76 و77 صناعة الطغيان والفرعنة في حياتنا

ابراهيم عيسى في الأحد ٢٥ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كيف نحسب مدة الرئاسة إذا كنا لا نعرف بدايتها حيث إنه لا تاريخ لإعلان نتيجة الاستفتاء لأنه لا يوجد استفتاء؟


قد يطرح الرئيس مبارك علي مؤتمر الحزب الوطني الأسبوع القادم اقتراحًا بتعديل المادة 77 في الدستور، هذا ما تتداوله مصادر داخل الحزب الوطني بقوة وهو ما يجعلني أستبعده بقوة كذلك، فقد عودنا الرئيس مبارك علي أن يفاجئ الواقع السياسي، بل يفاجئ أقرب الناس إليه بتعديلات أو ترتيبات أو تغييرات يتفاخر ويتباهي بأن أحدًا لم يكن يعرفها أبÏIuml;ًا قبل أن يعلنها، وأنه لم يطلع عليها شخصًا قبل أن يطرحها، فهذا الرئيس شيمته المفاجآت علي مدي 29عامًا ومن الصعب أن يسمح لأفعاله بالتسرب من بين رجاله قبل أن يفاجئنا ويفاجئهم بها، ثم إن الرئيس مبارك عودنا علي مدي حكمه الذي طال جدًا علي أنه لا يستجيب للرأي العام ولا يتقبل طلباته ولا طموحاته أبدا، بل هو أيضًا يتفاخر بأنه لا يجب التأثر بالرأي العام (يقول إبنه نقلا عنه هذه الحكمة الخالدة دائمًا)، وكأن الرئيس وحزبه وحكومته لا يعملون لدي الرأي العام، فهو رأي الشعب ورغبة الشعب وقرار الشعب، لكن يبدو أن الرئيس وحزبه وحكومته لا يسمعون صوت الشعب لكنهم يفضلون الاستمتاع بتزوير صوت الشعب في الانتخابات، ومن هنا أستبعد أن يكون صباح الأحد القادم هو بداية التخلص من هذه المادة الديكتاتورية المستبدة صانعة الطغيان والفرعنة في بلدنا. المادة 77 المشئومة التي تسمح للرئيس (أي رئيس) بأن يبقي في الحكم عقودًا وحقبًا حتي آخر العمر كي يصبح رئيسًا أبديًا سرمديًا! (تنص المادة 77 علي أن: مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخري) والغريب أنه رغم تعديل الدستور وتحويل الاستفتاء إلي انتخابات فإنهم نسوا تعديل كلمة الاستفتاء إلي انتخابات في الدستور بحيث يمكن أن نطعن علي المادة بل الدستور كله بأن نسأل: أي استفتاء هذا الذي تقصده المادة 77 بصياغتها غير المعدلة في الدستور الحالي المطبوع والموجود علي جميع مواقع الحكومة المصرية علي الإنترنت؟ ما هو هذا الاستفتاء الموجود في المادة 77 في عرضكم مش خلاص بقت انتخابات، تركتم هذه المادة حتي بلا تعديل لفظي فيها خشية الاقتراب منها أو لمسها؟! وكيف نحسب هكذا مدة الرئاسة إذا كنا لا نعرف بدايتها حيث إنه لا تاريخ لإعلان نتيجة الاستفتاء لأنه لا يوجد استفتاء؟ وهل يصح التعامل مع الدستور علي طريقة أصل قصده الانتخابات، مش الاستفتاء؟!! ألا تنتبهون معنا لهذه الفضيحة؟

ومع ذلك فلو فعلها الرئيس مبارك فلابد من تحيته فعلا ولابد من الاحتفاء بأن رئيسنا تغير أو يتغير أو يبدو أنه مستعد لبعض التغيير في سمت حكمه وطريقة قيادته بعد أن دخل عامه التاسع والعشرين في الحكم والسادس والثلاثين في السلطة (منذ كان نائبًا للرئيس).

طبعًا بمجرد ما يعلن الرئيس اقتراحه بتعديل المادة 77 وقفل مدة الرئاسة بسقف مدتين فقط (أرجو ألا يضع أحد لمساته علي التعديل فيقنع الرئيس بجعلها ثلاث مدد رئاسية بدلا من مدتين فقط وتبقي زحل!!) سوف يقف الجميع إعجابًا وإكبارًا وتصفيقًا وموافقة وهتافًا ونفاقًا للرئيس ولا بأس من هذا كله. صحيح أن الرئيس لو قال عكس هذا الكلام لفعلوا نفس الفعل ولو رجع في كلامه لرجعوا ولو صمم علي بقاء المدة مفتوحة للرئيس مدي الحياة لصفقوا وتحدثوا عن حكمة الرئيس ونظرته الثاقبة، إلا أنه مع ذلك لو فعلها الرئيس واقترح تعديل المادة بحيث ينهي الحكم مدي الحياة فهذا أمر يستحق التهنئة والتحية لكنه أيضًا يستحق بعض الريبة عند البعض الذي سيفسر هذا التعديل بأنه:

1- تمرير لفكرة طرح جمال مبارك مرشحًا للرئاسة في حياة أبيه، ومن ثم فقد قدم لنا الرئيس السبت حتي يلاقي الأحد (وللغرابة المؤتمر يوم الأحد فعلا) ومن هنا يحصل علي موافقة سياسية علي هذه المقايضة.

2- رغبة في لجم الاستجابة الشعبية المدهشة للأسماء الجادة والجدية وذائعة الصيت والشعبية التي تم طرحها للترشيح في انتخابات 2011مثل الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسي وأحمد زويل.

3- ثمن يدفعه نظام الحكم في مصر للغرب والأمريكان الذين طلبوا مكافأة إصلاحية ثقيلة الوزن للموافقة أو للغض عن عملية نقل آمن للسلطة إلي الوريث.

والحقيقة أن الحياة السياسية في مصر لو كانت حاضرة وناضجة ومحترمة فإنها ستتعامل مع هذا التعديل (إن حدث فعلا) باعتباره استجابة للمطالب الشعبية وللضمائر الوطنية التي ناضلت وتناضل من أجل ديمقراطية حقيقية تستحقها مصر، ولن يكون التعديل منحة ولا منة ولا هبة من رئيس بل هو استجابة من رئيس وقبول بحقائق الأشياء وإملاءات التاريخ وأن مصر تتغير وأن الشعب المغمض فتح وأن القوي الخاملة نشطت وأن الكتل الساكتة نطقت، ثم إن الموقف سيكشف ويفضح الذين يقايضون وطنًا بمادة في الدستور ومن يحاولون البحث عن ثمن لتواطئهم وخذلانهم بلدًا وخزيانهم أمام شعبهم. تعديل المادة 77 قد يكون وراءه كل ما يقال لكننا يجب أن نتعامل معه بمبدأ خذ وطالب، خذ حقك وطالب بمزيد من حقوقك، فالمادة 77 طعنة قاتلة في ظهر الديمقراطية، كما أن المادة 76 كارثة في حق شعب بالكامل يمنعون عن أبنائه حق الترشيح للرئاسة بكل ما في حيلة ترزية القوانين من ألاعيب وبكل ما في جعبتهم من ثعابين، 76 و77 تسممان الحرية والديمقراطية، وبقاؤهما مصيبة علي دماغ مصر التي ما عادت تحتمل ما حملته من مصائب.

آه نسيت أقولك مرة أخري إنني أستبعد أن يعلن الرئيس في مؤتمر حزبه أي رغبة أو اقتراح بتعديل المادة 77....!

اجمالي القراءات 11442