الكفر
الكافر بالإيمان

زهير قوطرش في السبت ٠١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 الكافر بالإيمان؟

 

كثرت على الفضائيات الإسلامية والعربية فتاوى التكفير ,التي  يبجح بها رجال دين امتهنوا صنعة الدين .وصار ظهورهم  اليومي  على شاشات الفضائيات المعروفة كظهور القادة السياسيين في الأنظمة الشمولية  .وكيف لا.... وهم الأكثر قدرة على لعب دور  وكيل الخالق معاذ الله وهذا كله يتم بدعم من أموال البتر دولار المخصصة  لنشر فكر  المتطرفين من السلفيين والوهابين الذي يشوه حقيقة الإسلام في العالم الإسلامي وبين المسلمين في الغرب.

والمتابع لحلقات التكفير هذه ,يشعر بأن مفاتيح الجنة والنار أصبحتا بأيديهم .وهم المالكون  للثواب والعقاب.

من جهتي لا أرى مانعاً من أن يتهم كل ممثل لطائفة أو مذهب إسلامي خصمه من نفس الديانة بالكفر .وهذا وارد في كل الديانات الأرضية (الأرضية هي مصطلح يشمل كل الذين فرقوا دين الله إلى شيع ومذاهب وطوائف ,ومريدين  لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وحزبية...الخ).

أما أن يتهم الذين على غير ديانته (بشحطة قلم) بأنهم من الكافرين و لا أمل لهم بالنجاة من النار ,إلا إذا اتبعوا سبيل الفرقة الناجية التي يمثلونها.فهذا أمر فيه الكثير من المغالطات وفيه تشويه لرحمة الله عز وجل ( وسعت رحمته كل شيء).

هذه المقدمة بدأت بها لأسرد عليكم قصة الشاب سامر .

سامر شاب في مقتبل العمر ,يعيش في أوربا ,أبوه مسلم وأمه مسيحية ,بعد عودتهم إلى أوربا .أصبح والده (صديقي القديم  من أيام الدراسة) ,متزمتاً يغالي في دينه بشكل لم أعهده منه من قبل ,وهذه التطورات المفاجئة  عادة تحصل  للبعض  في بلد المهجر فقط ,لا أدري لماذا؟ مع العلم أنهم في بلدهم الأم في الغالب هم من العلمانيين المؤمنين .صديقي هذا حول حالة الاستقرار العائلي في بيته إلى جحيم دائم ,لأنه أراد أن يفرض أرائه السلفية بالقوة على زوجته  المسيحية و على أولاده.وحجته في ذلك ...أنه يريد لهم الخير في الآخرة ,لأن من يموت على غير دين الإسلام السني والمذهب الذي يتبعه , فهو كافر في النار.(يحب عائلته بشكل غير معقول).

في أحد الأيام زارني سامر ,وسألني قائلاً: يا عم ...هل صحيح أن جدتي المسيحية ,التي تسكن في منطقة الشرق من سلوفاكيا ,وكل أخوالي وأبنائهم مصيرهم النهائي  في النار ,لأنهم  لا يدينون بمذهب أبي الديني ؟

وهل كل الذين يعيشون في مرتفعات القارة الهندية ويتعبدون الله على طريقتهم هم أيضاً في النار؟ ....

سألته من قال لك هذا يا سامر...أجابني أبي ,وشيخ المسجد!!!!!!قلت في نفسي ما شاء الله ,صار علمهم يفوق علم الخالق !!!!!!

 

هدأت من روعه ,وبدأت أسأله عن دراسته ,وصديقاته في الجامعة ,وعن مشاريعه المستقبلية .لكنه عاجلني بإصراره  لمعرفة الإجابة عن سؤاله.

قلت له يا ولدي .....

الكفر ,والإيمان... قضيتين ,نسبيتين . بمعنى أوضح ,كل كافر في قلبه شيء من الإيمان الفطري ,وكل مؤمن في نفسه شيء من الشك بالإيمان.لهذا نرى  حالات التحول ما بين الكفر والإيمان  الغير معلنة عند أكثر الناس وذلك  حسب الظروف والحالات التي يمرون بها.

لكن أن ننعت إنساناً ليس على ملتنا ومذهبنا بالكافر ,ونحكم عليه بأنه سوف يدخل ويعذب في النار....هذا غير صحيح.

والسبب ..لأنه لا ينعت بالكافر كمصطلح  إلا لمن وضح له الإيمان بدليله ,وتكبر عنه وعاداه.ومع ذلك ...ليس من حقنا أن ننعته بالكفر ,لأن الإيمان والكفر مكانهما في الفؤاد ,ولا يعلم ذلك إلا الله.

الكفر يا ولدي لا يتحدد إلا إزاء قضية...قضية الإيمان ,بالأدلة عليه.

سؤالي الآن ....هل تم تبليغ.....  على سبيل المثال جدتك ,أو أولادها  أخوالك وخالاتك عن حقيقة الإيمان الصحيح ,هل عُرضت عليهم قضية الإيمان كما هي من مصادرها الأساسية ؟لا أعتقد ذلك ,وحتى ولو سمعوا عن دين الإسلام ....فأنه وصل إليهم مشوهاً ,شوهه المسلمون أنفسهم  من أفعالهم وسلوكهم .فهل يقبل عاقل يعيش في أوربا ,ويدين بدين سماوي ويعمل الصالحات وهو مقتنع بما هو عليه...ويسمع ما يفعل  البعض من المسلمين المتطرفين من قتل أخوانهم في الدين , وما يفعلونه اتجاه الآخرين ... أو ما يتقولونه من أحاديث عن لسان رسولهم الكريم (ص) غريبة وعجيبة ...أن يتحول  هذا الأوربي أو غيره إلى هذا الدين الإرهابي الذي يريد أن يُكره الناس بالقوة على الدخول فيه.

إذن ....هم لم يكفروا بالإيمان ,لأن الإيمان  الصحيح لم يعرض عليهم أصلاً .

بل الأصح من هذا أن الذين سيعذبهم الله ,هم  من جاءتهم البينات ,والكتب والرسل ,فكفروا بالإيمان ,وبلغوا رسالات الله عز وجل بشكل مشوه وفرقوا دينهم  ,فأبعدوا خلق الله عن التوحيد والإيمان الحق.

أما الجاهل بالإيمان فهو لم يكفر بالإيمان ,لأنه لا يعلم عنه شيئاً.

ولهذا قال الله عز وجل

" ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله".

ودَّعني ...وهو يبتسم ,ووعدته بلقاء قريب مع والده ,عسى ولعل أن أستطيع إقناعه بخطأ السبيل الذي اختاره ,وخطأ أسلوبه في الدعوة

 

اجمالي القراءات 13084