عذاب القبر
غمرات الموت وسكرة الموت

Ezz Eddin Naguib في السبت ٢٦ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

غمرات الموت وسكرة الموت

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ذكرنى مقال: "بين الشك واليقين من وجود عذاب القبر" للأخ Baby B والمنشور اليوم بهذه الآية الكريمة:

  

قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }الأنعام93

 

وقد فسر كل المُفسرين "غمرات الموت" بـ "سكرات الموت" معتمدين على الآية الكريمة:

{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }ق19

 

وكمثال على تفسيراتهم أذكر لكم تفسير الجلالين:

(ومن) أى لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بادعاء النبوة ولم يُنبأ (أو قال أُوحى إليه ولم يوح إليه شىء) نزلت فى مسيلمة (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) وهم المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا (ولو ترى) يا محمد (إذ الظالمون) المذكورون (فى غمرات) سكرات (الموت والملائكة باسطوا أيديهم) إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا (أخرجوا أنفسكم) إلينا لنقبضها (اليوم تُجزون عذاب الهون) الهوان (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) بدعوى النبوة والإيحاء كذبا (ومنتم عن آياته تستكبرون) تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا.

 

ويعيب هذا التفسير الآتى:

1- سكرة الموت مفردة وغمرات الموت بالجمع

2- يقول المُفسر: "أخرجوا أنفسكم" إلينا لنقبضها. ولا أدرى كيف يتسنى لمن فى سكرة الموت ذلك، وحتى لو كان فى كامل وعيه، ولا أعرف أحدا يُمكنه ذلك. فملائكة الموت تتوفى الروح أو النفس بدون استئذان صاحبها. يقول تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }الأنعام61

ولكن المُفسرين لووا معنى الآية لتُوافق عذاب قبرهم وأتوا بهذا التفسير غير المعقول.

3- "اليوم تُجزون عذاب الهون" فلم يُفسر معنى "اليوم" وقد فسرها آخرون بعذاب القبر، وتفسير "اليوم" بعذاب الآخرة يجعل هناك فجوة زمنية بين الموت وعذاب الآخرة.

 

 

ولكن عقلا نابها هو الأستاذ الكريم/ إيهاب حسن عبده فى كتابه "استحالة وجود عذاب القبر" فسرها تفسيرا صدمنى أول الأمر، ولكنى بعد أن أعدت قراءة رأيه أيقنت أنه التفسير الصحيح.

 

ورأى الأستاذ/ إيهاب وباختصار شديد هو:

 

"غمرات الموت" تفسرها الآيات التالية:

 

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }فاطر36

{يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }إبراهيم17

{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى }طه74

{وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى{11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13}الأعلى

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء56

 

 

فالموت فى الدنيا له سكرة واحدة

أما فى جهنم فموت الكافر له غمرات لا نهائية

فالمُعذب فى نار جهنم لا يُقضى عليه فيموت ويستريح، ولا يُخفف عنه من عذابها، فهو يُغمر فى العذاب إلى قُرب الموت ثم يُحييه الله ثانية

فالمُعذب يتردد بين الموت والحياة، وكلما قارب الموت بدل الله جلوده التى احترقت ولم تعد تُحس بجلود غيرها، وأصلح له جسده حتى يذوق العذاب من جديد.

 

وإذن فالآية تحكى عن الظالمين وهم يُعذبون فى النار فهم فى غمرات الموت يُقاربون الموت ثم يُحييهم الله من جديد.

والملائكة سوف يبسطوا إيديهم إليهم بالضرب والعذاب

ويهزأون بهم قائلين: أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الذى كنتم تُنكرونه

فاليوم: هو يوم العذاب (بعد الحساب) ستعذبون عذابا مُهينا جزاءا وفاقا لكفركم واستكباركم.

 

وأتفق تماما مع رأى الأستاذ/ إيهاب حسن عبده بارك الله فيه.

عزالدين محمد نجيب

26/9/2009

 

 

اجمالي القراءات 51597