التخوين المفرط

ابراهيم عيسى في السبت ١٢ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لم يفاجئ أحدا (ولعله لم يفاجئ دكتور محمد البرادعي) أن يتهم دببة النظام دكتور البرادعي بالعمالة بعد نصف ساعة من إصداره بيانا كاشفا وناشفا واضحا ووضاحا يعري سوءة استبداد وديكتاتورية نظام مبارك !

هذا ليس تطوعا من هؤلاء بل هو منهج حكم الرئيس مبارك منذ 28عاما، منهج قائم علي:

1- صناعة عدو (غير إسرائيل طبعا) وادعاء أنه يستهدف مصر وأنه خطر علي أمن ومستقبل مصر!

وطالما فيه أعداء يبقي &aacut;ي لازم فيه وطنيون لمواجهة الأعداء، هنا يقرر نظام الحكم.

2 - احتكار الوطنية

وبما أنه محتكر الوطنية فيقدر يبيع ويشتري فيها زي ما هو عايز ويوزعها علي كيف كيفه ؟ إذن تظهر قدرته علي:

3 - توزيع صكوك الوطنية

وحيث إنه صاحب صكوك الوطنية وسندات ملكية حب مصر فهو إذن يستطيع أن يفرز علي مزاجه مين هو الوطني فيعطيه الصك علي صدره أو خده أو حتي قفاه ومين هو العميل ابن العميلة الذي يجب أن يسحب منه رخصة الوطنية وهنا تكبر في دماغه لدرجة اللجوء إلي:

4 - التخوين المفرط للمعارضين بدرجة خطورتهم في كشف وفضح النظام وتهديد هيبة ورهبة الطغيان المحلي خصوصا في الخارج.

لهذا كان عاديا جدا أن يتحول رجل بقامة البرادعي حاصل علي قلادة النيل التي هي أعلي وسام تمنحه مصر لأبنائها، إلي رجل يعمل لصالح جهات خارجية لمجرد أنه فكر في أن يقترب من قدس الأقداس وأن يقول لفرعون إنه طغي رغم أنه قال له قولا لينا، فالرجل دبلوماسي قدير تعود علي القول اللين !

والغريب أن هذا النظام الذي جعل من الوطنية شهادة يمنحها بمزاجه للذي يروق له من معارضة تجلس علي حجره أو تحت قدميه مستأنسة ومروضة ومريضة بينما يمنعها عن الأشداء الذين يجابهونه ويواجهونه، هو نفسه نظام لو فتح البعض عليه ذات السلاح الأرعن سلاح التخوين المفرط الذي يستخدمه حمقي النظام وعقلاؤه معا سيكون أول من يضار وأول من يصاب وأول من يتوجع، نحن نعرف (وهم عاملين فيها لا يعرفون) أن الوطنية ليست في حاجة لشهادة من أحد ولا هي منحة من كائن من يكون ولا تحتاج إلي ختم نسر، وإلا فليس هناك أسهل من اتهام الذين أجاعوا الشعب وسرقوه ونهبوه وباعوا ثروته، وأثروا من مص دمه بتهمة عدم الوطنية وليس هناك أبسط من الحماس الخشن والمهووس باتهام الذي يمد بيوت تل أبيب وجيش إسرائيل بالغاز والبترول (وربما بالحديد والأسمنت) بالخيانة، سهل جدا أمام الذين يتهمون رجلا مثل البرادعي بدا أنه مرشح تتوق له قلوب الكثيرين في مصر بأنه يعمل لخدمة جهات خارجية أن يتهمهم أنصار الرجل ومحبوه بأن سيدهم جمال مبارك يخدم أهداف جهات خارجية، فمن عمله لبنك أجنبي اشتري ديون مصر عبر دور قيل إنه نشط للشاب جمال مبارك أثناء عمله في البنك إلي عضويته في منظمات رجال أعمال مصريين وأمريكان، أو استجابته مع رجال أمانة سياساته لتوصيات ومتطلبات البنك الدولي والهيئات الدولية التي تشترط علي مصر شروطا في اقتصادها وتجارتها، ثم هو نفسه الذي يذهب بدون صفة رسمية فيلتقي بمسئولين أجانب ويتكلم باسم مصر بينما يزور البيت الأبيض ويقابل مسئولين هناك بل الرئيس الأمريكي السابق نفسه بدون أن يكون مسئولا رسميا ولا نعرف كيف يقابل ويقول ويردد ويسمع ويحكي بدون أن يحمل أي صفة تؤهله لذلك وبدون ما يكون موجودا في لقاءاته شخص رسمي يتابع ويطلع علي ما يقوله هذا الرجل باسم والده أو باسم بلده، ولا نعرف فعلا هل لسفريات جمال مبارك ولقاءاته للأجانب والمسئولين الأمريكان ملف في أجهزة الأمن العليا حتي تتأكد من أن هذه الحوارات واللقاءات لا تضر بالأمن القومي ولا تنصرف إلي أمور فيها إفشاء لأسرار في البلد يعرفها جمال بصفته نجل الرئيس ورئيس الظل، طبعا وقطعا يمكن للكثيرين أن يسألوا هذه الأسئلة بما تحوي أكثر مما تحتويه اتهامات رجال النظام ومنافقوه للدكتور البرادعي، ويقينا فنحن نرفض هذا الأسلوب الذي يومئ إلي ما لا يصح الإيماء أو الإيحاء إليه بدون دليل وبلا براهين ولا يمكن الاعتماد علي قرائن أو ملابسات لإطلاق اتهامات جزافية ترش سوادا علي سيرة رجل، وبالمعيار نفسه الذي نربأ به أن يتم توجيه اتهامات لجمال مبارك بخدمة جهات خارجية، فإننا ندين هذا الفعل الشائن الشنيع الذي استمرأه النظام واستمر فيه طيلة حكمه باتهام كل من يعارضه بالعمالة، فالصحف الخاصة تعمل لأجندة أمريكية، أو لإيران وحزب الله، والإخوان المسلمون غير وطنيين، ودكتور أيمن نور عميل للأمريكان، ومحمد البرادعي لجهات خارجية، كل الناس خونة ولاد ستين في سبعين، كيف يجرؤ المخبرون، وخدم البلاط الرئاسي، وحرس الرئيس في الإعلام الرسمي، وضباط الصحافة الحكومية، ومتقربو السلطان والسلطة في دوائر العدل، وأشباه السياسيين من أمناء الشرطة الذين يجلسون علي رأس أحزاب تافهة أن يتهموا معارضي مبارك بأنهم غير وطنيين أو لا يحبون هذا البلد أو أنهم يريدون له الفوضي، وأنهم يعملون لصالح جهات تريد مصر بسوء، هذا الغث يصدر عن الذين ينافقون الرئيس مبارك، ويريدون أن يقولوا له إننا نحبك حتي العبادة فانظر لنا بالمنح والعطايا والمناصب والنفوذ والفلوس، وخذنا تحت جناح حكمك فنحن خدم مطيعون مستعدون أن نبيح أعراض الناس ووطنيتهم مقابل رضاك يا مولاي فافتح خزائن المناصب والرغائب، وثانيًا هم يريدون أن يدمجوا الوطنية بحب الرئيس مبارك، وكأن معارضيه أو حتي كارهيه ليسوا وطنيين بل ليسوا مصريين، فالرئيس هو الوطن والوطن هو الرئيس ومن عارضه صبأ ومن رفضه كفر، نحن لن نسمح لأنفسنا أبدا بأن نطعن في وطنيتهم وحبهم للبلد، لكن يبدو أنهم قرروا أن يحتكروا الوطنية وتحديد مصلحة البلد والوعي بما يضره ويفيده ولم يكتفوا بذلك بل قرروا - في ابتذال رخيص - أن يبخوا علي خصومهم تهم العمالة والخيانة باعتبار أن أي واحد مش معاهم يبقي ضدهم وضد الوطن، وصار كل العالم من أمريكا إلي إيران، من سوريا إلي قطر، من الغرب والشرق، من حزب الله وحماس إلي محطة الجزيرة، من منظمات حقوق الإنسان إلي أعضاء البرلمان الأوروبي أعداء يتآمرون علي مصر من خلال معارضي الرئيس الذي هو مصر شخصيا.

لكن السؤال هنا: هذه الجهات الخارجية التي يعمل البرادعي ونور والإخوان والقضاة الإصلاحيون والصحف المستقلة لصالحها لماذا تستهدف مصر؟ مضيقاها في إيه مصر عشان تشغل كل هؤلاء ضدها؟

لعلي قلت كل هذا الكلام من قبل ولعلك سمعته مني حتي مللتني ومللته، ولكنني حتي الآن لم أحصل علي إجابات تلجمني وتقطع لساني، لماذا فعلا تتربص الجهات الخارجية بمصر ؟ لا يتحدث رجالات الحكم إلا وتجد واحدا يمسك سيفا ليهدد من يريد بمصر سوءا، وتحس معه أن طائرات تحلق في سماء البلد وإحنا مش شايفينها أو أن غزوا من الغرب أو الشرق نزل في العباسية وعند بوابة الطريق الصحراوي يستهدف أمن مصر وقيم مصر وشعب مصر دون أن نشعر بينما «الحساسون» من أهل الحكم شعروا وأحسوا.

موافق تماما علي هذا الاتهام لكن بشرط واحد أن يقول لي أحد: لماذا؟

مرة أخري سأعيد كلاما سخيفا ينزعج منه معظم قرائي لكنني مضطر أن أستمر في سخافتي حتي أفهم، وعذرا لعقلي المتواضع الذي لا يريد أن يستوعب ليه العالم كله مرقد لمصر كده وحاططها في دماغه ومقرر يعمل في مصر كل العمايل السودا دي؟ مضايقة مين مصر ولاَّ معكننة علي مين ولاَّ بتنافس مين؟ دعني أكون أوضح من أن يفهمني أحد خطأ وأحدد أنني أتكلم عن مصر مبارك، مصر منذ 28 عاماً، وأسأل مخلصاً والله أحسن أكون مش واخد بالي: هل مصر تزرع كل القمح الذي تحتاجه وتنتج كل الدقيق الذي يستهلكه شعبها، لذلك ليست محتاجة للتخزين؟

هل تُصنَّع جميع الأسلحة والطائرات والدبابات والمدافع التي نحتاجها أم أننا نستوردها في صفقات سرية ممنوع علينا معرفة الرئيس وقّعها مع مين ولاَّ جايبها منين؟

هل نكتشف كل يوم اكتشافا علميا ونخترع اختراعات رهيبة تغير شكل العالم وتضيف للحضارة الإنسانية.. فالحقد علينا فظيع والناس لا تطيق كل هذا العلم الذي ننتجه والعلماء الذين يمشون في شوارع مصر فوق أكتاف الضباط ويعيشون في قصور غَنَّاء من كتر احترام مصر لهم وتقديسها لمكانتهم مما يثير غيرة الدول الأوروبية والآسيوية ومن ثم قررت أن تحاربنا وتتآمر ضدنا عشان نبطل شوية هذا التقدم والتطور العلمي؟

هل نملك حق الفيتو ونستخدمه في مجلس الأمن، الأمر الذي يثير أحقاد الدول الصغيرة الكثيرة ويجعلنا في منصة الاتهام الدائم بعرقلة العدالة الدولية؟

هل لدينا أرقي الجامعات العلمية وأعظم المناهج التعليمية وأهم مدارس الكون، ومن ثم فهناك مؤامرة رهيبة ضد مصر كي تتخلف في التعليم وتتراجع عن صدارتها الدائمة في العلم والدراسة والتعليم؟

هل نعيش في بيئة نظيفة ونشرب مياها نقية ونتنفس هواء غير ملوث ولا نري دخانا ولا سحابة سوداء ولا حريق قش ولا تفسد صدور ورئات عيالنا وأطفالنا، لهذا فالعالم كله من شرقه وغربه حقد علي مصر مكانتها الرائعة في نظافة البيئة ونقائها وصفاء مياهها وسمائها، ومن ثم حلفوا بالطلاق علي التآمر علي هذا البلد الذي يغرق في خيرات البيئة بينما يترك العالم يشم «كولة» ويتنفس هواء بالسم ويشرب ماء بالروث؟

هل تنافس مصر الصين في التصنيع والتصدير فإذا ذهبت مصر إلي سوق تغزوها بالمنتجات الهائلة التي تنتجها مصانعنا الجبارة الضخمة سارعت الصين إلي محاولة منافستنا ولما تفشل الصين وألمانيا وإيطاليا في مواجهة صادراتنا التي تملأ أسواق العالم حلفت تلك الدول برحمة موتاها أن تحارب مصر في أكل عيشها وتتآمر عليها لوقف صادرات مصر التي تغزو كل شبر فيكي يا كرة أرضية ولو حكمت تنفث الكرة الأرضية عندًا في صادرات مصر التي تسد عين الشمس ؟!

هل تفسد مصر كل خطط العالم وتستطيع بكلمة من رئيسها وموقف من حكومتها أن تعطل أي قرار دولي أو تعوق أي إعلان حرب علي أفغانستان أو العراق أو إيران أو لبنان أو نيكارجوا؟!.. هل وزن مصر الدولي والإقليمي يمكَّنُها الآن من تعطيل مشروع حائط الصواريخ بين أمريكا وروسيا وتدمير أي اتفاق في مؤتمر كوبنهاجن أو تعطيل اتفاقية كيوتو أو سحب شرعية المحكمة الجنائية الدولية أو حل مشكلة متمردي التاميل أو إنهاء التوتر بين المغرب وجبهة بوليساريو أو تقليل عدد القتلي في دارفور أو حتي إقناع الإيه آر تي بعدم بيع قنواتها للجزيرة الرياضية؟

قولوا لي مصر متفوقة في إيه؟ تخوف أي حد بإيه عشان تأجر المعارضة في مصر ؟

بعلمها، بمفاعلها النووي، بقمحها، بتكنولوجيا وعلوم وصناعة وصادرات شعبها؟

بلاش، دعونا نسأل عن قوة مصر بعيدا عن تاريخها العظيم والمجيد، مصر قوية في إيه كي يستهدفها العالم من أمريكا حتي إيران لإضعافها؟

قوية في الاقتصاد...هأ هأ هأ

قوية في العلوم والطب؟ أم في الدجل والشعوذة التي تنفق عليها مليارات سنويا وتبذل محاولات خارقة لإخراج الجن الذي تزوج نصف بناتنا؟

قوية في الهندسة والتكنولوجيا؟

قوية في الصحة الجسدية لشعبها المرضان بفيروس «سي» والسرطان والفشل الكلوي والكبدي؟

قوية في أقمارها الصناعية التي تُصنعها وتطلقها في الفضاء تتجسس بها علي العالم؟

قوية في ديمقراطيتها؟! (أرجوك بطني ح توجعني من الضحك) قوية في دينها مع انتشار الرشوة في كل مصلحة حكومية وعمليات ترقيع غشاء البكارة وجرائم القتل العائلي وزنا المحارم والنصب والفهلوة ! بدليل أننا ننفق 37مليار جنيه علي المخدرات سنويا من فرط إيماننا القوي وتمسكنا بقيم ديننا الحنيف !!

ده حتي مصر ليست قوية جنسيا بل صرنا من الشعوب التي تعيش علي الفياجرا حيث نمثل واحدا من أكثر شعوب الأرض إنفاقا علي المقويات الجنسية حتي إننا نستهلك بـ 11 مليار جنيه فياجرا سنوياً.

أنا لا أقول هذا كي أبث في أحد يأسا، ولا أكتب هذا تشفيا في وطني وبلدي، ولا نكاية في نظام سياسي فاسد ومستبد يحكمنا وهو سبب ما نحن فيه، بل أكتب وأقول وأؤكد ذلك كي نعرف العلة والمعلول ننهض ونواجه مشاكلنا الحقيقية ونستعيد جدارتنا ومكانتنا وروحنا وحضارتنا، فإذا لم نكن صرحاء مع بعض والزمان ترللي فلا خير فينا والزمان شرم برم!!

 



اجمالي القراءات 11154