أعز أصدقائى من الأقباط... ولماذا يفزع المسلمون؟

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٩ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 
أثارت مقالاتى عن المسألة القبطية ردود فعل واسعة، مُعظمها غاضب... إما لأنى أسأت فهم مواقفهم، أو لدفاعى عن الحق فى اختيار الدين، بما فى ذلك التحول من الإسلام إلى ديانات أخرى، مثلما فعلت المحامية نجلاء (كاترين) الإمام. لذلك أخصص هذه المساحة لأهم هذه الردود.
* بنت شبرا
تقول د. سامية هاريس إنها بعد قراءة مقالنا بتاريخ ٥/٩/٢٠٠٩، اضطرت للرد بما يلى: "رغم أننى تربوية متواضعة، فإننى أحاول كل جهدى لخدمة و&Oslaelig;طنى الحبيب مصر... وفى ردى هذا هناك كثيرون لهم نفس الموقف، ويُساعدنا على إبدائه. ما نتمتع به من حُرية التعبير فى وطننا الثانى بالتبنى، وهو الولايات المتحدة. وعكس ما فعلت أنت، فإننى سألتزم بالحقائق، فغير ذلك من التكتيكات لا يليق بنا جميعاً.
بداية، إن مُعارضتى لأى حصة محددة فى أى تصور مُستقبلى لحكم مصر، ليس معناه التعصب أو التمييز. وأنا مُندهشة أن أكاديمياً مثلك يمكن أن يُخلص إلى هذه النتيجة. واتهامك لى فى هذا الشأن، له علاقة بأجندتك، ولا يمت بصلة لوجهة نظرى...
فأنت يا سيدى لا تعرف شيئاً عن الشخصية التى هاجمتها. ولكن ربما كانت سنوات عملك فى السياسة بمصر هى التى أقنعتك بجواز اختلاق حكايات أو لى الحقائق، لخدمة أغراضك...
 من ذلك خطأ القياس بين مُعارضتى لحصة ٢٠% من مقاعد البرلمان للأقباط، والتمييز الإيجابى للأقليات فى الولايات المتحدة... هذا فضلاً عن أننى لم أستفد شخصياً ـ كامرأة وكأقلية ـ من ذلك التمييز الإيجابى. ثم إن سياسة التمييز الإيجابى فى الولايات المتحدة لا تنطبق على انتخاب أعضاء المجلس التمثيلية.
* إن مُعارضتى لحصة للأقباط فى البرلمان لا ينطوى على تمييز ضد الأقباط. واتهامى بذلك، هو ببساطة، أمر مُهترئ. فمعارضتى هى لأننى أنشد مصر ديمقراطية، يتمتع فيها الجميع بحقوق متساوية... وأطالبك الالتزام بالحقائق...".
طبعاً لا يذكر من قرأوا المقال المُشار إليه أننى ذكرت د. سامية هاريس بالاسم. ولمن لا يعرفون فهى تربوية مرموقة فى ولاية فرجينيا.
أما مقالنا عن فزع المسلمين إذا غيّر أحدهم دينه، فهاكم عينة مُمثلة من مائة تعليق:
* تعليق سكراوى Sakrawy
"طبعاً كان لازم حضرتك تفكرنا بأنك دخلت السجن من باب إظهار الشجاعة والوطنية والتضحية من أجل حقوق الإنسان. وكأن حقوق الإنسان هى لنجلاء وأمثالها فقط. وكنت أرجو أن تذكر يا راعى حقوق الإنسان ماذا فعلت من أجل وفاء قسطنطين،
وماذا كتبت عن مُظاهرات النصارى وسب الحكومة لأجل هذه القضية؟ وأطمع أن تكتب المقال القادم بعنوان "أين ذهبت وفاء قسطنطين؟" هذا إذا كان لديك مصداقية أصلاً. أم أن أوامر وفلوس أمريكا تمنعك من هذا؟ ابحث عن وفاء وأمثالها عشرات اختفوا لإسلامهم؟ ثم اكتب لماذا يفزع النصارى لمن يدخل فى الإسلام؟ ولا أظنك فاعلاً".
* محمد السكندرى المصرى
يا دكتور هناك فرق كبير بين من تتحول إلى دين آخر بلا ضجة إعلامية، وبين من تتحول لدين آخر، وتُسفّه الدين الذى كانت تدين به ويُدين به الأغلبية وتكون حرباً عليه. لماذا لم تعلق على تحوّل سيدة مسيحية إلى الإسلام، والضجة التى صاحبتها وتقارن الموقف بين الحالتين؟ لماذا لم تشر لتدخل رجال دين فى سياسة لا يحق لهم التطرق إليها؟ أم أنك لا تريد إغضابهم؟
* مُشاغب قديم
بسم الله الرحمن الرحيم "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (المائدة ٤٨). إ
ن تعدد الأديان شىء طبيعى لأن الوحدانية لله وحده. وليس من حق أى شخص تكفير الآخر، طالما لا يعلم ما بداخل نفسه، وطالما لا يضمن له الجنة كما لا يضمنها لنفسه.
أما "المشاغب القديم" و"محمد السكندرى المصرى" فإننى أوافق معهما تماماً على أن حق الاختيار شىء، وازدراء أى دين شىء آخر. فإذا كانت نجلاء الإمام قد ازدرت الإسلام بأقوالها، فإنها تستحق التوبيخ والإدانة. وأعدهما بضربها ضرباً مُبرحاً فى أول فرصة تقع يدى عليها بإذن الله.
وهكذا أثبت مُعظم المُعلقين أنهم فعلاً «مفزوعين»، أو غاضبون إذا غيّر أحدهم دينه. ولا تفسير لديّ إلا أن ذلك يرجع لعدم الشعور بالثقة فى النفس أو فى درجة تدين المسلمين. وأنصح هؤلاء بإعادة قراءة مقالنا فى الأسبوع الماضى فحينما كان المسلمون أعزاء أقوياء، كانوا مُتسامحين ورُحماء.
أما حكاية الشاب السكندرى، الذى أطلّ عليّ فى زنزانتى بسجن طره ذات يوم من أيام ٢٠٠٢، فقد كانت مُشكلته أنه تحوّل من الإسلام إلى المسيحية. فتبرأت منه أسرته ومُعظم أصدقائه وزملاؤه المسلمون. وهم الذين أبلغوا الأجهزة الأمنية بالأمر. فتم القبض عليه وحبسه وتعذيبه، عله يعدل عما فعله. فلما رفض، تم ترحيله إلى سجن مزرعة طره.
وحينما عُرفت قصة تحوله من الإسلام إلى المسيحية، اضطهده بقية نزلاء عنبر رقم (٢). ولم يكن هناك الكثير الذى يمكن عمله لهذا الشاب هشام، غير عبارات المواساة والدعاء له بالصبر على محنته.
وظل ألم هشام يؤرقنى إنسانياً. ولاحظ فريق من الإسلاميين، الذين كنت قد ساعدتهم بقرض متواضع على عمل مشروع صغير فى السجن، يكسبون منه ما يُساعدون عوائلهم خارج السجن ــ لاحظوا انشغالى بموضوع هشام الذى كان مُعيداً بكلية علوم الإسكندرية قبل دخول السجن.
فلما علم هؤلاء الإسلاميون أنه "إسكندرانى"، وكانوا أنفسهم من الإسكندرية، فإنهم هبوا فوراً للدفاع عنه، بل وأشركوه معهم فى نفس المشروع الصغير (كافيتريا مأكولات بحرية).
إن الطريف فى هذه الحكاية، أن أولئك الإسلاميين كانوا متهمين بالسطو المُسلح على محلات الصاغة الأقباط فى الإسكندرية. وكان محكوماً عليهم بالسجن خمسة عشر عاماً، وكانوا قد قضوا عشر سنوات منها بالفعل، وغيرتهم تلك السنوات كثيراً، طبقاً لأقوالهم.
ولذلك كان ضمن ما قالوه دفاعاً عن هشام، هو أنه حر فى اختيار مُعتقداته، وأنهم الآن نادمون على سطوهم المُسلح على محلات الأقباط، وأن ما يفعلونه دفاعاً عن هشام فى عنبر رقم (٢)، هو تكفير جزئى عما ارتكبوه فى حق أقباط آخرين. وحينما حكمت محكمة النقض ببراءتى من كل ما وجهته لى الدولة من اتهامات، احتفل كثير من النزلاء بهذه البراءة معى.
ويُطلق على هذا الاحتفال فى السجن اسم "الزفّة"، وكان المُفرج عنه سيلقى زوجته بعد طول فراق، أى أنه سيكون بمثابة "عريس" من جديد... وفى أثناء الزفّة، التى تتسامح معها إدارة السجن، يطلب كثير من النزلاء من العريس ما يتمنونه. وسألت هشام عما يمكن أن أفعله له خارج السجن، فقال أتمنى أن تطلب من البابا شنودة، أن يُرسل لى مُحامياً، حتى يطلب الإفراج عنى أو إحالتى للمُحاكمة.
وفعلاً، ذهبت إلى البابا فى اليوم الثالث بعد الإفراج عنى. واستقبلنى الرجل بترحاب ومودة. ولكن حينما نقلت إليه طلب هشام، بادرنى بالآتى "يا دكتور سعد أنت غال علينا جداً، ولكن لن نستطيع تلبية ما تطلبه لهشام... إن مصر فيها ما يكفى من أقباط ومسلمين...
ولا نريد مسلماً يتحول إلى المسيحية ولا مسيحيا يتحول إلى الإسلام... كان يسوع فى عون هشام"! وخرجت من عند البابا مُنكسر الخاطر... واستغربت أن يكون إسلاميون مُتطرفون سابقون أرحم على هشام، القبطى اللاحق، من بابا الأقباط! ولكن لله فى خلقه حكما.. وعيد سعيد على الجميع.
اجمالي القراءات 11469