المؤمن مريد الآخرة لا ينسى نصيبه من الدنيا:
دورالزكاة المالية ( الصدقة ) فى تزكية النفس عقيديا ( 5 )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٥ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :
1 ـ فى دور الصدقة ـ الزكاة المالية ـ فى تزكية النفس عقيديا سبقت الاشارة الى أن المؤمن يؤمن أن المال هو مال الله جل وعلا ، وقد جعل الله تعالى للمؤمن فى هذا المال حرية التصرف فيه إختبارا له ، وبالتالى إن كان يريد الآخرة و يسعى لها سعيها وهو مؤمن ـ بالعمل الصالح ـ فلا بد أن يحصل على المال بالحلال وأن ينفقه فى الحلال ، وأن يخرج منه الصدقة يؤتى ماله يتزكى ويترقى خلقيا .
2 ـ ولأن المال ـ هو فى الأصل ـ مال الله سبحانه وتعالى فإنه جل وعلا هو الذى يبسط الرزق ويوسعه على من يشاء ، وهو الذى يقلله ويقدره على من يشاء ، وليس لبشر سلطة فى هذا التوزيع الالهى للرزق .
3 ـ والله جل وعلا يزيد مريد الآخرة هدى بأن لا يبسط له فى الرزق حتى لا يبغى فى الأرض . وهذا البسط أو التقليل فى الرزق لا يسرى على الرزق الأساس الذى تقوم به حياة الانسان ، ولكن يسرى على الرزق ( الوهمى ) من مال وذهب وفضة وعقارات.
4 ـ يتقاتل من أجل هذا الرزق الوهمى معظم البشر ويخسرون من أجلها الدنيا فينتهى الى صفر بالموت وعذاب أبدى فى الآخرة ، بينما يستغل المؤمن مريد الآخرة هذا الرزق الوهمى ليشترى به الآخرة بأن يؤتى ماله يتزكى ، وبهذه الطريقة لا ينتهى الرزق الوهمى عنده الى صفر فى الدنيا بل يتمتع به المؤمن فى هذا العالم ، ثم يتحول هذا الرزق الوهمى الى رزق خالد فى الجنة .
5 ـ أى هناك رزق فى العالم الآخر ، بعد هذا العالم ، هو نعيم الجنة .
وبالايمان و العمل الصالح يتحول الرزق الوهمى الدنيوى الى نعيم أى رزق أخروى خالد ليس له حد أقصى فى الكم ، وليس له حدأقصى فى المتعة ، وليس له حد أقصى فى الزمن لأنه خلود فى نعيم الجنة.
وفى المقابل فإن الذين بغوا فى الأرض تنافسا وتقاتلا وصراعا سيفقدون هذا الرزق الوهمى فى الدنيا بعد ان يكونوا قد عانوا من الشقاء فى سبيله ، سيفقدونه بالموت أو يفقدونه بالخسارة ، ثم يتحتم عليهم أن يدفعوا فاتورة الحساب عذابا أبديا لا تخفيف فيه ولا نجاة منه ولا أجازة أو إنقطاع فيه ..هل تساوى الدنيا كل هذا ؟
6 ـ ونقطة البداية كما سبق هى إختيار كل فرد ، هل يريد الدنيا أم يريد الآخرة .
وقبل الدخول فى تفصيلات الرزق الأخروى الذى يسعى اليه من يريد الآخرة ، نتساءل :هل إرادة الآخرة تعنى التجاهل التام للدنيا ؟ هل تعنى الزهد وتحريم الطيبات وتحريم السعى للرزق ؟ أم أنها السعى الايجابى فى الدنيا طلبا للرزق الحلال ، ليكون الرزق الحلال سبيلا لشراء الرزق الأخروى ـ الجنة ـ ؟.

أولا : الجذور

1 ـ خلق الله جل وعلا الانسان ليختبره ، وليعطى فرصة حرة لمن أراد أن يحسن عملا فى هذه الدنيا ، فى الفترة التى يحياها فى هذا العالم ، ومن أجل ذلك كانت حياة الانسان وكان موته : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) ( الملك 1: 2 )
2 ـ والانسان مجبول على غريزة التملك وحب الخلود ، ولذلك فهو يسعى أبدا الى التملك ، وفى صراعه مع الآخرين ينسى أنه لا بد أن يموت تاركا ما كان يتملكه. ولو ايقن فعلا إنه سيموت ما كان هناك نزاع وتقاتل على أشياء مصيره أن يتركها حتميا . ومع ان العقل الانسانى يدرك حتمية الموت إلا إن غريزة تمنى الخلود تجعل الانسان ينسى هذه الحقيقة ، يرى الناس يموتون حوله وهو لا يتعظ ولا يتذكر ، متصورا أنه الوحيد الذى لن يدركه الموت . نسيان الموت يتضافر مع غريزة التملك ليظل الصراع على الثروة مستمرا يسفر كل يوم عن فقد الانسان لحياته فى جرائم فردية وحروب محلية و اقليمية وعالمية .
وفى قصة آدم وحواء والخروج من الجنة تتركز كل الدروس التى ينساها البشر فى العادة . ومن تلك الدروس أن الشيطان وجد طريقه لغواية آدم عن طريق الغريزتين : تمنى الخلود والتملك . كان آدم يعيش فى جنة قال له ربه جل وعلا عنها (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى )(طه 118 : 119 )، كان يعيش مع زوجه منعما فى الجن ، لا يعانى الجوع ولا الظمأ ولا العرى . ولكنه كان يشعر أنه سيترك هذا النعيم بالموت ، وأنه فى حياته لا يملك تلك الجنة ، يعيش فيها فقط حياة مؤقتة . ومن هنا جاءت غواية الشيطان له ، بأن خدعه بأن يأكل من الشجرة المحرمة ليحقق أمنيته فى الخلود و التملك الدائم : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى ) ( طه 120).
وهبط آدم وزوجه وفيهما الذرية ، ولم يع أبناء آدم الدرس ، فأغلبهم لا يزال يعصى (يأكل من الشجرة المحرمة )، يظن أنه خالد لن يموت ، ويريد أن يستحوذ لنفسه على كل شىء لو استطاع ، وما هو بمستطيع ،وفى النهاية يخسر كل شىء بالموت ، وينتهى الى خلود فى الجحيم.
3 ـ يزيد فى اختبار بنى آدم تغير الوضع الذى كان فيه أبوهم فى الجنة . أصبح على بنى آدم السعى فى الرزق وتعمير تلك الأرض ، والسعى فى سبيل الرزق أمر الاهى ، من أجله جعل الله جل وعلا الكوكب الأرضى زاخرا بالموارد ممهدا للسعى للرزق نابضا بالحياة المؤقتة فى هذه الدنيا الى أن يأتى يوم البعث والنشور :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) ( الملك 15 )
ولم تتكرر للانسان الأوامر بالسعى من أجل الرزق وتعمير الأرض بسبب غريزة التملك وتمنى الخلود ، وبهما ينهض الانسان للسعى بل و التنافس و التقاتل ، فاستعمار أو تعمير هذه الدنيا لا يحتاج الى كثرة من الأوامر الالهية ، ولكن يحتاج الى ترشيد وتشريع كى يتحقق العدل والاحسان ، وينجح الانسان فى اختبار الحياة و الموت. ومن أجل ذلك نزلت الشرائع السماوية ، وبعث الله جل وعلا الأنبياء والرسل ، ومنهم صالح عليه السلام :(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) ( هود 61). فالله جل وعلا هو الذى أنشأنا من الأرض ، وأوكل الينا مهمة تعميرها ، وشرع لنا أن يكون هذا التعمير فى إطار العدل فى التعامل مع رب العزة ـ فلا نتخذ معه الاها ـ والعدل فى التعامل بيننا ، وفى التعامل مع البيئة ، حتى لا يظهر الفساد فى الأرض.
هذا ما أراده الله جل وعلا ، ولكن معظم البشر يريدون غير ذلك.

ثانيا : أنواع الارادة البشرية وانواع السعى

1 ـ فى اختبار آدم وحواء كان مباحا لهما أكل ما شاءا فى الجنة عدا شجرة واحدة محرمة . وكانت المحنة و الاختبار فى هذه الشجرة المحرمة . وحمل أبناء آدم نفس الاختبار ، فكل ما فى الأرض حلال ، ويأتى الاستثناء فى المحرم يمثل الشجرة الوحيدة التى كانت محرمة فى جنة آدم، وهذا المحرم قليل جدا بالنسبة للقاعدة وهى المباح . ومن أسف أن معظم البشر لا يقعون فى هوى الحلال المباح ، ولكن يتعلقون بالشجرة المحرمة ،او الحرام الذى هو استثناء من القاعدة. وهم بذلك يضربون عرض الحائط بوصية رب العزة لهم وتحذيره من أن يفتنهم الشيطان بنفس ما فعل بأبيهم آدم من قبل ( الأعراف 27).
والانسان لا يعصى إعتباطا ، بل هو يبدأ بالنية و التفكير قبل التنفيذ ، خصوصا إذا تعلق الأمر بالصراع حول الثروة ، ومحاولة احتكار الشجرة المحرمة .
والبدء بالنية والتفكير و اتخاذ القرار يعنى أن ( يريد ) الانسان واحدا من أمرين : إما أن يريد الدنيا ، لا يرى غيرها ، ويتخذ من كل الوسائل المتاحة سبيلا للفوز بكل ما يستطيع من رزق ومتاع وثروة هذه الدنيا ،وإما أن يريد الآخرة ، يوجه لها وجهه ، ومن أجلها يجعل الدنيا ورزقها وسيلة للفوز بالآخرة.
إذا قرر إرادة الآخرة وعمل لها جوزى خير الجزاء فى الدنيا والآخرة :(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا )(الاسراء 19 ). والعكس مع مريد الدنيا .
ولآن مريد الدنيا هو القسم الأكبر من البشر فإن الله جل وعلا يقول موضحا ومحذرا وناصحا :( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )(الأعلى 16ــ ) ويأمر بالاعراض عن الذى آثر الدنيا ورفض من اجلها الهداية القرآنية :( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( النجم 29 ).
2 ـ إذن هناك ارادتان متناقضتان : إرادة الدنيا وإيثارها ، وإرادة الآخرة و النظر للدنيا لاستغلالها وسيلة صالحة للفوز بالآخرة.
ويترتب على كل إرادة نوع من السعى مرتبط به ، فمريد الدنيا يسعى فى الأرض يطلب الشجرة المحرمة ،أى بالعصيان و البغى والتعدى على حق الله جل وعلا وحقوق البشر ، ومريد الآخرة يسعى فى الدنيا بالخير متمسكا بالعدل والاحسان .
ومن ملامح السعى هنا وهناك تأتى النظرة للمال أو الرزق ، فمريد الآخرة يجعل المال أو (غريزة التملك ) هدفه الأساس ، وينافس ويصارع الآخرين فى سبيل تملك المال والثروة والرزق متوهما أنه (خالد فى الدنيا )، أما مريد الآخرة فيجعل المال وسيلة للتزكى و السمو الخلقى ، فيجاهد فى سبيل الله جل وعلا بالمال مضحيا بغريزة التملك ، ويجاهد فى سبيل الله جل وعلا بنفسه مضحيا بغريزة حب الخلود ، وقد استقر فى يقينه أن هذه الدنيا هى مجرد متاع مؤقت ، ومعبر للآخرة للاختيار والاختبار ،وأنه لا بد أن يتزود خلال حياته المؤقتة فى الدنيا بزاد التقوى ،أى هى رحلة للآخرة , وتستلزم هذه الرحلة زادا هو التقوى لينعم بالرزق الأبدى فى نعيم الجنة (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) ( البقرة 197 ).

ثالثا : البغى نقطة فاصلة بين مريد الدنيا ومريد الآخرة:

البغى هو الظلم والاعتداء ومجاوزة الحد ،و الطغيان على الحق و العدل . والبغى ينطبق فى كل عصر على كل المترفين من الحكام المستبدين ، وأعوانهم من العسكر ورجال الدين وكل من يخلط السياسة بالدين تلاعبا بالدين واستخداما له للوصول الى الحكم والجاه.
والبغى نوعان :
1 ـ المشهور هو البغى والاعتداء على حقوق البشر مثلما يفعله المجرمون العاديون و المستبدون .
2 ـ والبغى غير المشهور والأكثر خطورة ،وهو البغى على رب العزة جل وعلا بالاعتداء على حقه جل وعلا فى التشريع.
والبغى على رب العزة نوعان أيضا :
1 ـ تحليل ما حرم الله (كقتل الأفراد خارج القصاص بزعم حد الردة ، وحد الرجم وترك الصلاة ، والقتل العام كتشريع الجهاد السّنى بالاعتداء على من لم يعتد على المسلمين بالمخالفة لتشريع الجهاد الدفاعى فى الاسلام ، ومثله أن تتحول السرقة والنهب والزنا والاغتصاب الى تشريع مزور تحت اسم الجزية و الغنائم و السبى). وهنا يزين الشيطان للمجرمين تحويل إجرامهم الفردى و الجماعى الى تشريع الاهى بالتزوير و الكذب على الله تعالى ورسوله ، قيتحول البغى العادى ( العلمانى ) البسيط الممكن علاجه الى دين أرضى معزز بوحى منسوب زورا لله تعالى ورسوله ، فيستعصى على العلاج .
2 ـ تحريم ما أحل الله جل وعلا ، مما جعله مباحا ومن الطيبات من الرزق. فالمحرمات فى الطعام وفى الزواج محددة ومفصلة ، ومحاطة بسور وسياج ، وقد أباح الله جل وعلا وأحلّ ما يوجد خارج ذلك السور والسياج ، وحذّر من تحريم هذا الحلال .
وهنا يأتى ابليس يزين للانسان المتدين التطرف فى الورع بأن يحرم على نفسه ما أحلّ الله جل وعلا له من الطيبات والزينة ، بزعم الرهبنة أو الزهد .
وعلى سبيل المثال فقد حرمت أديان المسلمين الأرضية أنواعا شتى من الطعام ، وهو بغى صريح على تحريم ما أحل الله جل وعلا ، وعصيان لأوامره حين قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة 168 ـ ). وسبق تفصيل ذلك فى بحث مفصل عن الحلال والحرام.
كما حرمت الأديان الأرضية للمسلمين التزين بالذهب و الفضة والحرير ، وقد تجاهلوا قوله جل وعلا : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( الأعراف 31 ـ ).
وسبق تفصيله فى ركن الفتاوى فى موقعنا (أهل القرآن ).
وبينما يقع مريدو الدنيا فى البغى على الله جل وعلا والبغى على الناس فإن مريد الآخرة يحذر من البغى العادى فلا يظلم الناس ، ويحذر من البغى الطاغوتى فلا يظلم رب الناس.
ومن هنا يكون لمريد الآخرة حق التمتع بالطيبات من الرزق ومن اللباس دون إسراف ،أى إن إرادة الآخرة لا تتعارض مع التمتع الحلال ، بل هو فى المصطلح القرآنى ( حسنة ).

رابعا : مريد الآخرة وحسنة الدنيا والآخرة :

1 ـ مريد الآخرة يدعو ربه جل وعلا قائلا : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( البقرة 201 : 202 )، أى يرجو حسنة الدنيا ( التمتع الحلال ) وحسنة الآخرة ( نعيم الجنة و النجاة من النار ).

2 ـ واهر جل وعلا يخاطب مريد الآخرة بالترغيب فى حسنة الدنيا وحسنة الآخرة فيقول :(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أى طالما تمسك بالتقوى ،عاش ومات عليها فله متاع حسن فى الدنيا ، وأمامه ارض اهِي جل وعلا واسعة ليمشى فى مناكبها ويسعى للرزق الحلال ، ثم ينتظره أجره فى نعيم الآخرة ، وهو أجر بدون سقف ، أى بدون حد أعلى ، بلا حساب عددى .
وتقول الآيات التالية :(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )( الزمر 10 16 ). أى إن المفروض على مريد الآخرة أن يخلص عقيدته ودينه له جل وعلا بلا تقديس لبشر أو حجر ، وأن يبتعد عن العصيان مخافة عذاب يوم القيامة ، وأن يتمسك بعقيدته معترفا بحق الآخرين فى اختيار عقائدهم وتقديسهم وعبادتهم لغير اهيل جل وعلا ، ويكفى ما ينتظرهم من خسارة و عذاب أبدى يتخوف منه كل من يتقى اهيل جل وعلا .

3 ـ وهكذا فللمؤمن التقى حسنة فى الدنيا ، وهو فيما يكسبه فى الدنيا من مال وجاه يجب أن يستخدمه فى الوصول الى الجنة بأن يؤتى ماله يتزكى، وفيما يكسبه من مال من حلال لا ينسى أن يتمتع به فى حدود الحلال مبتعدا عن البغى و الفساد والاسراف :(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ( القصص 77 ).
هذا إذا كان غنيا ميسورا ، فإذا كان فقيرا أو يعانى من أزمة وضيق فعليه بالتمسك بالتقوى فى سعيه الدنيوى متوكلا على ربه جل وعلا، وهنا يتحقق فيه وعد اهَه جل وعلا بأن يرزقه من حيث لا يحتسب ، واهمِ جل وعلا لا يخلف الميعاد :(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) ( الطلاق 2 : 3)
4 ـ واه ب جل وعلا يعد من يهاجر فى سبيل اهُّ صابرا محتسبا متوكلا على مولاه بأن يهبه حسنة فى الدنيا وأكثر منها فى الآخرة : (وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( النحل 40 : 41 )
وأيضا يبشر ـ مقدما ـ المجاهد فى سبيل اهِه بالمال و النفس بأجر هائل فى الدارين (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة 20 : 22)
وعند الاحتضار تأتى الملائكة تبشر مريد الآخرة بالحسنة فى الآخرة بعد أن تمتع بحسنة الدنيا ، كجزاء للسعى الحسن : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) ( النحل 30 : 31 ).
وابراهيم عليه السلام تحمل الأذى وهاجر وصبر متوكلا على اه ف تعالى لذا أعطاه اهْم جل وعلا حسنة فى الدنيا والآخرة : (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين ) ( النحل 122 ).
5 ـ هذاغ هو الجزاء الحسن فى الدنيا والآخرة لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن . وأول بند فى هذا السعى أنه يضحى بالمال أو الرزق الوهمى ليشترى به الرزق الأبدى ، ثم لا يحرم نفسه من المتعة الحلال ،مبتعدا عن البغى والظلم .

خامسا : دور المال أو الرزق هنا :

1 ـ المؤمن مريد الآخرة يسعى للرزق دون أن يلهيه الرزق عن ربه الرزاق جل وعلا :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ )( النور 36 : 37 ) ، أى يعملون بالتجارة والبيع ويحصلون على ربح يتصدقون منه ويخرجون منه زكاة أموالهم ، ولكن تلك التجارة وذلك الربح لا يلهيهم عن العمل للآخرة .
أمّا مريد الدنيا فيظل مسحورا بها حتى لحظة الاحتضار ، وينسى قول اهذِ جل وعلا (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ)( التكاثر 1 ـ )
2 ـ مريد الآخرة يقوم بتجارة رابحة مع اهِ جل وعلا ، يقدم فيها نفسه وماله ابتغاء مرضاة اهبْ مقابل الرزق الخالد فى الآخرة والربح فى الدنيا أيضا : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 111 )
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين ) ( الصف 10 ـ ). ولذلك فإن مريد الآخرة لا تأخذه فى اه ف جل وعلا لومة لائم ، وهو على استعداد بالتضحية بالمصالح الشخصية و التجارية و علاقات النسب والولاء للأسرة و القبيلة لو تعارضت مع إرادته للآخرة وموالاته لربه جل وعلا.
وهنا الامتحان الأعظم الذى دخله المؤمنون الأوائل من العرب الذين قامت ثقافتهم على الولاء للقبيلة و التعصب لها ، فتحتم عليهم التضحية بتلك الولاءات وتلك المصالح الدنيوية و التجارية فى سبيل رب العزة وفق ذلك العهد المشار اليه مع رب العزة ، وتلك التجارة مع الرحمن ، يقول تعالى يؤنب بعض الصحابة المكيين ، وهو هنا خطاب عام للجميع :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( التوبة 23 : ـ )
أمّا مريد الدنيا ـ فى أسوأ حالاته فهو فى عبادته للمال يستخدم دين اهرُ جل وعلا فى الحصول على المال ، ومن أجل المال يقوم بصناعة دين أرضى بالتزوير والتزييف ليخدع به الناس ، ويحصل منهم على النذور و القرابين ، أو بتعبير رب العزة (يشترون بعهد اهْ ثمنا قليلا ).
وكان منهم بعض أهل الكتاب فى عصر النبوة ، فقال جل وعلا عنهم :(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران 77 ـ )،أى تحول عهد اهلْ ودينه واسمه الكريم الى وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل ، وهو عمل أساس فى كل دين أرضى ، قبل وبعد نزول القرآن الكريم .
أخيرا :
وقوله جل وعلا السابق ينطبق على عصرنا مائة فى المائة . ولذلك تجد أثرى الأثرياء هم أئمة الأديان الأرضية ، وبالمناسبة :كم تبلغ ثروة الامام السيستانى الشيعى فى العراق ؟ وكم تبلغ ثروة البابا شنودة وكم تبلغ ثروة الشيخ الطنطاوى فى مصر ؟وكم كانت تبلغ ثروة الشيخ الشعراوى قبلهم ؟ مات الشعراوى وترك خلفه ثروته من الرزق الوهمى ، وكذلك سيموت السيستانى وشنودة وطنطاوى ، لا يحملون إلا ما عملته أيديهم ، تاركين خلفهم ملايين الجوعى من أتباعهم كانوا فى أشد الحاجة الى تلك الأموال .
إن أسوا البغى هو ما يفعله أئمة الأديان الأرضية لأن ظلمهم لا يقتصر على البغى على دين اهقُ جل وعلا بل يمتد الى تضليل العوام لصالح المستبدين من الحكام . ومن أسف أنهم يتمتعون بتوقير وتقديس لا يستحقونه ، بينما ينطبق عليهم فى الدنيا قوله جل وعلا:(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ( الواقعة 81 : 82 ).
وينطبق عليهم فى الآخرة قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(البقرة 174 ـ ) ، وقوله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) ( التوبة 34 ـ).

وصدق الله العظيم ..

اجمالي القراءات 12808