الشخصية المؤمنة
الحضور الإلهي والشخصية الإنسانية المؤمنة

زهير قوطرش في الثلاثاء ١٦ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الحضور الإلهي والشخصية  الإنسانية المؤمنة.

  الدين بشكل عام  .ربط بين ذكر الله عز وجل , وذكر الذات في الجانب الإيجابي

 ". الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"

 , كما ربط في الجانب السلبي بين نسيان الله ونسيان النفس.

 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

 وحتى ندخل في عمق هذه المقولة الهامة . لابد من التنويه إلى ناحية هامة جداً ألا  وهي أن ذكر الله المقصود منه ,ليس كلمة شكلية يطلقها اللسان ,بدون وعي في التصور والإرادة ,بدون الإحساس في أن الخالق يملأ كيان هذا الإنسان ,لهذا  ذكر الله يجب أن يكون له حضوره الفكري في فكر الإنسان ,في فؤاده وفي حركة حياته

"لأننا تعودنا ,أن نرى الكثير من المؤمنين على اختلاف دياناتهم وعقائدهم ,يذكرون الله باللسان وقلوبهم غافلة عن ذكره ,أي يسمي بالله ,ويسبح الله ومن ثم   يرتكب الآثام والفواحش.

حتى حكامنا مع كل أسف ,يبدأ البعض منهم خطابه بسم الله ,ويتوكل على الله....وبعد ذلك  يلقي خطبة عصماء في مناسبة ما ...ويعد شعبه وجماهيره ,بوعود كاذبة ,لا يمكن تحقيقها من تطبيق الديمقراطية  والحرية,وإيجاد فرص عمل , ......الخ. فهل هؤلاء يعرفون  الله ويؤمنون بالله حقاً؟

 هناك نظرية هامة نرى تطبيقها العفوي ,على لسان المؤمن والتقي ,وهي نظرية الإرجاع .بمعنى ,أنه عندما يرى آية من آيات الله الكونية , بشكل تلقائي يردد "ما شاء الله"

 إن ذكر الله الحقيقي يحول الذات المؤمنة إلى ذات خاشعة ,خاضعة لله ,من خلال موقف العبودية الخالصة أمام الألوهية العظيمة المطلقة.

الحضور الإلهي عند المؤمن ,يقوي الإنسان ويساعده على تحمل الأعباء والابتلاءات المختلفة ,وبذلك تصبح حياته أكثر سهولة ,وأكثر اطمئناناً.والسبب .شعوره بأن الله الأكبر من كل كبير , لهذا يستشعر الإنسان بقوة الله  وحوله ,فيعيش على حمده  وشكره على أساس صفاته الحسنى وآلائه العظمى.

هذه الصورة للمؤمن ,صورة الانفتاح على الله عز وجل ,هي العمق العميق في الشخصية المؤمنة , التي تعمق سر القوة في حركة التربية والفاعلية في الإنسان المؤمن.

ولكن السؤال الهام في هذا المقام .كيف يمكن للإنسان المؤمن ,أن ينفتح على الله ,وأن يتجاوز المادي إلى الروحي العميق في دواخل النفس الإنسانية ؟

 الجواب ...الصلة من خلال إقامة الصلاة والدعاء والتوبة ,كلها وسائل تعرج بروح المؤمن إلى الله,وتعمق إخلاصه له وحضوره في قلبه. فيعيش روحية القرب منه,ويخاطبه مخاطبة القريب للقريب.

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

  ملاحظة هامة"باقي العبادات من صوم وحج ,وزكاة ,وصدقات. تعتبر أسلوباً تربوياً روحياً ,إذا صدقت هذه العبادات خالصة لله ...تأخذ الإنسان نحو التقوى. ....فترى النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بعد ذلك تحصيل حاصل.

فيسمو روحياً وأخلاقياً .... ويزداد ارتفاعاً كلما تكررت الممارسات الإنسانية في الأجواء العبادية الواسعة.

 بالمقابل فأن الصلة بالله كما أنها ترفع الإنسان في أجواء القرب من الله ,فأنها تؤكد  على منهجية التربية الأخلاقية التي تفتح عقل وشعور الإنسان على أخيه الإنسان.

 لأن وجود هذه العلاقة ما بين الناس هي علاقة موضوعية .وأقصد بالموضوعية ,هي وجود هذه العلاقات الإنسانية وكأنها حتمية في حركة المعرفة وأجواء الصراع.

 الصلة بالله (الصادقة) ,تبعد الإنسان المؤمن ,عن الانفعال ,ومن ثم عن التعصب .

والتعصب هو من أخطر الأمراض التي يبتلي به الإنسان ,كونه يدفع الإنسان الى التمسك بالابائية ,او الحزبية ,والمذهبية ,والعائلية أو التراثية من دون تدبر ونقاش. ومن هنا تنشأ الحركات الإرهابية الدينية وغيرها.

لهذا ,فأن الصلة بالله الصادقة ,تكون نتيجتها الابتعاد عن التعصب ,أي التعصب في الرأي ,فيصبح الإنسان محايداً إلى الفكر والموروث أو الذاتي. يصبح حراً من داخله ,حراً أمام قناعاته الذاتية ,يناقشها بعقلانية ...كما يقف أمام الأخر بعيداً عن الحقد والعدوانية.

هذا الإنسان ,يعمل على جدل الآخرين بالتي هي أحسن.

 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

  لترتقي العلاقة الإنسانية على أساس (الفكر يواجه الفكر ) ...وليس سلاحاً يواجه سلاحاً. ثم يرتقي الإنسان بإنسانيته  ليقبل الخطأ والصواب بتواضع. ويصل الأمر بهذه الأخلاقية إلى الحصول على صداقة العدو من خلال تأكيد الدخول إلى قلبه بالأساليب الإنسانية البعيدة عن الترفع و الحقد والتعصب.

محصلة هذه السلوكية الإيمانية لخصها القرآن الكريم بقوله.

" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"

 حيث يساوي الإنسان الأخر بنفسه ,على الرغم من اختلافه معه , رغم قناعته بالخطأ في موقفه.وهذا يقود إلى أخلاقية الاستماع للأخر ,واحترام فكره . والابتعاد عن كوني أني أنا أملك الفكر المطلق والحقيقة المطلقة , وهذا يولد لدى الإنسان الشعور بأن الحقيقة المطلقة ليست ملكاً لأحد بل هي موزعة بين الجميع.

 عندها يتحلى الإنسان بالإسلام السلوكي, (أي الإنسان المسالم) . بحيث تنتفي من قاموس حياته ,كل المفردات العدائية لأخيه الإنسان حتى ولو كان كافراً ملحداً ...طالما كان مسالماً.

وتسود حياته المحبة والرحمة والتواصل مع أخيه الإنسان رغم الاختلاف ,حتى ولو كان عقدياً.

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 13861