تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ

محمد البارودى في الجمعة ١٢ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ان الرسول محمد عليه السلام قد بعث في قوم كانوا يغلون في حب الصالحين من الموتى غلواً اخرجهم من دين ابيهم ابراهيم عليه السلام-
ومن المعلوم ان ملة ابراهيم-عليه السلام-كانت: دعوة الناس الى ان يعبدوا الله وحده,
 ومن المعلوم ان العبادة انواع فمنها: الايمان والاسلام والاحسان والصلاة والزكاة و الدعاء وسائر اركان الاسلام,
فالجاهليون (المشركون) كانوا يصرفون بعض هذه الانواع لغير الله عز وجل, معتقدين ان اولئك الاولياء لهم وجاهة, ومنزلة عند الله رفيعة, وانهم يرفعون حاجاتهم الى الله عز وجل.
 مثال ذلكم: اللات الذي كان يدعى من دون الله عز وجل في الطائف, كان قبل موته رجلاً نافعاً للناس وخاصة الحجاج, فقد كان يلت السويق- نوعاً من الطعام تحتسيه العرب- ويقدمه لهم, فلما توفي صار شأنه كشأن اي رجل يعتقد الناس فيه الصلاح والخير, فأسف عليه اهل زمانه فصاروا يترددون الى ضريحه ثم جعلوا يتوسلون به ويطوفون بقبره اقاموا عليه بناء ويسألونه قضاء الحاجات وتفريج الكربات, كما يطلب مثل ذلك من العزى ومناة, كما قال الله عز وجل:
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ. النجم 19-23.
وكانوا مع هذا يعلمون ان هؤلاء المدعوين لم يخلقوا شيئاً من هذا الكون وانهم لا يملكون رزقاً ولا حياة ولا موتاً وليس لهم من الأمر شيء. قال الله عز وجل عن المشركين:
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . يونس31.
أي: ما دمتم تعلمون ان الفاعل لهذا هو الله, افلا تتقون الله فتفردونه بالدعاء كما افردتموه بالخلق؟
ومن هنا ندرك ان اولئك الكفار ما كانوا يرجون من وراء اولئك الصالحين الا ان يقربوهم من الله عز وجل, ظناً منهم ان الله يستجيب لهؤلاء الصالحين الموتى فيقضي حاجات المستغيثين بهم.
 وهذا فيه غاية التنقص للاله الحق, ووجه ذلك: ان الرب تبارك وتعالى ليس كالبشر يحتاج الى وزير او مساعد او غيره كما هو حال البشر لعدم احاطتهم بكل شيء. ومن هنا ندرك من القرآن الكريم ان من دعا غير الله من الموتى وغيرهم فيما لا يقدر على تحقيقه الا الله عز وجل فهو مشرك كافر بالله. قال الله عز وجل كاشفاً شبهتهم:
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ  فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . الأعراف194.
وقد نص الله تعالى على انهم لا يسمعون دعاء من دعاهم, ولو قدر فرضاً وجدلاً انهم سمعوا فلن يستجيبوا لهم, وانهم يوم القيامة يكفرون بفعلهم هذا, وسمي فعلهم هذا شركاً بنص الآية وهي قوله تعالى في سورة فاطر: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ  وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ .14.
اذا كل من دعي من دون الله من الموتى فهو لا يسمع, قال تعالى ( إنك لا تسمع الموتى)  وقال:(وما أنت بمسمع من فى القبور).   
ان حال العرب قبل بعثة الرسول عليه السلام كانت فى غاية الشرك بالله و ذلك لأنهم كانوا يتقربوا لله عن طريق السلف الصالح لديهم ولكنهم فى النهاية كانت غايتهم عبادة الله و مع ذلك قال الله عنهم انهم مشركون و انهم نجس مع ان كل الذى فعلوه كان يدعون الله عن طريق بشر مثلهم و لاحظ ان الله ذكر ان ما يتقربون بهم لله أصبحوا عند الله يعبدونهم وأشركوهم مع الله.
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3الزمر).
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. النحل20-21.
ولأن الدعاء من العبادة فأن المشركون كانوا يعتقدون ان هؤلاء الصالحين لهم جاه عند الله سبحانه و تعالى ويعتقدون انهم يقربونهم الى الله و كلما أزداد حبهم لهم و تعلقهم بهم أزدادوا قرباً لله.
فقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. يونس 18. وقولهم : مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ . الزمر3.
يقول الله سبحانه و تعالى:  وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ  إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .غافر60.
فهنا فسر الله الدعاء بالعبادة فعندما تدعوا الله عن طريق شيئ (ملك- بشر- حجر أوشجر) أصبحت تشرك هذا الشيئ بالله وأصبحت ممن سماهم الله بالمشركين.
هذا هو حال العرب فى الجاهلية و قبل بعثة الرسول عليه السلام.
و تعالوا بنا لنرى حال المسلمين فى و قتنا الحالي وبعد بعثة الرسول عليه السلام فنجد انهم أستبدلوا اللات والعزى ووضعوا مكانهم الرسول محمد عليه السلام.
وأصبحوا يتقربون به لله. والرسول من افعالهم براء.
لنرى كيف ندعوا الله:
فمن منا لم يقل و لو مرة و احدة (والنبى يارب).
و عندما تأخذك الجلالة تقول: بحق جاه النبى حبيبك يارب.
و هناك انشودة دينية كلنا سمعناها و رددناها و تقول:
لأجل النبى لأجل النبى لاجل النبى .. تقبل صلاتى على النبى لاجل النبى.
و أيضاً قولهم ان من شروط قبول الدعاء ان يبدأ بالصلاة على النبي و ينتهي بالصلاة على النبي.
ويذهبون الى قبر الرسول ويدعون الله هناك ويكون الوسيط طبعاً هو النبي. ناهيك عن أعتقادهم بأنه حي فى قبره و يرد عليهم السلام ويسمع ما يقولونه لهم و انه تعرض عليه الأعمال فى قبره قبل ان ترفع إلى الله.
هل ترى اي وجه تشابه بين ما كان يفعله المشركين قبل بعثة الرسول عليه السلام وبين ما يفعله المسلمين الآن.
وأحب ان انهي هنا بقولي اني أشهد أن الرسول محمد عليه السلام قد بلغ الرسالة كاملة و كان قرآناً يمشي على الأرض واني أحبه من كل قلبي . لأني أعرف ان الكثير سيتهموني بأني أكره الرسول و لهذا كتبت ما كتبت ولذا لذم التنويه.
اجمالي القراءات 42079