كأس العالم للتحرش

لبنى حسن في الجمعة ١٥ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

المرأة كائن مستهدف دائما و لا يهم المكان فقد تتعرض للتحرش في أي مكان, و في أي وقت من اليوم حتى و صوت آذان الظهر يدوي في الشوارع يوم الجمعة و في وسط الزحام.لقد صارت المعاكسات ثقافة عامة بعد أن انتشرت بشكل واسع و تقبلتها المجتمعات العربية, فلم نعد نري في الشارع استنكار من المارة لتلك الظاهرة و كأن ما يحدث عادى, أما الغالبية من الرجال فقد أصبحوا يتعاملوا مع المte; المعاكسة على أنها هواية و لكنها سرعان ما تطورت لاحتراف و حق مكتسب لهم بل يتخذها البعض مدعاة للمباهاة و إثبات الرجولة!
 

 
 
التحرش نوع من أنواع الإيذاء النفسي في المقام الأول فهو في أخف حالاته نظرات متفحصة أو صفير و لكنه غالبا يتعدى النظرات لألفاظ و قد يمتد هذا لنوع أخر من المضايقة كالملاحقة أو التضييق, حتى و أن كانت المرأة تسير على قدميها بينما يقود الرجل سيارته.
 
لقد أمضيت أكثر من نصف عمري خارج مصر في مجتمع متعدد الجنسيات و بالتالي متعدد الأديان و الثقافات و رأيت مسلمين من بلدان مختلفة لا تجمعهم نفس اللغة أو العادات و التقاليد و لكنى أيضا رأيت و بوضوح معنى أن تكون ثقافة التحرش بالمرأة أو ما نطلق عليه المعاكسة ثقافة عربية خالصة, فلم أصادف قط أجنبي أو أفغانستاني أو هندي أو باكستاني أو فلبيني يعاكس بل دائما هم العرب و تمتد معاكساتهم لكل الجنسيات.
 
أما في مصر فقد أصبح الوضع مزري, و مثير للإزعاج فمجرد الخروج للشارع يعد ضغط علي أعصاب المرأة من كم العبء النفسي الذي تتحمله و هي تسير بخطوات متسارعه لتتحاشى النظر في أي اتجاه, خشية من لفت النظر حتى لا تتعرض للمعاكسة و الاستظراف. و لكن حتى و أن فعلت ففي اغلب الأحيان لازم تسمعلها كلمتين و عليها أن تصمت و هي ترى السعادة في عين المتحرش لأنه يعتقد انه بهذا قد اثبت رجولته الضائعة, و انتصر علي الفريسة بجعلها تخشاه فأخيرا أصبح له لازمه – في نظر نفسه- و يخيف أحدا و هو المقهور سياسيا و اجتماعيا الذي يعيش في ظل نظام انتهك كرامته و أهان آدميته.
 
هذا المتحرش لا يجد سوى المرأة باعتبارها المخلوق الأضعف ليستقوي عليها حتى يتخلص و لو جزئيا من بعض إحساسه بعقدة النقص التي سببها له عجزه و قهره, و قد ساعد علي هذا وجود نظام أمنى متساهل مع المعاكسات فلا هناك تواجد أمنى في الشارع, و لا الشرطة قد تحضر لو استنجدت بها المرأة هاتفيا, كما يكون المتحرش على يقين أن المرأه في الغالب لا تجرؤ على الذهاب لقسم الشرطة ليس خوفا من المواجهة أو اللغط و لكن لأنها تعلم جيدا أنها سيتم التعامل معها بطريقة لا تليق بالتعامل مع ضحية و من الآخر ح تتبهدل و على الفاضي.
 
لا أرى علاقة مباشرة بين انتشار ظاهرة التحرش و ازدياد الفقر أو المشاكل الاقتصادية لأن هذا كان موجود في الماضي و لم يكن الوضع بهذا السوء, كما ازعم أيضا أنه لا توجد علاقة مباشرة بين التحرش و البطالة لأن بعض تلك التحرشات يحدث في مكان العمل و بالتالي فالبطالة بريئة من تهمة تشجيع التحرش.
 
أيضا ارفض تماما إلقاء التهمة على ما ترتديه المرأة لأنها كانت أكثر تحررا في الستينيات و لم يكن يحدث هذا أما الآن فهناك حالة عجيبة من التوحش, فقد رأيت بعيني سيارة بها شخص يصر على معاكسة منقبة و لم تكن تلك المرة الأولى, و طبعا مثل هذا المشهد ينسف بديناميت النظرية الذكورية التي تروج لتحويل الضحية لجانى أو محرض, باتهام المرأه أنها هي من ترتدي ما يثير غرائز الرجل ففي حالة المنقبة المتحرش لا يعرف شكلها حتى فجايز جدا تكون قبيحة أو عجوز أو مش مرأة أصلا!
 
النقاب و الحجاب أو نوعية ما ترتديه المرأه لا علاقة له بفكرة التحرش أو المعاكسة خاصة أن نفس هذا المتحرش -صاحب الغرائز المثارة دائما من غير مناسبة- تجده في أوروبا يسير زى القطة مقطوعة الذيل, فلا يجرؤ على مجرد البحلقة برغم الفرق الشاسع في مستوى الجمال و التحرر في الملابس هناك عنه في عالمنا العربي, فنجدة يسير بأدب لان هناك قانون رادع و سريع التنفيذ, كما يوجد مجتمع لا يحترف إلقاء اللوم على المرأه في كل قضية و ليس لدى أبناؤه هاجس جنسي بل يحترم المرأة, و يقدر حريتها في أن ترتدي ما تشاء و تكون أمنه مطمئنة لأنها إنسان حر متساوي للرجل في الحقوق و الواجبات.
 
المرأه ضحية في المقام الأول لغياب القانون و تخلف المجتمع أما الرجل فهو ليس فقط ضحية للأحباط المسيطر على الشارع و تراجع التعليم و الثقافة و انهيار المنظومة الأخلاقية و إحساسه بالعجز و القهر نتيجة عدم وجود عدالة اجتماعية و غياب الديمقراطية, و تفشى الفساد و لكنه أيضا ضحية للأستبداد السياسي المتحالف مع القوى الظلامية, ذلك الاستبداد الذي عمل على الهاء الشعب و تغييب الوعي بترك الساحة لمدعي دينالذين دأبوا على زرع هاجس المرأه و حقروا من شانها و حصروها في وعاء جنسي مثير للغرائز فلم يعد يتعامل معها الرجل على أنها إنسان مثله لها الحق في الحرية و التمتع بالأمان و لكنه تحول إلى حيوان عشوائي يتربص بالمرأة و لا يرى فيها غير الأنثى المثيرة حتى و إن كانت خيال متشح بالسواد بعد أن حرموا عليها عيشتها فشعرها و وجهها و عطرها و وصوتها و خروجها حرام...أنها ثقافة الكبت و الترويع التي نتج عنها هذا الهياج الذي لا يفرق معه سن المرأة أو ما ترتديه المرأه في عصر ازدهر فيه التدين المظهري فانحطت فيه الأخلاق!
 
لن أقيد حريتي من أجل الرجل و لو هو مش متربي بالقانون تتم تربيته و ردعه...لن أسير بكفن أو خيمة لأن الرجل مصاب بكبت و قهر و تخلف و مزروع في رأسه وساوس من مشايخ البزنس لأن تلك مشكلته و ليست مشكلتي..لن أغطى شعري ليس فقط لأني مقتنعة أن لا علاقة للإسلام بتغطية الشعر و سبق وشرحت هذا باستفاضة و بالتفسيرات في مقالات سابقة لكن أيضا لأني بحترم الرجل....نعم احترمه و أرى أن تغطيتي لشعري من أجل الرجل بمثابة إقرار علني موثق منى انه حيوان يسير على قدمين...و مش عشان فيه متحرشون يبقى أهين كل الرجال و أقولهم انتو حيوانات فانا حاطه قطعه قماش عشانكم!..أيضا لن أهين نفسي و أحط من شأني و أشبه نفسي كما يفعل المتأسلمون بقطعة الحلوى التي يجب أن تتم تغطيتها خوفا من الذباب.. قصدهم الرجال!!
 
إن كان هناك من حط من شأن نفسه و قبل احتقارها و تحول لحشرة فأنا لا ارضي أن يشبهني أحد بالحلوى لأني انسانة, عقل و روح و إحساس و كوني امرأة..ده مش عار اداريه...و كوني جميلة دي مش تهمة أنفيها أنما العار و السبة و الوصمة هو أنت يا من تتباهي بالتجرد من آدميتك و تتباهي بأنك بلا عقل في رأسك بل تفكر بنصفك الأسفل فقط, فلا تحركك سوى الغرائز بعدما نسيت أو بالأحري تناسيت كل قيم مجتمعك و دينك و إنسانيتك و انك ليل نهار تزعق و تقول أنا قوام.....طيب فين القوامة؟ مش دي معناها على الأقل انك عاقل؟ معناها انك تحمي المرأه و تقوم على رعايتها مش تقوم ورائها تتحرش أول ما تشوفها!
 
الحل يكمن في القانون,و لكن مازالت القوانين العربية عامة و القانون المصري خاصة غير واضحة أو رادعة تماما في تلك القضية فحتى الآن لا يوجد تعريف محدد في القانون المصري للتحرش بينما نجد في الدول المتقدمة مثل كندا أن التحرش مصنف كشكل من أشكال التمييز العنصري على أساس الجنس و له عقوبات رادعة و فورية. و بالتالي سن القوانين الرادعة و تفعليها هو السبيل الوحيد لتأمين المرأة و ليس فرض قيود على المرأه أو حتى تقوية الوازع الديني لدي الرجل فمن موقعي كامرأة أقول و بكل ثقة أن هناك أيضا الكثير من أصحاب اللحي و الزبية بيبحلقوا و يعاكسوا بينما لم أصادف هندوسي أو بوذي يفعل نفس الشيء.
 
أنها ظاهرة عربية خالصة تؤهلهم للفوز عن جدارة بكأس العالم في الخزي و العار, فقد أصبح التحرش في العالم العربي آفة تمثل إهانة و اعتداء على حقوق المرأة, و المعاكسات أصبحت ظاهرة اجتماعية امتدت لمعظم الرجال نتيجة استبداد الأنظمة و تحالفها مع القوي الظلامية التي غزت الإعلام و التعليم و كرست الهاجس الجنسي, لذا وجب التصدي لها بالقانون الرادع و القانون وحدة فلن يجدي معها إعلام أو دعوات دينية أو تكبيلات و قيود للضحية.
 
 
 
لبنى حسن
 

اجمالي القراءات 13100