومتعلّقة بذات البند .. الرواية السابقة مباشرة لهذه الرواية هي :

   [[ وورد في جامع بيان العلم وفضله ص 64 ج 1 ، ونحوه في تقييد العلم ص 250 ، وطبقات ابن سعد ص 206 قسم 1 جزء 3 : (( عن عروة – ابن الزبير – أنَّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب النبيِّ ( ص ) فأشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً ، ثمَّ أصبح يوماً وقد عزم الله له ، فقال : (( إنِّي كنت أريد أن أكتب السنن ، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً ، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإنِّي والله لا أشوب كتاب الله بشيء )) ]] ..

     .. مَن المحرِّف ومن (( المقمِّش )) على حد تعبير المدعو ؟!!! .. أقول للمدعو مازن السرساوي : لماذا هربتم من عرض هذه الرواية التي تبيّن أنَّ الكتب المعنيّة ( في الرواية السابقة التي قمتم بعرضها ) هي السنن ، وليس أيَّ أمرٍ آخر ؟!!!!!!! .. أمَّ أنَّ هذا المدعو وأمثاله سيفسّرون لنا كلمة السنن في هذه الرواية على أنَّها سنن قصائد المعلَّقات التي كانت في الجاهليّة ؟!!!! ... يا رجل ألا تخجلون من أنفسكم وأنتم تقولون : [[ ما قالش كتب الحديث ، هي كتب إيه ؟ ، منعرفش كتب إيه ، هذا كلام عام جداً ما يتعلقش به حكم ]] ؟!!! ..

   .. لا يا حبيبي ، الكتب المعنيّة في هذه الروايات هي السنن ، التي لم تكن مكتوبة حتى ذلك الوقت ، بل حتى قرون بعد ذلك الوقت ، والفهم الذي تعنيه جنابك لهذا الفن ، هو فن الالتفاف على النصوص ، وفن التلبيس على الحقائق ، وفن الهروب من مواجهة الأدلّة والبراهين ، ونحن نسأل الله تعالى أن يبعدنا عن منهج التلبيس ومنهج الالتفاف على الحقائق .. أعود فأقول : أنتم تقولون : نرد على برنامج  المعجزة الكبرى ، ولكنّكم لم تتعرّضوا لرواية واحدة من عشرات الروايات التي عرضناها بالصوت والصورة في برنامج المعجزة الكبرى ، لأنَّكم تعلمون علم اليقين أنَّ مجرَّد تلاوتها أمام الناس ، سيرى الناس حقيقة تلبيسكم وحقيقة ذرِّكم للرماد في أعينهم ..

   ويا حبيبي نحن لم نقل بأنَّ ابن القاسم سمع هذا القول من عمر ، نحن لم نقل ذلك ، نحن وضعنا هذه الرواية مع مجموعة من الروايات في هامش صفحة في كتاب لا علاقة له بالبرنامج الذي تزعمون أنَّكم تردّون عليه .. لكن هذه الرواية المنقطعة أقرب إلى مجمل الروايات التي تؤكِّد – كما سنرى إن شاء الله تعالى – أنَّ الحديث لم يُكتَب أبداً في عصر النبيِّ ( ص ) .. أإلا هذه الدرجة وصل إفلاسكم الفكري ؟!!! .. تُعرضون عن الروايات التي تنسف ما تقولون ، والموجودة في ذات الهامش الذي تأتون منه برواية تُلبّسون على دلالاتها ..   

   .. يا حبيبي .. منهجنا في البحث هو ما يأمرنا الله تعالى به ، وهو عدم رفع أيِّ نصٍّ خارج دفَّتي كتاب الله تعالى إلى مستوى اليقين الذي نرى به كتاب الله تعالى ، وذلك عملاً بقوله تعالى (( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )) [ الجاثية : 6 ] ، وفي الوقت ذاته لا نقول كلُّ ما ورد في الروايات ليس صحيحاً ، فمعيارنا في الصحّة هو موافقة متنها لكتاب الله تعالى والعقل والمنطق .. وحتى لو حصلت موافقة الرواية لكتاب الله تعالى وللعقل والمنطق ، تبقى هذه الرواية ظنيّة الثبوت ، ولا ترتقي إلى مستوى العلم اليقيني ..

   .. ونحن نستشهد بهذه الرواية لأنَّ متنها يتوافق مع ماهيّة الحديث كونه مجموعاً من أفواه الرجال ، وكون متنها يتوافق مع أحاديث وردت في البخاري وفي سنن أبي داود وفي مسند أحمد وغيرهم ، تؤكِّد أنَّ النبيَّ ( ص ) لم يترك إلاَّ ما بين دفّتي الكتاب ، كما سنرى إن شاء الله تعالى ..

   وَمَثَلُ هذه الروايات الموافقة للمنطق والتي يريدون تضعيفَها ، مَثَلُهَا مَثَلُ الرواية التالية المقتطعة من كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود :

   [[ قال الخطابي : في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء كان حجة بنفسه ، فأما ما رواه بعضهم أنه قال : إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه ، فإنه حديث باطل لا أصل له . ]] ..

   فالحديث الموافق لكتاب الله تعالى وللمنطق والعقل يقولون عنه بأنَّه باطلٌ لا أصل له ، لأنَّه يهدم ما يذهبون إليه .. وهذه الروايات الموافقة لمجمل الروايات ولماهيّة الحديث الذي بين أيدينا ، لا بدَّ لهم من تضعيفها لأنَّها تُسقط ما يذهبون إليه ..

   .. ونقول : ما هو المعيار الذي يجعل مَنْ يُضَعِّف روايةً ما ( أو يقوِّيها ) أكثرَ صدقاً من راويها ؟!!! .. فهل سمع السرساوي وأمثاله بقوله تعالى : (( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )) [ التوبة : 101 ] ..

   .. إذا كان النبيُّ ( ص ) ذاته لم يكن يعلم الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة الذين عاشوا معه في ذات المكان والزمان ، فكيف إذاً لرجال أن يُضعِّفوا ( أو يُقوّوا ) رجالاً ورواياتٍ بحيث يكون رأيهم في ذلك مطلقاً ينتج عنه إدخال نصوصٍ إلى المقدَّس أو إخراج نصوصٍ من المقدَّس ؟!!! .. المسألة كلّها مبنيّة على تزكية رجال لرجال ، وهي مسألة من أوَّلها إلى آخرها ظنيّة الثبوت ، ولا ترتقي أبداً إلى مستوى العلم ..

   .. والمقولة المنسوبة لعمر بن الخطاب في هذه الرواية [[ أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي ( ص ) في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ]] تبيّن بما لا يقبل الشك أنَّ السنن لم تكن مكتوبة آنذاك ..

   أليست هذه الرواية دليلاً على أنَّ السنَّة لم تكن مكتوبة في عصر عمر بن الخطاب ؟ .. أليست هذه الرواية تقوِّي صحّة الرواية السابقة التي يريدون تضعيفها ؟ .. ألاَّ تؤكِّد أنَّ العبارة [[ فهذا لا يصح ]] في نهاية الرواية السابقة ، وفي حال حملها على قول الذهبي ، إنّما تعبِّر عن رأيٍّ خاصٍّ به ، أو أنَّها أضيفت ولا علم له بها ......

   .. وكلُّ ذلك تؤكِّده الرواية التالية التي ترد في جامع بيان العلم وفضله (  لأبي عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي ) :

   [[ أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أراد أن يكتب السنَّة ، ثم بدا له أن لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار : من كان عنده شيء فليمحه ]]

   .. أليست العبارة المنسوبة لعمر بن الخطّاب في هذه الرواية [[ ثم كتب في الأمصار : من كان عنده شيء فليمحه ]] .. أليست دليلاً ينقض كلَّ المزاعم التي تقول بوصول الحديث إلينا مكتوباً ؟ .. وهل كان عُمَرُ بن الخطاب سيفعلُ ذلك لو أنَّ الرسول ( ص ) أباحَ كتابةَ الحديث عنه كما يزعمون ؟!!! .. أم أنَّ عمر بن الخطاب لا يعلم ما يعلمه السرساوي وأمثاله في جوقة المطبّلين والمزمّرين بكتابة الحديث في عصر النبي ؟!!! ..

   ثمَّ كيف يتمَّ الافتراء بأنَّ ما حصل بعد قرون هو تدوين الحديث وليس كتابته ؟!!! .. أليست هذه الروايات تنفي نفياً قاطعاً كتابة الحديث بين يدي النبيّ ( ص ) بأيِّ شكل من أشكال الكتابة ؟ .. أم أنَّه لا بدَّ من تضعيف كلّ هذه الروايات حتى لا يسقط قولُهم بكتابة الحديث في عصر النبيِّ ( ص ) ، وحتى لا يتهمنا السرساوي والزغبي وأمثالهما في جوقة المتاجرة بالسنّة الشريفة بأنّنا منكرون للسنّة ونأخذ الدولارات من الآخرين ؟!!! .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   .. وأقول (( للجهبذ )) مازن السرساوي ، كون الرواية منقطعة لا يختلف – يا حبيبي الشاطر – كثيراً عن كونها غير منقطعة ، وذلك في ميزان البحث العلمي السليم الذي تُوجد فيه قيمة للعقل والمنطق .. ويا حبيبي الشاطر هل نظرت في مقدّمة ابن الصلاح حول تعريف التدليس .. أدعوك للنظر في النصِّ التالي :

   [[ التدليس قسمان : أحدهما : تدليس الإسناد ، وهو أن  يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه ، موهماً أنه سمعه منه ‏.‏ أو ‏:‏ عمن عاصره ولم يلقه ، موهماً أنه قد لقيه وسمعه منه ‏.‏ ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر .................

   القسم الثاني : تدليس الشيوخ ، وهو ‏:‏ أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه ، فيسميه ، أو يكنِّيه ، أو ينسبهُ ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به ، كي لا يُعرف‏ .‏ ]] ..

   .. إذاً .. من التدليس أن يروي الراوي : [[ عمن لقيه ما لم يسمع منه ، موهماً أنه سمعه منه ‏.‏ أو ‏:‏ عمن عاصره ولم يلقه ، موهماً أنه قد لقيه وسمعه منه ‏.‏ ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر ]] .. وقبل أن يدلّس علينا مازن السرساوي وأمثاله ، ليقولوا لنا التدليس هو عين الصدق وهو عين العدالة والثقة الكاملة التي لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها ، وأنّنا لا نفهم ذلك لأنّنا لسنا مختصّين مثل جنابه .. قبل أن يدلِّسوا علينا بذلك .. لننظر في النصِّ التالي من كتاب : الكفاية في علم الرواية :

   [[ أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل قال أنا علي بن محمد بن أحمد المصري قال ثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص قال سمعت أبي يقول سمعت الشافعي يقول قال شعبة بن الحجاج : التدليس أخو الكذب . أخبرنا أبو جعفر محمد بن جعفر بن علان الوراق قال أنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي قال ثنا الحسن بن علي قال ثنا بندار قال ثنا غندر قال سمعت شعبة يقول : التدليس في الحديث أشد من الزنا ، ولأن أسقط من السماء أحبّ إليّ من أن أدلس . أخبرنا أبو بكر البرقاني قال أنا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي قال أنا الحسين بن إدريس قال ثنا ابن عمار قال سمعت المعافي يقول سمعت شعبة يقول : لأن أزني أحبّ إليّ من أدلس ، فقلت له : يا أبا مسعود ما تقول أنت في التدليس ؟ قال أدنى ما فيه التزين . أخبرني أبو القاسم الأزهري قال ثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال قال ثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال ثنا جدي قال سمعت سليمان بن حرب يقول سمعت جرير بن حازم يقول وذكر التدليس والمدلسين فعابه وقال : أدنى ما يكون فيه أنه يري الناس أنه سمع ما لم يسمع . وقال ثنا جدي قال سمعت الحسن بن علي يقول سمعت أبا أسامة يقول : خرّب الله بيوت المدلسين ما هم عندي إلا كذابون . أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني المؤدب قال أنا أبو بكر بن المقري قال ثنا علي بن محمد الرقي قال ثنا الميموني قال ثنا خالد بن خداش قال سمعت حماد بن زيد يقول : التدليس كذب ، ثم ذكر حديث النبي ( ص ) : المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ، قال حماد ولا أعلم المدلس إلا متشبعاً بما لم يعط  . ]]

   .. بعد أن رأينا تعريف التدليس ، وكيف أنَّه كذب ، وأشد من الزنا .. بعد ذلك لننظر في النصِّ التالي المقتطع من كتاب : الكفاية في علم الرواية :

   [[ أخبرني أبو القاسم الأزهري قال ثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن قال ثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثني أحمد بن زهير قال سمعت يحيى يقول : الثوري أمير المؤمنين في الحديث وكان يدلِّس .

   أخبرنا محمد بن جعفر بن علان قال أنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ قال ثنا الحسن بن علي قال ثنا محمد بن يحيى الأزدي قال سمعت يزيد بن هارون يقول قدمت الكوفة فما رأيت بها أحداً إلا وهو يدلِّس إلاَّ مسعر بن كدام وشريكاً . وأخبار المدلسين تتسع وقد ذكرت أسماءهم وسقت كثيراً من رواياتهم المدلسة في كتاب التبيين لأسماء المدلسين فغنيت عن إعادتها في هذا الموضع .

   وقال فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث : إنَّ خبر المدلس غير مقبول لأجل ما قدمنا ذكره من أن التدليس يتضمن الإيهام لما لا أصل له وترك تسمية من لعله غير مرضي ولا ثقة وطلب توهم علو الإسناد وإن لم يكن الأمر كذلك .

   وقال خلق كثير من أهل العلم : خبر المدلس مقبول لأنهم لم يجعلوه بمثابة الكذّاب ولم يروا التدليس ناقضاً لعدالته . وذهب إلى ذلك جمهور من قبل المراسيل من الأحاديث وزعموا أن نهاية أمره أن يكون التدليس بمعنى الإرسال .

   وقال بعض أهل العلم : إذا دلس المحدّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه وكان ذلك الغالب على حديثه لم تقبل رواياته ، وأما إذا كان تدليسه عمن قد لقيه وسمع منه فيدلس عنه رواية ما لم يسمعه منه فذلك مقبول بشرط أن يكون الذي يدلس عنه ثقة .

   وقال آخرون : خبر المدلس لا يقبل إلا أن يورده على وجه مبين غير محتمل للإيهام ، فإن أورده على ذلك قبل ، وهذا هو الصحيح عندنا ....... ]] ..

   .. وأقول للشاطر مازن السرساوي وأمثاله : بناء تعريفكم أنتم للتدليس وعلى كون التدليس لم ينج منه إلاَّ ما رحم ربّي ، وبناء على هذه الروايات التي هي نقطة من بحر الروايات التي تؤكِّد ذلك ، هل بقي فارق كبير بين الرواية المنقطعة وغير المنقطعة ؟!!! .. الفارق ليس كبيراً بين الرواية الصحيحة ( حسب معاييركم ) وبين الرواية غير الصحيحة .. هذه كلُّها – يا حبيبي الشاطر – روايات ظنيّة الثبوت ، تأخذ مصداقيّتها من موافقتها لكتاب الله تعالى .. لذلك فما تذرّونه من رماد في أعين البسطاء من أنَّ هذه الروايات بني سندها على علم وعلى أصول ، وأنَّ ما تجترّونه من أقوال بعض السابقين وتوهمون بأنَّه علم لا يأتيه الباطل ، هذا كلّه – يا حبيبي الشاطر –كلام لا يلقى آذاناً مصغية إلاَّ عند من لا يعرف الحقيقة ، ولا يريد معرفتها ..

   .. يا حبيبي الشاطر .. من الذي يحدِّد تحديداً كاملاً الثقة من غير الثقة المعنيّة في العبارات : [[ فإن كان تدليساً عن ثقة لم يحتج أن يوقف على شيء وقبل منه ، ومن كان يدلس عن غير ثقة لم يقبل منه الحديث ....... ]] ؟!!! .. يا حبيبي الشاطر .. كيف يُحدِّد البشر ويزكّون بعضَهم تزكيةً ينتج عنها إدخال نصوصٍ إلى المقدَّس ، في الوقت الذي يقول الله تعالى لنا فيه بأنَّ نبيّه ( ص ) لم يكن يعلم هو ذاته بعض الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة في عصره وبين يديه ؟!!! ..

   (( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )) [ التوبة : 101 ]

   .. يا حبيبي الشاطر .. ألا تخجلون من الله تعالى ، ومن الناس الذين يعرفون حقيقة ما تلبِّسون على السنّة الشريفة ، عندما تصنّفون الرجال تصنيفاً تعتبرونه جزءاً من المقدَّس ، عبر أدوات تاريخيّة صنعتموها بأيديكم ؟!!! .. يا حبيبي الشاطر ، ألا تخجلون من الله تعالى في الوقت الذي تعلمون فيه أنَّ رواياتكم ظنيّة الثبوت وتقرؤون فيه قوله تعالى (( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )) [ النجم : 28 ] ؟!!! ..

   .. نعود فنقول .. معيارنا لمثل هكذا روايات لم ترد في كتب الصحاح كما يصنّفون ، هو موافقتها لدلالات كتاب الله تعالى وللعقل والمنطق ، شأنها شأن ما ورد في الصحاح .. ونحن لا نرفع أيَّ رواية مهما كانت وفي أيِّ صحيح كانت ، لا نرفعها إلى مستوى اليقين المطلق الذي نرى به كتاب الله تعالى كما يصنعون ، وبالمقابل قد نرى في رواية ضعيفة حسب معاييرهم ، قد نرى فيها الصحّة إن كانت موافقة لكتاب الله تعالى وللعقل والمنطق .. فالرواية هي في النهاية رواية ، ولا يمكنها أبداً أن ترتفع إلى مستوى اليقين ..

   .. ونحن نأتي بالروايات ليس على أنَّها مقدِّماتٌ مطلقة ، فبرهاننا هو من كتاب الله تعالى ، ولكنّنا نأتي بمجمل الروايات لتبيان أنَّها تحوي المتناقضات ، وبالتالي كيف أنَّهم لا يستطيعون الاعتماد على مجملها في إثبات ما يريدون ، وهذا يؤكِّد أنَّ تلك الروايات لم تكن مكتوبة بين يديه ( ص ) ، فلو كانت مكتوبة بين يديه ( ص ) لما رأينا ما نراه من تناقض .. 

   .. لننظر إلى الروايتين التاليتين :

   الدارمي ( 472 ) :

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا كَثِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يَكْتُبُ وَلَا يُكْتِبُ

   سنن أبي داود : ( 3162 ) :

   حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَأَمَرَ إِنْسَاناً يَكْتُبُهُ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَكْتُبَ شَيْئاً مِنْ حَدِيثِهِ فَمَحَاهُ

   .. فكيف إذاً يُزعَم أنَّ النبيّ ( ص ) أباح كتابةَ الحديث عنه في نهاية الدعوة ؟!!! .. وكيف يفترون على الحقيقة فيقولون الحديث كُتب بين يدي النبي ( ص ) وما تمَّ لاحقاً هو تدوينه وجمعه في كُتب .. وكيفَ يُغمضون أعينهم عن هذه الروايات الجليّة بامتناعِ الصحابة بعد وفاة النبيِّ عن كتابةِ الحديث ؟‍‍‍!! .. أليست الرواية الثانية في سنن أبي داود تؤكَّد أنَّ الروايات السابقة التي يريدون تضعيفها ولا يريدون منّا أن نحتجَّ بها ، هي أقرب إلى الصحّة من الكثير من الروايات التي يجزمون بصحّتها ؟ ..

   بناءً على كلِّ ذلك ، كيف بنا أن نفهم دلالات الحديث الموضوع التالي :

   البخاري ( 110 ) :

   حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ أخْبَرَنِي وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ عَن أخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا مِنْ أصْحَابِ النبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثَاً عَنْهُ مِنّي إِلاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلا أَكْتُبُ تَابَعَه مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 

  .. كيف كان عبد الله بن عمر يكتب الحديث عن الرسول ( ص ) ، في الوقت الذي أمرَ فيه الرسول ( ص ) بأن لا يُكتَب الحديث عنه ، كما رأينا في الحديث :

   سنن أبي داود : ( 3162 ) :

   حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَأَمَرَ إِنْسَاناً يَكْتُبُهُ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَكْتُبَ شَيْئاً مِنْ حَدِيثِهِ فَمَحَاهُ

  .. كيف كان عبد الله بن عمر يكتب الحديث عن الرسول ( ص ) ، وأبو بكر وعمر يحرقان – بعد موت النبيّ ( ص ) – ما كتبه بعضهم كما رأينا ؟!!!!!!! ..

  ثمَّ كيف يكون القول المنسوب لأبي هريرة في البخاري : [[ مَا مِنْ أصْحَابِ النبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثَاً عَنْهُ مِنّي إِلاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلا أَكْتُبُ ]] ، كيف يكون صحيحاً وأبو هريرة – كما رأينا – في الحديث كان : [[ لَا يَكْتُبُ وَلَا يُكْتِبُ ]] ... إنْ كانت كتابة الحديث عن الرسول ( ص ) ممكنة كما يُفترى على لسان أبي هريرة حيث كان عبد الله بن عمر يكتب كما يُزعَم ، فلماذا لا  يُكْتِبُ أبو هريرة الحديث عن الرسول ( ص ) ؟!!! ..

  العبارة [[ لَا يَكْتُبُ ]] قد يجدوا لها تخريجاً بأنّه كان لا يجيد القراءة والكتابة ، ولكن لماذا كان أبو هريرة [[ وَلَا يُكْتِبُ ]] ، لماذا لا يُكتِب إن كانت كتابة الحديث عن الرسول ( ص ) هي بأمر منه ؟!!! .. بل كيف وصلتنا أحاديث أبي هريرة مكتوبةً – كما يزعمون – في الوقت الذي كان فيه أبو هريرة [[ لَا يَكْتُبُ وَلَا يُكْتِبُ ]] ؟!!! ..

   ولو فرضنا جدلاً ومجاراةً لأوهام من لا يريدون معرفة الحقيقة ، لو فرضنا جدلاً أنَّ ابن عمر – أو غيره – كان يكتب الحديث عن النبيّ ( ص ) ، فلماذا لا يكون ما كتبه قد حُرِق مع الذي أحرقه أبو بكر وعمر ؟ .. طبعاً الرواية ملفّقة من أوّلها إلى آخرها ، شأنها بذلك شأن القول الملفّق على لسان عبد الله بن عمرو بأنَّ النبيّ ( ص ) قال له : [[ اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ ]] ..

   والاستشهاد بمثل هذه الروايات مع العلم بالأحاديث الأخرى التي تبيّن بشكلٍ لا لبس فيه أنَّ الحديث لم يُكتَب بين يدي الرسول ( ص ) ، وأنَّ أبا بكرٍ وعمر حرقا ما كتبه بعضهم كما يرد في الروايات التي لا يريدونها ، هذا الاستشهاد هو ابتعادٌ عن منهج البحث العلمي ، وذرٌّ للرماد في الأعين ، ودليلٌ على أنَّ أصحاب المنهج التراثي الجمعي لا يسيرون على أيِّ منهجِ بحثٍ سليم .. فالروايات التي يحتجّون بها هي في معيار المنطق والبحث العلمي السليم ، هي أضعف من الروايات التي يضعّفونها ..

   الروايات التالية واضحة وصريحة وبيّنة في نهي النبيّ ( ص ) عن كتابة الحديث ، وهذه الروايات هي ليست على سبيل الحصر ..

   مسلم (5326) :

   حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

   مسند أحمد (10663) :

   حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئاً سِوَى الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَبَ شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ

   أحمد ( 10670 ) :

   حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا قُعُوداً نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا هَذَا تَكْتُبُونَ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ مِنْكَ فَقَالَ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ فَقَالَ اكْتُبُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَكِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ خَلِّصُوهُ قَالَ فَجَمَعْنَا مَا كَتَبْنَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْرَقْنَاهُ بِالنَّارِ قُلْنَا أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَحَدَّثُ عَنْكَ قَالَ نَعَمْ تَحَدَّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَحَدَّثُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ تَحَدَّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ فَإِنَّكُمْ لَا تَحَدَّثُوا عَنْهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَعْجَبَ مِنْهُ

   الدارمي ( 451 ) :

   أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئاً إِلَّا الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئاً غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ

   الدارمي ( 452 ) :

   أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ

   إذاً .. كان أمْرُ النبيّ ( ص ) هو عدمُ كتابةِ أيِّ شيءٍ عنه سوى القرآن الكريم ، ولم يُرِدْ ( ص ) أن يُكتَبَ عنه سوى القرآن الكريم ، وأَمَر أن يُحرَقَ ما كتبَه بعضهم ممّا سمعه من النبي ( ص ) من غير القرآن الكريم .. فالروايات التي تؤكّدُ هذه الحقيقةَ واضحةٌ جليّةٌ في ذلك ..

   .. وما يُلبَّسُ على الحقيقةِ وما يُذَرُّ من رمادٍ في الأعين لكي لا تُبْصَرَ الحقيقةُ ، هو زعمُ بعضِهم أنَّ هذه الروايات التي تأمرُ بعدمِ كتابةِ الحديث عن الرسول ( ص ) إنّما كانت في بدايةِ الدعوة كي لا يختلطَ الحديث بالقرآن الكريم ، وأنَّ النبيّ ( ص ) عاد فأباح الكتابة ، مُستشهدين ببعض الروايات التي لا تحمل ما يذهبون إليه لا من قريبٍ ولا من بعيد ، إلاّ بعد تأويلِها تأويلاً يتناقضُ مع مجمل الروايات التي تؤكّدُ أنَّ الحديثَ لم يُكتَب أبداً بين يديه ( ص ) .. لننظر في الرواية التالية ..

   البخاري ( 2254 ) :

   حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

   .. إنّنا نرى بوضوح أنَّ الاستشهاد بمثل هذه الرواية على أنّه ( ص ) أباح كتابةَ الحديث عنه ، هو استشهادٌ ليس بمكانه على الإطلاق .. فما أُبيحَ  في هذه الروايات – إنْ صحّتْ – هو خصوصيّةٌ لرجل في كتابةِ خُطبةٍ خاصّة ، ما كانت لتُكتَب لولا أنَّ ذلك الرجل طلب هذه الكتابة ..

   .. الكتابةُ الواردةُ في هذه الرواية هي لأبي شاه خاصّة ، وذلك بعدَ أن طلبَ هو ذلك ، وبعد أن أباحَ الرسولُ ( ص ) أن يكتبوا له ، وهذا لا يعني أبداً أنَّه كان يُكتَب ما ينطقُ به النبيُّ ( ص ) .. فلو كانت الكتابةُ عن النبيُّ ( ص ) شائعة ، وأنَّ هذه الْخُطْبَةَ ستكتبُ بطبيعةِ الحال دون أن يُبيحَ الرسول ( ص ) كتابتَها ، لو كان الأمرُ كذلك ، لَما طلبَ أبو شاه خصوصيّةً في ذلك ، ولما قال الرسول ( ص ) [[ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ ]] .. وبالتالي فهذه الرواية لا تُسعفُ – أبداً – ما يذهبون إليه من أنَّ الحديثَ كُتبَ بين يديِّ الرسول ( ص ) .. بل على العكس .. هذه الرواية تُؤكِّد أنَّه حتّى خطبة الجمعة لم تكن تُكتب ، وهذا ما دفع أبا شاة لأن يطلب من النبيِّ ( ص ) خصوصيّة خاصّة له هي كتابة خطبة تلك الجمعة ..

   .. واستشهادهم بالرواية التالية على أنّه ( ص ) أباحَ كتابةَ الحديث عنه ، ليس سليماً ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكال ..

   سنن الدارمي ( 484 ) :

   أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ

   .. هذه الروايةُ التي يستدلّون بها على إباحة كتابة الحديث بين يدي النبيّ ( ص ) ، ليست صحيحةً على الإطلاق ، لأنّها تناقضُ مجملَ الروايات الأخرى التي تُؤكِّدُ – بشكلٍ لا لبس فيه – أنَّ النبيّ ( ص ) نهى عن كتابةِ الحديث بين يديه ، وتناقضُ مجمل الروايات التي تؤكّدُ أنّ الحديثَ لم يُكتب أبداً بين يدي الرسول ( ص ) ، وأنّه خرج من الدنيا دون أن يُكتبَ الحديث عنه .. والأهم من كلِّ ذلك أنّها تُناقضُ حقيقةَ السنّةِ الشريفةِ كونَها متعلّقةً بتفصيل كليّاتِ كتابِ الله تعالى التي نزلت على مدار ( 23 ) عاماً ، وليس دفعةً واحدة من السماء ..

   .. من يقرأ كتاب الله تعالى وروايات التاريخ ذاتها يرى أنَّه ليس كُلُّ ما نطقَ به الرسول ( ص ) سنةً مفصّلةً لكليّات كتاب الله تعالى ، فهناك ما نطق به وما فعله ( ص ) كنبيٍّ وليس كرسول .. وبالتالي فكتابةُ كُلِّ ما نطقَ به النبيُّ ( ص ) – كما يُزْعَمُ في هذه الرواية – هي فعلٌ يسيءُ إلى السنّةِ الشريفة ويخلطها بما لا يمتُّ إليها بشيء ، فكم نطقَ ( ص ) في مواقفَ لم ينزل النصّ القرآنيّ المناسبُ لها لحظة ذلك النطق ، أي كم نطقَ بأمورٍ ليست من الشريعة ، وذلك بسبب عدم نزول النصِّ القرآني المناسب لحظة ذلك النطق ..

   .. كيف يستشهدون بمثلِ هذه الرواية التي تناقضُ مجمل الروايات التي تُؤكّدُ أنّه ( ص ) أمرَ بعدمِ كتابةِ الحديث عنه وتؤكّدُ أنّه حُرِقَ ما كتبه بعضهم .. ومعَ كلِّ ذلك .. كيف يكون كلُّ ما نطقَ به ( ص ) من الله تعالى وسنّةً يجبُ اتّباعُها ، والله تعالى يقول في كتابه الكريم : (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ )) [ التوبة : 43 ] ..

   .. أليس إذنُهُ ( ص ) للمعنيين بهذه الآيةِ الكريمة نُطْقَاً خرجَ مِن فِيِه ؟ .. فكيف إذاً يكون هذا النطقُ سنّةً مُرادةً من الله تعالى ، في الوقتِ ذاتِه الذي يُعاتبُ الله تعالى نبيَّه على ذلك .. أيُّ عقلٍ سليم يستطيعُ تصوّرَ ذلك ؟ !!! ..

   ألم يُقرّ ( ص ) بأن يتزوَّج الرجل من امرأة أبيه بعد موت أبيه ، وذلك قبل أن ينزل قوله تعالى (( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )) [ النساء : 22 ] ؟ .. فما هي الخدمة التي سيقدِّمها عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو للسنّة الشريفة في كتابته المزعومة في هذه الرواية الموضوعة ، إن كتب هذا الإقرار للنبيِّ ( ص ) ؟!!! .. وما هي الخدمة التي سيقدِّمها عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو للسنّة الشريفة في كتابته المزعومة في هذه الرواية الموضوعة وذلك حينما يكتب إقرار النبيِّ ( ص ) بأن يجمع الرجل بين الأختين قبل تحريم ذلك في كتاب الله تعالى ؟!!! ..... أليست كتابة ذلك هي مخالفة للسنّة الشريفة التي هي تفصيل لكليّات النصِّ القرآني (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) [ النحل : 44 ] ؟ .. ما الفائدة من كتابة كلِّ ما نطق به ( ص ) ؟ .. ولماذا لا تُوجد الآن نسخة واحدة ممّا كتب عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أو رواية واحدة فيها مجرَّد إشارة إلى أنَّها منقولة عن صحيفة كتبها عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ؟!!! .. المسألة من أوَّلها إلى آخرها مُلفّقة في رواية موضوعة يُدركَ حقيقةَ وضْعِها كُلُّ من يدرك حقيقة دلالات كتاب الله تعالى وحقيقة السنّة الشريفة مطّلعاً على مجمل الروايات التي بين أيدينا ..

   .. وحتى لو سلّمنا – جدلاً – بصحّة هذه الرواية ، أليست الكلمتان [[ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ ]] في عبارات هذا الحديث [[ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ]] ، أليست تعنيان أنَّ قريشاً لم تكن تكتب الحديث عن النبيِّ ( ص ) وإلاَّ لما نهته ؟!!! .. فكيف إذاً يمكن الاستشهاد بهذه الرواية على كتابة الحديث في عصر النبيِّ ( ص ) كمبدأ يُخطَب به على المنابر لذر الرماد في الأعين ، في الوقت الذي رأينا فيه الكثير من الروايات التي تنهى عن كتابة الحديث عن النبيِّ ( ص ) ، دون أن نرى أيَّ عبارة – في هذه الروايات – تشير ولو مجرَّد إشارة إلى أنَّ هذا النهي كان في بداية الدعوة من أجل ألا يختلط الحديث بالقرآن ، وأنَّ هذا النهي انتهت صلاحيّته في نهاية الدعوة ؟!!! ..

   .. ومع كلِّ ذلك .. أين هو الحديث الموجود بين أيدينا والذي تُشيرُ صياغته اللغويّة ( ولو مجرّد إشارة ) إلى أنّه كُتبَ بين يدي الرسول ( ص ) ، أو في عصره ، أو حتى في عصر غيره ، وذلك من أيّ صحيفةٍ من الصحف التي يُزعَم أنّها كُتبت في العصر الأوّل أو حتى في العقود اللاحقة ؟!!! ..

   نعود فنقول : هل هناك رواية واحدة بين أيدينا يُشار فيها مُجرَّد إشارة إلى أنَّها نُقلت من الخطبة التي يُقال بأنَّها كُتبت لأبي شاة أو ممّا كان يكتبه عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أو من غيرهما ؟!!!! ..

   .. إذاً العبارة المنسوبة إلى الرسول ( ص ) في الرواية التي رأيناها [[ اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ ]] ، مُلفَّقة على الرسول ( ص ) ، بمعنى أنّه ( ص ) لم يسمع بها ، ووُضعتْ لتمرير ما نهى الرسول ( ص ) عنه ... فالحديث من أوّله إلى آخره موضوع بِنِيّةِ إعطاءِ عابدي أصنام التاريخ ما يتّكئون عليه لاحقاً ( بعد وضعه ) للإساءة لمنهج الله تعالى ، ولوضع برزخٍ بين أبناءِ الأمّة وبين حقيقةِ كتابِ اللهِ تعالى ( القرآن الكريم ) ..

   .. مع كلِّ ذلك .. لو طلّقنا عقولنا ، ورمينا خلفَ ظهورنا ، كلَّ الروايات التي تُؤكّدُ أنّ الحديث لم يُكتَب بين يديِّ النبيّ ( ص ) .. لو طلّقنا عقولَنا وصدّقنا أنّ الأحاديثَ كُتبت بين يديّ النبيّ ( ص ) ، وجُمعَت في صحفٍ معروفة .. ما الضمان أنّها لم تُحرّف ولم تبدّل ولم تتمَّ الزيادة فيها والنقصان ، عندما جُمعت الروايات ووضعت في الصحاح بعد قرون من وفاة النبيّ ( ص ) ؟!!! .. أليست المسافةُ الكبيرةُ بين وفاة النبيّ ( ص ) وبين عصر التدوين ، بما حملت من حروبٍ وصراعاتٍ وتعصّب واستحواذ للسلطة ، وَقَطْعٍ لأعناق رجال الجيل الأوّل وما تبعه على أيدي إخوانهم ، أليست هذه المسافةُ الكبيرةُ بما حملت من فِتن وحروب تكفي لأنْ يحدثَ تدليسٌ وافتراءٌ يُنسبُ إلى النبيِّ ( ص ) ، من أجل الانتصار لتلك العصبيّات ؟ ..

   .. إنَّ المقوْلة بأنَّ النبيَّ ( ص ) إنّما نهى عن كتابة الحديث عنه في بداية الدعوة حتى لا يختلطَ بالقرآنِ الكريم ، ثمَّ عاد فسمحَ بكتابةِ الحديث عنه لاحقاً .. هذه المقولةُ وُضِعَتْ من أجل ذرِّ الرماد في الأعين ، وهي استخفافٌ بالعقول ، وتلبيسٌ على الحقيقة ... فهذه المقولةُ التي يدندن بها عابدو أصنام التاريخ ، تنقضُها أيٌّ من الحقائق التالية ..

   1 – لم ينقطعْ نزولُ القرآنِ الكريم حتى وفاة النبيّ ( ص ) .. وبناءً على حجّتهم الباطلة لا بدَّ أن يستمرَّ النهيُ عن كتابةِ الحديث ما دام النبيّ ( ص ) حيّاً ، لأنّه حسب الحجّةِ الواهية التي يُقدّمونها لذرّ الرماد في الأعين ، من الممكن أن يختلطَ الحديث بالقرآن في أيِّ وقتٍ من حياة النبيّ ( ص ) حتّى وفاتِه .. فكيف من الممكن أنْ يختلطَ الحديثُ بالقرآن في بداية الدعوة ، ولا يختلط في نهايتها .. وهل صياغةُ القرآن الكريم الذي نزلَ في نهايةِ الدعوة تختلفُ عن صياغةِ القرآن الكريم الذي نزلَ في بدايتها ؟!!! .. أيُّ عَقلٍ يُمكنه أنْ يقبلَ حُجّتَهم هذه ، وخصوصاً بعد أنْ يطّلع على الروايات التي ينهى فيها الرسول ( ص ) عنْ كتابةِ أيِّ شيءٍ عنه سوى القرآن الكريم ؟!!! ..

   2 – نحنُ نعلم أنَّ صياغةَ القرآنِ الكريم مُعجزةٌ من الله سبحانه وتعالى يتحدّى الإنسَ والجنّ أن يأتوا بمثلها ، ولا يستطيعُ بشرٌ الإتيانَ بمثله ، سواءٌ شخص النبيّ ( ص ) أم غيره .. وهناك آياتٌ عديدةٌ تصفُ النصَّ القرآنيَّ معجزةً مستحيلةً على المخلوقات .. مع هذه الحقيقة .. أليس زعمُهُم باختلاط الحديث بالقرآن الكريم هو إساءةٌ لصياغة النصّ القرآنيّ ، واتّهامٌ لها بأنّها لا تختلف عن صياغةِ البشر بحيث يتمّ الخوفُ من اختلاطها بصياغةِ كلام البشر حتى عند كتبة الوحي ذاتهم ؟ ..

   فكيف نقولُ للآخرين انظروا في صياغةِ النصِّ القرآني كم هو مُعجز ، وكيف أنَّه يستحيلُ على البشر أن يصوغوا نصاً من مثلِه ، ثمَّ بعدَ ذلك نقولُ لهم نهى النبيُّ ( ص ) عن كتابةِ الحديث عنه حتى لا يختلطَ مع القرآن عند كتبةِ الوحي ذاتِهم ، بمعنى أنَّ كتبةَ الوَحْيِ ذاتَهم لا يستطيعون التمييزَ بين النصِّ القرآني وبين نصِّ الحديث ؟‍‍‍!!! ..

   3 – رأينا كيف أنَّ عمر بن الخطّاب أحرق ما وجده مكتوباً .. فقد ورد في جامع بيان العلم وفضله ، ونحوه في تقييد العلم ، و طبقات ابن سعد :

   [[ أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي ( ص ) في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله تعالى فيها شهراً ، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله تعالى له ، فقال : إني كنت أُريد أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً ، فأكبّوا عليها وتركوا كتابَ الله ، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً ]] ..

   وورد في جامع بيان العلم وفضله (  لأبي عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي ) :

   [[ أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أراد أن يكتب السنَّة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه ]]

   .. وورد في تقييد العلم أنّ عمر بن الخطاب وقف يخطب في الناس قائلا ً:

   [[ أيها الناس ، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي ـ  قال ـ  فظنوا أنه يريد أن ينظرَ فيها ، ويقوِّمَها على أمْرٍ لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال : (( أمنية كأمنية أهل الكتاب )) .. كما أنه كتب إلى الأمصار : (( من كان عنده منها شيء فليمحه )) ]] ..

    4 – لو كان زعمُهم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لوصلنا – نصوصاً – بالتواتر ، ولَمَا اختلفت الأمّة لاحقاً في تلك الروايات ، وَلَما كان هناك اختلافٌ لدرجة التناقض بين روايات الحدث الواحد .. فوصولُ معظمِ الحديث إلى عَصرِ التدوين كروايات آحاد يكفي للقول بأنّه لم يُكتبْ في عصر النبيِّ ( ص ) ..

   .. وهنا نتوجّه للذين يزعمون أنَّ الحديث كُتِبَ بين يدي الرسول ( ص ) كالقرآن الكريم .. نتوجّه إليهم بالسؤال التالي : لماذا وصلت إلينا آياتُ كتابِ الله تعالى نصوصاً موثّقةً رسماً ، دون أن تُسبقَ بالكلمات : حدّثنا ، سمعنا ، أخبرنا ، قال فلان ؟!!! .. وفي الوقتِ ذاتِه لماذا لم تصل إلينا روايات الأحاديث إلاّ مسبوقةً بهذه الكلمات : حدّثنا ، سمعنا ، أخبرنا ..... ؟!!! .. ألا يعني ذلك أنَّ الآليّةَ التي وصلت من خلالها إلينا آياتُ كتابِ الله تعالى ، وهي الكتابةُ بين يدي الرسول ( ص ) وبإشرافه كما هو في اللوح المحفوظ ، تختلف عن الآليّة التي وصلت إلينا بها رواياتُ الأحاديث ، وهي جمع تلك الروايات من أفواه الرجال بعد قرون من موته ( ص ) ..

   .. إنَّ ما نراه في روايات الأحاديث التي بين أيدينا أنّها تبدأُ بالعبارات : حدّثنا ، سمعنا ، أخبرنا ، قال فلان ، سمع من فلان ..... في الوقت الذي لا نجدُ فيه روايةً تبدأُ بالعبارة : هذا ممّا نُقلَ من صحيفة كُتبَت بين يديِّ الرسول ( ص ) .. وكلُّ ذلك ينفي كتابتَها بين يدي الرسول ( ص ) ، ويؤكِّدُ بشكلٍ لا لبس فيه أنَّها أُخذت من الأفواه عن طريق السماع ..

   5 –  لو كان زعمُهم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لَمَا كان هناك ما يُسمّى بعلمِ الحديث ، وَلَما كانَ له أيُّ معنىً ، فَعِلْمُ الحديث هو القواعد والطرق التي اُتُّبِعَتْ في جمع الحديث من أفواه الناس وليس من صحفٍ مكتوبةٍ بين أيديهم ، وذلك للتمييز بين الصحيح منها وبين الموضوع أو الضعيف ، وهذا يؤكِّدُ أنَّ الحديث وصلَ إلينا من أفواه الناس ، وأنّه لم يصل إلينا عبرَ نصوصٍ كُتبت – كالقرآن الكريم – بين يدي الرسول ( ص ) .. ما قيمةُ ما يُسمّى بعلمِ الجرح والتعديل إن كانت الروايات مكتوبة بين يدي الرسول ( ص ) ؟!!! .. ولماذا كان مُعظمُ اهتمام علوم الحديث بالسند دون المتن إن كان الحديث قد كُتبَ بين يدي الرسول ( ص ) ؟!!! ..

   6 – لو كان زعمُهُم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لتناقضَ ذلك مع حقيقةِ السنّةِ الشريفة ، كونها تبياناً لِما نزَّله الله تعالى في كتابه الكريم .. يقولُ تعالى .. (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) [ النحل : 44 ] ..

    .. فكتابةُ كلِّ ما يقولُهُ ويفعله ( ص ) ، يُحدِثُ خلطاً بين ما فعلَه كسنّة ، وبين ما فَعَلَهُ كنبيٍّ وكشخص .. وقد بيّنا هذه الحقيقةَ بشكلٍ جليّ .. وبالتالي فالزعم بأنَّ الحديث كُتبَ بين يدي الرسول ( ص ) ، ناتجٌ عن جَهلٍ بحقيقةِ السنّة الشريفة ، وعن جهلٍ بعدم التمييز بين صفتي الرسول والنبي في شخصه ( ص ) ..

   7 – لو كان زعمُهُم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لتعارض ذلك مع كوْن حفظِ الله تعالى مقصوراً على حفظِ النصِّ القرآني ، دون أيِّ نصٍّ آخر ، يقولُ تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) [ الحجر : 9 ] ..

   .. صحيحٌ أنَّ السنّةَ الشريفة وُصفَت بالذكر : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) [ النحل : 44 ] ، ولكنَّها وُصِفَتْ متعلّقةً بصيغةِ الإنزال ، وليس بصيغة التنزيل .. فالعبارة القرآنيّة (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) واضحةٌ جليّة في وَصْفِ السنّة متعلّقةً بصيغة الإنزال ، والعبارة القرآنيّة (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ )) واضحةٌ جليّةٌ في وَصْفِ القرآن الكريم متعلّقاً بصيغة التنزيل ..

   .. وقد بيّنت في كتاب : سلّم الخلاص ، أنَّ النصَّ القرآنيَّ هو الوحيد الذي نزَّلَه اللهُ تعالى من عندِه ( بصيغة التنزيل من الفعل نزَّل ) ، في حين يشترك مع باقي الكتب السماوية بصفة الإنزال ( من الفعل أنزل ) .. وبيّنت أنَّ قولَ تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) ، يصفُ لنا حفظَ الله تعالى للقرآن الكريم حصراً ، فكلمةُ الذكر هنا تعني القرآن الكريم حصراً ، بدليل تعلّقها بصيغة التنزيل وليس الإنزال .. وبيّنت أنَّ حفظَ الله تعالى للسنّةِ الشريفة هو من بابِ كونها محتواةً في النصِّ القرآني الذي تكفّلَ اللهُ تعالى بحفظه .. فالسنّةُ الشريفةُ المحفوظةُ هي المحتواةُ في النصِّ القرآنيِّ المُنزَّل من عند الله تعالى ، والذي تكفّلَ اللهُ تعالى بحفظه ، وليست نصّاً مستقلاً عن النصّ القرآني كما يُسوِّقُ عابدو أصنام التاريخ ..

   .. والله تعالى يُحذّرنا من رفعِ أيِّ نصٍ غيرِ النصّ القرآني إلى درجة الإيمان الكامل كإيماننا بالنصّ القرآني : (( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )) [ الجاثية : 6 ] .. فالعبارة القرآنيّة (( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ )) تعني النصَّ القرآنيَّ دون غيرِه ، والعبارة القرآنيّة (( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )) تُبيّنُ لمن يملكُ إرادةَ فهمٍ للحقيقة ، أنَّه لا يجوزُ لنا أنْ نُؤمن بأيِّ نصٍ غير النصِّ القرآني ، إيماناً كاملاً موازياً لإيماننا بالنصِّ القرآني ..

   .. وممّا لا شكّ فيه أنّ نصوصَ رواياتِ الأحاديث تختلفُ عن النصّ القرآني .. وممّا لا شكَّ فيه أنَّ نصوصَ الروايات أتتنا بأدوات تاريخيّة لا تخلو من الأخطاء والأهواء .. كلُّ ذلك يؤكّدُ أنَّ النصَّ الوحيد الذي تكفّل الله تعالى بحفظه هو النصُّ القرآنيُّ حصراً .. وبالتالي لا يمكن أن يكون نصُّ الحديث قد كُتب بأمرٍ من الله تعالى وتحت إشرافه ( ص ) ، كما يُلبِّسون على الحقيقة ..

   8 – لو كان زعمُهُم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، وأنّ نهيَ الرسول ( ص ) بعدم كتابة الحديث عنه إنّما كان في بداية الدعوة ، ثمّ عاد ( ص ) ونَسخَ ذلك بإباحةِ هذه الكتابة في نهاية الدعوة .. لو كان ذلك صحيحاً لتعارض مع الظروف الصعبة التي مرّ بها ( ص ) في بداية الدعوة في مكّة ، حيث لم تكن كتابة الأحاديث في تلك الظروف الصعبة موضعَ تفكيرٍ من أحد .. ولو فرضنا – جدلاً – أنَّ هناك نسخاً في هذا الأمر ، لكان النهيُ ناسخاً للإباحةِ ، وليس العكس ، وذلك بدليلِ أنَّ ما عليه جلّ الصحابة – بعد وفاة النبيّ ( ص ) – هو عَدَمُ الكتابةِ وَحَرْقُ ما كتبه بعضُهم ..

   .. وهنا نريد أن نسأل الذين يُلبِّسون على الناس بأنَّ أمْرَ النبيّ ( ص ) بعدم كتابة الحديث عنه إنّما كان في بداية الدعوة ، وأنَّه ( ص ) عاد وأباح الكتابة بعد أن استقرَّت الأمور ، نقول لهم : هل أسلم أبو هريرة في بداية الدعوة أم في نهايتها وبعد أن استقرَّت الأمور ؟ .. وبناء على ذلك ماذا تقولون في الرواية التالية :

   أحمد ( 10670 ) :

   حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا قُعُوداً نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا هَذَا تَكْتُبُونَ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ مِنْكَ فَقَالَ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ فَقَالَ اكْتُبُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَكِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ خَلِّصُوهُ قَالَ فَجَمَعْنَا مَا كَتَبْنَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْرَقْنَاهُ بِالنَّارِ قُلْنَا أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَحَدَّثُ عَنْكَ قَالَ نَعَمْ تَحَدَّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَحَدَّثُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ تَحَدَّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ فَإِنَّكُمْ لَا تَحَدَّثُوا عَنْهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَعْجَبَ مِنْهُ

   .. هنا أبو هريرة يصف موقفاً مع النبيِّ ( ص ) ، وبالتالي كان أبو هريرة مسلماً ، ومعلوم أنَّ أبا هريرة أسلم في نهاية الدعوة بعد أن استقرَّت الأمور وليس في بدايتها ، ويقول في هذه الرواية : إنَّ النبيَّ ( ص ) قال محتجّاً على كتابة الحديث عنه : [[ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ فَقَالَ اكْتُبُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَكِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ خَلِّصُوهُ قَالَ فَجَمَعْنَا مَا كَتَبْنَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْرَقْنَاهُ بِالنَّارِ ]] ؟!!!!!!! .. فكيف إذاً يتمّ التلبيس على الناس بأنَّ نهي النبيّ ( ص ) عن كتابة الحديث عنه إنّما كان في بداية الدعوة ، وأنَّه عاد عن هذا النهي بعد أن استقرَّت الأمور ؟!!!!!!! .. ألا يبيّن هذا الحديث أنَّ نهيَ النبيِّ ( ص ) عن كتابة الحديث عنه استمرَّ إلى ما بعد إسلام أبي هريرة ، وأنَّه تمَّ حرق ما كُتب في نهاية الدعوة بأمرٍ من الرسول ( ص ) ذاته ؟!!!!!! .. أم أنّ أبا هريرة كان يسمع هدي النبيِّ ( ص ) ويكتبه قبل إسلامه ؟!!!!!!! ..

   .. ثمَّ كيف نُوفِّق بين القول المنسوب لأبي هريرة في رواية أُخرى يستشهدون بها على كتابة الحديث كما رأينا [[ مَا مِنْ أصْحَابِ النبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثَاً عَنْهُ مِنّي إِلاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلا أَكْتُبُ ]] من جهة ، وبين القول الذي ينسبه أبو هريرة ذاته إلى النبيّ ( ص ) بأنَّه قال : [[ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ فَقَالَ اكْتُبُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَكِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ خَلِّصُوهُ ]] وفي الوقت الذي يقول فيه أبو هريرة [[ فَجَمَعْنَا مَا كَتَبْنَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْرَقْنَاهُ بِالنَّارِ ]] من جهة أخرى ؟!!!!!!! ..

   .. أم أنَّ أبا هريرة في هذه الرواية هو رجل آخر غير أبي هريرة في الرواية الأُخرى ؟!!!!!!! .. أم علينا أن نُطلِّق عقولنا ونغمض أعيننا عن هذه الحقائق كي لا نُتَّهم بإنكار السنّة الشريفة من قِبَل السرساوي والزغبي وغيرهما ؟!!! .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   9 – لو كان زعمُهُم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لوصلتنا جميعُ خطبه ( ص ) مسطورةً من صحفٍ كُتبَت بين يديه ، أو على الأقل لوصلنا معظُمها .. فكتابة خُطبِ الجمعة أولى بالكتابةِ من تسطيرِ أحداث جزئيّة محدودة .. لو كان زعمُهُم صحيحاً ، فأين هي النصوص التي تُسطّرُ الكثير من خطب الجمعة التي ألقاها ( ص ) في المدينة تسطيراً منقولاً من صحفٍ كُتبَت بين يديِّ الرسول ( ص ) ؟‍‍‍‍‍‍‍!!! ‍‍‍..

   10 – لو كان زعمُهُم صحيحاً بأنّ الحديثَ كُتبَ في عصرِ الرسول ( ص ) ، لتركّزت شروط الصحّة على المتن وليس على السند .. فكتابة الحديث عبر نصوصٍ مدوّنةٍ بين يديه ( ص ) ، تجعلُ من مسألةِ السندِ مسألةً ليست ذات قيمة .. ولكن ما نراه أنّ شروط الصحّة عندهم تتركّز على السند دون المتن ، وهذا يُؤكّدُ أنَّ الحديثَ جُمعَ من أفواه الرجال ، وليس من نصوصٍ مكتوبةٍ بين يدي الرسول ‍) ص ) ..

   .. نعم .. لقد توفيّ النبيُّ ( ص ) ولم يُكْتَبْ عنه الحديثُ أبداً ... والحديث التالي يُبيّنُ هذه الحقيقةَ بشكلٍ جلي ..

   البخاري (4631) :

   حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ

   .. كيف يُعرضون عن الدلالات الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار في هذا الحديث : [[ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ]] ؟!!! .. أم أنَّهم كانوا موجودين حينما سُئل ابنُ عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة السؤال : [[ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ ]] ، ويعلمون أكثر منهما عن حقيقة هذه المسألة ؟!!! .. أم أنَّهم سيتنكّرون لِدلالات هذه الرواية التي تُفسد عليهم منهجَهم التراثي الصنمي ؟!!! .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   ولننظر في الحديثين التاليين ..

   البخاري (6394) :

   حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْماً يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

   البخاري (6404) :

   حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيٍّ ح حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْماً يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

   .. ومهما اخترعوا من تخريجاتٍ يأتون بها من جيوبهم ، لا يستطيعونَ أن يبنوا تأويلاتٍ على العبارة الواردة في هذين الحديثين : [[ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ ]] ، لأنَّ ما في هذه الصحيفة تُبيّنُه العباراتُ الواردةُ في هذين الحديثين : [[ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ]] ..

   .. ولا يستطيعونَ أن يبنوا – أيضاً – تأويلاتٍ على الحديث التالي ، فالعبارة الواردة فيه : [[ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ]] ، يُبيّنها متنُ الحديث ذاته :

   البخاري ( 2936 ) :

   حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَقَالَ فِيهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الْإِبِلِ وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ

   .. كيف يزعمون أنَّ الحديثَ كُتبَ بينَ يديِّ الرسول ( ص ) ، في الوقت الذي يقرؤون فيه الحديثين التاليين ..

   أحمد ( 1810 ) :

   حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ وَكَانَ الْمُخْتَارُ يَقُولُ الْوَحْيُ

   أحمد ( 6686 ) :

   حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا كَالْمُوَدِّعِ فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ ثَلَاثًا وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَجَوَامِعَهُ وَخَوَاتِمَهُ وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُجُوِّزَ بِي وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ

   .. نهايةُ الحديث – كما نرى – نصٌّ يُنسَبُ إلى الرسول ( ص ) هو : [[ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ ]] ، وهذا النصُّ ينفي وجودَ نصٍّ آخر مع نصِّ القرآن الكريم ، فالرسول ( ص ) لم يقل : [[ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ والحديث الذي بين أيديكم أَحِلُّوا حَلَالَهماُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهماُ ]] .. إنّما يقول : [[ فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ ]] ..

   .. ولننظر في الحديث التالي :

   أبو داود ( 3163 ) :

   حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ مَا كُنَّا نَكْتُبُ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُرْآنِ

   .. إذاً .. مجملُ هذه الأحاديث يُؤكِّدُ أنَّ ما كان يُكتَب في عصر النبيِّ ( ص ) هو النصُّ القرآنيُّ حصراً ..... وحتّى لو فرضنا جدلاً صحةَ زعْمِهِم بوجودِ صحفٍ كُتِبَ فيها الحديثُ بين يديِّ الرسول ( ص ) ، فإنَّ هذه الصحفَ المزعومةَ لا قيمةَ لها في عمليّة التدوين بعد قرون ، بدليلِ عدمِ وجود رواية منقولةٍ من أيٍّ من تلك الصحف ... وما هو الضمان أنّها لم تُحرّف ولم تبدّل ولم تتمّ الزيادة فيها والنقصان ، عندما جُمعت الروايات بعد قرون من وفاة النبيِّ ( ص ) ؟!!! .. أليست المسافةُ الكبيرةُ بين وفاة النبيِّ ( ص ) وبين عصر التدوين ، وما حملت من حروبٍ وصراعاتٍ وتعصّب واستحواذ للسلطة ، أليست تكفي لأنْ يحدثَ تدليسٌ وافتراءٌ يُنسبُ إلى الرسول ( ص ) ، من أجل الانتصار لتلك العصبيّات ..

   .. ومن قال أصلاً إنَّ أفراد الجيل الأوَّل ذاتهم كانوا يسلّمون لكلِّ من يقول لهم قال رسول الله ( ص ) .. لننظر في الحديث التالي ..

   مسلم : (3915) :

   حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ أَلَا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ أَلَا وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا و حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى

   .. أليس المعنيون بقولِ أبي هريرة :  [[ أَلَا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ ]] ، أليسوا من رجالات الجيل الأوّل ، بل ومنهم من أخذ عنه مُسلم ؟ .. ألا تحملُ هذه الروايةُ شكّاً من بعضِ رجالات الجيل الأوّل بما كان يُحدّثُه أبو هريرة عن النبي ( ص ) ؟ ..... في هذه الرواية نرى صيغةَ المخاطَب دون الغائب : [[ أَلَا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ ]] ، إذاً الذين كانوا يتّهمون أبا هريرة بالكذب على الرسول ( ص ) منهم راوي الحديث وغيره من رجال الجيل الأوّل الموجودين حينما تحدّث أبو هريرة بحديثه هذا .. فأبو هريرة لم يقل : [[ أَلَا إنّهم يَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَهتدوا وَأَضِلَّ ]] ، إنّما يقول : [[ أَلَا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ ]] ..

   .. وبناءً على هذه الرواية في الصحاحِ ذاتِها ، كيف يُمكننا أن نُنكرَ ما رُويَ في البداية والنهاية عن السائب بن يزيد إذ قال :

   [[ سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس ، وقال لكعب الأحبار : لتتركن الحديث عن الأُوَل أو لألحقنك بأرض القردة ]] ..

   .. وبناءً على هذه الرواية في الصحاحِ ذاتِها ، كيف يُمكننا أن نُنكرَ ما رُويَ في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي عن السائب بن يزيد إذ قال :

   [[ أرسلني عثمان بن عفّان إلى أبي هريرة قال : قل له : يقول لك أمير المؤمنين : ما هذا الحديث عن رسول الله ( ص ) ؟ لقد أكثرت لتنتهين أو لألحقنك بجبال دوس …  ]] ..

   .. أليس من الممكن أن يُفهمَ من الروايةِ التالية أنَّ الزُّبَيْرَ يغمزُ من بعض من كان يُحدّثُ عن الرسول ( ص ) ..

   البخاري (104) :

   حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

   .. فالزُّبيْرُ في هذه الرواية يؤكّدُ أنّه لم يفارق الرسول ( ص ) .. وعلى الرغم من ذلك لم يُحّدث مثل فلان وفلان لأنّه سمع الرسولَ ( ص ) يقول : [[ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ]] ..

   .. ولننظر في الحديث التالي ..

   أحمد ( 19047 ) :

   حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ الْغَنَوِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْ مُطَرِّفُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرَى أَنِّي لَوْ شِئْتُ حَدَّثْتُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لا أُعِيدُ حَدِيثاً ثُمَّ لَقَدْ زَادَنِي بُطْئاً عَنْ ذَلِكَ وَكَرَاهِيَةً لَهُ أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدْتُ كَمَا شَهِدُوا وَسَمِعْتُ كَمَا سَمِعُوا يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُمْ لا يَأْلُونَ عَنْ الْخَيْرِ فَأَخَافُ أَنْ يُشَبَّهَ لِي كَمَا شُبِّهَ لَهُمْ فَكَانَ أَحْيَانًا يَقُولُ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنِّي سَمِعْتُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ صَدَقْتُ وَأَحْيَاناً يَعْزِمُ فَيَقُولُ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي هَانِئٌ الْأَعْوَرُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ هُوَ ابْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ زَادَ فِيهِ رَجُلاً

   .. أليست العبارات [[ أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدْتُ كَمَا شَهِدُوا وَسَمِعْتُ كَمَا سَمِعُوا يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ ]] دليلاً جليّاً على أنَّ الخلط والنسيان والوضع بدأ منذ الجيل الأوَّل ؟!!! .. كيف يعرضون عن هذه الدلالات الواضحة وضوح الشمس وسط النهار ؟!!!!!!! ..

   .. ولننظر إلى الرواية التالية كيف تُصوِّرُ بدايةَ الوضعَ على الرسول ( ص ) منذ الجيل الأوّل ، وكيف أنّ الاعتصامَ بالقرآن الكريم هو المخرجُ الوحيد للوصول إلى الحق ..

   الدارمي ( 3197 ) :

   أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ عَنْ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ عَنْ الْحَارِثِ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أُنَاسٌ يَخُوضُونَ فِي أَحَادِيثَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ فَقُلْتُ أَلَا تَرَى أَنَّ أُنَاساً يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ قَدْ فَعَلُوهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَتَكُونُ فِتَنٌ قُلْتُ وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا قَالَ كِتَابُ اللَّهِ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ

   الدارمي ( 469 ) :

   أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ عِنْدَ نَاسٍ كِتَاباً يُعْجَبُونَ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَتَوْهُ بِهِ فَمَحَاهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى كُتُبِ عُلَمَائِهِمْ وَتَرَكُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ

   .. لَمّا كان المخرج من الفِتِن الناتجة عن الخوض في الأحاديث هو كتابُ الله تعالى : [[ قَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَتَكُونُ فِتَنٌ قُلْتُ وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا قَالَ كِتَابُ اللَّهِ كِتَابُ اللَّهِ ]] ، وهذه الحقيقةُ موجودةٌ في كتب الحديث ذاتِها .. فلماذا تُرْفَعُ هذه الروايات إلى درجة المقدَّس الذي تُعتبر فيه جزءاً من المنهج ، بل وتملك صلاحيةَ نسخِ بعضِ أحكام كتابِ الله تعالى كما يزعم بعضهم ، وتملك صلاحيةَ تخصيص مطلق أحكام كتاب الله تعالى وإطلاق مخصّصه ، كما يزعمون ؟!!! .. لماذا لا يكونُ معيارُ صحّتها مُجرّداً عن السند ومستنداً إلى موافقتِها لدلالاتِ كتابِ الله تعالى ؟!!! .. نترك الإجابة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ..

   .. وهذا الشَّعْبِيُّ قد جالسَ ابنَ عُمر سنةً ، ولم يسمعه يذكر حديثاً عن الرسول ( ص ) ..

   الدارمي ( 275 ) :

   أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً فَلَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ حَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

   ابن ماجة ( 26 ) :

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئاً

   .. فمن أين أتتنا – إذاً – الأحاديثُ المرويّةُ عن عبد الله بن عُمر ؟!!! .. أم أنَّ هذه الروايةَ ليست صحيحة ؟!!! .. أم أنَّ ابن عمر كان أبكماً في السنة التي جالسه فيها الشَّعْبِيُّ ؟!!! .. أم أنّنا نحتاجُ لتخريجِ ذلك تأويلاً نأتي به من جيوبنا ؟!!! ..

   .. الشَّعْبِيُّ في هذه الرواية لم يكن مُجرّدَ راوٍ لحادثة تاريخيّة ، الشَّعْبِيُّ في هذه الرواية يُبيّنُ مبدأً هو عدمُ كتابةِ أيِّ حديثٍ ممّا كان يُروى عن النبيّ ( ص ) .. وفي الحديث التالي تبيانٌ لمن يُريدُ فهم الحقيقة ..

   الدارمي ( 482 ) :

   أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ وَلَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثاً مِنْ إِنْسَانٍ

   والأحاديث التي تثبت فساد ما يذهبون إليه وصحّة ما نذهب إليه كثيرة ، ولا لأريد الإطالة فردّي قادمٌ – بإذن الله تعالى – وفي الفضائيّات لأفنّد كلَّ المزاعم التي يلبّسها المهرّجون ويفتريها المفترون ، وذلك كلمة بكلمة ، لأبيّن للعالم من الذي يفتري على السنّة الشريفة ، ومن الذي يتاجر بها ، ومن الذي يدافع عنها .. ولكنّني انتظر لينتهوا من ردودهم ، فنحن لسنا في عجلة من أمرنا ، ويكفي الباحث عن الحقيقة أن يعود ليشاهد برنامج المعجزة الكبرى ليرى صحّة ما نذهب إليه ، وكيف أنَّ رأسمالهم التهريج وذرّ الرماد في الأعين والاتّهامات الباطلة ..

   .. هذه الكلمات ليست ردّاً ، إنّما هي نقطة من بحر الردّ القادم على كلِّ مهرِّج ينثر الظلام والتكفير والفتن الطائفيّة والمذهبيّة ، متاجراً بالسنّة الشريفة ، جاعلاً لها شمّاعة يعلّق عليها أهواءه الفاسدة ورآه الضالة ..

   .. وبعد هذا البيان أقول لمازن السرساوي ( وأمثاله ) : يا حبيبي الشاطر من الذي يُحرِّف و (( يقمِّش )) على حدِّ تعبيرك ؟!!! .. هذا السؤال لا أطرحه عليك ، بل أطرحه على كلِّ باحث عن الحقيقة ، قيمة كتاب الله تعالى في قلبه ووجدانه أكبر من التاريخ برجالاته ورواياته ..

   .. أقول لكلِّ إنسان شاهدَ الحقَّ في برنامج المعجزة الكبرى ، أنظر كيف يفترون علينا ، ثم عد وشاهد الحلقة المتعلّقة بما افتروه ، فسترى حين ذلك حجم افترائهم وحجم ابتعادهم عن حقيقة ما يحمله كتاب الله تعالى من أدلّة ..

    القضية ليست شخصيّة ، وما كنت لأنزل إلى مستوى الرد على هؤلاء لولا الخطر الذي يشكّله هذا الفكر التكفيري الظلامي على المجتمعات قاطبة ، فالذي لا يرى الآخر إلاَّ كافراً أو ضالاً أو منافقاً ، هو خطر ليس فقط على الأشخاص وحياتهم ، إنّما هو خطر أيضاً على كلِّ إبداعٍ إنسانيٍ وعلى كلِّ نتاج عقلي ..

   .. فحتى الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، لم تسلم من تكفير هؤلاء ، ففي لقاء لها على قناة الفراعين قالت :

   [[ وأنا أوَّل من تمَّ الهجوم علي وطُلِب إهدار دمي ، من إحدى هذه القنوات ، طُلب إهدار دمي علناً ، وأنا مسلمة الحمد لله وفي هذا المجال ........... وبعدين الشيخ الزغبي ده أنا أعرف كويس جداً أنّه يتلفّظ بألفاظ لا أستطيع أن أقولها في هذا الموضوع ، لماذا ؟ ....... ]] ..

   وفي برنامج على قناة الحكمة قال المدعو الشاطر مازن السرساوي :

   [[ دول يمنعو ، فوراً ، يعني تقطع ألسنتهم ، ويُبعَد شرُّهم عن الناس ، مش يقلي والله انجيبهم انخليهم الناس تسمعهم ونعرض الرأي والرأي الآخر ، ده كلام فارغ ، هذي سفاهة ، هذا تضييع لدين المسلمين ، مش كلّ الناس فاهمة في الردود ، ومش كل الناس تفهم ترد على أهل البدع ، فينبغي قطع ألسنة هؤلاء ، وإبعادهم عن التصدّر للخلق ، وده اللي كان عملو عمر رضي الله ................. ]] ..

   .. وعلى قناة الحافظ خرج الشيخ حسن آل زبادي ليقول :

   [[ بداية بعض العمائم كمحمد عبده ، ومن قبله جمال الدين الأفغاني ، أو الطهطاوي ، أو الكواكبي ، أو من بعده سليم البشري ، أو في زماننا هذا الغزالي مثلاً حاول كثيراً أن يطعن في هدي وفي سنّة النبيِّ ( ص ) ، وفي الكثير منها ، كذلك من المفكِّرين قطيعٌ طويل منهم حسن الترابي ، محمد عمارة ، فهمي هويدي ، سليم العوا ، وغيرهم من الجدد الآن ، من الأقزام الجدد ، القمني ، وعدنان الرفاعي ، وغير هؤلاء ، ما زالوا اليوم إلى يومنا هذا يحاولون فصل الدين عن الدولة ، ويظهروا للناس ديناً عصرانيّاً ، ديناً معتدلاً ، ديناً وسطيّاً ............... ]] ..

   .. وكنّا قد رأينا قول محمد الزغبي على فضائيّة الخليجيّة وبعد اتّهامنا ظلماً وعدواناً بإنكار السنّة :

   [[ وهؤلاء ليسوا من المسلمين في شيء ، اللي بنكروا السنّة مطلقاً أجمع العلماء على كفرهم ، دُول أجراء مرتزقة ، عملاء ]]

   .. أقف هنا لأدقَّ ناقوس الخطر بسبب هذا الفكر الظلامي التكفيري ، فهؤلاء – إن استمروا في بثِّ أفكارهم الظلاميّة التكفيريّة – سيدعون في يومٍ من الأيام إلى تدمير الموروث الثقافي في كلِّ البلدان ، فليس من الغريب أن يأمر هؤلاء بتدمير الأهرامات ، وبنسف المتاحف ، فقد فعلوا شبيه ذلك في أفغانستان .. وليس من الغريب أن يأمر هؤلاء الظلاميّون بتدمير المراكز الثقافيّة وكليّات الفلسفة والآداب ، وكليّات الفنون الجميلة بحجّة أنَّها تستخدم الرسم وسيلة في إبداعها ، وقد رأيناهم كيف كانوا يقتلون أصحاب محلات الحلاقة بحجّة أنَّها تحُلق فيها اللحى .. وسيأتي اليوم الذي تدفع فيها المجتمعات التي تحتضنهم وتصفق لهم ضريبةً باهظة من اقتتال طائفي ومذهبي بين أبناء الشارع الواحد والبناية الواحدة بل بين أبناء الأسرة الواحدة .. وسيأتي اليوم الذي يمنعون فيه البنات من الذهاب إلى المدارس كما فعلوا في أفغانستان ، وسيأتي وسيأتي وسيأتي ..

   .. إذا كانوا يكفِّروننا فقط لأننا نفعّل عقولنا في بعض روايات التاريخ على ضوء نور كتاب الله تعالى ، دون أن نفرض ذلك على أحد ، وفي الوقت الذي نقول فيه لا يحق لإنسان أن يكفّر إنساناً ، ولا أن يفرض رأيه على إنسان ، فلأجل ذلك يكفِّروننا .. فما الذي يرجى من هؤلاء ؟!!! ..

   .. أدق ناقوس الخطر ، وأقول : سيأتي اليوم الذي يثبت فيه الزمن أنَّ كلَّ هذه الأخطار وأكثر منها قد حصلت .. سيأتي اليوم الذي تتمنى فيه المجتمعات لو وضعت حدّاً لهؤلاء قبل فوات الأوان ، وذلك بمنعهم من تكفير الناس ، وبمنعهم من إثارة الفتن الطائفيّة والمذهبيّة ، وبمنعهم من نشر كلّ ما هو ظلامي وتحريضي ..

   .. أتوجه إلى كل العقلاء في عالمنا العربي والإسلامي ، وأتوجه إلى أصحاب القرار على كلّ الصعد ، لأدق ناقوس الخطر ، فهذا الفكر التكفيري الظلامي الذي لا يريد سماع رأي آخر ، والآخر عنده كافر أو ضال أو فاسق ، سيجر كلَّ الأوطان الآمنة إلى مستنقعات الفتن والاقتتال والتناحر .. فهؤلاء يكفِّرون أتباع الأديان الأخرى في البلدان العربية والإسلامية ، ويكفرون أتباع المذاهب الأخرى في هذه البلدان ، ولا يريدون وجود رأي آخر مخالف لفكرهم التكفيري الظلامي ..

   وإن استمر هذا الفكر التكفيري الظلامي فما على أتباع الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى وأصحاب العقول الذين يأبون أن يكونوا رؤوساً في قطيع يقوده هؤلاء المهرّجون ، وذلك في عالمنا العربي والإسلامي ، ما عليهم إلاّ البحث عن آليات يدافعون بها عن أنفسهم ..

   .. يخرجون على الفضائيات يومياً ليقولوا : الصوفية ضالون وفكرهم باطل ، والشيعة كفّار وعقيدتهم فاسدة ، والمعتزلة ضالون وعقيدتهم فاسدة ، والإباضية ضالون وعقيدتهم فاسدة ، والأشاعرة ضالون وعقيدتهم فاسدة ، والجهمية ضالون وعقيدتهم فاسدة ، والزيدية ضالون وعقيدتهم فاسدة ، وأتباع باقي الديانات الأخرى كفار ، وفلان كافر ، وفلان ضال ، وفلان فاسق ، وَ ............ وكل هؤلاء مصيرهم جهنم ، ولا يحق لهم التحدث والتعبير عما يعتقدون ، وأن المؤمنين هم فقط أتباعهم من التكفيرين الظلاميين الذين يسعون لتطهير الأرض من البشر ليبقوا لوحدهم على ظهرها ..

   .. أقول لهؤلاء الذين يخرجون علينا وعلى غيرنا بكلمات بذيئة : فكركم التكفيري الظلامي البذيء يحمل في بنيويَّته معاول الهدم ، فحتى لو قتلتم كل الآخرين ، ستعودون لتتقاتلوا فيما بينكم ، لأن فكركم الذي يعتبر العقل عدواً لا يؤدّي إلاّ إلى إغراق الأوطان في مستنقعات الدم والتمزّق والظلام والجهل ..

   .. أقول وبأعلى صوت .. نحن لا نخشى من الجهر بالحق ، راجين الله تعالى أن نكون من المعنيين بقوله (( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ )) [ المائدة : 54 ] .. ونحن لا نخشى التهديد بالقتل ، فحياتنا التي نذرناها خدمة لمنهج الله تعالى هي بيد الله تعالى .. وإن قتلَنا هؤلاء ، فدماؤنا أمانة في أعناق كلِّ الشرفاء .. وهؤلاء المحرِّضون على قتلنا بطريق أو بآخر هم المسؤولون عن ذلك أمام الله تعالى وأمام كلِّ الأحرار ..

    

   والله تعالى وليّ التوفيق

   المهندس عدنان الرفاعي

    
 يمكنكم تحميل حلقات برنامج المعجزة الكبرى من الرابط ومنه يمكنكم تحميل حلقات المتعلقة بالسنة المذكورة في القرآن الكريم من هنا

http://www.4shared.com/dir/3ZITMogP/sharing.html


 وايضا يمكنكم تحميل ملف الرد على صيغة بي دي اف
والحمد الله رب العالمين

اجمالي القراءات 30700