" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " أول آية مباركة فى التنزيل
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ

محمد صادق في السبت ٠٥ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

من الفطرة إلى اليقين

 

 

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا"  النساء : 174

 

 

بسم اللـــه الرحمــن الرحيـــم

"   اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " أول آية مباركة فى التنزيل، هى أمر من المولى عز وجلا لكل إنسان عاقل بأن يتعلم، والإستزادة من العلم أمر إلهى آخر " .... وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا " ، لذلك لا ينتقل العبد المكلف من خانة المسلم بالهوية، وهى مع الأسف حالة أكثر المسلمين اليوم، إلى خانة المسلم المؤمن حقا، وهى حالة القلة، إلا إذا إنتقل بإيمانه نقلة نوعية، من إيمان الفطرة إلى إيمان البرهان أى الحجة والدليل. ولا يكون ذلك إلا بواسطة العلم، فالإيمان الصحيح هو عملية منطقية فكرية علمية، قبل أن يصبح مسألة وجدانية شعورية، ولا يخشع قلب الإنسان وتلتزم جوارحه بالطاعة لتعاليم السماء إلا إذ تكونت لديه الحجة والبرهان. أى الدليل العقلى المنطقى والعلمى الذى من خلاله لا مناص لكل خلية من خلايا التفكير بالتملص منه.

وعنئذ فقط يخشع فلبه وتلتزم جوارحه وتصبح لديه المناعة ضد كل أصوات التشكيك المنبعثة من النفوس المريضة، الأمارة بالسوء، الظانة باللــه " ظَنَّ السَّوْءِ " وما أكثرها وأعتاها فى داخلنا ومن حولنا.

 

ومن يتقصى أسباب نشأة المدارس الفكرية والأنظمة الوضعية الإجتماعية والإقتصادية التى نتجت عنها، والتى تحارب الدين أو تفصله عن تسيير شئون الإنسان، يجد أنها كانت نتيجة مباشرة لفقدان البرهان المنطقى العلمى فى بعض الرسالات السماوية، نتيجة تحريفها على يد الإنسان، أو كنتيجة أيضا لإساءة فهم تطبيق النصوص السماوية التى لم تُحرف، من قبل القائمين على تبليغ الدعوة ونشرها.

 

إن الإسلام يُقدم للإنسان العاقل المفكر البرهان الذى لا يتعارض مع معطيات المنطق والعلم الصحيح، بل يعززها ويرسخ فى نفسه بذور إيمان الفطرة التى وضعها فيه خالقه. وكل دعوة دينية لا تلتزم طريق العقل والمنطق والعلم، لا تُنْتِجْ فى رأينا إلا إيمانا تقليديا سريع العطب. ولا يقوى أمام قوى الباطل المنظم والذى يغلب الحق غير المنظم، إلا دعوة دينينة قائمة على منهجية علمية منظمة ومستندة إلى الحجة والبرهان والدليل، وكلها موجودة فى النصوص السماوية.

 

إيمان الفطرة

"  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " الروم : 30

الإنسان بطبيعته مفطور على الإيمان، بما أودعه فيه المولى من عقل مفكر، يهديه إلى البرهان الذى يتلائم مع مستوى علمه ومنطقه على أن له ربا وجبت طاعته وعبادته من بين ملايين الأدلة والبراهين فى هذا الكون، وما حواه من مخلوقات ، مرورا بعالم النبات والحيوان، وكلها تشهد بوحدانية الخالق وعظمته. هذا ما نفهمه من معانى الآية الكريمة أعلاه والآيات التالية:

"  وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ " الأعراف : 172

"  وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ " الزخرف : 9

 

أن كل إنسان حتى الملحد، لا يستطيع فى الحقيقة أن يُسْكِتْ فى ذاته صوت الإيمان الفطرى، فعندما يخلوا بنفسه أو من خلال زلات لسانه، يعترف ضمنيا بأنه له خالق فطر السماوات والأرض، إلا أن المكابرة وحب المجادلة وخوف الإلتزام بتعاليم الدين التى تتعارض مع أصوات الطاغوت والنفس الأمارة بالسوء تجعله يتجاهل ويُسكت صوت إيمان الفطرة فيه، فرحمة من المولى وإقامة للحجة عليه أنزل الكتب والرسالات السماوية التى تساعد الإنسان على الإنتقال به من إيمان الفطرة إلى إيمان البرهان، هذا إذا أراد فهو المخير مع الجن دون سائر المخلوقات.

 

إيمان البرهان

حدد المولى فى كتابه القرءآن الكريم تعريف المؤمن الحق الصادق بآيات لا تتطلب الشرح، يكفى التذكير ببعضها:

1- "  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *

 أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " الأنفال : 2-4

2- "  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " الحجرات : 15

3- "  إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " السجدة : 15

4- " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ

أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " المجادلة 22

 

فالإيمان الصادق، هو فعل خيار لعقل ومنطق سليم، وإرادة قوية تجاهد أهواء النفس الأمارة بالسوء، وهو فهم بالعمق، ومن ثم إلتزام بما جاءت به الكتب السماوية الحقة، أى التى لا تتعارض تعاليمها مع المنطق السليم والعلم الثابت الصحيح، وهى تعاليم الإسلام.

والإيمان هو فى نظرى، ضرورة حياتية كالطعام والشراب، إذ لا سعادة حقيقية للأفراد والمجتمعات بدونه، وما التعاسة والفقر والخوف والضياع، وكلها تلُف الإنسانية من أدناها إلى أقصاها، خاصة فى يومنا الحاضر، إلا نتيجة مباشرة لبُعد أكثر الأفراد والشعوب عن سلوك طريق الإيمان الصادق.

 

سبيل المعرفة الإيمانية

للوصول إلى المعرفة الإيمانية اليقينية سبيلان:

1-    سبيل خاص هو سبيل المعرفة " اللدنية " وهى ما يعلمه الإنسان مباشرة من ربه بالوحى أو بالإلهام، وبعد رياضة النفس ومجاهدتها بالتقوى، وهو سبيل الأنبياء والرسل والقلة القلة، التى هيأهم اللــه لسلوك هذا السبيل من المعرفة الإيمانية المباشرة التى تسمى بالمعرفة " اللدنية ". يقول سبحانه:

    "  وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ    حَكِيمٌ " الشورى : 51

"  فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا " الكهف : 65

2-    سبيل عام هو سبيل العلم والمعرفةعن طريق الحواس والعقل والمنطق وهوطريق البرهان والدليل الذى أمرنا المولى بسلوكه لكى نؤمن به ونلتزم بتعاليمه من خلال مئات الآيات الكريمة التى حضت المكلف على ان يجد لنفسه البرهان الإيمانى من خلال كتابه المسطور، القرءآن الكريم، وكتابه المنظور، الكون وما حواه، شرط أن يقرأ ويتعلم ويتفكر فالقرءآن لا يتوجه بالنداء الإيمانى إلا لقوم يعلمون ويفقهون ويعقلون ويتفكرون:

    "  كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " فصلت : 3

    ويقول ايضا: " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " العنكبوت : 43

    وفى موضع أخر:

   "  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا          أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ    الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " البقرة : 164

 

أنواع البرهان

"  هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " الجاثية : 20

لو كان إيمان الفطرة يكفى الإنسان، لما أُنزلت الكتب السماوية وأُرسلت الرسل والأنبياء. إذ لا بد من دليل إيمانى لا يرقى إليه الشك فعبارة " إركع على ركبتيك وأغمض عينيك وآمن بقلبك " كما قال " باسكال " لا تكفى عند الإنسان، وهو الأكثر جدلا بتعريف خالقه " وَََكَانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شَئٍ جَدَلًا "، لذلك أيد المولى أنبياءه ورسله، إضافة إلى المعجزات بعلم لدنى هو بالنسبة لهم، قبل غيرهم، البرهان والدليل الذى يُثبتهم فى إيمانهم الفطرى ويساعدهم على تبليغ وتحمل أعباء الرسالة.

فيوسف عليه السلام، كادت نفسه الأمارة بالسوء أن تدفعه للإستجابة لنداء الإثم المتكرر من إمرأة العزيز:

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ.... " يوسف : 24 ، برهان ربه المتمثل فى خلق السماوات والأرض: "  رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " يوسف : 101 

 

وإبراهيم عليه السلام، أعطاه اللــه برهانه اليقينى، فأراه بالبصيرة ملكوت السماوات والأرض:

" وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ " الأنعام 75 

ولولا هذا البرهان اليقينى الذى هداه المولى لإبراهيم لكان من القوم الضالين:  "  فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ "  الأنعام : 77 

 

والرسول محمد، عليه السلام، ثبت فؤاده بما علمه من علم الكتاب والحكمة وما لم يكن يعلم : " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا " النساء : 113

 

ولقد إختتمت الرسالات السماوية بالبرهان اليقينى والمعجزة الوحيدة الباقية إلى يوم الدين، القرءآن الكريم الذى لا يستطيع أن يشكك به أى عاقل. ومنه يستقى كل إنسان برهانه الإيمانى على وجود اللــه وصدق التنزيل. ومن الضرورى أن يكون لكل مسلم برهانه الإيمانى الذى ينقله من إيمان الفطرة إلى إيمان الدليل. فكل إنسان مهما بلغ إيمانه باللــه عز وجل، يمر بلحظات قد يتزعزع فيها إيمانه فيشك بالمعجزات التى آتى بها الرسل، وخاصة اليوم،

ولكى يبقى بعيدا عن عوامل الشك هذه، لا بد له من دليل ثابت يراه مثلا أمام عقله ومنطقه فى كل ثانية على وجود اللــه، وهذا الدليل يجده كل من أراد وحسب درجته العقلية والعلمية فى كتاب اللــه المقروء القرءآن الكريم وكتاب اللــه المخلوق الكون وما حواه.

 

أما أن نترك الإيمان للشعور والوجدان فقط فهذا لا يكفى وخاصة فى القرن العشرين عصر العلم والبرهان. ولوتسائل كل مسلم بينه وبين نفسه، وهذا بنظرى هو بداية طريق الإيمان الصحيح، ما هو برهانه الإيمانى الذى لا يستطيع من خلاله إلاَّ ان يُقر بوجود الخالق وصِدق التنزيل، لوصل إلى درجة الإيمان الصادق والذى سبق تعريفه.

أما " أينشتاين " فلقد كان دليله الإيمانى هذا النظام البديع الموجود فى كل خلق من مخلوقات اللــه، فاللــه كما يقول " لا يلعب النرد مع الكون ". ولو إطلع على الآية الكريمة التالية من كتاب اللــه :

"  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ *  لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ *

 بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ " الأنبياء 16-18

لربما كان من كبار المسلمين الموقنين بالقرءآن الكريم إلى جانب إيمانه العميق باللــه.

 

نحن اليوم بحاجة لعلماء متخصصين فى مختلف العلوم المادية من المؤمنين، ليوضحوا لنا كلِّ فى حقل إختصاصه ما يقرب من الألف آية كريمة من كتاب اللــه، سبقت العلوم المادية بقرون ولا يستطيع شرحها إلا كل متخصص فى علم معين لذلك.

*  نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى علم الأجنة والوراثة ووظيفة الأعضاء ليبينوا لنا معنى الآية الكريمة :

"  فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) سورة الطارق

*  نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى علم التغذية والطب الوقائى ليشرحوا لنا لماذا حرم اللــه الخمر والدم ولحم الخنزير واللواط والعلاقات الجنسية الآثمة.

*  نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى علم الفلك ليشرحوا لنا ما معنى " مواقع النجوم" وليبينوا عظمة القسم :

"  فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ " الواقعة : 75  ولماذا "  وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ " الواقعة 76 

*  نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى علم طبقات الأرض والمحيطات لنفهم بالعمق الأبعاد العلمية الإعجازية فى قوله تعالى : " وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ " الطارق 12  " والأرْضَ وَمَا طَحَاهَا " ، " والْبَحْرِ المسْجُورِ " ، " قلْ سِيرُوا فى الأرضِ فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ "

 *  نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى علم الفيزياء والأحوال الجوية لنفهم عظمة ومعجزة القرءآن فى الآيتين :

"  وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " الأنبياء : 32

"  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ " الطارق 11   

* نحن بحاجة لعلماء مؤمنين فى دراسة السلالات البشرية لنفهم عمق وبُعد المرمى فى الآيات الكريمة:

"   هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " الإنسان : 1 

 

وغيرها الكثير من العلوم المادية الذى وردت لها آيات متعددة فى القرءآن الكريم، أما أن نقصر ونختص بالدعوة للــه كل من ألم باللغة العربية ومفرداتها وقواعدها، فهذا تقصير فى حق الدعوة وفى تفقه وشرح الإسلام. فالقرءآن الكريم خاطب العلماء وفى جميع حقول الإختصاص العلمية وحضهم على تدبر وتفهم آياته الكريمة.

 

"  سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"

 

فالقرءآن الكريم لا يمكن تعريفه إلا بأنه كتاب اللــه وكلامه، والكلام صفة المتكلم. والمولى عز وعلا عرف ذاته بقوله " ليس كمثله شيئ" كذلك كتابه الكريم ليس كمثله كتاب . ومن أراد تعريفه بأنه كتاب هدى ودين وإرشاد أو كتاب علم، فقد عرف ميزة واحدة من ميزات كتاب اللــه الكثيرة والتى لا يحيط بها إلا قائله:

" .... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ"

 

نرجو بكلمتنا هذه ان لا تُفهم على أنها فرض لكل من يقرأها أن يوافق عليها ولكن هى مجرد إحتهاد شخصى يقبل الخطأ قبل الصواب. وفى الختام أقول واللــــه أعلــم.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا..... صدق اللــه العظيم.

 

 

اجمالي القراءات 24750