من هو الذي إفتداه الله تعالى بالذبح العظيم .. إسماعيل أم إسحاق (عليهما

الصنعاني = في الأربعاء ٢٥ - نوفمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

من هو الذي إفتداه الله تعالى بالذبح العظيم .. إسماعيل أم إسحاق (عليهما الصلاة و السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم.

السلام عليكم.

بعد أيامٍ معدودات سيحل علينا موسم الحج و الذي تقدم فيه الأضاحي تيمناً بسنة أبونا إبراهيم عليه الصلاة و السلام

نحن نعلم جميعا أن اليهود و النصارى و المسلمين اتفقوا على أن الله تعالى قد ابتلى خليله إبراهيم عليه الصلاة و السلام في المنام بذبح إبنه, و لكنهم اختلفوا في نفس الوقت في من كان مطلوبا للذبح إسماعيل أم إسحاق عليهما الصلاة السلام.

فاليهود و النصارى يقولون بأنه إسحاق عليه الصلاة و السلام
و المسلمون يرون (بناءً على الروايات) أنه إسماعيل عليه الصلاة و السلام

- يقول الله تعالى في سورة الصافات

( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) ).

تبدأ الآيات الكريمة بقوله تعالى {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } ،فاستجاب له ربه و بشره بالغلام الحليم {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } .

و لكن من هو الغلام الحليم الذي بُشر به ابونا إبراهيم عليه الصلاة و السلام.؟

إذا رجعنا الى القرآن الكريم سنجد البشارة مذكورة في سورة هود {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

و لم يرد لفظ غلام عليم أو غلام حليم على رسول الله إسماعيل أبداً

بل لم يرد لفظ غلام منفرداً على رسول الله إسماعيل و لكن على رسول الله إسحاق.

و إليكم الآيات:

{وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ }
و الغلام هنا هو بالتأكيد إسحاق عليه الصلاة و السلام

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }
و الغلام هنا هو إسحاق عليه الصلاة و السلام

إذن الغلام المذكور في قوله تعالى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } هو رسول الله إسحاق

و باعتبار إسحاق عليه الصلاة السلام كان بشارة من عند الله تعالى الى نبيه إبراهيم و زوجه؛ كانت مشيئة المولى تعالى أن يبتلى إبراهيم في إبنه ليعلم مدى إيمان إبراهيم عليه الصلاة السلام و شكره لربه تعالى و استعداده للتضحية بولده الذي انتظره سنينا في سبيل الله تعالى .

فرأى سيدنا إبراهيم في المنام انه يذبح إبنه.

كان الإبن عليه الصلاة و السلام غلاماً صالحاً و لم يكن نبياً بعد.

و نحن نعرف بقية القصة و كيف أن الله تعالى فدى رسوله الكريم بالذبح العظيم بعد أن نجح هو و أبوه عليهما صلاتي و سلامي بالإختبار و البلاء العظيم.

و هنا تأتي الجائزة الأُخرى و البشارة الأُخرى بعد النجاح في الإختبار و هي :

البشارة بأن هذا الغلام الحليم سيصبح نبياً من الصالحين

{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }

مرة اخرى نعيد تدبر الآيات حيث
1- دعى رسول الله إبراهيم ربه في بداية الآيات  أن يهبه ذرية ، بل دعى ربه أن تكون هذه الذرية صالحة(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)
2- إستجاب الله تعالى للجزء الأول من دعوة نبيه  و بشره بالغلام الحليم (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ).
3-  إبتلى الله تعالى نبيه إبراهيم و غلامه ببلاء و إختبار عظيم.
4-  نجح رسول الله إبراهيم و إبنه في هذا الإختبار ؛ و هنا أتت الإستجابة للشق الثاني من دعوة إبراهيم (الصلاح) حيث بشره ربه بأن هذا الغلام الحليم سيكون نبياً صالحاً (وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين).
و بالتالي تكتمل الإستجابة لدعوة أبونا إبراهيم ،

الآن اتركم مع الآيات .

{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ

سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ

وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }


و لكن الذين يقولون بأن الذبيح المٌفتدى كان إسماعيل لهم ايضاً رأي و يجب علينا سماعه.

1ـ ورود كلمة صابر في الآية المتعلقة بقصة الذبح العظيم {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
و هي إحدى صفات سيدنا إسماعيل {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ}
و لم ترد في حق  سيدنا  إسحاق (رغم أننا نحسبه كذلك)

2- لقد بشر الله تعالى نبيه إبراهيم بالحفيد (يعقوب) حيث قال {فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب } ،فإذا كان الذبيح هو إسحاق فإن البشارة لن تكتمل.

3- ذبح الآضاحي يكون في عيد الأضحى ، في موسم الحج و الذي يكون  في  مكة و التي فيها الكعبة و التي بناها رسول الله إبراهيم مع إبنه إسماعيل و ليس إسحاق.
إذن هناك علاقة بين الذبح العظيم و بين نبي الله إسماعيل عليه الصلاة و السلام.

بالنسبة لنا أهل القرآن ؛ سواء أكان الذبيح المُفتدى إسماعيل او إسحاق عليهما السلام فلا فرق عندنا لأننا (لا نفرق بين احد من رسله ).


و لكن هل هناك من علماء الإسلام من قال بأنه كان إسحاقاً ؟

نعم.
ابن جرير الطبري و  القرطبي و العباس عم الرسول و إبنه عبد الله إبن عباس (حبر الأمة).

و هنا أنقل لكم ما قاله إمام وخطيب مسجد قباء وعضو هيئة التدريس بجامعة طيبة ومدير عام مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة الشيخ المغماسي.

في حلقة استثنائية: المغامسي لا أقطع ولا أجزم بهذا الترجيح .. فليس في المسألة نص صريح

في حلقة استثنائية ضمن برنامجه الشهري القطوف الدانية أوضح فضيلة الشيخ/ صالح بن عواد المغامسي" إمام وخطيب مسجد قباء وعضو هيئة التدريس بجامعة طيبة ومدير عام مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة "مسألة الذبيح تفصيلا ،وخاصة بعد ما كثر الحديث حولها عقب ترجيح الشيخ في بعض دروسه العلمية أن الذبيح هو إسحاق فقد أكد الشيخ المغامسي في بداية حديثه أن المسألة خلافية والخلاف في هذه المسألة قديم منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وأنه لم يتكلم فيها إلا في درس علمي قبل ثلاث سنوات ، ونفى المغامسي ما تردد أنه أشغل الناس بهذه المسألة فقال: "لقد خطبت في مسجد قباء ولازلت منذ أربع سنين تقريباً أكثر من مائة خطبة جمعة لم يحدث أبداً أن تحدثت فيها عن هذه المسألة أبداً ، لعلمي أن ليس مما يخاطب به العامة ولا يتعلق به عمل ، كما ألقيت مئات المحاضرات داخل المملكة وخارجها ولم يحدث أن تطرقت إلى هذه المسألة بل كنتُ أتحدث عما يغلب على الظن أن الناس يحتاجون إليه مما فيه صلاح قلوبهم وأعمالهم ويذكرهم بربهم جل وعلا".

وقد أحضر الشيخ معه للأستديو العديد من كتب التفسير الشهيرة وقرأ منها واحداً واحداً ليثبت خطأ من زعم أن الشيخ المغامسي قال قولاً لم يسبق إليه أو أن القول بأن الذبيح إسحاق قول شاذ ، وقرأ المغامسي من كتاب تفسير ابن جرير الطبري وقال:" هذا أول كتاب تفسير بين أيدينا وقد قال العلماء عنه "إنه لم يصنف في الإسلام مثله" ومع هذا نراه يخبر باختلاف الصحابة والتابعين والسلف عموماً في المسألة بل ونرى ابن جرير الطبري يرجح القول بأنه إسحاق عليه السلام. ثم قرأ المغامسي من كتاب تفسير القرطبي قوله "واختلف العلماء في المأمور بذبحه فقال أكثرهم إسحاق ، وممن قال بذلك العباس ابن عبد المطلب وابنه عبد الله وهو الصحيح عنه" وقول القرطبي "وهو الصحيح عن عبد الله ابن مسعود" وقوله – أي القرطبي- وقاله به من التابعين وغيرهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير) ، كما استشهد الشيخ صالح بقول ابن الجوزي في زاد المسير أن للإمام أحمد في المسألة روايتين وأن أكثر أصحاب الإمام ينصرون القول بأنه إسحاق عليه السلام ، وقد أوضح جليا المغامسي وهو يقرأ في الكتب أراد أن يثبت أن القرآن لم ينص أبداً على من هو الذبيح ، وإلا لما اختلف هؤلاء الأكابر من سلف الأمة في المسألة".

وأضاف المغامسي: "أن عدداً من أجلاء العلماء في الأمة ذهبوا إلى أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وأن مما قال بذلك من العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والأمين الشنقيطي وغيرهم ، هؤلاء علماء أجلاء لا يجهل فضلهم أحد ولهم حجج قوية في المسألة وأنا أقتات على موائد علمهم"

واسترسل المغامسي موضحا حجج من رجح أن الذبيح إسماعيل عليه السلام فقال :"استدلالهم بقول الله تعالى " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " إذ وجه الدلالة عند القائلين بهذا القول أنه كيف يمكن أن يبتلى إبراهيم عليه السلام بذبح إسحاق وقد بُشر بأنه سيكون له عقب منه ، وأن هذا ينافي التكليف".

وأضاف المغامسي قائلاً:" لقد تتبعت هذا القول فوجدته قد أخذه العلماء عن محمد بن كعب القرظي وهو من التابعين الذي عرفوا بالتفسير إلا أن الإمام السُهيلي رحمه الله أجاب عن هذا الاستدلال في كتابه التعريف والإعلام إذ قال إن قول الله "ومن وراء إسحاق يعقوب" ليس من ضمن جملة البشارة إذ لو كانت منها لوجب أن يكون السياق وفق قواعد اللغة العربية "ومن وراء إسحاق بيعقوب" فلما حذفت "الباء" عرفنا أن هذه الجملة ليست من البشارة وأن الواو استئنافية وأن الجملة معترضة لتأكيد بيان فضل الله على آل إبراهيم ، وأن لهذا نظائر في كتاب الله كما في سورة لقمان "

أما الاحتجاج بأن الله بعد أن ذكر قصة الذبيح قال "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" وأن في هذا دليلا أن الذبيح غير إسحاق قال المغامسي:" إن قتادة رحمه الله كان يقول بأن الذبيح هو إسحاق عليه السلام وأنه – أي قتادة – أجاب على هذا الاستدلال بأن البشارة الثانية بشارة نبوته جزاءً على صبره وأن البشارة الأولى بشارة بمولده".

واستطرد المغامسي بذكر تصوره للمسألة قائلاً: " إن الذي أفهمه من كلام الله حول هذه المسألة أن إبراهيم عليه السلام تزوج سارة أول الأمر فلم تنجب له ، ثم حدث أن أهديت هاجر لسارة من قبل ذلك الملك الطاغية الذي عجز أن يصل إلى سارة فأخدمها هاجر كما دل عليه حديث البخاري.

ثم إن سارة أهدت هاجر لزوجها خليل الله إبراهيم فأنجب منها إسماعيل ، والأصل في النساء أنهن يلدن ، فالعقم هو الطارئ وعليه فلا تحتاج ولادة إسماعيل إلى بشارة ، ثم إن إبراهيم عليه السلام ذهب بزوجته هاجر وابنها إلى مكة حيث موضع البيت قبل أن يُبنى وعاد إلى العراق ليدعو أباه وقومه فكفروا به وتآمروا عليه فنجاه الله من النار كما في سورة الصافات ثم لما نجاه الله منهم هجرهم وقال "إني ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين" فالدعاء بالصالحين من الذرية لا يمنع أن يكون له ابن من قبل وهو إسماعيل عليه السلام من هاجر ، فجاءته الملائكة تبشره بإسحاق عليه السلام ثم لما ترعرع الغلام وراهق أمر بذبحه بدليل قول الله جل وعلا "فلما بلغ معه السعي" ومعلوم أن قوله جل شأنه "معه" يدل على أن هذا الغلام نشأ مع والده وهذا لم يكن إلا إسحاق لأن إسماعيل كان بعيداً عن والده مع أمه في مكة ، وهذا يرجح أن إسحاق عليه السلام هو الذبيح ، ومع ذلك فلا أقطع ولا أجزم لأنه ليس في المسألة نص صريح".

وأوضح المغامسي حديث " أنا ابن الذبيحين " فقال :"أن هذا الحديث له لفظان: أحدهما "أنا ابن الذبيحين" وهذا اللفظ لا أصل له والآخر ما جاء عن معاوية رضي الله عنه أن أعرابيا خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ابن الذبيحين" فقال الشيخ إن سند هذا الحديث واهٍ جداً وقرأ الشيخ من كتاب الحاوي للفتاوى للسيوطي وكتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني وحكم الشوكاني في تفسيره على أحاديث الباب بأنها إما موضوعة أو ضعيفة جداً لا يصح أبدا الاحتجاج بها ، وقال إن أي أحد من علماء الحديث لم يقل بصحتها ، أما ما جاء في كتاب كشف الغطاء أن الزرقاني حسّن حديث الإمام الحاكم "يا ابن الذبيحين" فقد قرأ المغامسي في الحلقة قول الإمام الألباني أن هذا وهم فاحش وأن الحديث لا يصح الاحتجاج به".

كما بين المغامسي أن الآثار والأخبار التي تدل على أن هناك ارتباطا بين الذبح ورمي الجمرات لا ترقى في صحتها الى أن تقوم بها حجة بل قال بعض السلف نصاً أن مكان الذبح كان في بيت المقدس كما نقل ذلك عن سعيد بن جبير ، والصواب أنه ليس في هذا أثر يصح للاحتجاج به لكلا الفريقين ، كما أبدى الشيخ صالح تعجبه ممن يقول إن مكان الذبح مكة بدليل الأضاحي ، وبين أننا بالأضحية نُحيي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام لما شرع في ذبح أحد أبنيه ففدى الله الابن الذبيح بكبش عظيم ، لكن لا علاقة بهذا بمكة ومتى ذلك أنه مقرر عند المسلمين جميعا أن الذبح يكون في أي مكان فهو مرتبط بالمكان الذي يعيش فيه المضحي حال نحره لأضحيته ، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين في المدينة كما في حديث أنس ويستطيع المسلم يوم النحر أن يضحي في أي مكان ، أما الهدي وما يشرع في الحج فهذا لعلاقته بالنسك هل هو دم جبران أو دم قربان وشكر ولا علاقة له بمسألة الذبيح لا من قريب ولا من بعيد".

وأضاف المغامسي إنه يرجو بهذا التوضيح أن يكون قد أزال اللبس ودفع المغبة عن نفسه ، وبين أن لطرائق العلم مناهج بحثية ومن لم يكن له ارتباط بالمكتبة الإسلامية وما دوّنه العلماء فلا يحق له أن يخوض برأيه ، وبين أنه لا بد من الديانة الحقة والتقوى مع العلم حتى لا يقع الإنسان في عرض أخيه ، وختم المغامسي لقاءه بقوله:" إن المسألة لا نص فيها ولهذا فهو لا يقطع ولا يجزم بل يرجح أنه إسحاق عليه السلام ، وأياً كان الذبيح فإسماعيل وإسحاق نبيان كريمان من أنبياء الله"، وعقب المغامسي في لقائه على من فهم أن القول بأن الذبيح ليس بإسماعيل قد يفهم منه – خطاً- أن ذلك يقلل – لا قدر الله- من مقام رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فبين الشيخ –بأسلوب علمي رصين- خطأ هذا الظن وقال إن العرب والعدنانيين وبني كنانة وقريش ثم بني هاشم كلهم هم الذين شرفوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم واستشهد بقول ابن الرومي: وكم أبٍ علا بابن ذرا شرفٍ كما علت برسول الله عدنان واختتم المغامسي حديثه قائلاً "إنني قد عفوت عن كل من أساء إلي بهذه المسألة ، لكن الله الله في الديانة والتقوى والحذر من الكلام على الله بلا علم.

 


كل عام و أنتم بخير.


 

 

اجمالي القراءات 203337