وطن فى قفص!

ابراهيم عيسى في الأربعاء ٠٣ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

كنا فى الغابة، وكانت المرة الأولى لى فى هذه الرحلة (السفاري) فى جنوب أفريقيا، نسكن فى مجموعة أكواخ تحيطها بحيرة ضيقة فى قلب الغابة، هناك بدت لى مشاهدة الأسود مفاجأة حقيقية، إنها ضخمة وهائلة تمشى فى موكب تنخلع له القلوب، نمضى بجوارها بالسيارة الجيب المكشوفة وأصغر أسد فيها تصل قامته إلى نصف ارتفاع السيارة.. مهابة ورهبة ونظرات رهيبة وخطوات فى منتهى الثقة والغرور، وشعر كثيف بأصفر فاقع وذهبى مشمس، زئير مدوى يثير الرعب، وأغرب ما لاحظته هى تلك النظافة الشديدة ال&EcEcirc;ى تبدو وكأنها أناقة ملكية.. لا عليها غبار ولا أتربة ولا ملتصق فيها طين ولا طمي، ولكن أسدًا منها على مدى أيام الرحلة لم يمس أحدنا بسوء، فهو لا يأكل إلا حين يجوع، ولا يهجم إلا عندما يستفزه أحد، شغلنى الفارق بين هذه الأسود وتلك التى رأيتها طيلة حياتى فى جنينة الحيوانات بالجيزة والسيرك القومى بالعجوزة..

فارق مذهل بين الأسود الحرة والأسود العبيدة، بين الأسود المحررة والأسود المحبوسة فى الأقفاص، بين الأسود ذات الكبرياء والأسود الفرجة والمسخرة.. فارق فى الكرامة والعزة والنظافة والنظرة، وهذا بالضبط ما فعله الاستبداد فى المصريين، وبالتحديد هذا ما جنته مصر من نظام مبارك من لحظة مجيئه للحكم فى 1981 وحتى الآن.. لقد حول الشعب المصرى وحضارته وقوته وعزة نفسه وكبريائه من أسود غابة إلى أسود جنينة، من ملوك غابة إلى أسود سيرك.. الشعب المصرى لم يعد يملك من حضارته وتاريخه سوى الاسم، الاسم أسد، الاسم مصر، لكن الفعل دولة محدودة الإمكانات وشعب فقير مغلوب على أمره..

لقد كافح المصريون عشرات السنين من أجل القضاء على عوامل تخلفهم، الفقر والجهل والمرض، بعد أكثر من ربع قرن تحت حكم مبارك.. الفقر ألعن والمرض أفدح والجهل أعمق، 44%من الشعب المصرى تحت خط الفقر، و35 مليون مصرى يعيشون بأقل من عشرة جنيهات فى اليوم، ومصر عيانة انتشر فيها السرطان والفشل الكلوى والكبدى وعاد لها السل وأمراض انتهت من حياتنا عادت وعاثت فى مصر إنهاكًا، أما الجهل فنسبة أمية تكسف أى أمة ويدخل تسعة ملايين تلميذ الابتدائى يصل منهم ثلاثة ملايين ونصف المليون الإعدادى وينتهى بهم العدد إلى مليون ونصف المليون فى الثانوى بفروعه.. دعك من مستوى منحط من التعليم، وخرافة تستشرى لحد إيمان المصريين بالعلاج بالجن وبالبول!   

ماذا فعل مبارك بالأسد الذى كان اسمه مصر؟.. ظل اسمه مصر لكن نقله من الغابة إلى القفص... قفص فى جنينة أو فى سيرك، وأى حد يملك ثمن تذكرة يدخل ويشوف مصر وهى بتنضرب بالكرباج! 

اجمالي القراءات 9746